كاريكاتير بالكلام

كاريكاتير بالكلام

عنوان من صحافة العربان

الكلمات أحيانًا يمكن استخدامها بديلاً عن رسم كاريكاتيري.

***
هاكم وهاكنّ هذا المثال:
نص كلمة خادم الحرمين الشريفين
"إخواني.. أشكركم وأرجو لكم التوفيق وأشكر كل فرد من الشعب السعودي سأل عني، ولله الحمد أنا بخير وصحة ما دمتم بخير. إخواني.. جاءتني هذه الوعكة ما أدري ما هي.. ناس يقولون لها إنزلاق، وناس يقولون لها عرق النساء، والنساء ما شفنا منهن إلا كل خير. العرق هذا من أين جاءنا. هذا عرق فاسد. ولكن إن شاء الله إنكم ما تشوفون إلا كل خير ..."
عن: "الشرق الأوسط"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيانات عربيّة مشوّهة

إنّ التّعامُل مع لبنان وقضاياه هو أكثر شبهًا بالتّعامُل مع "الخرا البائت" منه مع أيّ شيء آخر.
--

سـلمان مصـالحة || 

كيانات عربيّة مشوّهة


الكلام التعميمي مشوب على العموم بميزة عدم الدقّة لأنّه يتجنّب الولوج إلى التفاصيل الصغيرة. ولكن، من جهة أخرى، فإنّ الكلام التعميمي ضروريّ في بعض الأحايين ابتغاء إبلاغ رسالة حادّة للقارئ، وعلى وجه الخصوص القارئ العربي في هذا الفضاء الواسع الضيّق في آن معًا.

من هنا، أبدأ فأقول إنّ التّعامُل مع لبنان وقضاياه هو أكثر شبهًا بالتّعامُل مع "الخرا البائت" منه مع أيّ شيء آخر. فمهما حاول المرء الاحتذار والمداراة فلا شكّ أنّه، ما أن تقع عليه فردة حذائه، حتّى تتلطّخ به وتملأ الفضاء روائحه الكريهة التي تزكم الأنوف والنفوس معًا. سيحتاج المرء إلى قوارير من العطور، الأجنبية الصنع طبعًا، للخروج من هذه الحال.

ولبنان هذا الّذي يتصدّر النشرات الإخبارية العربية هو حالة فريدة لكيان سياسي أضحى خليطًا من تشكيلة غريبة عجيبة. إنّها تشكلية تجمع بين الصومال من جهة، وبين سويسرا من جهة أخرى. أقول إنّه أشبه الصّومال لأنّه انبنى منذ تأسيسه على هذه التوازنات الطائفيّة الإثنية، ولم يقم على الأسس التي تنبني عليها الدول وتتكوّن معها الهويّة الجامعة للشعب المنضوي بنوع من التوافق على حدّ أدنى من مكوّنات المجتمع المدني تحت هذه الهويّة.

البدايات عادة ما تكون ملتفعة بالآمال المعلّقة على الوليد الجديد، وعلى وجه الخصوص عندما يدور الحديث عن كلّ هذه الكيانات، هذا النّسل المشوّه، المسمّى دولاً خارجة من الانتدابات الغربية التي مكثت فترة قصيرة بعد أن خلفت قرونًا طويلة سالفة من حكم العثمانيين على هذه المنطقة.

الحروب الأهليّة في لبنان لا علاقة لها بالاستعمار ولا بالصهيونية فقد شهد هذا البلد حروبًا أهليّة منذ القدم ودائمًا كانت هذه الحروب تأتي على خلفية التوتّرات الدينية بين هذه التشكيلة الغريبة من القبائل البشرية التي استوطنت هذه البقعة. وعلى هذا الأساس فإنّ ما يجري في لبنان الآن هو استمرار لهذه الحال المشوّهة التي لم تخرج بعد من هذا الطور القبلي، دينيًّا واجتماعيًّا.

