قصائد هايكو

الهايكو: هو مبنى شعري ياباني مكوّن من 17 نبرة صوتية موزّعة على ثلاثة سطور: 5 - 7 - 5. هذه محاولة للالتزام بهذه الهيكليّة اليابانية منقولة إلى العربيّة، أي بالحفاظ على عدد النبرات الصوتية، قصيرة أو طويلة، وتوزيعها بين السّطور. بالإضافة إلى ذلك، آليتُ الحفاظ على ذات التفعيلة العربيّة في النصوص.

سلمان مصالحة || 

قصائد هايكو

أمين الريحاني || ”الحرية وحدها لا توحدنا“

ما أشبه الليلة بالبارحة؟

بعض الفقرات المقتبسة من مقالة لأمين الريحاني من كتاب ما وراء البحار، مكتبة الهلال، مصر 1922.

كبير || قصائد

مختارات من الشعر الهندي

للشاعر الصوفي الهندي كبير (1440 - 1518 )

كبير || قصائد

قفص

مُخْتَبِئَةٌ فِي هذا القَفَصِ المَعْمُولِ
مِنْ مادَّةٍ مَرْئِيَّة

هِيَ عُصْفُورَةِ الحياةِ
اللاّمَرْئِيَّة

حانوخ ليڤين || الوالد اشترى جريدة


من الشعر العبري:


حانوخ ليڤين || 

الوالد اشترى جريدة


الوالدُ اشْترَى جَريدَة،
وذَهبَ مَعَها للمِرْحاض،

جَلسَ، قَرَأَ، وفِي هذه الأثناء
بُمْ، طَخْ، ضْراط، مِنَ الوَراء!

مرّتْ ساعَة، ساعتان،
آنَ الوَقْتُ لِلقِيام، آن،
الوالدُ خرجَ أحْمَر اللّون
والجريدَة خَرَجتْ
بُنّيّة الأَلوان.

هذه هي كلّ القصيدة،
ليسَ فِيها أيّ مَغْزَى كان؛
لَقد دَخَلَتْ تاريخَ آدابِنَا
كمادّة مُسْهِلَة للإنْسان.


1978

*
ترجمة عن العبرية: سلمان مصالحة





شيء يثلج الصدر


سلمان مصالحة || شيء يثلج الصدر

اللغة العربية بوصفها لغة صحراوية قد استعارت الحرّ لوصف الشدائد. لذلك فقد أغدقت على جهنّم اسمًا آخر هو ”النّار“. كما قال الشاعر أيضًا في من يحاول الخروج من مأزق فيقع في مأزق أكبر منه ”كالمستجبر من الرّمضاء بالنّار“...، كما ألبست اللغة العربية الحرّ أيضًا على لوعة المحبّين فقال شاعرهم: وا حرّ قلباه، إلخ.

سالفة


سلمان مصالحة || سالفة

نَظَرَتْ إلَيَّ،
فَشِمْتُ فِيهَا خَائفَة.

باشو || خمس قصائد هايكو


مختارات من الشعر الياباني


باشو || خمس قصائد هايكو


الغُيُومُ السّانِحَة
تُضْفِي بَعْضَ الرّاحَة،
مِنَ تَعَبِ النَّظَر للقَمَر.
***

مفازة

سلمان مصالحة || 

مفازة



مِنَ الشَّرْقِ تَأْتِي الرِّيَاحُ
مِنَ الغَرْبِ رُوحٌ وَرَاحُ
كَذَا عِثْتَ بِي، يَا صَبَاحُ!


*


كاليداسا || نداء السّحَر

من الشعر الهندي

كاليداسا || نداء السّحَر

أَصِخِ السَّمْعَ إلَى نِداءِ السَّحَر!
وَبِهَذا اليَوْمِ، أَلا أَنْعِمِ النَّظَر!
إذْ هُوَ العَيْشُ، لُبُّ لُبَابِ
حَيَاةِ البَشَر.


عباس كيارستمى || قصائد

مختارات من الشعر الفارسي



عباس كيارستمى || قصائد



بوى نان تازه به مشام مى رسد
از مزارع گندم
ظهر تابستان.

*

رائحةُ الخبز الطازج
تفوحُ في الأجواء من حُقول القَمح
في ظهيرة يوم صيفيّ.
***

مغيب



سلمان مصالحة ||


مغيب


لا تَقُلْ لِي: هاجِسُ النَّفْسِ
يَهُونْ. إنَّ فِي الحُزْنِ،
خَبَايَا مَنْ تَكُونْ.

كُلُّ مَنْ يَمْشِي عَلَى شَطٍّ،
يَرَى كَيْفَ تَهْوِي الشَّمْسُ
فِي عَتْمِ العُيُونْ.

حِينَ يَأْتِي المَوْجُ، يَرْمِي
سِرَّهُ. فَاحْتَرِسْ، لا تُفْشِ
سِرًّا مِنْ جُنُونْ.

لَسْتُ أَدْرِي مَا نَمَا فِي
خَافِقِي. لَيْتَنِي أمْضِي
إلَى نُورٍ يَصُونْ،

مِثْلَمَا صانَ اللَّيَالِي
سَاهِرٌ، مُثْقِلاً قَلْبِي
بِحِمْلٍ مِنْ ظُنُونْ.

الأَغانِي أَوْدَعَتْ أَوْتارَهَا
خَلْفَ بَحْرٍ، وَاخْتَفَتْ
فِي جَوْفِ نُونْ.

وَالحَكايَا - غَادَرَتْ
سُمَّارَهَا. وَاكْتَوَى البَاقُونَ
فِي لَيْلِ الشُّجُونْ.
*

المشي بمحاذة النّهر




مختارات شعريّة



المشي بمحاذة النّهر

(قصائد هايكو يابانيّة)





بَعوضَةٌ خَرِيفيّة،

مُصمِّمَةً أَنْ تَمُوت،

لَسَعَتْنِي.




شيكي
***





البطّاتُ الدّاجِنَة

تَمدُّ أعناقَهَا، آمِلةً

أَنْ ترَى العَالَم.


كوجي

***


أنْ يكونَ لكَ أطفالٌ،

تَفْهَمُ ذلك -

لكن، بِصُورَة مُتأخّرة.


مجهول

***


يومٌ ضَبابيّ

لا شكّ، أَنّها مُنْشَغلَة بالنّميمة

أحْصِنَةُ الحُقُول.


إيسا

***


مُنْشَدَةً بِلا انْقِطاع

قَصائدُ الضّفادع

تَحْتَوي عَلَى كَثيرٍ من المقاطع.


إيجي

***


الحَيّةُ انْسَلَّتْ بعيدًا -

غيرَ أنّ العَيْنَين اللّتين حَدَّقَتَا بِي

بَقِيَتا في القَصَب.


كيوشي

***


الكَلبُ الهَرِمُ

يَتقدَّمُنا فِي الطَّرِيق، دَليلًا-

لِزِيارةِ قُبُور العائِلَة.


إيسا

***


بِلا رَفِيقٍ،

مَتْرُوكٌ في الحُقُول،

قَمَرُ الشّتاء.


روسيكي

***


بعد أَنْ أَعْطيتُ رَأْيي

أرْجِعُ لِلبَيت

إلَى رَأْي زَوْجَتِي.


ياشو

***


أَسْوأ مِنَ الدُّمُوع،

ابْتِسامَةُ

الطِّفْلِ المَتْروك.


مجهول

***


السّماءُ تَعلمُ، الأَرْضُ تَعلمُ

كُلّ الجيران يَعْلَمون

الأَهْلُ لا يَعْلَمون.


شيشوشي

***


بِمُشارَكَةِ شَمْسيّة واحِدَة -

الشَّخْصُ الأَكْثرُ عِشْقًا

يَبْتَلُّ.


كيسانجين

***


بإخراجِ الكَلْبِ

للمَشْي، تَلتقِي

بِالكَثير من الكِلاب.


سوشي

***


شَريكان في ذات الدّم

لكنْ، لا يمتُّ أحدُنا للآخَر بِصِلَة -

بَعُوضةٌ لَئيمة.


