طل نيتسان | تهليلة معاقة

تهليلة عابرة للحدود

الطفلة طل هي حفيدة الشاعر الفلسطيني باسم النبريص من غزّة. والقصيدة المهداة إليها هي من كلمات طل نيتسان، وهي شاعرة، مترجمة ومحرّرة أدبية من من تل-أبيب. وقد رغبت في أن توصل هذه القصيدة إلى الصديق الشاعر باسم النبريص وإلى حفيدته، وما من سبيل لذلك سوى سبيل الترجمة العابرة للحدود والحواجز والحصارات كلّها.

فها أنذا أقدّم هذه الترجمة هديّة لطل الصغيرة وطل الكبيرة معًا، وكذلك للجدّ باسم النبريص كي يقرأها على مسامع حفيدته.
***

طل نيتسان


تهليلة معاقة
إلى: طل أشرف أبو خطّاب، المولودة في غزّة في 1 أيّار 2010

الطفلة التي تَحْملُ اسْمِي بَلَغَتْ من العُمْرِ اليَوْمَ شَهرًا ويومين
ودون أنْ تَعْرفَ أنّها وُلِدَتْ فِي جَهَنّم فَهْي تَزُمّ أَنْفًا صَغيرًا
وتَقْبضُ كَفَّيْها كَما الأَطْفال في كُلّ العالَم.

أرْبَعةُ كيلوغراماتها والكَعْكَةُ التي لم يَخْبزْ لها جَدُّها
حِمْلٌ ثَقيلٌ عَلَى قَلْبي.
إنْ أُرْسلْ لها دُبًّا صَغِيرًا سَيَسْقُطْ كالحَجَر.

الزّعْنفةُ الحادّةُ تَحومُ دَوائرَهَا. ها أَنَذا أَصْعُدُ،
قَدَمي علَى ظَهْر السّفينة، ذُعْرٌ وخَجَلٌ عَلَى مُحَيّاي.
طِفْلَتي تُركَتْ في الوَرَاء.


ترجمها من العبرية: سلمان مصالحة
***
For Hebrew, press here
For English, press here
_________________________

وصمة على جبين طاغية

سلمان مصالحة

وصمة على جبين طاغية

لعلّ خير
ما أبتدئ به كلامي هذا هو اقتباس هذه الجمل من قصيدة ”رقيمة على قبر طاغية“ للشاعر و. هـ. أودن: ”حِينَمَا ضَحِكَ، انْفَجَرَ ضِحْكًا شُيُوخُ الوَقَارْ، / وَحِينَمَا بَكَى، مَاتَ في الشَّوارعِ الأَطْفَالُ الصِّغَارْ“. فالشعر الحقيقي، على العموم، يختزل الحياة البشرية بتعقيداتها.
لقد تذكّرت كلمات الشاعر هذه لدى مشاهدة خطاب الرئيس السوري بشّار الأسد أمام ما يُسمّى زورًا وبهتانًا ”مجلس الشعب“.

ربّما كان من المفيد أن ننظر أوّلاً في مسألة لغويّة لها، على ما أعتقد، دلالات كبرى فيما يتعلّق بأحوالنا. والمسألة التي أعنيها هي المصطلحات المستخدمة في السياقات السياسية العربيّة.

فلو ذهبنا إلى التعبير ”مجلس الشعب“ كما اصطلح عليه في البلدان العربية فهو في الحقيقة مصطلح لا يحمل أيّ معنى. فبالعودة إلى الأصل وإلى الحقل الدّلالي للمصطلح نرى أنّ الـ“مجلس“ في اللغة العربية هو مكان الجلوس ليس إلاّ. بخلاف ذلك، لو ذهبنا لمقارنة هذه الدّلالة بدلالة المصطلحات الأجنبية المستخدمة في هذا السياق السياسي، كمصطلح الـ“پرلمان“ على سبيل المثال، فلا شكّ أنّنا سنقف على هذا البون الشاسع بين الدّلالات. فمصطلح ”پرلمان“ من ناحية إيتمولوجية، كما يفيد قاموس أوكسفورد، بدءًا من اللاتينية ”پرلمنتوم“، ثمّ الإنكليزية والفرنسية، يفيد الملتقى، الكلام، الحديث، النقاش، الجدل والسّجال. من هنا، يُلاحظ هذا الفرق بين هذه الدلالات ودلالة المصطلح العربي - ”مجلس“ -، الذي لا يحتوي على أيّ دلالة سوى الجلوس. كذا هي حال ”مجالس الشعوب“ عند العرب، كذا كانت منذ القدم ولم يطرأ عليها تغيير يُذكر.

