وجه الشبه بين بشّار وسيف الإسلام

سلمان مصالحة

وجه الشبه بين بشّار وسيف الإسلام

”سورية تختلف عن مصر،
وعن تونس“، هذا ما صرّح به بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة التليغراف، ولم يكتف بذلك، بل أضاف: ”التاريخ مختلف، والسياسة مختلفة“. هذا الكلام ليس جديدًا. لقد كرّر الأسد الآن ما كان صرّح به قبل شهور في مقابلة سابقة مع ”وول ستريت جورنال“، وقد تطرّقت لذلك آنئذ في مقالة لي بصحيفة ”هآرتس“ العبرية.

ما من شكّ في أنّ الرئيس بشّار الأسد كان قد ترعرع، كما ترعرع غيره في هذه البقعة من الأرض، على كلّ تلك الشعارات العاطفية القائلة: ”أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة“، والتي أثبتت الأيّام زيفها وزيف رافعيها.

لقد ذكرت في حينه أنّ الأسد على حقّ. نعم، فسورية تختلف عن تونس وتختلف عن مصر. ففي تونس رحل زين العابدين ولم يأمر الجيش التونسي بقمع التونسيين المنتفضين. وفي مصر استقال، أو استُقيل، مبارك ولم يُؤمَر الجيش بأيّ حال بإطلاق النّار على المنتفضين المصريين.

نعم، سورية تختلف عن تونس وعن مصر. بل وبشّار الأسد يختلف عن زين العابدين بن علي وعن حسني مبارك. فبمجرّد إجراء مقارنة أو موازنة بسيطة ممّا جرى في الآونة الأخيرة بينه وبينهما، سيتّضح لكلّ ذي بصر وبصيرة أنّ الكفّة ستميل لصالحهما، بينما هو أكثر شبهًا بسيف الإسلام القذّافي. الفرق الوحيد بينه وبين سيف الإسلام هو أنّ هذا الأخير كان على وشك أن يرث رئاسة والده العقيد، بينما بشّار الأسد قد ورث فعلاً رئاسة أبيه الذي استبدّ بسورية عقودًا طويلة مستخدمًا النّار والحديد. ولقد مضى على الوراثة أكثر من عقد من الزّمان حتى الآن.

والآن، يبدو أن هنالك حاجة
إلى دراسات معمّقة، وفي مجالات معرفية مختلفة، لفهم حقيقتنا نحن العرب. فها أنذا أجد نفسي مضطرًّا إلى اقتباس بيت من شعر المتنبّي وإلباس حالنا العربيّة به في هذا الأوان، إذ يمكننا القول:
لكلّ داء دواءٌ يُستطبّ به - إلاّ ”العروبة“ أعيتْ من يداويها.

ولماذا أسوق هذا الكلام الذي لا يبدو أنّه سهل على الأسماع؟

والإجابة على هذا التساؤل
ليست سهلة هي الأخرى، إذ يبدو أنّ أمراض ”العروبة“ فعلاً قد أعيت من يداويها. فطالما سمعنا عن الأجيال العربية الجديدة تلك التي وصلت إلى مواقع ووظائف سلطانية مرموقة أو غيرها، وعن الآمال المعلّقة عليها. طالما كُتب وأشيع أن هذه الأجيال التي درست في جامعات العالم المتحضّر قد تعلّمت شيئًا من هذا التحضُّر لدى تلك المجتمعات.

ولكن، وعلى ما يبدو، فإنّ ثمّة أمورًا عصيّة على الأفهام، وهي التي بحاجة إلى إجراء دراسات معمّقة حولها من أجل فهم أصولها. إذ يتبيّن بعد سنين طوال أنّ التحضُّر الذي يحاول هؤلاء الظهور بلباسه ليس سوى قشور. وهذه القشور سرعان ما تتطاير مع أوّل تجربة يخوضها هؤلاء في مجتمعاتهم. إذ يبدو أنّ هذه المجتمعات العربيّة هي أكثر شبهًا بالثقوب السّوداء الفلكيّة التي تجذب وتبتلع كلّ شيء ولا تدع أيًا منها يرسل أيّ بصيص نور، أيّ بصيص أمل.

هكذا، وبين ليلة وضحاها، أضحى الليبيّون المنتفضون ضدّ العقيد في عرف ابنه سيف الإسلام الذي درس في الغرب كما هو معلوم، جرذانًا. وهكذا أضحى السوريّون في عرف زبانية بشّار الأسد، وهو الدكتور المتخرّج من جامعات الغرب، مندسّين وما إلى ذلك من توصيفات. ولذلك فهو يرسل جيشه وعصاباته لقتلهم وسحلهم في الساحات.