جوسو

***


رِيحٌ خريفيّة -

فِي قَلْبِي، كَمْ مِنَ

الجِبالِ والأَنْهار!


كيوشي

***



مَشْيًا بِمُحاذاة النَّهْر

دُونَما جِسْرٍ لِلعُبُور

النّهارُ يَطُولُ كثيرًا.


شيكي

***


يَسْمَعُ وَقْعَ الخُطَى

يَنْشَطرُ إلَى اثْنَتَيْن -

الظِلُّ.


مجهول

***





جائيةً إلى البَحْر،

ريحُ الشّتاء

لا مكانَ لها تَعُودُ إلَيْه.


سيشي

***


ترجمها من الإنكليزية: سلمان مصالحة







إذ لم نخلق


سلمان مصالحة || إذ لم نخلق

العَيْنُ قَدْ تَحْكِي، وَإنْ
لَمْ تَنْطِقِ. وَكَذا الّتِي
صَمَتَتْ بِلَيْلٍ مُحْدِقِ.

إيسّا || قصائد هايكو


مختارات من الشعر الياپاني


إيسّا

قصائد هايكو


حَيْثُما يُوجدُ ناسٌ
ثَمّةَ حَشراتٌ، وَكذلكَ
يُوجدُ بُوذَاوَات.

*

خلالَ النّهار
يَخْتَبِئُ البُوذا وَراءَ
بَعُوض
*

إنّها تُعَمِّرُ طَويلاً
الحَشَراتُ، البراغيثُ، وَالبَعُوضُ
في القَرْيةِ الفَقِيرَة.
*

لِرُؤْيَتِي طَاعِنًا فِي السّنّ،
حَتَّى البَعُوضُ يَهْمِسُ
قَرِيبًا مِنْ أُذُنِي.
*

إنَّهُ الغَسَق -
بِيْنَمَا أنَا والأَرْض نَتَجاذَبُ أَطْرَافَ الحَدِيث،
تَتَسَاقَطُ الأوراقُ.
*
ترجمة: سلمان مصالحة




كوباياشي إيسّا (1763–1827) - والمعروف بكنيته "إيسّا" (فنجان شاي) هو من كبار شعراء الهايكو الياپانيين. لمزيد من المعلومات حول الشاعر، انقر هنا.




أبو نواس || مذ أن خلقت



قصيدة غير معروفة لأبي نواس



أبو نواس || 

مذ أن خلقت


مُذْ أَنْ خُلِقْتُ رَأَيْتُ أَنْ أَخْتَالا
إذْ أَنَّنِي فِي الخَلْقِ كُنْتُ مِثَالا

منفى


سلمان مصالحة ||


منفى


أُحُلِّلُ العَيْشَ فِي المَنْفَى،
فَيَغْمُرُنِي، مِنْ عَطْفِهِ، أَرَقٌ
يَمْتَدُّ فِي سَهَرِي.

فَلا أُعِيرُ انْتِبَاهِي لِلَّتِي
رَسَمَتْ حُلْمًا عَلَى وَرَقٍ
مِنْ شَاحِبِ الشَّجَرِ.

فَاللَّيْلُ يُسْرَقُ مِنْ عَيْنِي
وَيَفْتِكُ بِي ذِكْرُ المَواضِي
الَّتِي مَرَّتْ، وَلَمْ تَصِرِ.

أَضْحَتْ هَبَاءً، كَأَنَّ الدَّهْرَ
حَرَّرَهَا مِنْ قَيْدِهِ، فَمَضَتْ
بِالنَّبْضِ وَالصُّوَرِ.

وَأَوْدَعَتْنِي نَوَايَا، أَثْقَلَتْ
طَلَبِي لِلْعَيْشِ فِي بَلَدٍ
يَخْتَالُ فِي بَصَرِي.

فَالْعَيْنُ سَاهِرَةٌ، كَالظَّبْيِ،
مَا غَمَضَتْ. حَتَّى تَبَدَّى
لَهَا وَجْهٌ، بِهِ سَفَرِي

قَدْ شَاخَ، مِثْلَ تَجَاعِيدٍ
بِمُنْعَطَفٍ فِي الوَجْهِ.
حَطَّتْ بِهِ الذِّكْرَى
وَلَمْ تَسِرِ.

لا العَيْنُ تَعْرِفُ، أَيْنَ
اللَّيْلُ حَامِلُهَا. وَلا الحَكَايَا
تَفِي مَا انْسَابَ مِنْ نِظَرِي.

لَوْ كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الأَرْضَ
تُنْكِرُنِي، لَمَا خَطَوْتُ،
وَما أَبْقَيْتُ مِنْ أَثَرِ.

اللَّيْلُ عَلَّمَنِي، وَالنَّجْمُ
كَلَّمَنِي، وَالغَيْمُ سَلَّمَنِي
لِلرَّمْلِ، لِلْحَجَرِ.
*



مدام


سلمان مصالحة || مدام

إذَا حَضَرَتْ، بَدَا مِنْهَا
قَوَامُ. كَعَادَتِهَا، تُلاحِقُهَا
السِّهَامُ.

وليمة ليلية

سلمان مصالحة || وليمة ليلية

إذَا طَرَقَ الظّلامُ
فَتَحْتُ بَابِي، وَقَدَّمْتُ
الوَلِيمَةَ مِنْ شَبَابِي.

نسيان على تخوم الذاكرة

سلمان مصالحة || 

نسيان على تخوم الذاكرة


اللّيْلُ يُقْبِلُ
حامِلاً قَلَقِي عَلَى
حُلُمٍ صَريحْ.

ندى مبهم

سلمان مصالحة || ندى مبهم

هذا الصَّباحُ لِمَرْأَةٍ تَتَبَسَّمُ.
فِي حُلْمِهَا سَبَحَتْ،
فَكِدْتُ أُتَيَّمُ

أوهام


سلمان مصالحة || 

أوهام


لَمْ أُقَرّرْ بَعْدُ، هذا الصَّباحَ،
هَلِ الرِّيحُ الَّتِي هَبَّتْ
مِنَ الشَّرْقِ، بَارِدَةٌ هِيَ أَمْ
حارَّة؟

أحلام يقظة

سلمان مصالحة || أحلام يقظة

الحياةُ أَنفاسٌ تَتَعالَى
من أَحْلامِ اليَقْظة. الزّمَنُ
فُسحةٌ لانتقالِ نَحْلَة حائرة،
من زهرةٍ إلى أُخرى.

سؤال الديمقراطية والعرب


حتّى الأحزاب، التي تتشدّق ليل نهار بالشعارات العابرة للقبائل والطوائف، هي في حقيقة الأمر أحزاب طائفيّة وقبليّة.

سلمان مصالحة || 

سؤال الديمقراطية والعرب



في المجتمعات التي لم تخرج بعد من الطور القبلي الّذي تتجذّر عصبيّاته في ذهنيّتها، هل تنفع معها الديمقراطية؟ إنّه سؤال لا مناص من طرحه ولا مناص من محاولة الإجابة عليه بصدق. إذ لا تكفي الشعارات التي تُسمع هنا وهناك عن نشود الديمقراطية، وما إلى ذلك من كلام معسول. فالديمقراطية ليست شعارًا شكليًّا. إنّها ذهنيّة وإيمان في آن معًا.

لا حاجة إلى التنظير، فبوسع الفرد العربي في مشارق العرب ومغاربها أن ينظر حوله، كلّ في موقعه الذي يسكن فيه، في البلد، في الإقليم، في المدينة والقرية، وأن يخرج من مشاهداته هذه برأي قويم في هذه المسألة. هل النّاس من حوله يضعون الوطن والشعب في سلّم الأولويّات أم إنّ ولاءَهم الأقوى والأمتن للطائفة والقبيلة؟ هل للفرد في بيئتهم مكانة، أم إنّه مجرّد برغي صغير في ماكينة القبيلة والطائفة؟

حتّى الأحزاب، التي تتشدّق ليل نهار بالشعارات العابرة للقبائل والطوائف، هي في حقيقة الأمر أحزاب طائفيّة وقبليّة. حينما ينظر الفرد ذو البصر والبصيرة في هذا المشرق إلى جوهرتركيبة هذه الأحزاب فما من شكّ في أنّه سيصل إلى قناعة مفادها أنّ هذه الأحزاب، على اختلاف مشاربها، ليست تختلف في تركيبتها عن تلك التركيبة الطائفية والقبلية التي تنهل من ذات الذهنية التي لم تتخطَّ بعد الطور البرّيّ الصحراوي.