لقد اعتلى الرئيس بشّار الأسد
منصّة ”مجلس الشّعب“ مزهوًّا باستقبال الجالسين في المجلس، تصفيقًا له وردحًا شعريًّا عربيًّا بليدًا. ليس مزهوًّا فحسب، بل يضحك أيضًا. فعلى ماذا يضحك؟ على أخبار عشرات القتلى ومئات الجرحى؟ وعلى ماذا يضحك معه ”شيوخ الوقار“؟ أعلى كلّ هذا الدّمار، أم على دماء الأطفال الصغار؟

إنّ ما يُسمّى ”مجالس شعب“ من هذا النّوع هو وصمة عار على جبين من ينتمي إلى هذه الأمّة. إنّ هذا النّوع من الجالسين في هذه المجالس هم صنف من البشر يصفّقون اليوم لهذا الدكتاتور، وهم أنفسهم سيصفّقون بلا شكّ عندما تدول دولته إلى من يأتي بعده. إنّهم دائمًا على أهبة التّصفيق للدكتاتور، أيًّا كان هذا الدكتاتور. فكيف يمكن للفرد أن يثق بهم؟

إنّ أشدّ ما يحزّ في نفس المرء
هو هذا السؤال الّذي لا يني يلحّ علينا صباح مساء وليل نهار: ما هي هذه الحضارة العربية التي تخلق هذا النّوع من البشر المطبّلين المزمّرين لكلّ طاغية؟ فمن أيّ طينة جُبل كلّ هؤلاء وما هي الأصول الحضارية التي يترعرعون عليها حتّى أضحوا مهزلة أمام العالم أجمع. غير أنّها مهزلة لم تعد تضحك أحدًا.

يشيع أتباع الدكتاتور الأقاويل عن عصابات سلفيّة وراء كلّ هذه الانتفاضة الشعبيّة للبشر الذين ينادون بالحريّة. لم تعد هذه الأكاذيب تنطلي على أحد في هذا العصر المعلوماتي. إذ أنّ هذه العصابات، كما ظهر في الأشرطة التي تصل إلى أرجاء العالم عبر الإنترنت، هي عصابات "شبيحة" البعث الفاشي وبلطجية النظام القبليّ نفسه.

فهل كلّ المثقّفين السوريّين الذين زجّ بهم هذا النّظام الفاشي في غياهب سجونه هم من السّلفيين؟ وهل المدوّنون الشبّان هم من السّلفيين؟ فعلى من يضحك زبانية هذا النّظام الذي أحدث بدعة سياسية عربية بالتوريث الجمهوري وسجّلها ماركة على اسمه في العلوم السياسية؟ وهل هنالك من يمتلك ذرّة من بصر أو بصيرة يشتري كلّ هذا الكلام من أزلام النّظام؟

يجب التأكيد مجدّدًا على
أنّه لا يمكن أن تقوم قائمة لدولة عربية، مثل سورية - وهي المتعدّدة الطّوائف والإثنيات -إلاّ على أرضيّة هي ضدّ السلفيّة بكلّ ما تمثّله هذه السّلفيّة من عنصريّة دينية وفرقة مجتمعية. وفي الوقت ذاته لا يمكن أيضًا أن تقوم لها قائمة إلاّ ضدّ الطائفيّة والقبليّة أيًّا ما كان مصدر هذه الطائفيّة والقبليّة، وهي الطائفيّة والقبليّة التي يفهم النّظام معناها ومغزاها، فهو من وضع الأسس لها.

فقط الدولة المدنية التي تفصل الدّين عن الدولة، وتحظر الأحزاب الدينية، وتتداول السلطة بالاقتراع الحرّ هي التي تتطوّر في هذا العالم المعاصر. وما دون ذلك، فبئس المصير. كلّ هذه الأسئلة لا مناص من طرحها على الملأ العربي الأعظم. ولزام على كلّ فرد عربيّ لا زال يمتلك ذرّة من كرامة أن يتفكّر فيها مليًّا.

هذه هي الطّريق لاعتلاء قطار الحضارة الإنسانية المتسارع قدمًا. وما لم يمض العرب في هذه الطّريق، فلن تقوم لهم قائمة، وسيظلّون يهيمون على وجوههم في صحاريهم الاجتماعية، الفكرية، السياسية وسائر مناحي حياتهم على هذه الأرض، وإلى أبد الآبدين.

