سال نو مبارگ

من الأرشيف:

وبشأن العنصريّة العربيّة، فإنّ السفّاح التّكريتي ذاته كرّر مرّة أخرى، مثلما نهج في الماضي البعيد والقريب على استخدام الألفاظ العنصريّة العربيّة باستخدامه مصطلحات "الفرس" و"المجوس" و"الصّفويين" الّتي ترعرع عليها كلّ دعاة القومويّة العروبيّة منذ القدم.

سلمان مصالحة || 

سال نو مبارك


نشرت الصّحافة العربيّة بعد المصادقة على قرار حكم إعدام سفّاح العراق خبرًا عن رسالته الموجّهة إلى "الشعب العراقي العظيم"، داعيًا ايّاه إلى "التّوحّد ضدّ الغزاة والفرس"، وخاتمًا رسالته بأبيات من الشّعر. إذن، يتوجّه السّفّاح، مع اقتراب نهايته، بالذّات إلى أولئك النّاس الّذين أذاقهم الأمرّين خلال العقود الأخيرة.

إذا ما علمنا أنّ تعداد سكان العراق هو حوالي 25 مليون نسمة،%60 منهم من الشيعة، وحوالي%17 من السنّة العرب، و %20 من الأكراد، وما تبقّى من سائر الطّوائف. فعن أيّ شعب عراقي يتحدّث هذا السفّاح المخلوع والمقلوع من بلاد الرّافدين؟ فمن هذا العديد الكبير من مواطني العراق نعرف بالتأكيد أنّ الأغلبيّة السّاحقة من أبناء هذا العراق، من شيعة وأكراد ومن كثير من أبناء السنّة وسائر قطاعات ساكنة العراق يحمدون الله صبوحًا وغبوقًا على خلعه وقلعه من بلاد الرّافدين.

كان الأولى به، وهو الّذي يقرض الشّعر كما ذكرت الأنباء، أن يستمرّ في كتابة أشعاره الرّكيكة، ولتتلقّفها صحفُ العربان الكثيرة كما تتلقّف سائر الرّكاكات الشّعبويّة. كما كان الأولى بالحاكمين الجدد في العراق أن يتركوه يقضي ما تبقّى من عمر وراء القضبان أو منفيًّا إلى مكان بعيد ليشاهد بأمّ عينيه كيف يُبنى العراق الجديد. غير أنّ الأمور في هذا العراق، مثلما هي في سائر أصقاع العربان، ليست بهذه البساطة. إذ يتّضح مرّة بعد أخرى أنّ الطّبع المَدَريّ في هذه الأصقاع يغلب التّطبّع الحَضَري. يتّضحُ مرّة بعد أخرى أنّ طبع الثّأر والانتقام متجذّر في هذه الأمّة منذ قديم الزّمان.

فالقتل والسّحل هما السمتان المميّزتان لهذه البقعة من الأرض. هكذا كان وهكذا يكون إلى يوم يبعثون. فمؤيّدو السفّاح سفّاحون بالفعل وبالقوّة، ومعارضو السفّاح سفّاحون بالفعل وبالقوّة. هذه هي الحقيقة المرّة. إنّه مرض مزمنٌ عضالٌ آن الأوان لتدبُّر أمر معالجته بتؤدة وبرويّة. لنقرأ معًا ما رواه الطّبري في تاريخه عن مقتل الخليفة عثمان: "وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمقٌ، فطعنه تسع طعنات. قال عمرو: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للّه، وأمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه". ولنقرأ معًا أيضًا ما رواه لنا إبن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن مقتل عثمان: "وبقي عثمان ثلاثة أيّام دون أن يُدفن حتّى كاد أن يتغيّر". وكان ملقيًّا في دمنة حتّى نهشت الكلاب قدمه. كذلك ها هي أخبار المجزرة الّتي نفّذها بنو العبّاس بتسعين رجلاً من بني أميّة، كما رواها ابن الأثير في تاريخه: "فأمر بهم ...فضُربوا بالعمد حتى قُتلوا وبسطَ عليهم الأنطاعَ فأكلَ الطعامَ عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتّى ماتوا جميعًا". إذن، وكما نرى فإنّ هذه هي ثقافة الثّأر والانتقام الّتي يعجّ بها التّاريخ العربي. لم يتغيّر منها شيء في هذه الأصقاع منذ أن ظهرت هذه الأمّة على صفحة التّاريخ.