وهكذا، بوسع كلّ فرد في هذا العالم العربي المترامي الأطراف أن يبدأ السير في طريق الديمقراطية من عالمه الصغير، من القرية، البلدة، المدينة، والإقليم. فإذا لم يكن باستطاعته أن يتقدّم خطوة إلى الأمام في هذا الحيّز الضيّق، فلن يكون لشعاراته الرنّانة الطنّانة التي تتحدّث عن العرب والعروبة أيّ معنى. وإذا لم يكن باستطاعته الخروج من الشرنقة الطائفية والقبليّة في حيّزه الضيّق، فكم بالحري في الحديث عن هذا الفضاء العربي الواسع؟

وإذا ولجنا عميقًا في سبر أغوار هذه الظاهرة الاجتماعيّة فلا شكّ أنّنا سنجد ما هو أدهى وأمرّ. فليست الذهنيّة القبليّة لوحدها هي المتحكّمة في هذا الكيان المجتمعي الغريب العجيب، بل وفوق ذلك إنّها ذهنيّة قبليّة ذكورية برّيّة تُحيّد نصف المجتمع - أي المرأة - عن لعب أيّ دور في حياة هذا المجتمع. وهكذا لا تبرح المجتمعات العربيّة مكانها، لأنّها تقف على رجل واحدة، هي رِجل الذكر، أمّا الرِجل الأخرى فهي رجل مشلولة. لهذا السبب لا يتقدّم العرب، وإذا أراد العربي أن يتقدّم خطوة للأمام، فهو بحاجة إلى عكّاز. وحتّى هذا العكّاز ليس من عنده، بل هو مصنوع في ”بلاد الكفّار“، كما يزعق ليل نهار.

إذن، والحال هذه، فقبل الحديث عن الديمقراطية يجب البدء ببناء مجتمع سليم. ولا يمكن بناء المجتمع إلاّ عندما تأخذ المرأة العربيّة دورها في قيادة هذه المسيرة. لقد فشل الرّجل العربي في مهمّته طوال قرون طويلة.

لهذا السبب، فقد آن الأوان لتبديل السائق. وبدل أن يقود الرّجل العربي هذه المركبة، يجب عليه أن يتنحّى، وأن يُسلّم دفّة القيادة للمرأة العربية. لقد كنت أطلقت أكثر من مرّة في الماضي دعوات مثل هذه. إذ إنّ الرّجل العربي هو المشكلة، وأمّا الحلّ فهو كامن في المرأة العربيّة. ولا حلّ آخر لنكبات العرب سوى هذا الحلّ.

والعقل ولي التوفيق!

*

لامعة البدويّة || وإنّي وإن كنت البعير

مختارات تراثية:


لامعة البدويّة || 

وإنّي وإن كنت البعير


وَإنِّي وَإنْ كُنْتُ البَعِيرَ بِعُرْفِكُمْ
لَحَامِلَةٌ بِاللَّيْلِ حُزْنَ البَهَائِمِ.

يَحِنُّ إذَا هَبَّتْ مَعَ الصُّبْحِ نَسْمَةٌ
إلَى وَطَنِ السُّمَّارِ لَيْسَ بِنائِمِ

وَلَوْ أَنَّنِي خُيِّرْتُ أَنْ أَقْبَلَ الكَرَى،
عَلَى ظُلْمِكُمْ فِي غَدْوَتِي وَمَقَادِمِي.

لَمَا أُغْمِضَتْ عَينٌ لَدَيَّ، وَلا سَهَتْ،
وَظَلَّ فُؤَادِي يَسْتَفِزُّ لَوَائِمِي.

فَلَنْ يَقْبَلَ الحُرُّ الكَريمُ إِهَانَةً.
فَكُونُوا عَلَى عِلْمٍ، بِأَنِّي لِعَالَمِي

أَكُونُ، كَمَا وَطَّنْتُ نَفْسِي، كَطَائِرٍ،
جُبِلْتُ عَلَى التَّحْلِيقِ فَوْقَ الغَمَائِمِ.

أَطِيرُ إلَى نَجْمٍ، وَأَهْوِي إلَى لِوًى،
وَأَطْوِي نَهَارِي قَانِعًا بِنَسَائِمِي.
*




لامعة البدوية هي حصوة بنت صخر الهذلي، من شواعر العرب المقلاّت. اشتهرت بهذه القصيدة، ولها أبيات متفرّقة في المصادر الشعرية القديمة. ولامعة هي كنيتها لبشرتها البيضاء في بيئة صحراوية تشيع فيها السمرة.




الشعر نكد بابه الشرّ

حول الشعر المحلّي: من الأرشيف: (1993)

سلمان مصالحة ||

"الشعر نكد بابه الشرّ"



مساء خريفي


سلمان مصالحة || 

مساء خريفي



الرِّيحُ في الجَسَدْ،
وَاللَّيْلُ فِي الأَبْوابْ.
فِي خافِقِي وَلَدْ
يَغْفُو
كَمَنْ يَرْتاب.

فِي غَفْوِهِ سَفَرْ
بَينَ الدُّجَى وَالرِّيحْ.
وَحَارِسُ المَطَرْ
يَكْبُو
لِيَسْتَرِيحْ.

النَّجْمُ فِي الأُفُقْ،
وَالحَرْفُ فِي الشِّفَاهْ.
القَلْبُ فِي الطُّرُقْ
يَلْهُو
بِمُنْتَهَاهْ.

كَانَتْ لَهُ الدُّنَى
مُذْ صُوِّرَتْ، وَكَانْ
مِنْ جَوْهَرٍ هُنَا،
يَدْنُو
إذَا اسْتَبَانْ.

الرُّوحُ فِي الوَلَدْ،
وَالثَّوْبُ فِي أَبِيهْ.
فِي رِحْلَةِ الأَبَدْ
يَعْدُو،
لَهُ شَبِيهْ.

كَالماءِ فِي الشَّجَرْ،
كَالدَّمْعِ فِي العُيُونْ.
كَالنَّبْضِ فِي الحَجَرْ،
يَخْبُو
فَلا يَهُونْ.

يَا أيُّهَا المَسَا،
رُحْمَاكَ يَا رَفِيقْ !
قَدْ جِئْتَ وَالأَسَى.
فَاغْفُ
لِأَسْتَفِيقْ.
*

قصيدة ليست وطنيّة


سلمان مصالحة || 

قصيدة ليست وطنيّة


ما كُلُّ، مَنْ وَصَلَتْ أَخْبارُهُ
الشُّهُبَا، فِي قَوْلِهِ أَلَقٌ، أوْ ضَاءَ
مَا كَتَبَا.

روبرت فروست || نار وجليد

مختارات من الشعر العالمي:


روبرت فروست || نار وجليد

يقُولُ البعضُ: سَيَنْتَهي العالَمُ في النّار.

عيوب

سلمان مصالحة || عيوب

أبحثُ عن حجر،
كي أُلقيه على المُخطئين.

المارد الجبار



سلمان مصالحة ||

 المارد الجبّار




المَارِدُ الجَبَّار، وَمِثْلَماعَوَّدَنا
طِوالَ عُمْرِهِ المَديد، قَدْ سَار

خبر

سلمان مصالحة || خبر

قَدْ نَوَيْتُ للسَّفَرِ،
حَامِلاً مَعِي
صُوَرِي.

شرك


سلمان مصالحة ||

شرك


الماءُ، قِيلَ، أَتَى كَيْ يُنْبِتَ
الشَّجَرَا. وَيُخْرِجَ الأَمْرَ
مِمَّا غَارَ وَانْدَثَرَا.

ماذا تَقُولُ، بِأَرْضٍ
رَاقَ مَنْظَرُهَا؟ أَنَّى نَظَرْتَ،
تَوَلَّى الهَمُّ،
وَانْتَشَرَا.