والعقل ولي التوفيق.
***
نشر في: "إيلاف"- 1 أپريل 2011
*
English article on the same topic, press here
*
____________________

ثورة الحريّة السوريّة

كَلامًا مِنْ لَمَى أَلَمٍ يُسَلُّ - وَبَوْحًا مِنْ فُؤادِي أَسْتَهِلُّ
فَفِي الشَّامِ الّتِي نَكَأَتْ جِراحِي - شَبَابٌ فِي حِمَى الطُّغْيانِ حَلُّوا

---

سلمان مصالحة || 

ثورة الحريّة السوريّة

الأخبار الواردة من الشام
لا تبشّر بالخير. ماذا يمكن للمرء أن ينتظر من نظام قبليّ طائفي مُدمنٍ على القمع والكبت وفوق كلّ ذلك مولع على ما يبدو بسفك دماء شعبه؟ لقد أضحت هذه الجرائم سمة لهذا النّظام مثلما كانت دائمًا سمة لهذا البعث القبليّ الـ“عربي“ الفاشي منذ نشوئه في هذا المشرق. لقد صكّ هذا البعث شعار الـ“عروبة“ رافعًا ايّاها أكذوبة يخفي وراءها طبيعته القبليّة الطائفيّة. كذا كانت الحال في العراق زمن بعث ذلك السفّاح الّذي أفل وحزبه إلى غير رجعة. وكذا هي الحال، كانت في الماضي ولا تزال، بدءًا بالأسد الأب، ثمّ توريثًا لهذا القمع والفساد للأسد الابن، الذي سيأفل كسائر الآفلين عاجلاً أم آجلاً، فقد جلّ من لا يأفل. لكن، وعلى ما يبدو أيضًا فإنّ أفول هذا النّظام، كعادة هذا النّوع من الأنظمة، سيكون ملطّخًا بالدّماء، دماء السّوريّين، على اختلاف انتماءاتهم الطائفيّة.

إنّ الأنظمة القبليّة العربيّة، وبكلّ تنويعاتها المختلفة، هي في نهاية المطاف أنظمة استعماريّة لا تختلف بشيء عن الاستعمار الغريب سوى بكونها تتّسم بالعروبة الأكذوبة، حيث تقوم قبيلة معيّنة بفرض سلطتها على سائر مكوّنات الطّيف القبلي في هذه الدّول التي أنشأها ورسم حدودها الاستعمار الغربيّ أصلاً. إنّ أبرز مظهر لهذا الاستعمار القبليّ هو ما شهدته سورية من توريث للرئاسة مبتدعة بذلك ماركة عربيّة مسجّلة في سجّل العلوم السياسيّة. غير أنّنا لو قارنّا بين الاستعمار الغربيّ وبين هذا الاستعمار العربيّ الدّاخليّ لرأينا بلا أدنى شكّ أنّ الاستعمار الغربيّ كان أكثر رحمة من استعمار ذوي القربى هؤلاء. وما دامت الحال على هذا المنوال فما الحاجة إلى كلّ هذا الاستقلال وإلى كلّ هذه الشّعارات الرنّانة التي لازمتها طوال عقود من الكذب والبهتان وفي جميع الأحوال.

طالما أشبعنا هذا البعث الفاشي بشعارات الأمّة الواحدة والرسالة الخالدة. فلم تكن أمّته واحدة في يوم من الأيّام، بل دائمًا كانت مشتّتة بائدة، ولا كانت رسالته خالدة، بل كانت ولا تزال مُفتّتة دائدة. فما الذي ينتظره المرء من نظام تشمل قوانينه، على سبيل المثال، بنودًا مثل ”إضعاف الشّعور القومي“ أو ”وهن نفسيّة الأمّة“، وما شابه ذلك من هذه السخافات التي يُحاكَم عليها المواطنون؟ وما الذي ينتظره المرء من نظام يقتاد إلى السجن مدوّنة شابّة، هي طلّ الملوحي، بتهمة التخابر مع دولة أجنبيّة؟ وما الذي ينتظره المرء من نظام طالما أشبعنا بشعارات المقاومة والصمود والتّصدّي والممانعة، وهو الذي لم يصمد ولم يتصدّ ولم يمانع ولم يطلق رصاصة واحدة لتحرير جولانه أو اسكندرونه منذ عقود وعقود طويلة؟

