شاي دوتان: الشّعرُ يؤثّر على العالَم


شاي دوتان

الشّعرُ يؤثّر على العالَم

أَنْبَتَتْ زَوْجَتِي مِنْقارًا.
أَعْتَقِدُ أَنَّ هذا بِسَبَبِ الشِّعْر.
لأَنَّنِي بالَغْتُ بَعْضَ الشَّيء
بِتَشْبِيهِ العُصْفُور. هاكِ،
قُلْتُ لَها، الشِّعْرُ يُؤثِّرُ على العالَم.
كَمْ شَعَرَتْ بِالإهانة! لَمْ تَقُلْ ذلك
بالكلمات، لكنّ الحركة العصبيّة في العُنُق
والتّأهُّب الرّفّاصيّ في الرِّجلَيْن
فضحا كلّ شيء. لَمْ يَنْفَعْ
أنّي كَدَدْتُ على تقطيع السَّلَطة، قَلْيِ العجّة.
في اللّحظة الّتي فَتَحْتُ بها النّافذة
بَسَطَتْ زَوْجَتي ذراعَيْن.


ترجمة: سلمان مصالحة

***
القصيدة نشرت في مجلّة هليكون - "فنطازيا"، عدد 80 شتاء 2008

لغة أم


سلمان مصالحة


لغة أمّ



لُغَتِـي الَّتِـي خَبَّأْتُهَا
فِـي هَوْدَجٍ يَطْفُو عَلَى
عَرَقِ الرِّحَالْ،

لُغَتِـي الَّتِـي وَهَبَتْ
شَظَايَا اللَّيْلِ لِلطَّيْرِ الَّذِي
اتَّـكَـرَ الهِلالْ،

لُغَتِـي الَّتِـي دَوَّنْتُهَا
مِنْ غَيْرِ حِبْرٍ
فِـي الرِّمَالْ،

لُغَتِـي الَّتِـي ارْتَدَّتْ إلَيَّ
كَـوَقْعِ خَطْوٍ
فَوْقَ آلْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي،
فِـي حِلْمِهَا، وَسَعَتْ
خَطَايَا عَاشِقِ.

لُغَتِي الَّتِـي ذَرَفَتْ
كَلامًا دَارِسًا
مِنْ خَافِقِي،

لُغَتِـي الَّتِـي نَثَرَتْ
نُجُومًا مِثْلَ دَمْعِ
الشَّارِقِ،

لُغَتِـي الَّتِـي
حَمَلَتْ مَكَانِي
وَاسْتَقَلَّتْ عَاتِقِي،

***

لُغَتِـي الَّتِـي رَحَلَتْ
مُحَمَّلَةً سَلامًا
مُؤْتَمَنْ،

لُغَتِـي الَّتِـي خَفَقَتْ
جَناحًا
فِـي البَدَنْ،

لُغَتِـي الَّتِـي اخْتَبَأَتْ
كَـرُوحٍ
فِـي الوَسَنْ،

لُغَتِـي الَّتِـي خَطَّتْ
عَلَى كَـفِّي
زَمَنْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي اتَّقَدَتْ
جِفَانًا فَوْقَ نَارِي،
إذْ نَبَحْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
تَحْكِـي حَدِيثَ الرُّوحِ،
إنْ قَلْبِـي سَمَحْ،

لُغَتِـي الّتِـي تَنْسَابُ
مِثْلَ الدَّمْعِ،
لَكِنْ مِنْ فَرَحْ.

لُغَتِـي الَّتِـي
لَوْ تَسْأَلُونِـي عَنْ هَوَاهَا
لَمْ أَبـُحْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي
نَسَمَتْ
عَلَى طَرَفِ الرِّيَاحْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
اقْتَسَمَتْ رَغِيفِـي
وَالنُّوَاحْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
رَسَمَتْ
شِفَاهًا لِلصَّبَاحْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
وَسَمَتْ غَزَالِـي
حِينَ لاحْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي صَهَلَتْ
خُيُولاً
فِـي الغَمَامْ،