ماذا تَقُولُ، لِمَنْ فِي القَلْبِ
مَرْبِضُهُ. إنْ بُحْتَ شَيْئًا
طَوَاكَ اللَّيْلُ،
وَاسْتَعَرَا

بِكَ الحَنِينُ، إلَى مَنْ أَنْتَ
ذَاكِرُهُمْ، فِي مَغْرِبِ
الشَّمْسِ، إذْ أَغْوَاكَ
مَنْ حَضَرَا.

فَأَنْتَ مُحْتَضِرٌ
فِي شِرْكِ خاطِرَةٍ.
بَانَتْ شَوَاطِئُهَا،
وَاغْرَوْرَقَتْ دُرَرَا.

فَمَا عَلَيْكَ، سِوَى أَنْ
تَرْتَوِي أَلَمًا. لِأَنَّ مَنْ
كُشِفَتْ أَسْرَارُهُ
شَعَرَا.
*

روايومون سبتمبر 2013

تنويعات ليلية في بلد بعيد


سلمان مصالحة || 

تنويعات ليلية في بلد بعيد


مُسَافِرٌ صَوْبَ خُضْرِ الرُّبُوعِ
وَتَارِكٌ صَبْوَتِي لِرُجُوعِي.

وَلَنْ أُطِيلَ عَلَيْهَا غِيَابِي،
فَإنَّهَا قِطْعَةٌ مِنْ خُضُوعِي.

إذَا رَمَيْتُ عَلَيْهَا ثِيَابِي،
تَجَرَّدَتْ فِي الهَوَى والدُّمُوعِ.

وَإنْ تَعَرَّى الهَوَى، وَاعْتَرَانِي،
وَهَبْتُ فِيهَا خُلاصَةَ جُوعِي

لِنُطْفَةٍ، يَرْتَوِي الجِسْمُ مِنْهَا.
وَشَهْقَةٍ تَحْتَمِي فِي الوُلُوعِ

بِعَابِرٍ، لَمْ يَكُنْ غَيْرَ رَسْمٍ
عَلَى خُطًى دَرَسَتْ فِي النُّزُوعِ

لِرِحْلَةٍ لَيْسَ فِيهَا وُصُولٌ،
وَرَجْعَةٍ تَنْتَهِي فِي طُلُوعِي

كَفَارِسٍ، قَدْ رَمَاهُ جَوَادٌ
بِقَفْرَةٍ تَحْتَفِي بِالشُّمُوعِ.

سَمَاؤُهُ نَجْمَةٌ، لا تُدَارِي
هَلِ انْقَضَى لَيْلُهَا فِي الوُقُوعِ،

أَمْ قَدْ تَدَلَّتْ كَعُنْقُودِ نُورٍ
بِعَتْمَةٍ نَوَّرَتْ فِي رُبُوعِي.
*

أنا وثني عربي والحمد لله

من الأرشيف: مقابلة صحفية نشرت في إيلاف:



أنا وثني عربي والحمد لله


إيلاف - 16 مارس 2004
بعد ان نشر خمس مجموعات بالعربية، أصدر ديوانه الأول المكتوب بالعبرية
سلمان مصالحة: انا وثني عربي والحمد لله


سلوى علينات من القدس:


ظلام سرمدي


سلمان مصالحة || 

ظلام سرمدي


(مرثية عربية)

سَقَطَ الهِلالُ
مِنَ الظَّلامِ الأَبْعَدِ،
وَانْسَلَّ مِنْ حُلُمِي
فَقُمْتُ لِمَوْعِدِي

مَعْ بَعْضِ مَنْ سَكَبَ
البُكَاءَ بِدَمْعَةٍ،
غَرِقَتْ بِهَا عَيْنٌ
بِلَيْلِ تَسَهُّدِي.

كُلُّ الدُّمُوعِ،
إذَا عَدَدْتُ، قَواصِرٌ
عَنْ رَسْمِ مَا نَزَفَتْ
عُيُونُ الهُجَّدِ.

فِي مَشْرِقٍ
مَلأَ السَّمَاءَ مَآتِمًا،
ضَوْضَاءَ يَزْرَعُهَا
أَذَانُ المَسْجِدِ.

يَنْعِي إلَيْكَ
سُقُوطَ طِفْلٍ أَوْ فَتًى،
مِنْ دُونِمَا سَبَبٍ،
بِقَلْبِ المَشْهَدِ.

كُلُّ الدُّمُوعِ
هَوَامِلٌ فِي لَحْظَةٍ،
فِي نَظْرَةٍ رَقَدَتْ
وَلَمَّا تَرْقُدِ.

مَا بَيْنَ بُؤْبُئِهَا،
وَبَيْنَ بَيَاضِهَا،
زَمَنٌ تَنَاثَرَ
فِي ظَلامٍ سَرْمَدِي.

وَالحَالِمُونَ،
بِمَا تَبَقَّى مِنْ سَنًا،
أَلْفَيْتُ أَيْفَعَهُمْ
كَشَيْخٍ، يَرْتَدِي

تَرَحًا عَلَى مَا كَانَ
أَسْكَنَ حُلْمَهُ.
حِينًا يَلُوحُ
بِلا كَلامٍ فِي اليَدِ.

حِينًا يَمِيلُ
إلَى زَمِيلٍ قَدْ ثَوَى
فِي بَيْتِهِ عَرَضًا
بِغَيْرِ تَهَدْهُدِ.

قَلِقًا عَلَى مَا كَانَ
مِنْ بَلَدٍ هَوَى
مِنْ شَاهِقٍ،
لَثَمَ الثَّرَى،
مُسْتَعْبَدِ.

وَأَنَا غَرِيبٌ،
مُذْ حَبَوْتُ بِقَفْرَةٍ.
كَتَبَتْ عَلَيَّ
نَوَائِبًا، بِتَرَدُّدِي

بَيْنَ الرِّيَاحِ،
إذَا تَهُبُّ بِحَيِّنَا،
كَشَفَتْ زَمَانًا غَارقًا
فِي المَوْقِدِ.

مَنْ لِي بِلَيْلٍ مُسْتَدِيمٍ،
كَيْ أَرَى بِمَدَامِعِي
مِمَّا اسْتَجَدَّ
بِمَوْلِدِي

فِي عَالَمٍ،
خَلْفَ التِّلالِ رَأَيْتُهُ،
مَا بَيْنَ وَاحِدِهِ
وَبَيْنَ تَعَدُّدِي.

كُلُّ الدُّمُوعِ
وُضِعْنَ فِي غَيْمٍ،
فَمَا وَقَعَ الغَمَامُ
سِوَى بِحُفْرَةِ مَقْعَدِي.

لِلنَّازِحِينَ النَّازِفِينَ،
لِيَأْسِهِمْ. فِي كُلِّ
مَوْطِئِ خَطْوِهِمْ
بُسِطَتْ يَدِي.

لَوْ كَانَ بِي أَمَلٌ
لَكُنْتُ نَثَرْتُهُ،
أوْ كَانَ بِي رَمَقٌ
لَكُنْتُ سَأَبْتَدِي

مِنْ أَوَّلِ الدَّرْبِ
الَّذِي قَدْ قَادَنِي
فِي رِحْلَةِ التَّنْحَابِ
حَيْثُ تَبَدُّدِي.

لَكِنَّ بِي تَوْقًا
لِشَيْءٍ سَرَّنِي
فِي سِرِّهِ أُحْيِي
خُلاصَةَ مَقْصَدِي.
***

قلق

سلمان مصالحة || قلق

إذا شِـئْـتَ التَّنَدُّرَ
وَالتَّسَلِّـي، فَحاذِرْ أَنْ تَكُـونَ
بِدُونِ عَقْـلِ.

النور يأتي من الغرب


هنالك ”مثقّفون” مسلمون يردّدون طوال أجيال أنّ كلّ الحقائق وكلّ المعارف موجودة في القرآن. إنّ من يتمسّك بمثل هذه المفاهيم، كالحمار، فذلك ضمان على بقائه في الخلف إلى الأبد.