حتّى اللّغة السياسيّة في هذا البلد هي خير شاهد على هذا الفصام البنيوي. لقد كنت أشرت في الماضي إلى أنّ لغة المصطلحات المستعملة في السياسة اللبنانية تفضح هذا التشوّه البنيوي في هذا البلد. إنّه البلد - الوليد - في العالم، وعلى صغر حجمه، الّذي أضحى بثلاثة رؤوس بالتّمام والكمال، وربّما الحبل على الجرّار. فهنالك الرئيس سليمان، وهنالك الرئيس الحريري، وهنالك الرئيس بري. كلّهم رؤساء، وكلّ رئيس منهم يغنّي على ليلاه. فكم رئيسًا يتحمّل هذا البلد، وكم ليلى؟ أوليس في ذلك ما يفسّر حالة الفصام هذه؟

وكلّ هذا لا يكفي، إذ أنّ الكلام السياسي اللبناني يتّسع أيضًا إلى السيّد، والشّيخ، والبيك، والأمير وما إلى ذلك من ألقاب هي في نهاية المطاف زيادة بلّة على هذا الطّين القبلي والدّيني الّذي لا يوجد صمغ على وجه الأرض يستطيع أن يلصق أجزاءه ما دام على هذه الحال.

والحديث عن لبنان هو، في نهاية المطاف، حديث عن هذا المشرق العربي المأزوم في هويّاته المهزوم في إثنيّاته، في بطونه وأفخاذه منذ قديم الزّمان. دائمًا كان أصحاب الشّعارات ينحون باللائمة على الآخرين، لأنّ هذه هي أسهل الطرق للتنصُّل من المسؤولية. فهل دول الاستعمار ودول "الاستكبار" هي التي تورّث الرئاسات في بلاد العربان؟ أمّ أنّ دود العربان من عودهم ومن معدنهم هم؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح علانية ودون لفّ أو دوران. لأنّ الوصول إلى إجابة وافية شافية يتأتّى فقط بعد طرح السؤال الحقيقي.

أنظروا كيف هي حال العراق. إنّه كيان مسخ آخر في هذا الشّرق، إذ ما إن اختفى الدكتاتور المستبدّ الذي حكم بالحديد والنار عن الأنظار حتّى انفرط هذا الكيان المصطنع إلى مكوّناته القبليّة الإثنيّة والدينية والطائفيّة وأضحى القتل فيه على هذه الأسس، لا غير. وهذه هي الحال في مشرق العربان ومغربهم، فلسطينهم بلبنانهم، سودانهم ببيضانهم.

الشّعارات وحدها لا تكفي. الشعارات تدغدغ العواطف فحسب. أمّا الإجابات الشافية فهي تختفي وراء ستار شفّاف. والستار الشفّاف ليس إلاّ استعارة للشّجاعة على طرح الأسئلة الحقيقية، وعدم الاختباء وراء عاطفة كذوبة شاعت على ألسنة الكثيرين باسم العروبة.

لقد كنت أشرت في الماضي إلى أنّ العرب هم أحوج النّاس إلى أتاتورك عربيّ يفصل الدّين عن الدّولة. وما لم يوجد هذا الـ"أتاتورك" العربي، فإنّ العرب سيواصلون تخبّطهم. وحتّى التخبّط العربي سيظلّ عشوائيًّا كذهنيّتهم الّتي لم تعرف النّظام في يوم من الأيّام.

والعقل ولي التوفيق!

***

الأسئلة الصّعبة

سـلمان مصـالحة

الأسـئلة الصّعبة

النّعامات تضع رؤوسها في الرّمال، وبين الفينة والأخرى ترفعها فتصاب بالدّهشة.

هذه هي حال من لا يريد أن يرى الواقع العربي، ولا يريد، أو هو لا يجرؤ على، وضع إصبعه على سوس البلا. ما هي المفاجأة في كلّ ما يجري على أرض النّاصرة من توتّر بين مسلمين ونصارى؟ ألم نشهد أحداثًا كهذه في بلدات أخر على طول البلاد وعرضها؟ الغريب أنّ الأستاذ إلياس خوري يتفاجأ، وهو يعلم يقينًا ما جرى في لبنان. والغريب أنّ الكثير من المثقّفين الفلسطينيّين هنا، والعرب من حوالينا، ظنّوا أنّ رفع الشّعارات المعسولة عن وحدة الهدف ووحدة المصير تكفي لوحدها لدرء هذه المآسي عنّا.