لُغَتِـي الَّتِـي عَصِيَتْ
عَلَى الأَفْهَامِ،
إذْ نَاحَ الحَمَامْ،

لُغَتِـي الَّتِـي لَـحِقَتْ
فُؤَادِي
حَيْثُ هَامْ،

لُغَتِـي الَّتِـي تَحْمِي
جُرُوحِي
فِـي المَنَامْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي حَسِبَتْ
كَلامَ الشِّعْرِ
مَيْنْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
صَفَنَتْ
مُكَـتَّفَةَ اليَدَيْنْ،

لُغَتِـي الَّتِـي كَـبُرَتْ
فَعَقَّتْ
وَالِدَيْنْ،

لُغَتِـي الَّتِـي نَبَعَتْ
كَـبَحْرٍ أَخْضَرٍ
فِـي خَصْرِ عَيْنْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي
رَخُصَتْ
بِرَحْمِ العَاصِفَهْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
قَلَصَتْ
فَعَادَتْ وَارِفَهْ،

لُغَتِـي الَّتِـي
رَقَصَتْ
كَـرُوحِي النَّازِفَهْ،

***

لُغَتِـي الَّتِـي ارْتَحَلَتْ
وَآبَتْ
فِـي كَـفَنْ،

لُغَتِـي - وَطَنْ.

*

القدس، آذار 2002

***

من مجموعة "لغة أم"، منشورات زمان، القدس 2006

أمير أور: 5 قصائد

أمير أور

قصائد


ترجمها من العبرية: سلمان مصالحة



في الليل


في اللّيْلِ
أرْعَى سربَ ذئاب
على هَضْبَةٍ مِنْ تلالِ رِمالِ.
فؤادُنا شَمْسٌ
حمراءُ لَوْنٍ قديمة،
خَبا النّورُ فيها
لتوجعَ
تلكَ السّماءَ القَتِيمَةْ.

ولَمْ يَكُ ذلكَ إلاّ كَما لوْ فَقَأْنا
عُيونَ الإلَهِ.

في اللّيْلِ
أنا السّربُ من ذِي الذّئابِ
وها أنا أَعْوي بِكُلِّ الحَناجِرْ،
أَلُمُّ
صُراخاً ذَبيحاً، شَظايا مَخاوِفْ.
يَسيلُ لِسانيَ
عَبْرَ أسناني
ويُبقي ذُيولاً طوالاً
على هضْبَةٍ من تلال رمالِ.

***

إپيطاف - رَقيمةٌ على قَبْر

حِدْ عن الطّريق يا عابرًا في السّبيلْ
أقعدْ في ظلال التّوت والأعناب.
بين صمتِ الصّخور، الماء والظّلّ الظّليلْ
هاهنا راقدٌ أنا، ملكٌ وشابْ.

وجهي رخامٌ بارد. يداي، رجلاي.
أكتسي بالسّراخس، بأوراق الشّجر.
ها أنا أيضًا لم أبعد في السّفر.
أنا أيضًا، لم أكن سوى حيّ.

حِدْ عن الطّريق، يا عابرًا في السّبيل
وامعكْ توتَ البرّ في محيّاي.

***

قوّاس

جِلْدي أَسْرعُ من الرّيح،
سَهْمي أَسْرعُ من رجليّ،
كلماتي، محيّاي -
أبعدُ، أبعدُ. فوق في السّماء
العقاب الهاوي مع الرّيح
لا يزال ثقيلاً جدًّا.
أبعدُ أبعدُ حياتي
لا حياتي.
بين الأعماق والأعالي
في الصّمت في اللاّ-ريح
أنا
أقفزُ
سَهْمي بينَ أسناني.

***

اللّغة تقول

اللّغة تقول: قبلَ اللّغة
تقفُ لغة. اللّغة هي خطى
متعاقبة من هناك.
اللّغة تقول: إسمع الآن.
أنت تُصغي: كان هُنا
صدى.

خُذ الصّمتَ وحاول أن تصمت.
خُذ الكلمات وحاول الحديث.
وراء اللّغة، اللّغة هي جرح
منهُ ينزف وينزفُ العالَم.
اللّغة تقول: "يِيشْ" (أيْس)، إينْ
(لَيْس). اللّغة تقول: أنا.
اللّغة تقول: هيّا نحكيك،
هيّا نتحسّسك، تعالَ قُلْ
أنّكَ قلت.