سلمان مصالحة || 

النور يأتي من الغرب

تشارلز بوكوڤسكي || رفيق


تشارلز بوكوڤسكي || رفيق


لستُ وحيدًا.
إنّه هُنا الآن.


أظُنُّ أحيانًا
أنّهُ اختفى
وسرعان ما يَعُودُ
مُحلِّقًا في الصّباحِ،
أوْ - فِي الظّهيرة،
أوْ - في اللّيل.

طائرٌ لا يُريدُه أحد.
هو لي،
طائرُ آلامي.


إنّهُ لا يُغرّدُ
ذلك الطّائر
الّذي يَتَهادَى
على الفَرْع.
*

ترجمة: سلمان مصالحة




صوت صارخ في البراري


سلمان مصالحة || 

صوت صارخ في البراري


لماذا الإعلام العربي على جميع أنواعه، من فضائيات وصحافة ومواقع إنترنت، مُغرم إلى هذا الحدّ بنشر الصّور المُذهلة لأصناف القتل؟ لماذا يعشق العرب نشر كلّ هذا الكمّ الهائل من صور الموت للشيوخ والأطفال، للنساء والرجال؟

كنهر تلوّى

سلمان مصالحة || 

كنهر تلوّى


لِكُلِّ مَقامٍ مَقَالُ.
وَلِلنَّائِبَاتِ - خَيَالُ.

حا حا


سلمان مصالحة ||

 حا حا

         الإهداء: إلى خالد جبران


أَقُولُ لِصَاحِبِي:
أَنْعِمْ صَبَاحَا!

تنويعات ليلية على وتر واحد


سلمان مصالحة ||

تنويعات ليلية على وتر واحد


أَيُّهَا اللَّيْلُ، زِدْ قَهْوَتِي
إنَّنِي هائِمٌ بِالَّتِي

طَلَّقَتْ بَعْلَهَا، وَارْتَمَتْ
فِي يَدَيْ عَاشِقِ الوَحْدَةِ.

إنْ أَكُنْ قَدْ حَبَسْتُ الهَوَى
فِي فُؤَادِي، فَذِي مِهْنَتِي:

أَسْكُبُ الرّاحَ فِي كَأْسِهَا
كُلَّمَا جَرَّدَتْ لَوْعَتِي.

أَيُّهَا اللَّيْلُ، إنَّ الهَوَى
بَعْضُهُ فَاضِحٌ شِدَّتِي.

بَعْضُهُ قَدْ مَضَى وَانْقَضَى،
بَعْضُهُ كَامِلُ العُدَّةِ.

نَاطِرٌ خَلْفَ صَمْتٍ أَنَا
أَحْفَظُ الصَّوْتَ لِلرِّحْلَةِ

صَوْبَ أَرْضٍ بِهَا أَرْتَمِي
بَعْدَ أَنْ قَارَبَتْ مُدَّتِي.

أَيَّهَا اللَّيْلُ اهْدِنِي مَا رَوَى
ظَامِئَ الحُزْنِ فِي النَّسْمَةِ

قَدْ خَلَطْتُ الجَوَى بِالهَوَى،
لَمْ أُبَدِّلْ، وَلَمْ أَبْهَتِ.

إنّنِي رَاحِلٌ بَعْدَ أَنْ
أُشْرِعَتْ لِلنَّوَى خِطَّتِي.

أَيُّهَا اللَّيْلُ، خُذْ مَا مَضَى
مِنْ زَمَانٍ عَلَى عَتْبَتِي

لَمْ أَكُنْ طُولَ عُمْرِي سِوَى
عَارِفٍ، أَنَّ عِشْقِي فَتِي

لِلَّتِي أَرْسَلَتْ خَيْلَهَا
وَاسْتَحَلَّتْ رُبَى صَبْوَتِي،

وَارتَقَتْ بِي لِنَجْمٍ هَوَى
وَاخْتَفَى فِي لَمَى التَّلَّةِ.

أَيُّهَا اللَّيْلُ اهْدِنِي صَرْخَةً
تَرْتَوِي مِنْ حَشَا هَدْأَتِي.

إنَّنِي وَاحِدٌ، ثَنِّنِي
ثُمَّ فَرِّقْ بِهَا تُرْبَتِي.
*


لماذا الهوس العربي بالعنف؟


لقد رحل عنّا هذا الأسبوع المفكّر التونسي العفيف الأخضر الذي كان طوال حياته من رافعي راية العقل في مواجهة الأصوليين من أتباع النقل ومشيعي الجهل.
لقد كنت في سنة 2005 نشرت مقالة مهداة إليه وتضامنًا معه ضدّ قوى الظّلام التي كانت له بالمرصاد في كلّ شاردة وواردة.

أعيد نشر هذه المقالة الآن مرّة أخرى، لذكراه:
*

سلمان مصالحة ||

لماذا الهوس العربي بالعنف؟

               (الإهداء: إلى العفيف الأخضر)

حاول الدكتور محمد عبد المطلب الهوني في مقالة له نشرها في "إيلاف" قبل مدّة التطرُّق إلى مسألة الهوس العربي بالعنف. لقد قام بطرح سؤال جوهري يجدر بنا أن ننظر فيه مرّة أخرى، لعلّنا نخلص منه إلى ترياق يخفّف من وقع هذا الوباء على نفسيّات الأجيال العربيّة القادمة. يطرح الدكتور الهوني السؤال على الملأ، غير أنّه يتركه معلّقًا في الهواء دون أن يزوّدنا بإجابة على سؤاله، أو دون أن يهدينا إلى طريق للخلاص من هذا المأزق. صحيح أنّ مجرّد طرح السؤال على الملأ هو قضيّة مهمّة، وقد يشكّل طرحه، على أيّ حال، الخطوة الأولى على طريق الوصول إلى مخرج من المأزق. لكن، حريّ بنا جميعًا أن نحاول تلمّس سبل الإجابة عليه. لأنّنا من خلال الإجابة يمكننا أن نضع اللّمسات الأولى لما يمكن أن يكون برنامج عمل. فنحن العرب، في هذا العصر المتأزّم، أكثر الأمم احتياجًا إلى برامج عمل. لقد تحدّث الدكتور الهوني عن الهوس العربي بالعنف، ولكنّ السؤال الّذي يجب أن يطفو على السّطح هو: لماذا الهوس العربي بالعنف؟ إذ أنّه، كما قيل، لو عُرف السّبب بطل العجب.

أبدأ أوّلاً فأقول، إنّني لا أدّعي هنا في هذه المقالة أنّني أملك الحقيقة كلّها. غير أنّني أجد نفسي مضطرًّا إلى طرح بعض الإجابات على التّساؤلات المطروحة والّتي قد تشكّل طرف خيط نمسك به من أجل الوصول إلى الغايةالمرجوّة. ففي رأيي، هنالك وجهان لهذا الهوس العربي بالعنف، وإن لم نقم بتقصّي جذور هذين الوجهين فلن نصل إلى أيّ مكان. والوجهان اللّذان أعنيهما هما: وجه له علاقة بطبيعة وتركيبة المجتمع العربي، ووجه آخر يتعلّق بالجانب الثّقافي الّذي يتأسّس عليه هذا المجتمع.

أمّا فيما يتعلّق بالتّركيبة المجتمعيّة، فما من شكّ في أنّنا نحن العرب لم نعرف طوال تاريخنا القديم والمعاصر معنى ”الدّولة“ بما يعنيه هذا المصطلح. جميعنا نعرف نعرف ما كانت عليه حال العرب في الجاهليّة من تناحر قبلي ووقعات اشتهرت لاحقًا بمصطلح ”أيّام العرب“، وهي أيّام لا زالت قائمة إلى يومنا هذا. والأمر الأبرز في ما يتعلّق بهذا الجانب هو أنّه ما من شكّ في أنّ القبيلة في المجتمع العربي ماضيًا وحاضرًا كانت ولا تزال هي الوحدة السّياسيّة الّتي شكّلت المجال الّذي يتحرّك فيه الفرد العربي اجتماعيًّا وسياسيًّا. وبكلمات أخرى، فإنّ نظام القبيلة هو ما يمكن أن نطلق عليه نظام ”المدينة الدّولة“، على غرار الـ ”پوليس“ الإغريقي. وليست العلاقات الّتي تُقام بين القبائل العربيّة سوى شكل آخر من أشكال العلاقات الدپلوماسيّة بين الدّول المختلفة. وهي دول قد تتكاتل في فترة معيّنة ثمّ ما تلبث أن تتقاتل، لأسباب كثيرة، كما هي الحال على مرّ التّاريخ.