***
وبشأن العنصريّة العربيّة، فإنّ السفّاح التّكريتي ذاته كرّر مرّة أخرى، مثلما نهج في الماضي البعيد والقريب على استخدام الألفاظ العنصريّة العربيّة باستخدامه مصطلحات "الفرس" و"المجوس" و"الصّفويين" الّتي ترعرع عليها كلّ دعاة القومويّة العروبيّة منذ القدم. لا زال هؤلاء يتذكّرون كيف أطلق هذا السفّاح أسماء مثل "القادسيّة"، و"ذي قار" وغيرها على حروبه الدّمويّة محاولاً بذلك دغدغة عواطف العربان العنصريّة المتأصّلة فيهم. لقد ذهب الآن إلى غير رجعة، غير أنّ ثقافة السفّاحين لا زالت تعيث فسادًا وتجلب دمارًا على أبناء هذه الأمّة الّتي لا تريد النّظر إلى نفسها في المرآة. لا أحد من هذه الأمّة يتظاهر ضدّ إبادة الزّرع والضّرع في دارفور مثلاً، ولا أحد يتظاهر ضدّ الأنظمة القامعة للبشر في بلاده. لا أحد يتظاهر في بلاد العرب ضد العنصريّة العروبيّة الإسلاميّة المتفشّية ضدّ سائر البشر من إثنيّات وطوائف أخرى، كالأكراد والأقباط والبربر وغيرهم. ولا أحد يرفع صوته من أجل قضيّة أخلاقيّة أيًّا كانت في هذه الأصقاع. هذه هي حقائقنا المريرة نحن العرب، ولا مناص من وضع النّقاط على هذه الحروف إذا ما نشدنا الولوج في طريق التّغيير. لقد حوّل العرب أنفسهم بأنفسهم أضحوكة على شاشات العالم. والحقيقة الأكثر مرارة هي أنّّه يتّضحُ مرّة بعد أخرى أنّ المشكلة لا تكمن في زعامات هذه الأمّة فحسب، إنّما المشكلة كامنة في جوهر ثقافة هذه الأمّة الجاهليّة.

***
لم ولن ندافع عن سياسة الإدارة الأميركيّة الغبيّة في العراق أو في أماكن أخرى من هذه المنطقة، غير أنّ اتّهام أميركا، أو دول الغرب على العموم، بأنّها سبب هذه الأمراض العربيّة هي أسهل الطّرق للهرب من مواجهة الحقيقة. والحقيقة مرّة، فالّذين خرجوا بالطّبول والزّمور مهلّلين للإعدام هم من العرب العراقيين، والّذين حاكموه هم من العرب العراقيّين، والّذين نفّذوا الحكم هم من العرب العراقيّين. إنّ اتّهام الآخرين هو أسهل الطّرق لعدم رؤية الحقائق على أرض الواقع. كلّ شعارات اتّهام الآخرين بأمراض العرب لم تعد تنطلي على أحد. فتفيد الأنباء أنّ القوّات الأميركيّة كانت ترغب في تأجيل الإعدام، غير أنّ الّذين أصرّوا على تنفيذ الحكم يوم النّحر هم الحكّام العرب العراقيّون الجدد. صحيح أنّ هؤلاء الحكّام هم حكّام جدد غير أنّ العقليّة الّتي تتحكّم فيهم هي ذات العقليّة الثّأريّة القديمة.