هكذا، إذن. بعد أن يعود هؤلاء من الغرب حاملين شهادات عليا ،وما شابه ذلك، فإنّهم يعودون إلى أصولهم وكأنّ كلّ تلك السنوات في الغرب قد ذهبت هباء. فهل الطّبع العربي البَرِّي يغلب التطبُّع البِرِّي؟

نعم سورية تختلف
عن مصر وعن تونس. إنّها أكثر شبهًا بالعراق للتّعدّد القبلي، الطائفي والإثني فيها وما ينساق مع هذا التّعدُّد من عصبيّات إثنيّة وطائفيّة. فمثلما اختزل سفّاح العراق صدّام حسين بلاد الرافدين بشخصه وبزبانية قبيلته وطائفته والمنتفعين، كذا هي الحال مع سفّاح الشّام الذي يختزل سورية بشخصه وبزبانية قبيلته التي رفعت شعار العروبة الكاذب. وها هو أخيرًا يكشف عن زيف هذا الشّعار البعثي، فلا أمّة واحدة ولا رسالة خالدة، فسورية تختلف عن مصر وعن تونس. نعم، سورية هي عائلة واحدة ذات وسادة بائدة. هي نظام مافيوزي في نهاية المطاف وليس أيّ شيء آخر.

ولأنّ سورية تختلف
عن مصر وعن تونس، فحريّ بالمعارضة السوريّة أيضًا أن تكون على قدر المقام، كما يقال. وهذا يعني أنّ عليها أن تكون بالمرصاد لكلّ أولئك المهووسين من إسلاميين تكفيريين على اختلاف مشاربهم، كالقرضاوي ومن هم على شاكلته من أصحاب العمائم التي أضحت أكثر شبهًا بكواتم عقول على الرؤوس. هؤلاء الذين يصرخون ليل نهار في منابر التكفير المختلفة في مشارق العرب ومغاربها باثّين سموم الكراهية الطائفيّة والدينيّة في أذهان العامّة.

ولهذا اقتضى الحذر أيضًا من أمثال هؤلاء وقبل فوات الأوان. إذ أنّ هؤلاء وبسمومهم تلك يقومون يتفتيت ما تبقى من خيوط رابطة لهذه المجتمعات. وهي خيوط واهية في الأصل على كلّ حال، فبدل تقويتها يقومون بتمزيقها بسمومهم المبثوثة في النسيج المجتمعي العربي.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشرت في: إيلاف، 31 أكتوبر 2011
________________

منتهى العجب في أحوال العرب


سلمان مصالحة ||

منتهى العجب في أحوال العرب

من الأمثال الشعبيّة، نعرف مقولة ”كالغريق الذي يتشبّث بحبال الهواء“. ولعلّ في هذه المقولة ما يوجز الحال التي آلت إليها الأوضاع العربيّة في العقود الأخيرة. والحقيقة أنّ هذه الحال قد بدأت مع انحسار الاستعمار الغربي وحصول هذه المنطقة العربية على ما يسمّى ”الاستقلال الوطني“، في هذه البقعة أو تلك وانتظام هذه الدول الوليدة في مؤسّسة أنشأها لها الاستعمار، ونعني بها المؤسسة التي تدعى ”جامعة الدّول العربيّة“.

لم تكن هذه الجامعة جامعةً للعرب في يوم من الأيّام، وإنّما كانت مجرّد منتدى يلتئم فيه أصحاب ”الجلالة والفخامة والسموّ“ لالتقاط الصور وتوزيعها على الإعلام الرسمي العربي لتخدير النّاس. لم يكن في كلّ هذه المؤتمرات جلالة. لم تكن فخامة ولم يكن سموّ في يوم من الأيّام، بل كان عامّة العرب يشهدون مسرحيّات من ”المراجل اللغوية“ ومن ”المهازل الدّعويّة“.

