مباراة إسرائيل : إيران - للتمديد



إذن، يجب التّيقُّظ والترقُّب. العالم بأسره يشاهد بثّ المباراة. كذلك فإنّ المشجّعين ”المدمنين“ في الشّرق الأوسط ينتظرون التمديد بأعصاب متوتّرة...

سلمان مصالحة

مباراة إسرائيل : إيران - للتمديد

التصعيد الحاصل في الجنوب هو جزء من الرؤيا الشاملة للمبارة لدى مدرّب الفريق الإسرائيلي ومساعده. إنّها سنونوة أخرى من سرب سنونوات لا تبشّر بالربيع بالذّات. الهدف منه هو جرّ أحد جناحي الارتباط الإيراني في المنطقة إلى اتّخاذ خطوة غير مدروسة، وذلك بغية شلّه وإخراجه من اللعبة.

اللعبة المركزية تجري بين إسرائيل وإيران، وإذا ما واصلنا استعارة مصطلحات من عالم كرة القدم، فإنّ المباراة ستنتهي بالتّعادل والمشجّعون الذين يملؤون المدرجات يشعرون بإحباط عميق. إنّهم لا يرغبون بالعودة للبيت دون الحصول على وجبة الانفعال البدائية، ولذلك فهم يشجّعون ويدفعون اللاّعبين إلى الانتقال إلى اللّعب العنيف، إلى لعبة الـ“كسح“. تتعالى في أنحاء المدرّج صرخة ”الحرب“. يرغب المشجّعون في أن تسيل الدماء على أرض الملعب.

حتّى الآن جرت المباراة بصورة مرتبكة. إيران تُمرّر في السنوات الأخيرة كرات عُمق إلى لاعبي التعزيز في جناحي الارتباط لديها، حزب الله وحماس، وترسلهم لمهاجمة المرمى الإسرائيلي. من الجهة الأخرى، يلعب الفريق الإسرائيلي لعبة ”بونكر“ دفاعية، ومن فترة لأخرى يقوم بمحاولات هجوم مباغتة. لكن، وعلى الرغم من بعض الإصابات فإنّه يحافظ على مرمى نظيف من الأهداف.

المتهوّرون في المدرّج الإسرائيلي يُطالبون بالخروج من الـ“بونكر“ والانتقال إلى لعبة هجومية، غير أنّ المموّل الأجنبي للفريق - أوباما اسمه، هو صاحب المال ولذلك فهو صاحب الرأي - يفكّر بصورة مختلفة. إنّه يطالب بالانتظار قليلاً، وفي محاولة منه للطمأنة يُصرّح بأنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة، بما فيها الاحتمال الهجومي. في هذا الأوان يفكّر بتقويض الإيرانيين بواسطة العقوبات. من التقارير عن التهامسات في ديسك الفريق الإسرائيلي بين المدرّب والمموّل نفهم أنّه لم يُتّخذ بعد القرار بالانتقال إلى الهجوم.

شهادة مساعد المدرّب الإسرائيلي، إيهود باراك اسمه، لا تبقي مجالاً للشكّ بشأن وجود خطّة دُرج هجومية. لقد كان صرّح في مقابلة مع القناة الإذاعية الثانية أنّ قرارًا لم يُتَّخَذ بشأن الانتقال للعبة هجومية، غير أنّه أكّد على: ”نحن نستعدّ لهذا الأمر“. وفي ردّه على أصوات أخرى، تأتي من لاعبين ومدرّبين سابقين، تُحذّر من كشف المرمى الإسرائيلي، أضاف باراك في ذات المقابلة: ”الحرب ليست نزهة، لكن لن يكون في أي سيناريو خمسون ألف، ولا خمسة آلاف، ولا حتّى خمسمائة قتيل.“

يجب التعامل بجدية مع أقواله. إذ أنّ هذه الحكومة تقصد وتستعدّ ”لهذا الأمر“. على ماذا يستند باراك بتصريحه أنّه لن يكون هنالك خمسمائة قتيل؟ من الواضح أنّ شخصًا ”فهلويًّا“ مثله لن يتّكل على أنظمة مثل ”قبّة حديديّة“، ”حيتس“ وما شابه ذلك. على ما يبدو فإنّ المنتخب الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو وباراك، لن ينتقل إلى المرحلة التالية دون شلّ حركة حماس وحزب الله، القريبين من المرمى الإسرائيلي.

هنالك عدّة علامات، إذا ما شهدنا حصولها فبوسعنا القول إنّ كلّ شيء يجري حسب خطّة الدُّرج الهجومية مقابل الفريق الإيراني: التصعيد في الشمال هو واحدة منها. علامات أخرى قد تشهد على تقدُّم جدّي في تنفيذ الخطّة، هي أحداث غير مُفسّرة قريبًا من المرمى في الأرض الإيرانية، على سبيل المثال تفجيرات مجهولة في مخازن الصواريخ بعيدة المدى، وخاصة تلك التي قد تُهدّد الجبهة الداخلية الإسرائيلية. على هذه الخلفية فقط يمكن فهم التصريحات الواثقة لوزير الدفاع الإسرائيلي.