وحتّى الإسلام الّذي يدّعي كثيرون أنّه هدف إلى توحيد القبائل العربيّة، لم يكن كذلك بأيّ حال. فلم يأت الإسلام من أجل صهر العرب في أتون مدنيّة عربيّة، وإنّما جاء لتوحيد بطون وأفخاذ قريش الّتي تشتّتت وتضعضع نفوذها في جزيرة العرب مقابل سائر القبائل العربيّة الّتي بدأت تتغلغل فيها النّصرانيّة واليهوديّة إضافة إلى النّفوذ الفارسي والحبشي. ولهذا السّبب نجد أنّ الجدل الأوسع هو جدل مع النّصرانيّة واليهوديّة، ويحتلّ حيّزًا واسعًا في الأيديولوجيّة الإسلاميّة. ولهذا السّبب أيضًا تمّ إجلاء النّصرانيّة واليهوديّة الّتي رفضت قبول هيمنة المسيحانيّة العربيّة القرشيّة في جزيرة العرب.

ليس هذا فحسب، بل إنّ الإسلام قد بنى أيديولوجيّته على ذات الأيديولوجيّة القبليّة الّتي سادت في الجاهليّة: ”خياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام“، مكرّسًا هذا المبدأ بإضافة تنويعة جديدة عليه من مثل ”إذا فقهوا“. غير أنّ المبدأ القبلي هو ذاته لم يتغيّر. وهكذا صارت مسألة النّسب في الخلافة الإسلاميّة هي المبدأ الّذي تنبني عليه الخلافة. لقد وسّع الإسلام النّموذج القبلي إلى ”أمّة“ في مقابل سائر القبائل، أي شعوب العالم الأخرى. ولذلك وبعد أن قويت شوكة الإسلام فقد قام بملاحقة سائر الملل والشّعوب إلى عقر دارها في عصر الفتوحات، وهي فتوحات على أيّ حال لا تختلف بشيء عن عصر الإستعمار الأوروبي، هذا إن لم نذهب إلى أبعد من ذلك في طرحنا. فلو أنّ الإسلام قد جاء حقًّا لتوحيد العرب ضمن هويّة واحدة وبناء مجتمع جديد لما كان خرج خارج حدود العرب الجغرافيّة. والحقيقة الّتي لا بدّ من طرحها هنا هي أنّ الإسلام، في جوهره، ليس سوى تحويل للنّعرة القبليّة المتفشّية بين العرب إلى نعرة عربيّة موحّدة بلباس أيديولوجي إسلامي من جهة، و تحويل الغزوات المتبادلة بين القبائل العربيّة إلى اتّحاد قبلي يغزو سائر الشّعوب المحيطة ببلاد العرب من جهة أخرى، وهذا ما حدث فعلاً. وحتّى هذا التّوجّه لم يدم طويلاً، فالطّبع العربي يغلب التّطبُّع، إذ سرعان ما ثارت النّعرات القبليّة منذ نشوء الإسلام وبدأ الصّراع على الخلافة على أساس هذه النعرة القبليّة السّائدة في ذهنيّة العرب.

وما النّظرة المتفشّية بين الإسلامويين اليوم إلى عصر الرّاشدين وكأنّه العصر الذّهبي للإسلام سوى شعار باطل لا يستند إلى أيّ حقائق تاريخيّة. يكفي أن نعرض خبرًا واحدًا عن هذا الماضي الذّهبي الّذي يتشدّق به الأسلامويّون، وهو مجرّد خبر واحد عن مقتل الخليفة عثمان بن عفّان، وهو خير مثال على ما آل إليه التّاريخ العربي على مرّ التّاريخ. فلنقرأ معًا بتمعّن ما رواه لنا الطّبري في الجزء الرّابع من تاريخه: ”وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمقٌ، فطعنه تسع طعنات. قال عمرو: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للّه، وأمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه“.


وهكذا، وبعد مقتل عثمان، فقد ألقي، وهو الخليفة كما نعلم، في دمنة حتّى نهشت الكلاب قدمه، فلنقرأ أيضًا معًا ما يرويه لنا ابن أعثم الكوفي في الجزء الثّاني من كتاب الفتوح: ”وبقي عثمان ثلاثة أيّام دون أن يدفن حتّى كاد أن يتغيّر. وقال أحد كبار الخارجين من أهل مصر ويدعى عبدالله بن سحراد: لن نرضى أبدًا بدفنه في مقابر المسلمين لأنّه ليس مسلمًا. فقد سمع في أيّام خلافته حين عاد من المسجد إلى منزله وحوله بنو أميّة فقال أبو سفيان: يا بني أميّة، تلقّفوها تلقّف الكرة، فوالّذي يحلف به أبو سفيان: ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة. وأنّه بدلاً من أن يُقيم حدّ المرتدّ أعطاه مئتي ألف دينار من بين مال المسلمين“. وهذا غيض من فيض ممّا ينضح به التّاريخ العربي، ومجلّدات التّاريخ العربيّ تكاد لا تحتوي سوى على هذا النّوع من القصص العنيف والقتل والسّحل، في السّاحات والقصور والمساجد.

فهل هذا هو العصر ”الذّهبي“ الّذي يتشدّق به الإسلامويّون؟ إنّه شعار جاء ليشلّ عقول العرب ويحجب عيونهم عن النّظر إلى المستقبل. فإن كان هذا الماضي، على ما فيه من عنف، هو ذروة ما يصبو إليه العربي المسلم، فما شأنه إذن بالمستقبل وما فيه من علوم واكتشافات وتطوّرات على جميع الأصعدة؟ الحقيقة يجب أن تُقال على الملأ، إذ يبدو أنّ هذه العصور ”الذّهبيّة“ الموهومة، وتلك الممارسات العربيّة لم يطرأ عليها أيّ تغيير منذ ذلك الحين وحتّى الآن. والحقيقة المرّة أيضًا هي أنّ الإسلامويّين يعتاشون على الأميّة المتفشّية في صفوف عامّة الشّعوب العربيّة. إنّهم يعتاشون على جهل الشّعوب العربيّة الّتي لا تقرأ هذا التّراث الدّموي، وإن قرأته فهي لا تفهمه، وإن لم تفهم ما تقرأ فإنّها تخجل أن تسأل، وإن سألت فليس لديها من تسأل سوى فقهاء الظّلام هؤلاء الّذين يزيّنون لها هذا التّاريخ.

والوجه الآخر للعنف العربي، كما أراه، له علاقة وثيقة بالموروث الأدبي، والشّعر الجاهلي وشبيه الجاهلي بصورة خاصّة، هذا الموروث الّذي تتربّى عليه الأجيال العربيّة من المحيط إلى الخليج. إنّه تراث من شعر الحرب والقتل والسّحل والسّيوف والخيول وقطع الرّؤوس، إذ أنّ ”السّيف أصدق إنباءً من الكتب“، إلى آخر القائمة من هذه ”الدّرر“ الّتي عاثت فسادًا بذهنيّة العرب طوال قرون. ويكفي أن نُعطي مثالاً على هذه العقليّة، وهو مثال لا يزال عالقًا في ذهنيّة من تربّوا على هذا تراث الغزوات الجاهليّة.