بدل الإعدام، كان بالإمكان إرساله إلى سجن مؤبّد في منفى بعيد. ولكونه يقرض الشّعر الرّكيك، مثلما قرأنا من إبداعاته المنشورة في الصّحافة العربيّة، فقد كان بالإمكان نفيه وتعيينه محرّرًا أو مراسلاً ثقافيًّا لجريدة عربيّة في الصّومال على سبيل المثال، أو في ما شابهها من صحافة العربان الرّكيكة.

***
أمّا كلّ أولئك المتباكين على اختفاء السفّاح، من إسلامويّين وقومويّين وأشباهههم، متذرّعين بمبادئ حقوق الإنسان وحرمة المحاكم، فهم آخر من يجب الإصغاء إليهم. فكلّ هؤلاء لم يرفعوا في يوم من الأيّام أصواتهم ضدّ الجرائم الّتي ارتكبها هذا السفّاح التّكريتي بحقّ أهل العراق على جميع مللهم ونحلهم، مثلما لم يرفعوا في يوم الأيّام أصواتهم في بلدانهم هم ضدّ الجرائم الّتي تنفّذهاحكوماتهم بحقّ مواطنيهم. إنّ هؤلاء المتباكين الآن هم آخر من يحقّ له الكلام بهذه القضايا الأخلاقيّة، لأنّهم كانوا دائمًا في موقع النّقيض من الأخلاق.

أمّا وقد حلّ علينا عام جديد الآن، فكلّنا أمل في أن تستفيق الأجيال العربيّة النّاشئة من سباتها الأخلاقي، وتبدأ بالنّظر إلى نفسها في المرآة، ليس بغية الخروج بتقليعات وتسريحات جديدة. إنّما بالنّظر في المرآة الأخلاقيّة بغية إصلاح هذا التّشويش الأخلاقي المتفشّي في كلّ مكان.

وأخيرًا، كلّ عام وأنتم بخير!
وللعنصريّين من العرب نقول بالفارسيّة أيضًا: "سال نو مبارگ".
*
نشرت في: إيلاف، 5 يناير 2007
______

مباراة إسرائيل : إيران - للتمديد



إذن، يجب التّيقُّظ والترقُّب. العالم بأسره يشاهد بثّ المباراة. كذلك فإنّ المشجّعين ”المدمنين“ في الشّرق الأوسط ينتظرون التمديد بأعصاب متوتّرة...

سلمان مصالحة

مباراة إسرائيل : إيران - للتمديد

التصعيد الحاصل في الجنوب هو جزء من الرؤيا الشاملة للمبارة لدى مدرّب الفريق الإسرائيلي ومساعده. إنّها سنونوة أخرى من سرب سنونوات لا تبشّر بالربيع بالذّات. الهدف منه هو جرّ أحد جناحي الارتباط الإيراني في المنطقة إلى اتّخاذ خطوة غير مدروسة، وذلك بغية شلّه وإخراجه من اللعبة.

اللعبة المركزية تجري بين إسرائيل وإيران، وإذا ما واصلنا استعارة مصطلحات من عالم كرة القدم، فإنّ المباراة ستنتهي بالتّعادل والمشجّعون الذين يملؤون المدرجات يشعرون بإحباط عميق. إنّهم لا يرغبون بالعودة للبيت دون الحصول على وجبة الانفعال البدائية، ولذلك فهم يشجّعون ويدفعون اللاّعبين إلى الانتقال إلى اللّعب العنيف، إلى لعبة الـ“كسح“. تتعالى في أنحاء المدرّج صرخة ”الحرب“. يرغب المشجّعون في أن تسيل الدماء على أرض الملعب.