إذن، يجب التّيقُّظ والترقُّب. العالم بأسره يشاهد بثّ المباراة. كذلك فإنّ المشجّعين ”المُدمنين“ في الشّرق الأوسط ينتظرون التمديد بأعصاب متوتّرة.

*
ملاحظة: هذه المقالة نُشرت بالأصل باللغة العبرية، الأربعاء 14 مارس 2012، في صحيفة ”هآرتس“ الإسرائيلية، وهي مقدّمة هنا لقرّاء العربية.
***
نشرت في: ”إيلاف“، 15 مارس 2012

ـــ
For Hebrew, press here

الأسئلة الصّعبة

من الأرشيف:


سلمان مصالحة ||

الأسئلة الصّعبة



النّعامات تضع رؤوسها في الرّمال، وبين الفينة والأخرى ترفعها فتصاب بالدّهشة. هذه هي حال من لا يريد أن يرى الواقع العربي، ولا يريد، أو هو لا يجرؤ على، وضع إصبعه على سوس البلا.


ما هي المفاجأة في كلّ ما يجري على أرض النّاصرة من توتّر بين مسلمين ونصارى؟ ألم نشهد أحداثًا كهذه في بلدات أخر على طول البلاد وعرضها؟ الغريب أنّ الأستاد إلياس خوري يتفاجأ، وهو يعلم يقينًا ما جرى في لبنان. والغريب أنّ الكثير من المثقّفين الفلسطينيّين هنا، والعرب من حوالينا، ظنّوا أنّ رفع الشّعارات المعسولة عن وحدة الهدف ووحدة المصير تكفي لوحدها لدرء هذه المآسي عنّا.

الغريب في الأمر هو أنّهم لم يجدوا بعد نتفة شجاعة لوضع الأوراق على الطّاولة. وربّما في الحقيقة ليس ذلك غريبًا فقد صار هذا النّهج سمةً مميّزة للمثقّف العربي في جميع أماكن تواجده من المحيط إلى الخليج. السّؤال الّذي يجب أن يُطرَح هو ما معنى مصطلح الشّعب الواحد في مفهومنا نحنُ العرب؟ وهل نتصرّف نحن جميعًا كما لو كنّا شعبًا واحدًا أم لا؟

سأروي على مسامعكم هذه الحكاية. في أحد اللّقاءات الدّوريّة الّتي كانت تجمعني بأحد الأدباء الفلسطينيّين المعروفين، وهو من أصل نصرانيّ ولا أريد ذكر اسمه الآن فليس هذا المهمّ، كنت أكثر من مرّة أطرح عليه هذه التّساؤلات المشكّكة في كوننا شعبًا واضح المعالم والأهداف والمصائر بسبب أحداث كتلك الّتي تحدث في النّاصرة الآن. في إحدى المرّات أطرق قليلاً، ونظر إليّ نظرته إيّاها كمن يريد أن يفشي لي سرًّا يحمله من سنين. إسمع يا صديقي، قال لي وتنهّد تنهيدة طويلة، أنا أسكن في مدينة مختلطة، وفي بيت شقق مختلط ولي جار مسيحي وجار مسلم. وتعقيبًا على ما تقول، الآن أستطيع أن أرى ما ترى. فمع الجار المسيحي أنا على علاقة عاديّة كعلاقات الجيران ليست وطيدة، ولكنّه يأتي إليّ وأذهب إليه لشرب القهوة، أمّا مع الجار المسلم فلا توجد علاقة كهذه بتاتًا. قاطعته قائلاً، هذا هو سوس البلا الّذي أتحدّث عنه. ثمّ صمت طويلاً ولم يتحدّث، بعدئذ شعر بالإعياء وذهب في طريقه الطّويلة.

هذا عن الحياة، فماذا مع الموت؟

لننظر مرّة واحدة إلى أنفسنا في المرآة، ولنصارح أنفسنا ولو مرّة واحدة على الأقلّ. إذا كانت هناك بعض الشّعارات المعسولة فيما يتعلّق بالحياة، فإنّ الموت يأتي لينفض كلّ تلك الشّعارات ويلقي بها في سلال المهملات. وها أنا أسأل السؤال الّذي لا بدّ منه. هل نموت، وكثيرًا ما نموت نحنُ العرب، كشعب واحد؟ الجواب على ذلك بسيط، بالطّبع لا، فنحن نموت طوائف ومللاً ونحلاً وقبائل عاربة ومستعربة. وها أنذا أبدأ بنا الفلسطينيّين، وليسأل سائر العرب أنفسهم هذه الأسئلة. هل لدينا نحن الفلسطينيّين مقبرة مشتركة تجمع المسلم والمسيحي والدرزي وغيرهم؟ كلاّ قطعًا. وأريد أن أذهب أبعد من ذلك، ويجب أن نقول هذه الكلمة، على الأقلّ لنضع إصبعنا على موقع الوجع. في الحقيقة ليست المقابر سوى مقابر طوائف، وفوق كلّ ذلك، حتّى بين أفراد الطّوائف نفسها، فإنّ المدافن هي على أساس قبلي. فهذه مدافن آل فلان، وتلك تربة آل علاّن إلخ. مرّة أخرى، ملل ونحل وقبائل.