فهذا بن لادن يقرأ شعرًا في بعض التّسجيلات المتلفزة، فماذا يقرأ على بن لادن على الملأ؟

لنقرأ معًا:

إن أطبقت سدفُ الظلام وعضّنا ناب أكولُ

وديارنا طفحت دما ومضى بها الباغي يصولُ

ومن الميادين اختفت لُمع الأسنة والخيولُ

وعلت على الأنات أنـغام المعازف والطبولُ

هبت عواصفهم تدك صروحه وله تقولُ

لن نوقف الغارات حتى عن مرابعنا تزولُ


وعندما هرب واختفى سفّاح العراق في جحوره، بدأ يبعث هو الآخر رسائله المتلفزة. وهو أيضًا على غرار هذه العقليّة العربيّة المتكلّسة يقرأ الشّعر أيضًا. فماذا يقرأ؟

لنقرأ معًا:

أطلقْ لها السّيف لا خوفٌ ولا وجلُ أطلق لها السيف وليشهدْ لها زحلُ

أسرجْ لها الخيلَ ولتطلقْ أعنّتها كما تشاء وفي أطرافها الأملُ

واقدحْ زنادَك وابْقِ النارَ لاهبةً يخافها الخاسئ المستعبد النّذلُ

أطلقْ لها السّيفَ جّردْهُ كبارقة ما فاز بالحقّ الا الحازمُ الرّجلُ


إنّها، إذن، الذّهنيّة ذاتها منذ عصر الجاهليّة وحتّى عصرنا هذا، لم يتغيّر في هذه الذّهنيّة شيء طوال كلّ هذه القرون.

وبكلمات أخرى، يمكن القول إنّ الأصوليّة العربيّة تنهلُ من موردين، مورد ديني ومورد ثقافي، وكلاهما يربّي الأجيال على العنف القبلي وعلى العنصريّة تجاه الآخرين كلّ الآخرين. بل ويجعل من كلّ هذا التّراث العنيف ومن هذه العنصريّة قيمة حضاريّة يتفاخر بها. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الأميّة المتفشّية في صفوف الجماهير العربيّة منذ القدم، فقد تجذّر الإنسان العربي على مرّ التّاريخ في حالة بشريّة يمكن أن نطلق عليها حالة الإنسان السّماعي، بدلاً من أن يتحوّل مع الطّفرة التّربويّة والعلميّة المعاصرة إلى حالة الإنسان القارئ، أي إلى حالة الإنسان الواعي.

بل ويمكن القول إنّ ثمّة جانبًا آخر يترافق مع هذه الأميّة المتفشّية، وهو الوضع المأساوي الّذي لحق باللّغة العربيّة وأصحابها على جميع الأصعدة. فالنّظرة الأصوليّة إلى هذه اللّغة بوصفها لغة القرآن، أي لغة مقدّسة، وضع قيودًا عليها فانكفأت على ذاتها لا تواكب العصر الحديث على مافيه من طفرات علميّة. لقد آل حال العربيّة إلى وضع صار فيه أهل هذه اللّغة يبتعدون عنها مفضّلين اللّغات الأخرى الّتي تُكتب وتُقرأ وتُلفظ دون فروق تذكر بين هذه الحالات، بخلاف اللّغة العربيّة الّتي إن كُتبت لا تُقرأ، وإن قُرئت لا تُلفظ في الشّارع ولا في الحديث اليومي فتكوّنت فجوة كبيرة بينها وبين حياة البشر اليوميّة على جميع مجالاتها.

وهكذا وصلنا إلى وضع يمكن أن نطلق عليه وضعًا من انعدام هذه اللّغة لدى عامّة الشّعوب العربيّة، أي أنّ اللّغة العربيّة في الحقيقة ليست لغة أمّ، وإنّما هي لغة مكتسبة بالدّراسة وموجودة في الكتب، وليست هي لغة التّخاطب في البيت والشّارع. ولمّا كانت حال العرب من الأميّة على ما هي عليه، وانحسار القراءة وانتشار الكتب كما تشير جميع التّقارير، فإنّ هذا الوضع قد أوصل عامّة شعوب العرب إلى حال من الشّيزوفرينيا اللّغويّة. وبكلمات أخرى، العرب بعامّة منوجدون في حالة من العجز اللغوي عن التّعبير االذّاتي، إذ أنّ اللّغة هي التّعبير الأقوى عمّا يفرزه العقل البشري. ولو نظرنا إلى عالم الأطفال لوجدنا أن العنف يتولّد لديهم عندما يكونون يفتقرون إلى لغة التّعبير. فكلّما كانت لغة الأطفال غنيّة كلّما كان بوسعهم التّعبير عن ذواتهم فيبتعدون عن لغة العنف الكلامي والجسدي.

وما حال العرب في هذه الأيّام سوى حالة طفوليّة على جميع الأصعدة، فالعرب يفتقدون لغة التّعبير السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية، والعاطفيّة إلى آخر هذه القائمة. وفي حال الطّفولة العربيّة هذه فإنّ التّعبير الوحيد الّذي يصدر عنها هو تعبير العنف بجميع أشكاله.

ما العمل، إذن؟
أوّلاً، هنالك ضرورة ملحّة إلى إعداد معاجم عربيّة معاصرة تحوي هذه اللّغة المكتوبة اليوم، والّتي أستطيع أن أجزم أنّ غالبيّة طلبة المدارس والجامعات لا يفهمونها، ويخجلون من الإفشاء بعدم الفهم هذا فتتولّد لديهم حال من فنتازيا الفهم، لا حال من الفهم الحقيقي. كذلك، هنالك ضرورة ملحّة إلى إعداد مناهج تعليميّة عصريّة للمدارس العربيّة تُغلّب العقل على النّقل، كما أشار أكثر من مرّة وفي أكثر من مكان الأستاذ العفيف الأخضر. وبكلمات أخرى، هنالك حاجة إلى مناهج تعليميّة تُغلّب الشّكّ على اليقين. لأنّ الشكّ هو محرّك البحث عن الحقيقة، وهو رافعة العلوم، بينما اليقين، أي الإيمان الأعمى، هو الّذي أوصل الإنسان العربي طوال هذه القرون إلى هذه الحال من الشّلل.

وثانيًا، العمل على إعداد مناهج تجديديّة فيما يخصّ اللّغة العربيّة تهدف إلى جسر الهوّة القائمة بين اللّهجات الدّارجة المحكيّة وبين لغة الكتابة، لأنّ لغة الكتابة هي لغة العقل، بينما اللّهجات المحكيّة، وهي لغة النّقل التّبسيطي، الّذي لا يمكن بأيّ حال أن يجاري العصر وعلومه المتطوّرة في جميع الأصعدة. يجب أن تصل الأمّ العربيّة إلى وضع تكتب فيه وتقرأ وتتكلم في البيت والشارع ومكان العمل بنفس اللّغة. فقط في حال كهذه يستطيع الطّفل العربي أن يقول إنّ العربيّة هي لغة أمّه.

وخلاصة القول، 
نحن منوجدون في حال من الشّيزوفرينيا الحضاريّة. فمن جهة نحن في حال طفوليّة حضاريًّا من ناحية الإبداعات المعرفيّة في جميع المجالات واللّغوية على وجه الخصوص، ومن جهة أخرى نحن في حال من الشّيخوخة النّفسيّة نعيش على أمجاد ماضٍ متخيّل، نسمع به ولا نقرأه. وفوق كلّ ذلك لا نملك ألسنة نتحدّث بها، إذ قامت السّلطات السّياسيّة والدّينيّة والاجتماعيّة وعلى مرّ العصور العربيّة بقطع ألسنة العرب. وبذلك صار العنف هو السّبيل الوحيد للتّعبير العربي والإسلامي عن الذّات.

ملاحظة: رغبت أن أعبّر بهذه المقالة عن تضامن من نوع آخر، وبهذه الصّورة، مع الأستاذ العفيف الأخضر في مواجهة قوى الظّلام.
*
نشرت، إيلاف، 18 مايو 2005
*


سِحْر

سلمان مصالحة || سِحْر

تَرَكَــتْ عَلَى جَسَدِ الطَّرِيقِ
ظِلالَها، كَغُيُـومِ عَصْــرٍ
عُلِّـقَـتْ بِهِضـابِ.

عباس كيارستمى || قصائد

مختارات من الشعر الفارسي:


عباس كيارستمى || قصائد


در خيالم
جهنمى است
كه مراگرم مى كند
در زمهرير تنهابى.