لقد تطرّقت في الماضي إلى هذه الجامعة ووقفت على سخفها منطلقًا من النّظر إلى موقعها على الإنترنت. ولقد كشفت آنذاك عن أنّ موقع الجامعة العربية يترجم موادّ موقعه عن اللغة العبريّة بالذّات. وها أنا أعود إلى موقع هذه الجامعة بعد تسلّم نبيل العربي الأمانة الجديدة. فماذا نجد؟ لقد تبدّل الموقع شكليًّا، لونًا وهيئة، غير أنّه لا يزال ضحلاً وركيكًا كسابقه. فهل هي ضحالة وركاكة هذه الأمّة؟ قد يكون. وعلى ما يبدو فإنّّهم في هذه الجامعة لا يقرؤون، إذ أنّه وبحسب هذا الموقع لا يزال الاستيطان الإسرائيلي قائمًا في قطاع غزّة، بل ويذكرون عدد المستوطنين الإسرائيليين في قطاع غزّة. هذه هي جامعة دول العرب. إذن، والحال هذه، ليس صدفة عدم وجود أيّ جامعة عربية ضمن التدريج الدولي لأفضل 500 جامعة في العالم. لا بأس فللعرب جامعتهم التي تشهد على مستواهم، والمهمّ أن تعمل هذه الجامعة على دعوة ”أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ“ لمؤتمرات الدردشة، ولتخرج بعدئذ ببيانات الدروشة.

لقد أغرق الاستبداد ”الثوري“ العربي الأقطار العربية ”الثورانيّة“ في بحر من الجهل بواسطة إشاعة الشعارات العاطفية المستندة إلى بلاغة عربية تليدة وبليدة يترعرع عليها العرب في مدارسهم دون مساءلتها. ولهذا، فهي منطبعة في ذهنيّاتهم نقشًا في البشر كالنّقش في الحجر. فما من عجب، إذن، إذا جهل العرب ”فوق جهل الجاهلينا“.

أمّا العرب الغارقون
في بحر من الجهل والاستبداد فإنّهم يحاولون التّشبّث بحبال ولو كانت هذه مصنوعة من هواء ومن ريح. أمّا هذه الحبال فقد تأتي ”بما لا تشتهي السّفنُ“. وفي أوضاع العرب المتأزّمة، لا أسهل من أن ينحي العربي باللائمة على أيّ طرف خارج ذاته ويُعلّق على هذه الأطراف الخارجية أسباب فشله. كذا تفعل الأنظمة وكذا يفعل عامّة النّاس. طالما شجّعت الأنظمة الاستبدادية ”الثورانية“ تلك البلاغة التي أشاعت ثقافة المؤامرات الخارجية بغية دغدغة العواطف فتلقّفت هذه الشعارات شرائح واسعة من الخاصّة والعامّة. وحقيقة الحال هي أنّ هذه الأنظمة المستبدّة كانت مشغولة ببقائها على صدور النّاس ليس إلاّ. لم تبنِ هذه الأنظمة دولاً ولم تخلق شعوبًا، بل استبدّت بالبشر والشجر والحجر. ولقد تعاونت مع هذه الأنظمة المستبدّة شرائح واسعة ممّا يُطلق عليهم مصطلح ”المثقّفين“ من تيّارات قومويّة ويساريّة على اختلاف مشاربها بغية الفوز ببعض الفتات من موائد اللئام المتشبّثين بسلطات الاستبداد التي ترفع شعارات ”المقاومة“ و“الممانعة“ وما إلى ذلك من مصطلحات ورثت في هذا العصر مصطلحات ”الصمود“ و“التصدّي“ التي أكل عليها الدهر وشرب.

بين أحمدي نجاد وطيب أردوغان:
وها هو العالم العربي المترامي الأطراف، والمتراخيها أيضًا، قد وجد نفسه بعد عقود طويلة من الاستقلالات ”الوطنية“ في سفينة هشّة بعد أن نخرتها جرذان الأنظمة القبليّة تتلاطمها الأمواج العاتية من كلّ الجهات. لقد ورد في المأثور العربي قديمًا: "الشعوب جمع شعب بفتح الشين وهو أعظم من القبيلة وتحته القبيلة ثم البطن ... فمضر وربيعه وأمثالهما شعوب. وقريش قبيلة وبني عبد مناف بطن وبنو هاشم فخذ" (أنظر: ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل).

إنّه عالم عربي قبليّ على وشك الغرق يحاول التشبّث بكلّ شيء، فمرّة تجتذبه سفينة أحمد نجاد بشعارات ”الشيطان الأكبر والأصغر“، ومرّة تجتذبه سفينة أردوغان بشعارات ”فكّ الحصار عن غزّة“. وكلّ واحد منهما، وهما من غير العرب، يفعل ذلك باسم فلسطين طبعًا، لأنّ هذا الشعار طالما استُخدم كالطُّعم الذي يدغدغ العواطف بغية اصطياد القبائل العربية، وعلى وجه الخصوص مقابل سفينة الغرب وإسرائيل. لقد ذكر ابن جزي ذاته في معرض تعريف مصطلح الشعب أنّ: ”الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل".