الغريب في الأمر هو أنّهم لم يجدوا بعد نتفة شجاعة لوضع الأوراق على الطّاولة. وربّما في الحقيقة ليس ذلك غريبًا فقد صار هذا النّهج سمةً مميّزة للمثقّف العربي في جميع أماكن تواجده من المحيط إلى الخليج. السّؤال الّذي يجب أن يُطرَح هو ما معنى مصطلح الشّعب الواحد في مفهومنا نحنُ العرب؟ وهل نتصرّف نحن جميعًا كما لو كنّا شعبًا واحدًا أم لا؟

سأروي على مسامعكم هذه الحكاية. في أحد اللّقاءات الدّوريّة الّتي كانت تجمعني بأحد الأدباء الفلسطينيّين المعروفين، وهو من أصل نصرانيّ ولا أريد ذكر اسمه الآن فليس هذا المهمّ، كنت أكثر من مرّة أطرح عليه هذه التّساؤلات المشكّكة في كوننا شعبًا واضح المعالم والأهداف والمصائر بسبب أحداث كتلك الّتي تحدث في النّاصرة الآن. في إحدى المرّات أطرق قليلاً، ونظر إليّ نظرته إيّاها كمن يريد أن يفشي لي سرًّا يحمله من سنين. إسمع يا صديقي، قال لي وتنهّد تنهيدة طويلة، أنا أسكن في مدينة مختلطة، وفي بيت شقق مختلط ولي جار مسيحي وجار مسلم. وتعقيبًا على ما تقول، الآن أستطيع أن أرى ما ترى. فمع الجار المسيحي أنا على علاقة عاديّة كعلاقات الجيران ليست وطيدة، ولكنّه يأتي إليّ وأذهب إليه لشرب القهوة، أمّا مع الجار المسلم فلا توجد علاقة كهذه بتاتًا. قاطعته قائلاً، هذا هو سوس البلا الّذي أتحدّث عنه. ثمّ صمت طويلاً ولم يتحدّث، بعدئذ شعر بالإعياء وذهب في طريقه الطّويلة.

هذا عن الحياة، فماذا مع الموت؟

لننظر مرّة واحدة إلى أنفسنا في المرآة، ولنصارح أنفسنا ولو مرّة واحدة على الأقلّ. إذا كانت هناك بعض الشّعارات المعسولة فيما يتعلّق بالحياة، فإنّ الموت يأتي لينفض كلّ تلك الشّعارات ويلقي بها في سلال المهملات. وها أنا أسأل السؤال الّذي لا بدّ منه. هل نموت، وكثيرًا ما نموت نحنُ العرب، كشعب واحد؟ الجواب على ذلك بسيط، بالطّبع لا، فنحن نموت طوائف ومللاً ونحلاً وقبائل عاربة ومستعربة. وها أنذا أبدأ بنا الفلسطينيّين، وليسأل سائر العرب أنفسهم هذه الأسئلة. هل لدينا نحن الفلسطينيّين مقبرة مشتركة تجمع المسلم والمسيحي والدرزي وغيرهم؟ كلاّ قطعًا. وأريد أن أذهب أبعد من ذلك، ويجب أن نقول هذه الكلمة، على الأقلّ لنضع إصبعنا على موقع الوجع. في الحقيقة ليست المقابر سوى مقابر طوائف، وفوق كلّ ذلك، حتّى بين أفراد الطّوائف نفسها، فإنّ المدافن هي على أساس قبلي. فهذه مدافن آل فلان، وتلك تربة آل علاّن إلخ. مرّة أخرى، ملل ونحل وقبائل.

أوردتُ هذين المثالين كنموذجين يختزلان الحياة والموت وهما عماد الإنسان كلّ إنسان. فإذا لم نعش معًا ولم نمت معًا، فكيف نُطلق على أنفسنا اسم شعب واحد، موحّد الهدف والمصير؟ فلا الهدف واحد - في الحياة، ولا المصير واحد - في الممات.

هذه هي الحقيقة المرّة، وما دمنا لا ننظر إلى أنفسنا في المرآة فلن نصل إلى مكان.

***
نشرت المقالة في: "القدس العربي" 9 أبريل 1999
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!