***

معجزة

قمرٌ ينضجُ في فروع الصّفصافة.
فَجْرٌ يبزغُ في عيون صيّادي السّمَك، في أذرعهم
تصطفقُ للخروج
سُنُونُوات من دم.
فَجْرٌ يبزغُ جَارحًا أفواهها.
راديو.
لو أنّهم كانوا قبضوا على سمكة واحدة
لكانت حدثت رُبّما
معجزة.

يسوعُ يخطو على الماء،
روحُ قدس على حَلَماته،
روحُ قدس
تنفخُ على ذُكُورته الشّفّافة المُعْوِلة.

للمِياه حياتُها.
راهباتٌ، حجارة مدوّرة،
تنزلُ للعُمّاد بين الحَمَامات.
عصافيرُ تُعَشّبُ عوراتِهنّ.
الصّباحُ طاهر.
بقعةٌ من نبيذ تنتشر في البحيرة،
قِطَعُ خُبزِ طافية.
الصّباحُ طاهر.

***
אמיר אור, שירים, תרגם לערבית: סלמאן מצאלחה
___________________________

القصيدة


سلمان مصالحة
*****

القصيدة

خُذُوا مِنَ البَحْر أسماكَهُ
أَعيدُوا الغيومَ إلى النّهْرِ،
ارْفَعُوا عَن لَـمَى الطّفْلِ
حِمْلَ النّساء الحَوامِلْ.
فُرُوعُ الأسَى وَارفَةْ،
والحكايا شُجُونٌ
مَرَتْهَا نُهُودُ الأرَامِلْ.
إذا ارْتَحَلَ الأنْبِياء،
فَلا تَحْزَنُوا للفَقِيدَة.
وَلا، لا تَقُولُوا
بأَنّ الرَّجَا
في
القَصيدَةْ.

***

من مجموعة: "ريش البحر"، منشورات زمان، القدس 1999

للترجمة الإنكليزية، اضغط هنا.

للترجمة الفرنسية، اضغط هنا.


الأغنية


سلمان مصالحة

الأغنية

خطبة العربيّ:

كُلَّ مرّةٍ أَقُولُ فِـيهَا، إنِّي جَائِعٌ،
يَمْنَحُنِـي جِنِرالٌ مُحَنَّكٌ، صَنَّارَةً.
وَيُرْسِلُنِـي لِكَيْ أَصِيدَ بِهَا الأَسْمَاكَ
فِـي الصَّحْراء. غَيْرَ أَنِّي أَصِيدُ
القُشُورَ فَقَط. وَلأنّي لا أَشْرَبُ
الرَّمْلَ، لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَبُولَ.
وَفَوْقَ كُلِّ ذَلِكَ، أُعَانِـي مِنْ إمْسَاك.
وَلَأنِّي جائِعٌ وَأُحِبُّ الحَيَاة،
آكُلُ أَصَابِعي مِنْ شِدَّةِ النَّدَم
عَلَى قُبُولِـي الخُروج للصَّيْدِ
فِـي الرِّمَالِ العَكِرَة.

خطبة اليهوديّ:

كُلَّ مَرَّةٍ أقُولُ فِـيها إنِّي جَائِعٌ،
يُرْسِلُنِـي سياسِيٌّ مُحَنَّك، كَيْ
أَشْرَبَ ماءَ البَحْرِ، فَأَبُولُ
سَمَكَـةً بِلا قُشُور. لا أَسْتطِيعُ
أَنْ أَضَعَهَا عَلَى مائدَتِي.
إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ شَرْعيًّا.
وَلأَنِّي جَائِعٌ وَأُحِبُّ الحَيَاة،
أُعِيدُها إلى البَحْر. فَتَمُوتُ عَطَشًا،
لأَنِّي شَرِبْتُ مَاءَهُ مِنْ قَبْل.
فَأَضْحَكُ مِنْ أَسًى. لَأنِّي،
في وضعي الرّاهن، لا أَمْلُكُ
حَتَّى أَنْ أَمُوتَ
من الضَّحِك.

خطبة الأغلبيّة الصّامتة:

الـمـَـــوْتُ للـجَـــوْعـَـى!
الـمــَــوْتُ للـجَـــوْعـَـى!

خطبة السّمكة:

سَئِمْتُ مِنَ الصَّمْتِ.
سَئِمْتُ مِنَ الصَّمْتِ.
إنْ لم تَكُفُّوا، لَنْ أَتَكَـلَّم
وَلَنْ أَبُولَ بعدَ اليَوْم.