وها هي ”الشعوب“ أي القبائل، العربية
تنتفض ضدّ هذه الأنظمة العربية. إنّها انتفاضات عربيّة شعبيّة ضدّ مخلّفات الاستبداد الناصرية والبعثية والقوموية وبقيّة أذرعها السرطانية في العالم العربي. حتّى هذه اللحظة، لا نعرف المنحى الذي ستتخذه هذه الانتفاضات. حتّى هذه اللحظة، لا يمكن أن نسمّي هذه الانتفاضات باسم ”ثورات“. لأنّ الثورة الحقيقية هي هدم ركائز الماضي الاجتماعية والسياسية والثقافية ووضع أسس جديدة ومتينة لبناء جديد. الثورة الحقيقية يجب أن تؤدّي إلى إحداث قطيعة مع الماضي، على ما يمثّله هذا الماضي من نعرات قبليّة، طائفيّة، دينية وعرقيّة. في هذا الماضي وفي هذا التراث تكمن جذور الاستبداد، وما لم يتمّ تجفيف هذه الجذور فإنّ أشجار الاستبداد هذه ستنمو من جديد بصورة أو بأخرى عاجلاً أو آجلاً. ولذا وجب الحذر.

والعقل ولي التوفيق
*

نشر في: ”إيلاف“، 8 سبتمبر 2011
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاء دورك، يا فلان!


سلمان مصالحة

جاء دورك، يا فلان!

من الواضح أنّ
صفحة العقيد البليد التي تُطوى هذه الأيّام في ليبيا، ما كانت ستنتهي بنجاح بدون دعم من القوى الغربيّة التي تغير طائراتها منذ شهور في محاولة لكسر شوكة الترسانة العسكرية التي عمل عليها هذا ”الكاتب والفيلسوف والمنظّر“، كما كان يحلو له توصيف نفسه. وهو الذي وصل إلى حكم ليبيا بانقلاب عسكري وظلّ حاكمًا طوال أربعة عقود ونيّف.

كذلك، من الواضح
أنّ كلّ ذلك ما كان ليتمّ لولا خروج أبناء الشعب الليبي كاسرين هم أيضًا جدار الخوف أسوة بجيرانهم التونسيين والمصريين. لقد أناخ هذا العقيد البليد كلكله على صدور الليبيّين عقودًا طويلة سائرًا على نهج سلف من ”عسكر العربان“ الذين اغتصبوا السلطان رافعين شعارات غايتها فقط دغدغة الوجدان ليس إلاّ.

ومن الواضح أيضًا
أنّ الانتفاضات العربيّة هذه التي تشهدها أقطار بعينها في ”العالم العربي“، إنّما هي انتفاضات ضدّ مخلّفات هؤلاء العسكر الذين اغتصبوا السلطان في الأقطار العربية التي خرجت من الاستعمار الغربي القصير الذي خلف الدولة العثمانية التي امتدّ سلطانها على العرب قرونًا من الزّمان.

ليس صدفة، إذن،
أنّ شرارة هذه الانتفاضات العربية قد قفزت على تلك الأقطار التي يحكم فيها الملوك والأمراء في عالم العرب. إنّ هذه الظاهرة جديرة بالنّظر فيها بتؤدة وبتبصّر جذورها، وذلك بغية عبورها إلى برّ عربيّ آمن لما هو آت من زمان.

في هذا السياق، يمكن
القول إنّ هذه الأنظمة التي أُطلق عليها جمهورية، وشاء العقيد البليد التفرّد باستخدام جمع الجمع - أي الجماهيرية، لم تكن في حقيقة الأمر جمهورية، بدءًا بعسكر عبد الناصر وانتهاء بانقلابات عسكر البعث في سورية والعراق وسائر عساكر البلدان العربية. الشعارات الرنّانة الطنّانة لدى هذه الطغم العسكرية كانت شيئًا، بينما الواقع كان شيئًا آخر مختلفًا تمامًا.