إشراقات مسائيّة


سلمان مصالحة || 

إشراقات مسائيّة


رَأَيْتُ غَزالَـةً تَرْعَى بِسَــهْلِي.
لَها ظِـلٌّ، تَمَثَّـلَ مِثْـلَ ظِلِّـي.
كِلانا يَحْسِبُ الخُطُواتِ عَصْرًا،
وَيَنْظُرُ لِلسَّمَاءِ، كَمَنْ يُصَلِّـي.

مرثية اكسينوفانس

من الأرشيف (يوليو 2005):

وهكذا أيضًا، يمكننا أن نمضي على هدي اكسينوفانس فنقول: إنّه إذا كان الإنسان عنيفًا فإنّ إلهه يرتسم عنيفًا على شاكلته، وإذا كان الإنسان محبًّا فإنّ إلهه يرتسم محبًّا إلى أبعد الحدود لا يفرّق بين بني البشر، وإذا كان قبليّ النّزعة يأتي إلهه قبليًّا على شاكلته...

سلمان مصالحة || 

مرثية اكسينوفانس

بعض كلام



سلمان مصالحة || 

بعض كلام

بَكَى صَاحِبي أَنْ غَابَ نَجْمٌ
بِأُفْقِهِ، وَأَيْقَــنَ أَنَّ الحَـظَّ
مِنْـهُ تَعَثَّرَا.

لا شيء

سلمان مصالحة || لا شيء

لا شَيْءَ، فِي هذا
الصّبَاحِ، يُفِيقُ. فَالعَيْنُ -
أَنْهَكَهَا الرَّجَا
وَالضِّيقُ.


تداعيات ليلية


سلمان مصالحة || 

تداعيات ليلية



اليَوْمَ أَطْلَقْتُ العِنَانَ لِخَاطِرٍ،
وَمَشَيْتُ خَلْفَ هَواجِسِي
ثَمِلاً بِما أُعْطِيتُ مِنْ هَمٍّ
تَفَتَّحَ فِي اغْتِرَابِي. كُنْتُ
مَحْمُولاً عَلَى أَلَمٍ قَدِيمٍ،
تَنَاثَرَ مِنْ كِتَابٍ مُبْهَمٍ.
فَطَرَقْتُ بَابًا مُوصَدًا مِنْ
أَلْفِ عَامٍ، حَامِلاً حُلُمِي
المُخَبَّأَ فِي الفُؤَادِ. وَطُفْتُ
أَبْحَثُ عَنْ مَنَامٍ لَمْ أَزُرْهُ
وَلَمْ يَزُرْنِي فِي رُقَادِي.
مَرَّ فَجْرٌ، مَرَّ عَصْرٌ،
فَانْثَنَيْتُ عَنِ المُضِيِّ بِدَرْبِيَ
المَرْصُوفِ بِالأَرَقِ المُوَزَّعِ
خَلْفَ بَابِي مِثْلَ غَيْمٍ فِي
السَّرَابِ. فَرَدَّنِي قَلَقِي إلَى
مَا كُنْتُ أَوْرَثْتُ الشَّوَارِعَ
مِنْ شَبَابِي. أَيْنَ بَابِي الآنَ،
أَيْنَ جَوَارِحِي ارْتَحَلَتْ
بِلا أَثَرٍ يُذَكِّرُ بِالَوَدَاعِ؟
وَكَيْفَ جَاءَ الصَّيْفُ بَعْدَ
غِيابِهِ فِي دَمْعَةٍ وَقَعَتْ
عَلَى شَفَةِ اليَرَاعِ. هُناكَ
كَانَ المَوْتُ يَزْحَفُ خَلْفَ
شَيْخٍ حَانِيَ الظَّهْرِ، كَطِفْلٍ
فِي الرِّضَاعِ. سَئِمْتُ مَا
كَتَبَ المَصِيرُ لِهَاجِسٍ.
كَلَّتْ بِهِ عَيْنِي بِهَذا العَصْرِ،
فَانْهَمَكَتْ ذِرَاعِي تَفْرُشُ
النَّجْمَاتِ فِي دَرْبِي، تَحُثُّ
الرِّيحَ أَنْ تَجْرِي بِمَا اشْتَهَتِ
الغُيُومُ، وَتُرْسِلُ الكَلِمَاتِ
عَبْرَ أَصَابِعٍ، سَرَحَتْ
كَسِرْبِ أَيَائِلٍ فِي اللَّيْلِ.
هَذا اللّيْلُ جَاءَ يَقُصُّ
سِيرَتَهُ عَلَيَّ، بِلَحْظَةٍ
وَسَعَتْ سَمَائِي. جَاءَ
يَحْمِلُ بَعْضَ ما تَرَكَتْ
لَهُ سُفُنُ العَنَاءِ، وَكَأَنَّنِي
كُنْتُ الوِعَاءَ لِكُلِّ هَذا الحُلْمِ
فِي طَرَفِ الفَضَاءِ، فَمَنْ
يَكُونُ اللَّيْلُ، مَنْ هذا الّذِي
طَلَبَ اتِّبَاعِي، نَاسِيًا مَا
كُنْتُ أَذْكُرُ فِي رَحِيلِي،
وَاجْتِمَاعِي بِالأَيَائِلِ.
وَحْدَهَا طَرِبَتْ مَعِي،
قُلْتُ ارْجَعِي للأَصْلِ حَيْثُ
تَرَكْتِنِي، لِأَبُوحَ مَا نَسِيَتْ
شُجُونِي فِي الأصَائِلِ. كَانَ
فِي القَلْبِ فَرْخٌ، مِنْ زَمانٍ قَدْ
مَضَى. لَمْ يَلْتَفِتْ للرِّيشِ إذْ
هَبَّتْ بِهِ رِيحٌ فَأَطْلَقَتِ الرِّياحُ
جَنَاحَهُ مَرحًا، وسَافَرَ
للبَعِيدِ، ولَمْ يَعُدْ. فَبَقِيتُ
مِثْلَ هَوَاجِسِي، قَلِقًا عَلَى
حُلُمٍ تَوَلَّى. لَيْسَ عِنْدِي الآنَ
شَيْءٌ غَيرَ هذا اللَّيْلِ، حَلَّ
إزَارَهُ فَفَرْشْتُ سَهْلاً، كَيْ
يَكُونَ لِقاؤُنَا شِعْرًا، وَظِلَّ
سَوَالِفٍ مِنْ بَحْرِ حُزْنٍ، كَيْ
يَطُلَّ مِنَ الفَضَاءِ عَلَيَّ نُورٌ
مِنْ ظَلامِكَ، كَيْ أُفَتَّشَ فِي
كَلامِكَ عَنْ حَكَايَا أُثْقِلَتْ
فِي اللَّيْلِ حِمْلاً مِنْ دُمُوعٍ
شَابَهَا فِي العَيْنِ لَوْنُ
الجَمْرِ، حِينَ خَبَرْتُ أَنِّي
رَاحِلٌ خَلْفَ الحُدُودِ،
وَعَابِرٌ جَبَلاً وَسَهْلاً.
مُبْحِرٌ بِشِتَاءِذَاكِرَتِي الَّتِي
نَبَعَتْ كَفَيْضِ تَوَهُّمٍ فِي
اللَّيْلِ، طِفْلاً. أَيْنَ أَنْتَ
الآنَ فِي هَذا المَكانِ، وَأَيْنَ
اللَّيْلُ مِنْ ذَاكَ الزَّمانِ يُعِيدُ
إلَيَّ مَا أَبْقَيْتُ مِنْ مَرَحٍ
لِفَرْخٍ لَمْ أَكُنْهُ، ولَمْ يَكُنِّي.
لَمْ أَجِدْهُ فِي المَسَاءِ، وَلَمْ
يَجِدْنِي، فِي صَبَاحِي،
هَائِمًا بِرَحِيلِ لَيْلٍ لَمْ يَكُنْ
إلاَّ كَحُلْمٍ عَابِرٍ. يَا لَيْلُ،
أهْلاً بِالنُّزُولِ بِدَارَتِي،
يَا لَيْلُ، أَهْلاً بِالمُرُورِ
عَلَى دِيَارٍ فِي الفُؤَادِ،
حَلَلْتَ طَلاّ.
***

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!