خطبة الشّاعر:

كَـفَى!
مَتَـى تَـنْـتَـهِـي
هـذِهِ الأُغْـنِـيَـة؟

***

للترجمة الإنكليزية، اضغط هنا.


ماريانا

سلمان مصالحة

ماريانا

تـَـرْوِي بِلا مَلـَـلٍ، كَالـْمـَـــوْجِ مَـا كَـانـَـا
يَـمْضِي إلَى شَــاطـِئٍ فِـي القَلـْـبِ عَرْيَانـَا

إلاّ مِنَ الـحُـلـُـمِ الـمَكْـنُــونِ فِـي مُـقَـــــلٍ
أَلـْـغَــــتْ شـَــــوَاطِــئَـهُ فَـازْدَادَ شُـــطْـآنــَـا

مَا كَانَ مِنْ شَـغـَـفٍ فِـي الرُّوحِ، يَعْــرِفـُهُ
مَــنْ صَــوَّرَ اللّــهَ فِـي الأَحـْـلامِ إنْسَـــانـَا

رُوحــًا عَلـَـى جَـسَــدٍ ذَابـَـتْ كَـثَـافـَـتَـــهُ
فَاسْـتَوْثـَـقَـــتْ بِحِبـَــالِ الـرُّوحِ حـَـيْــرَانـَـا

تـَرْوِي عَلـَـى مَهـَـلٍ مـَا بَـانَ مِنْ ظـَمَـئِي
حَتـَّى حَسِـبْتُ حُـبَـابَ الـخَمْرِ غِـزْلانـَا

تـَرْعـَى شِفـَـاهـًا نَمـَا فِـي أَرْضِـهَا كـَــلأٌ
مِـنْ صَــوْبِ ذَاكِـــرَةٍ تـَـاهـَــتْ بِـبَلـْقـَانـَا

جَـادَتْ مـَوَاطِــرُهَا مِـنْ مـَنْـهَـــلٍ عَـطِــرٍ
فَاسْـتَنْـبَتـَتْ كَـغُــرُوبِ الشَّــمْـسِ رُمـَّانـَا

لـَوْ كُـنْتُ مِنْ حَجَـرٍ لاحْـتَـارَ بِـي حَجَـرٌ
مـِنْ ذِكـْرِ سـَــانِحـَـةٍ حـَلــَّـتْ بِـيَ الآنـَـا

لَكِـنَّ بِـي سَــفـَرًا نَحـْـوَ الـَّتِـي غـَرَسَــتْ
نَـبْضـًـا بِقـَارِعـَــةٍ فِـي نَفْـــسِ سَـــلـْمـَانـَا

لـَوْ كُـنْـتُ مِنْ شَـجَرٍ لاخْـتَـرْتُ أَوْرَفـَــهُ
حَـتـَّــى أُظِــلَّ عَلـَـى تَـرْحـَــالِ مَـارْيـَانـَـا


***

من مجموعة: "لغة أم"، منشورات زمان، القدس 2006


پيتار بوشكوفسكي: قصائد

پيتار ت. بوشكوفسكي

(قصائد)

ترجمة

سلمان مصالحة - ماريانا كافتشيتش


مع ماريانا على ضفاف بحيرة أوحريد (2005)
***


ألم (Бол)


لو كان شُعوري
كمثال ظُهوري لاعتقدَت الشمسُ
أنّها أضاعت الطّريق
يُسْتَحسَن
أن يبقى محجوبًا عن عيون النّاس
شيءٌ مّما يختلجُ فينا.

***

حجر سماوي (Небесен камен)

إندسّ الحجرُ في حَقْلي
كما لو في حضن الأم
الحجرُ المنعتقُ من سلاسل النّجوم

التّجاربُ الخطيرة
للتّرحال الطويل
صَقَلَتْه حتّى الاكتمال
قَلَّصْته إلى نواته

من شدّة الاشتعال
لا زالَ اللّونُ الأحمرُ فيه
والآن ينصتُ بهدوء
إلى دورانه في الدّاخل

لم يكن أبدًا مُهدّدًا
مثلما هو الآن في يدي
ما لم يقدر أن يفعلَ به الكونُ
في وسعي أنْ أفعلَ به