لقد حوّل هذا العسكر
تلك الأقطار إلى إقطاعيّات للحزب الواحد والزّعيم الواحد الأحد إلى يوم يبعثون. وفي الحقيقة شكّلت كلّ تلك الأحزاب بشعاراتها الطنّانة مجرّد غطاء لسلطان الاستبداد القبليّ والطائفيّ، يحكم بالحديد والنار ويحزّ رقاب العباد. وفوق كلّ ذلك، فقد نهب هؤلاء الموارد الوطنيّة وأقطعوها للمقرّبين من محازبين وقبليين آخرين، بينما عاش سائر النّاس في الحضيض. لم يأت هؤلاء العسكر بأيّ جديد، اللهمّ إلاّ بالطغيان الجديد المتلبّس بشعارات ”ثورية“ و“عروبية“ وما إلى ذلك من بلادة بليغة. وهذه هي بالضبط البلاغة التي تُفضي برافعيها إلى وصف أبناء الشعب بالـ“مندسّين“ أو بالـ“جرذان“.

ولو أجرينا مقارنة
بين هذا النوع من الأنظمة، وبين الأنظمة العربية الأخرى، الملكية، لرأينا أنّ تلك الأنظمة الملكيّة كانت أرحم بالعباد من مُدّعي ”الثورية“ ومُدّعي ”العروبية“. وهكذا يمكننا القول إنّ أنظمة العسكر التي ربخت على صدور الناس في بلاد العرب كانت بصورة أو بأخرى شبيهة بالـ“حَمْل“ المجتمعي العربي خارج حدود التقاليد النكاحيّة العربيّة.

ولهذا، يمكننا أن نصف
حال الإطاحة بهذه الأنظمة العسكريّة القبليّة العربيّة كنوع من ”القتل على خلفيّة شرف العائلة“. وهذا هو تقليد عربيّ لا زال قائمًا في المجتمعات العربيّة. وبكلمات أخرى، ليس فقط أنّ هذا العسكر قد اغتصب الشّعوب العربيّة وسرق الأوطان، بل إنّه قد فعل ذلك خارج حدود تقاليد العرب، وهي تقاليد أميل إلى الملكيّة منها إلى الجمهورية، وذلك بسبب الطبيعة القبليّة لهذه المجموعات البشرية التي تنتمي إلى الحضارة المسمّاة عربية.

وعندما أقول ذلك،
فلست أعني أنّ الأنظمة الملكية العربية هي أنظمة متنوّرة، بل أقول ذلك مقارنة بهذا الاستبداد العسكري والقبليّ والجرائم التي تقترفها الأنظمة الأخرى. أمّا بخصوص الأنظمة الملكية العربيّة التي تتلاءم مع الطبيعة العربية منذ ظهور العرب على مسرح التاريخ، فلا يمكن أن تبقى هي الأخرى على ما هي عليه الآن. بل يجب أن تنزع إلى العبور للملكية الدستورية على غرار الملكيّات الأخرى القائمة في أوروبا وفي أماكن أخرى من العالم. وإذا لم تفعل ذلك، فمصيرها هي الأخرى إلى زوال طال الزّمن أو قصر.

والآن، جاء دور فلان
الذي يقوم منذ شهور بإرسال دبابات عسكره وببوارج بحريّته لقصف أبناء شعبه المنتفضين ضدّ هذا الاغتصاب السّلطوي البعثي القبليّ المستمرّ هو الآخر في سورية منذ عقود. لقد جاء الآن دور انقلاع هذا النّظام الفاشي إلى غير رجعة.

أمّا مصير الانتفاضات العربيّة،
فلا يسعنا سوى القول: لن تستقرّ أحوال هذه البلدان التي انظلقت فيها شرارات التغيير إلاّ بالتحوّل إلى أنظمة مدنيّة معاصرة. ومعنى ذلك، الوصول إلى إجماع شعبيّ بدولة المواطنة المتساوية الواحدة التي تفصل الدين عن الدولة، وإلى إقرار دستور يسمح بتعدّد الأحزاب وإفساح الحريّات العامّة لكلّ المواطنين. وفي الوقت ذاته، يجب الوصول إلى إجماع أيضًا بحظر الأحزاب الدينية والعرقية والطائفية، لأنّ كلّ هذه الخلفيات هي البذور التي تخرج منها أوبئة المجتمعات العربية التي تفتك بها منذ قرون. وفي الوقت ذاته، يجب تحديد مدّة الرئاسة لدورتين انتخابيّتين لا تتعدّان عشر سنوات، يُحال بعدها الرئيس إلى التقاعد.

لقد آن الأوان أن يشيع في الثقافة العربية مصطلح ”الرئيس السابق“ وهو على قيد الحياة، بدل تخليد مصطلحات ”الطاغية“ و”الرئيس الراحل“ أو ”الرئيس المقبور“.
وما لم يتمّ ذلك، فلن يتغيّر شيء في بلاد العرب.

والعقل ولي التوفيق
*
______________
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!