أوردتُ هذين المثالين كنموذجين يختزلان الحياة والموت وهما عماد الإنسان كلّ إنسان. فإذا لم نعش معًا ولم نمت معًا، فكيف نُطلق على أنفسنا اسم شعب واحد، موحّد الهدف والمصير. فلا الهدف واحد - في الحياة، ولا المصير واحد -في الممات.

هذه هي الحقيقة المرّة، وما دمنا لا ننظر إلى أنفسنا في المرآة فلن نصل إلى مكان.
*
نشرت المقالة في: "القدس العربي" 9 أبريل 1999
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تيد هيوز || قصائد

من الأرشيف:

تيد هيوز || 

قصائد


أغنية الغراب عن نفسه

لمّا ضربَ اللّهُ الغرابَ بالفأس
عملَ ذهبًا
لمّا صَلَى اللّهُ الغرابَ في الشّمس
عملَ ماسًا
لمّا مَعَسَ اللّهُ الغرابَ في المكبس
عملَ كحولاً
لمّا مزّق اللّهُ الغرابَ إربًا إربًا
عملَ نهارًا
لمّا شنقَ اللّهُ الغرابَ على شجرة
عملَ ثمارًا
لمّا قبر اللّهُ الغرابَ في التّراب
عملَ آدم
لمّا حاولَ اللّهُ أن يشطرَ الغرابَ شطرَيْن
عملَ حوّاء
لمّا قال اللّهُ: ”انتصرتَ أيّها الغراب“
عملَ المُخلِّص
لمّا انصرفَ اللّهُ مُحمّلاً باليأس
شحذَ الغرابُ منقارَه، وطفقَ يُراوغُ اللّصَّيـْن.

***

الباب

في الخارج، تحتَ أشعّة الشّمس، يقفُ جسمٌ
هو وليدُ عالَم الجماد
جزءٌ من سُور العالَم الأرضي.
نباتاتُ العالَم شبيهة بأعضاء التّكاثُر
والسّرّةُ المعدومة الزّهور
تحيا في أخاديدها.
كذا بعضُ المخلوقات الأرضيّة، كما الفم،
جميعُها ضربت جذورًا في الأرض، ربّما تقتات التّراب، ترابيّة
تُسَمِّكُ السّور

فقط، ثَمَّ كوّةٌ في السّور -
بابٌ أسود:
بؤبؤ العين
عبْرَ ذلك الباب أتى الغٌراب
طائرًا من شمسٍ لِشَمْسٍ ليجدَ هذا البيت.

***

وردة السَّحَر

تُذيبُ قمرَ صقيعٍ قديم.
عذابٌ تحت عذاب، صمتُ التّراب
وغرابٌ يُحادثُ خطوط الأفق الحجريّة

وحيدةٌ هي نعقةُ الغراب العابِسَة
كما فم العجوز
عند انتهاء الرّموش
وتَواصُل التّلال

***

نعيقٌ

دونما كلام،
كحداد طفلٍ حديث العهد
على ميزان فولاذيّ بارد صَلْد،
كعيارٍ خفيت الصّوت متبوعٍ بالأزيز
بين أشجار إبريّة، ساعةَ أصيلٍ مَطِير.
أو كسقوط الفُجاءة، السّقوط الثّقيل
لكوكب الدّم على الورقة السّمينة.
***

خطأ ديني فظيع

حينما ظهرَ الأفعى كما أمعاء الأرض البنّيّة
من الذّرّة الفاقسة
مع ما لديه من أَلِيبي ملتفًّا حوله
رافعًا عنقًا طويلة
يُوازِنُ ذلك الأصمّ وتلك النّظرة المزجّجة
سْفِينْكْس الحقيقة الأخيرة
يتلوّى مَرِنًا على ذلك اللّسان المزدوج، المتشظّي اللّهب
صائتًا كما شخير الأفلاك
عبوس اللّه المتثنّي وريقة في مرجل
وذابت رُكَبُ الرّجُل والمرأة وانهارت
وذابت عضلاتُ أعناقهما، جبيناهما ضربا الأرضَ
دموعُهما انسحبت ظاهرة للعيان
ثُمّ همسَا: ”إرادتُك سلامُنا.“

لكنّ الغُرابَ نظر شزرًا
وخطا خطوة ً أو خطوتين للأمام
أمسك بهذا الكائن، بقفاه المترهّل،
وانهالَ عليه بضربٍ جهنّميّ، ثمّ التَهَمَه.
*
ترجمة: سـلمان مصـالحة
__
نشرت الترجمة في: "القدس العربي"، 12 ديسمبر 1998
___________

العودة إلى حمص

"فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بن أبي سفيان ثم قدم حمص على طريق بعلبكّ فنزل بباب الرّستن فصالحه أهل حمص على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد ...
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!