في وسعي أن أَهَشّمه بالشاكوش
أنْ أجعلَه مسحوقًا
أن أغمس فيه الخبز
دواءً للدّوخان

في وسعي أن أفعل ذلك
لكن يُستحسنُ ألاّ أفعل
للشَّبهِ الموجود الذي
يربطنا من الخارج

إنّه يتقلّصُ إلى شيء واحد
يا لها من عدالة عابرة
وحظّ مجنون
أن تكون على هذه الأرض

***

الماء والنّار (Водата и огнот)

تنطلق النّار القديرة
كي تفهم معنى الماء
لكن، ما أن تدخل في الماء كثيرًا
حتّى يزداد الأمر عليها صعوبة
يأخذها الماء بحضن من قزّ
يرفعها لأعالي السّماء

هادرًا من الغضب
يضربها بالأرض بعنف
النّار تأخذها الرّجفة
الّتي تفقدها الذّاكرة

هابطًا من الأعالي
كي يقوم بشؤونه الدّنيويّة
يروي الماء لنا
الماء الّذي يمنحنا الحياة
إمّا بهمس كلام الأمّ
حين نصيخُ السّمع إليها
أو بالغضب الطّوفاني
إن كانت آذاننا موصدة
هذا مصيرُ من يرغب في أن يعرف كنهي
من قبل أن يعرف كنه نفسه.

***

زيزفون (Липа)

الشيخ الّذي أرهق
نفسه يجلس للمرّة الأولى تحت الزيزفرنة
التي زرعها من زمان
يتمزّق صراعًا مع نفسه
إذ مضى يومه ولم
يكمل ما كان نوى
ويلوم نفسه غاضبًا
مع كلّ خطوة خاطئة
مع كلّ لحظة تمرّ سدى
مع الإرادة المهزومة من قبل الإنهاك غير المعترف به

الغروب يرفع البوق الأصفر
لينادي الأصيل
الأصوات الذهبيّة تتساقط فوق ذروة الشجرة المزدهرة
والعطر السائل يقطر فوق جسد الشيخ المنقبض
يُشعره بأنّه يغمرُ عَظْمَه
يَجْري دفئًا في صُلْبِه
دبيب يسري في جسده، يطرد عنه أعباء كوابيس

أنذا كنت ذاك الشيخ
إذ طرق سمعي هذا الصّوت الآتي من ماضٍ غابر
لزيزفونتي الّتي تشفع لي
الصوت الهاتف لي
إرحم نفسك.

***

فراشات (Пеперуги)

تتهاوى هوينى في المشهد
فراشات تنبضُ ألوانًا زاهية بالرّبيع
كما لو كانت تنهّدات مرتعشة
زهورًا حَطّتْ من علياء سماء

ببراءة تتناقلُ فوق النّبت الأخضر
الّذي التهمه في عام ماضٍ
دودٌ شره لا يرحم
كي يعطي أجنحة للجمال

والآن يعطيك الحقّ في أن
تخطو مسكونًا بالجانّ
لا يسألك أحدٌ
ماذا صارَ بحالك؟


***


مخزن (Амбар)

يجب التفكيرُ
باستخدامات جديدة للمخزن
يمكن أن تحوي حجراته
مائة صاعٍ من غلّة
لكن، منذ عقود خمسة
لم يشمم رائحة القمح
لا معنى بعدُ ولا غاية لَهْ
أضحى الأمر خطيرًا
أضحى مختنقًا بالصّمت
يمكن أن ينفجرَ
كاللغم الأرضي

يجب التّفكير
باستخدامات جديدة
للمخزن.


***

الوجه الخلفي (Опачина)

أمس مساءً
مُنشرحَ الصدر
كنتُ جمعتُ
بلّورات بيضاءَ
ساقطةً من جيب الزّمنِ

بلّورات
أحفطها
للدّهشة

في ذاك الموقع
حيث وضعت البلّورات
عثرتُ عليها فاحمةً حين صحوتُ

آهٍ
ماذا افعلُ بي
حقيقة النّهار
المبتذلة.


***

رابسوديا (Рапсодија)

ليس لئيمًا أو أحمق
ذاك الشخص من القصّة
حين يقول صبح مساء
"ليقتل الرّب العادلين"
إذ كان يعلمُ حقّ العلم، أهل القسطاس تولّوا

هذا القول، ثبت بالبرهان الآن

وأنا أسأل نفس القصّة
لماذا يمنحنا الرّبّ إذن
شمسًا أو مطرًا وهواء؟
بعد التّفكير مليًّا، تحكي فتقول
"من أجل النّبتِ، من أجل الحيوان".