هذه هي حقيقة
وطبيعة هذا النّظام الذي يُقاوم ويُمانع ويصمد ويتصدّى خلف ظهور اللبنانيين والفلسطينيين، وخلف أيّ ظهر آخر. إنّه كان دومًا على استعداد أن يُمانع وأن يقاوم حتّى آخر لبناني وحتى آخر فلسطيني. هذا هو طبع هذا النظام، وهذه هي حقيقة هذا النّظام الذي سيبقى ممانعًا فقط بالشعارات بغية البقاء في سدّة حكمه وفساده وإرهابه. ومن أجل التغرير بعقول الأغبياء من مراهقي العروبة يرسل وكلاء مخابراته وعملاءه وسائر زبانيته للتنظير والتحليل في صحف وفضائيّات صحارى وجزائر العربان.

إنّ نظام البعث هذا، كسابقه الآفل في بلاد الرافدين، هو نظام استعماري طائفي وقبلي، وقد آن أوان اندثاره ورميه في مزبلة التاريخ. لقد آن الأوان أن يتحرّر العرب في هذه البقعة من الأرض من كلّ هذه الاستعمارات القبلية، الملكية والجمهورية الوراثية والسلطنات والإمارات الأمّارة بالسّوء، وكلّ تلك الأنظمة التي نخرت عظامهم فأحالتهم رميمًا على قارعة الشعوب.

ما من سبيل لبلوغ
هذه الغاية سوى سبيل المدنية الحديثة. إنّها مدنية دولة المواطنين الأحرار في بلادهم الماسكين بزمام أمورهم ومصائرهم. ما من سبيل سوى سبيل فصل الدين عن الدولة ووضع الدساتير العصرية التي تكفل للأفراد والجماعات الحقوق والحريات في كلّ مجالات الحياة، السياسية والثقافية والاجتماعية. وفوق كلّ ذلك، يجب أن يرفع الجميع في هذا المشرق العربيّ شعارات: لا توريث للسلطة بعد اليوم، لا اضطهاد للعباد بعد اليوم، لا كبت للحريات بعد اليوم، لا استعمار قبليًّا طائفيًّا بأيّ شكل من الأشكال بعد اليوم.

ولعلّ خير الختام هذا الكلام:

حلم الحرية

كَلامًا مِنْ لَمَى أَلَمٍ يُسَلُّ - وَبَوْحًا مِنْ فُؤادِي أَسْتَهِلُّ
فَفِي الشَّامِ الّتِي نَكَأَتْ جِراحِي - شَبَابٌ فِي حِمَى الطُّغْيانِ حَلُّوا
لَهُمْ أَمَلٌ وَلكِنْ كَيْفَ يُرْجَى - وَفَوْقَ الصَّدْرِ أَثْقَالٌ تُشِلُّ
شَبَابٌ مِنْ لَظَى النّيرانِ قَامُوا - وَقَالُوا اليَوْمَ للطّاغِينَ: حِلُّوا
عَنِ الأَرْضِ الّتِي شَبِعَتْ عَذَابًا - عَنِ الشَّعْبِ الَّذِي أَضْناهُ غُلُّ
أَلا يَا شَامُ، يَا حورانُ صَبْرًا - بُغَاةُ الأَرْضِ للأَحْرارِ نَعْلُ
إذَا نَادَى المُنادِي فِي شَآمٍ - وَأَسْرَجَ حُلْمَهُ فَالكُلُّ خَيْلُ
لَكُمْ حُلُمٌ وَبَعْضُ الحُلْمِ يَأْتِي - بِأَسْحارٍ لَهَا الدّمْعَاتُ طَلُّ
فَلا يُعْلَى عَلَيْهِ وَإنْ تَمَادَتْ - بُغَاةُ الأَرْضِ، إنَّ الحُلْمَ يَعْلُو

والعقل وليّ التوفيق!
***
نشر في: "إيلاف"، 26 مارس 2011

في مديح الاستعمار


سـلمان مصـالحة || 

في مديح الاستعمار


هل نستطيع أن نصارح أنفسنا ولو لمرّة واحدة؟

هذا السؤال، على بساطته، ليس سهلاً البتّة. إنّ طريق الوصول إلى الإجابات الشّافية تبدأ فقط من النّقطة الّتي نطرح فيها على أنفسنا السّؤال الصّحيح. إذن، الخطوة الأولى للخروج من دوّاماتنا يجب أن تأتي عبر تعلّمنا أن نسأل الأسئلة الصحيحة، لأنّها وحدها الّتي تفتح أمامنا شعاب الجواب.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!