حتّى الآن جرت المباراة بصورة مرتبكة. إيران تُمرّر في السنوات الأخيرة كرات عُمق إلى لاعبي التعزيز في جناحي الارتباط لديها، حزب الله وحماس، وترسلهم لمهاجمة المرمى الإسرائيلي. من الجهة الأخرى، يلعب الفريق الإسرائيلي لعبة ”بونكر“ دفاعية، ومن فترة لأخرى يقوم بمحاولات هجوم مباغتة. لكن، وعلى الرغم من بعض الإصابات فإنّه يحافظ على مرمى نظيف من الأهداف.

المتهوّرون في المدرّج الإسرائيلي يُطالبون بالخروج من الـ“بونكر“ والانتقال إلى لعبة هجومية، غير أنّ المموّل الأجنبي للفريق - أوباما اسمه، هو صاحب المال ولذلك فهو صاحب الرأي - يفكّر بصورة مختلفة. إنّه يطالب بالانتظار قليلاً، وفي محاولة منه للطمأنة يُصرّح بأنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة، بما فيها الاحتمال الهجومي. في هذا الأوان يفكّر بتقويض الإيرانيين بواسطة العقوبات. من التقارير عن التهامسات في ديسك الفريق الإسرائيلي بين المدرّب والمموّل نفهم أنّه لم يُتّخذ بعد القرار بالانتقال إلى الهجوم.

شهادة مساعد المدرّب الإسرائيلي، إيهود باراك اسمه، لا تبقي مجالاً للشكّ بشأن وجود خطّة دُرج هجومية. لقد كان صرّح في مقابلة مع القناة الإذاعية الثانية أنّ قرارًا لم يُتَّخَذ بشأن الانتقال للعبة هجومية، غير أنّه أكّد على: ”نحن نستعدّ لهذا الأمر“. وفي ردّه على أصوات أخرى، تأتي من لاعبين ومدرّبين سابقين، تُحذّر من كشف المرمى الإسرائيلي، أضاف باراك في ذات المقابلة: ”الحرب ليست نزهة، لكن لن يكون في أي سيناريو خمسون ألف، ولا خمسة آلاف، ولا حتّى خمسمائة قتيل.“

يجب التعامل بجدية مع أقواله. إذ أنّ هذه الحكومة تقصد وتستعدّ ”لهذا الأمر“. على ماذا يستند باراك بتصريحه أنّه لن يكون هنالك خمسمائة قتيل؟ من الواضح أنّ شخصًا ”فهلويًّا“ مثله لن يتّكل على أنظمة مثل ”قبّة حديديّة“، ”حيتس“ وما شابه ذلك. على ما يبدو فإنّ المنتخب الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو وباراك، لن ينتقل إلى المرحلة التالية دون شلّ حركة حماس وحزب الله، القريبين من المرمى الإسرائيلي.

هنالك عدّة علامات، إذا ما شهدنا حصولها فبوسعنا القول إنّ كلّ شيء يجري حسب خطّة الدُّرج الهجومية مقابل الفريق الإيراني: التصعيد في الشمال هو واحدة منها. علامات أخرى قد تشهد على تقدُّم جدّي في تنفيذ الخطّة، هي أحداث غير مُفسّرة قريبًا من المرمى في الأرض الإيرانية، على سبيل المثال تفجيرات مجهولة في مخازن الصواريخ بعيدة المدى، وخاصة تلك التي قد تُهدّد الجبهة الداخلية الإسرائيلية. على هذه الخلفية فقط يمكن فهم التصريحات الواثقة لوزير الدفاع الإسرائيلي.

إذن، يجب التّيقُّظ والترقُّب. العالم بأسره يشاهد بثّ المباراة. كذلك فإنّ المشجّعين ”المُدمنين“ في الشّرق الأوسط ينتظرون التمديد بأعصاب متوتّرة.

*
ملاحظة: هذه المقالة نُشرت بالأصل باللغة العبرية، الأربعاء 14 مارس 2012، في صحيفة ”هآرتس“ الإسرائيلية، وهي مقدّمة هنا لقرّاء العربية.
***
نشرت في: ”إيلاف“، 15 مارس 2012

ـــ
For Hebrew, press here
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!