***

يقين الخلود (Сигурноста на вечноста)

يتّسع الكون
كي يصبح كرةً
شكلاً كاملاً
كرةً ملساء جميلة
لكن، سدًى
كذا الطّبيعة لا تقدرُ
أن تبلغ كمالاً
لكن، من حسن الحظّ
لا تني تحاول
دون كلال
هذا الأمر صحيح حتّى أنّه
لا يمكن أن يحمل في ذاته
ما هو أقلّ من الخير
ما هو أقلّ من الجمال.


***

مزار (Светилиште)

شجرة البلّوط بيت مقدّس
أوجده ربّ الغابة
نشدّ إليه الأرحال
أعيننا ملأى بالخشوع
ذروتها تبلغُ
نبض السّماء
تصلُ الأرضَ
بإيقاعات الكون
في جسد الشّجرة
تجري موسيقى الأفلاك
لغةً خالدةً.
حينَ نراها
نراها دومًا أوّلَ مرّة
إذ نُدهشُ لا نبلغُ أقصى دهشتنا
أيّ جبّار لاذ قديمًا
في حبّة بلّوط صغرى
ما تاقَ إليها غيرُ الخنزير.


***


زهور اللّيل (Ноќно цвеќе)

متمرّد أنت
لا يقبل القسمة المجحفة
للجمال بين اللّيل والنّهار
ليس من العدل أن يستحوذ الواحد على كلّ شيء
ويبقى الآخر صفر اليدين

حراميّ أنت
تأخذ حرامًا لتعطي
وبالخرق الخضراء
تربط ضوء النّهار
كي تمنح للّيل قطرات
تشعّ بضوء الشّمس

مُرتدّ أنت
تؤمن بمثلك الصّغير
النّوايا الطّيبة
تُذيب أكبال الصّقيع الّتي
تشدّ بها الحياة نياط القلب
حتّى الإيلام والدّموع

مرآكَ
لكَ وحدك
ولأنّك والعدل سيّان
فأنت بشاشة طفل
غارق في نوم مُقمر.


***

شرشوح (Плашило)

من ذا نصبَ وما السّببُ
هذا الشّرشرحَ المنتصبَ
في عرض الحقل المتروك
رأس مصنوع من قرع، وعيون من فحم
جسد من مِزَقٍ يحمله خازوق
طرفُ رثٍّ - مكنسة
تهوي للضّرب
هذا ما صنعوا في الماضي
كي يحموا ذرة الحقل
من أغربةٍ وطيور غازية
لكن، ما الجدوى منها الآن؟
إذ لم يبقَ محصول أو طير
في ظنّي، هذا عمل قام به من
عاد من المدن الباهتة
تاقَ إلى وطنٍ مندثرٍٍ

لو كان الشّخص أتى من بلدٍ خلفَ البحر
لكان نصبَ صندوقًا آليًّا يزعقُ طول اليوم
كِشْ، كشْ، كشْ.


***


البيت العتيق (Старата куќа)

حين رجعت كان البيت
عجوزًا قد حفّ بصرها، عالقةً بفروع العلّيق
تتلوّى ألمًا، تُركت لقدرها
تنتظر مصيرًا قد يأتي سريعًا

سارعتُ إلى إجراء التّرميمات، وإكمال اللّمسات
وعلاج جروح، طرد الأنفاس الرّطبة
سندتها برفق
ومسحتُ العمش الأبيض من عينيها
فتعالت دقّات القلب، التمع الخدّان
كشعور الأمّ وقد عاد إليها
الإبنُ بعد فراق طال.

إنّي أنكبُّ عل العتبة
حملٌ قد زال من الظّهر
ولأوّل مرّة، بعد عناء
أسمع نفسي تهمس لي: مرحى

ما أضعفني
يا لتشتّت أعصابي، يا لهمود في العينين
لكنّي لم أخسر ما كان يمكن أن أخسر
إذ أنّي لم أخطئ درب البيت، طريقًا
تُفضي نحو البيت العتيق

مرحى، هذا نداء النّفس
تتلفّع بالضّوء الأبيض
إذ عادت تعشق كالطفل الولهان.


