اغتيال رابين من زاوية أخرى

ترجمة عربية لمقالة «هآرتس» - 


شعارات مظاهرات سبقت اغتيال رابين


سلمان مصالحة ||


اغتيال رابين من زاوية أخرى


في نهاية يوم السبت في 4 تشرين الثاني 1995، أصيبت إسرائيل بصدمة. مثل كل سنة في هذه الأيام يحيون ذكرى اغتيال رئيس الحكومة اسحق رابين. لسبب ما يتميز هذا الحدث بميزتين مختلفتين لكنهما تتشابهان في جوهرهما. لذلك يجب العودة وفحص عملية الاغتيال من زاوية لم ينتبه لها أحد.

إزاء محاولات إنساء الحادث، من المهم القول إن رابين قتل بعد حملة تحريض مدبرة لزعماء المعارضة في تلك الأيام. القاتل كان فقط أحد اليهود، لكنه كان مليئا بالتحريض الذي خرج من أقبيه القبيلة اليهودية. بطارية التحريض القبلي وصلها حاخامات وسياسيون عاديون بكل معنى الكلمة بخيوط بدائية، بدءا بخيوط "طقوس الاستدعاء بالموت" و"قانون الوشاية" وحتى ملابس ألـ "إس. إس" وتابوت الموتى وما شابه. زعماء المعارضة في حينه، حكام إسرائيل في الوقت الحالي، قفزوا على اللقية القبلية التي وقعت في طريقهم، وهم يواصلون حتى الآن السير في خطاها. في تلك الأيام، أيام أوسلو غير السعيدة جدا، صرخوا فوق كل منبر بأنه لا يوجد شرعية لرابين في مواصلة طريقه السياسي لأنه "لا توجد له أغلبيه يهودية".

هذا الادعاء غير الديمقراطي تمّ طرحه لأن حكومة رابين استندت إلى كتلة برلمانية مانعة شملت أحزابًا عربية. في نظر حاخامات الشرّ وخرافهم المطيعة في الكنيست، هذه الأحزاب العربية قائمة كزينة فقط من أجل التزين والتفاخر بها أمام شعوب العالم؛ لا توجد لها أي قيمة في الديمقراطية الإسرائيلية. قبل بضعة أيام من المظاهرة في ميدان ملوك إسرائيل قام رابين وبحق بتسمية المطالبة بـ "أغلبية يهودية” بأنها عنصرية. لقد كان مصمما على مواصلة الطريق الذي اختاره. اليمين الإسرائيلي بكل أنواع أعشابه الضارة، من أعضاء كنيست وحاخامات، عرف أنه ليس لديه أي وسيلة ديمقراطية لوقف العملية. من هنا كانت الطريق قصيرة إلى وصل العبوة القبلية القاتلة بالساعة البدائية اليهودية التي تدق في أيدي القاتل "اليهودي" يغئال عمير.

بعد مرور سنتين على عملية القتل سنّ البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، قانون "يوم ذكرى اسحق رابين"، الذي يجب فحصه من زاوية أخرى. في المادة 1 في القانون جاء "بتاريخ 12 حشوان، يوم اغتيال رئيس الحكومة ووزير الدفاع اسحق رابين سيكون يوم ذكرى رسمي، هذا اليوم يتم إحياؤه في مؤسسات الدولة وفي معسكرات الجيش وفي المدارس". حقيقة أنه تم اختيار تاريخ عبري لإحياء ذكرى رئيس الحكومة الذي كان يمكن أن يكون رئيس حكومة جميع المواطنين، فيها نوع من تجميع وضم الصدمة التي تشمل كل المواطنين إلى الحضن القبلي اليهودي فقط، من خلال إقصاء غير المحسوبين على الأغلبية اليهودية. وهذا بالضبط هو أحد الأسباب التي أدت إلى عملية الاغتيال. إنّ اختيار تاريخ عبري لإحياء ذكرى عملية الاغتيال كان مناورة ذكية من طرف اليمين، وقد استهدفت إخفاء جزء من البيّنات التي تشير إلى من وماذا يقف من وراء عملية الاغتيال.

ليعلم من ينظمون مراسم الذكرى، سواء في 12 حشوان أو في 4 تشرين الثاني، أن اغتيال رئيس الحكومة على خلفية خلافات سياسية في الرأي، لا يمكن أن يكون "غير سياسي". كل من يحاول إعطاء تجمعات الذكرى على أشكالها صورة صداقة يهودية، يخدم فقط اليمين المتطرف ويعزز الادعاء بأن القتل كان على خلفية شرف القبيلة اليهودية. كذلك، كل من يحاول إقصاء مواطنين إسرائيليين غير محسوبين على "الأغلبية اليهودية" عن إحياء ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الذي يُفترض أن يمثل عامّة السكان حتى في مقتله، فإنّه يستمر بإطلاق النار على ظهر المواطنة الطبيعية الإسرائيلية التي حاول رابين دفع تحقيقها في أواخر أيامه.

إذا كانت هذه هي طبيعة الأمور، فإن الطريقة التي يتم فيها إحياء ذكرى اغتيال رئيس حكومة إسرائيل هي تذكار لنظام الأبرتهايد المتبع في الدولة.
*
الترجمة: ”أمد“ - أضواء على الصحافة الإسرائيلية 2 – 3 تشرين الثاني 2018

انظر أيضًا:
الحياة الجديدة

مركز الناطور


*****

مصدر: ”هآرتس

***
For Hebrew, press here

هل من جدوى من الكتابة بالعربية؟

كلمة عدل عند سلطان جائر - 

 وظيفة الصحافة على كافّة أنواعها ليست التطبيل والتزمير للحاكم، بل وظيفتها كشف الحقائق أمام الرأي العام
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!