***


كوخ (Колиба)


عدتُ إلى توبليك
جبلٌ ترى السحالب فيه النّور باكرًا
حيث يكون الزّمان
رياحًا تهبّ من الآن
إلى ما مضى وانقضى
تنخر في رأسي الفكرة
لو أنّي كنت بنيت كوخًا لي
فيه فِراشٌ عبقٌ من سرخس جاف
وطحالب ناعمة كالنّفس أفرشها للرأس مخدّة
كنت وضعت فوق الباب
غصنًا من دبق
كي يدرأ عنّي صروف الدّهر
ولكنت رقدت هناك
بنعيم الإنسان الأوّل
كي أبلغ هذي النّعمة
أحتاج إلى منجل
لكن الرّيح تهاوت بي
لحياة لا تعرف معدن
وأنا الآتي من زمن قابل
أعجز عن أن أصنع شيئًا.


***


Petar T. Boškovski, Poems, Translated into Arabic by: Salman Masalha & Marijana Kavčić, Struga, August 2005




سيرجيو باديّا: ثلاث قصائد


سيرجيو باديّا ||


ثلاث قصائد


(ترجمها من الإنكليزيّة: سلمان مصالحة)



سيرجيو باديّا (Sergio Badilla) هو شاعر وكاتب ومترجم من تشيلي، ولد في ڤالپاريسو في العام 1947. شارك في مجموعات فنيّة مختلفة، وحاز جوائز أدبيّة عديدة. بعد الإنقلاب الّذي ترأسّه پينوشيه في العام 1973 تمّ اعتقال سيرجيو باديّا حيث واجه صنوفًا من التّعذيب، ثمّ نفي إلى الأرجنتين. وفي الأرجنتين قضى سنة واحدة فقط حيث حدث انقلاب آخر في الأرجنتين وسيطرت على الحكم طغمة يمينيّة بدأت تلاحق اللاّجئين السّياسيّين، فانتقل سيرجيو باديّا إلى رومانيا، ومن هناك إلى السّويد. وبعد سنوات من الحياة في المنافي عاد إلى وطنه بعد انتهاء عهد پينوشيه. له مؤلّفات شعريّة عديدة، بالإضافة إلى مسرحيّات وكتابات أخرى. ترجمت أشعاره إلى لغات عديدة. يعيش سرجيو باديّا ويعمل في سانتياغو، تشيلي.



عندما تمقتينني

تتثاقلُ جُفُوني إذ يأتي الحُزنُ
جَسَدِي مُنْهَكٌ
صورتُكِ تَبقَى هُناك، صَخريّة اللاّمُبالاة
غَضَّة المُحَيّا، وقحةَ التّقاسيم
وأنا، أتصيّدُ الوُضُوحَ الّذي لن يأتي.
لا زلتُ أجدُ فيكِ مِسْحَةً من حنان.
مُتْعَبًا أَتخيّلُكِ على أطرافي
في رَحابَة سَريري
والنّوافذ الّتي تعكسُ صفاءَ الشّمس
والأصيل الّذي يُشيّدُ ذاتَه في حُدودِكِ.
الآنَ، تلك الضّوضاءُ البعيدة لن تدعني أسمعُ صَوتَكِ بوضوح
الضّوء الّذي يتساقطُ في الأُفق، برفقٍ تحتضنيني
إنّه حُزنُنا الّذي يَنْمو في المرآة
يُحيلُنا تماثيلَ ذات مَفاصل
الوقتُ ذاتُه يختزلُنا
الشكُّ يُعَرِّينَا، يُطَهِّرُنا، يرسمُ دواخلنا
ما أنا إلاّ جوهر نَفْسي المُقنَّعَة
أنظرُ إلى فُلُول الضّياء في النّافذة،
جَدٌّ يَرفعُ رَأسَه، يَتأمّلُ جاهدًا
طَيرانَ الحَمام
في الميدان المُضاء بضوء خافت.
تنتفخُ جُفُوني، تَتَهدَّلُ مُثقَلَةً بالأحزان
لَفْتَةٌ مُطْمَئنّة بكَلامٍ لا حاجة له
صُورتُك تَبْقَى هناك، كَـ كْوَارْتز لا مُبالٍ
والظّلالُ تكادُ تمحو واجهات المدخنة
رُبّما تخلقُ واقعًا آخر
رُبّما تخترعُ حاضرًا مُنفصلاً.

***

هلوسة

طروادة تَحْترقُ وربّما لا يعنينا الأمر.
هذه الأقنعةُ تحجُبُنا عن العُيون، على شفا البَحْر.
الآنَ أتذكّر.
مدينة الأخشاب المزيّتة في الضّباب.
جَسدُكِ الشّبِقُ على صَدْري
إذْ دَهَمَت النّيرانُ المكانَ، حيثُ أحْببنا من قَبْلُ.
كانتْ صُورُ أَبْعَدَ، مَتاجرُ الفينيقيّين
الضّوءُ الخافتُ الكئيبُ يَتصادَى الآنَ خشنًا على وَجْهِك
وعلى الأرْضِ المُرتَجَلَة:
مانيلاّ شَرْقًا
مضغوطة في نكهةِ التّبْغ في غليوني.
يُخَرفشُ الحنينُ كَما العتمة العمياء
في الفَحْم المُسْتَعر.
الأرضُ الّتي تَنْطَفِئُ خَلْفَ الضّباب ليستْ أرضَنا بَعْدُ.
في النّهايات ثَمَّ المُحيطُ الهادرُ وَدِماغي.
الجُنونُ جَسَدُكِ على مقربة من جسدي، والرّغبةُ الجامحة
احترقتْ بينَ بَقايا الآثار.

***

مُبكّرًا هذا الصّباح

مع السّحَر قَبلَ أنْ أتركَ البيت
ناقلاً الكُتبَ من الرّفّ،
قبلَ النّزول إلى الپارك
سأختلسُ النّظَر إلى وَجْهِكِ الأسْمر.
على كُلّ حال، سَيَراني أحدُهُمْ أخطو صاعدًا نحو اليمين،
مُغْمَضَ العَيْنَيْن في ذا الصّباح الصَّافِن،
الغريبُ الوقحُ
الّذي يَطُوفُ وحيدًا حَوْل قُرًى غير واضحة المعالم.
في مكانٍ ما يَعْوي ذئبٌ إذْ يُخَيّمُ الهُدُوء
سَتُضْحي الشّوارعُ تَقاسيمَ شَخْصٍ يمشي نائمًا،
لا يملكُ أن يَتَخيّلَ هشاشةَ الإنسان
إزاءَ الغريم.
لا زلتَ في حال النَّيْمُومَة
رُبّما تَسْتمتعُ بشبحٍ لا تَراه، لكنّكَ تَستطيعُ الإحساسَ به.
بماذا تحلمُ كُلَّ ليلة في هذا البيت في شارع "إيلْمْ"؟
بماذا تحلمُ في ذلك المَسْكَن الّذي عَضّهُ الضّوء الخافت؟
ضَوضاءُ الشّارع تُحَرّكُ جَسدَكَ المُتَلوِّي عِشْقًا تحتَ الشّراشف،
وعيناكَ تتغامضان في أَلَقِ الشّمْس
في ساعَةِ سَحَرٍ بعدَ خُروجِ النّاسِ على عَجَل.


***


نشرت في: إيلاف


________

Sergio Badilla, 3 poems, translated into Arabic by Salman Masalha






أودن: رَقِيمةٌ عَلَى قَبْر طاغية


و. هـ. أودن


رَقِيمةٌ عَلَى قَبْر طاغية


الكَمَالُ، الكامِلُ الأَحَدُ، هُوَ كُلُّ مَا كَانَ نَشَدْ،
وَالشِّعْرُ، الّذِي ابْتَدَعَهُ، كَانَ سَهْلاً عَلَى الأَفْهامْ؛
كانَ يَعْلَمُ بِحَمَاقَاتِ البَشَرِ كَعِلْمِهِ بِكَفِّ اليَدْ،
وَقَدِ اهْتَمَّ بالجُيوشِ وَالأَسَاطيلِ أَشَدَّ الاهْتِمَامْ؛
حِينَمَا ضَحِكَ، انْفَجَرَ ضِحْكًا شُيُوخُ الوَقَارْ،
وَحِينَمَا بَكَى، مَاتَ في الشَّوارعِ الأَطْفَالُ الصِّغَارْ.

ترجمة: سلمان مصالحة
***
للترجمة العبريّة، اضغط هنا.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!