الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

فضائح كتب التدريس السورية

 
في الآونة الأخيرة قمت بفحص بعض كتب التدريس في المناهج السورية، وما سأورده هنا من المنهاج السوري قد يندرج على بلدان أخرى في العالم العربي، وسأترك للقارئ حرية المقارنة مع المناهج العربية في في البلدان الأخرى. فماذا يتعلم التلاميذ السوريون هذه الأيام في كتاب من أصدار وزارة التربية السورية؟ ...



سلمان مصالحة ||

فضائح كتب التدريس السورية


تعكس الكتب التدريسية التوجهات الاجتماعية، الثقافية والسياسية للمجتمع الذي توضع فيه هذه المناهج. كما إنّه، وبالاستناد إلى هذه المناهج يتمّ تنظيم المعارف الأساسية التي تفرضها السلطة المركزية على الأجيال القادمة، ويتمّ توريث القيم الأخلاقية السائدة للأجيال القادمة.

لأجل معرفة مدى الهول والخراب العربي الذي نشاهده من حولنا في هذه المنطقة المترامية الأطراف، يجدر بنا العودة قليلاً إلى كتب التدريس العربية. إذ إنّ هذه الكتب، بما تحويه من مضامين، هي المرآة التي تعكس المفاهيم التربوية التي تُعشّش في ذهنيات القائمين على وضعها في وزارات التعليم ويتغذّى على مضامينها التلاميذ والنشء الجديد في المدارس العربية.

في الآونة الأخيرة قمت بفحص بعض كتب التدريس في المناهج السورية، وما سأورده هنا من المنهاج السوري قد يندرج على بلدان أخرى في العالم العربي، وسأترك للقارئ حرية المقارنة مع المناهج العربية في في البلدان الأخرى.

فماذا يتعلم التلاميذ السوريون هذه الأيام في كتاب من أصدار وزارة التربية السورية؟




إنّ حقيقة وجود مئات آلاف القتلى والجرحى وملايين اللاجئين السوريين الذين تفرّقوا أيدي سبأ في أربع جهات الريح، لا تثير أيّ انطباع لدى واضعي المناهج التدريسية. على ما يبدو، فإنّ النظام، على كافّة أذرعه، يعيش في حالة من الإنكار التامّ وهو مستمرّ في غيّه المتوارث منذ عقود طويلة. ففي أحد الكتب التدريسية للصفوف السابعة في المدرسة الابتدائية، يُطلب من التلاميذ السوريين كتابة إنشاء. وها هو وصف المهمّة الملقاة على التلاميذ، مقتبسة من المنهج التدريسي السوري: ”استوقفتك الصور التي تُعرض على شاشة التلفاز. والتي تصور مجازر الصهاينة في فلسطين المحتلة“. وبعد هذه المقدمة يُطلب من التلميذ أن يكتب إنشاءه: ”اكتب نصّا ذاتيّا من مقطعين تصف فيه مشاعرك تجاه عدوّ لا يفرّق بين طفل وشيخ وشاب!“. فما الذي سيفكّر فيه التلميذ السوري؟ أين العدوّ، ومن هو الذي لا يفرّق بين طفل وشيخ وشاب. هل سيفكّر، مثلاً، بالطفل حمزة الخطيب، هل سيفكّر بالشباب والشيوخ الآخرين من حوله والذين لا يفرّق بينهم العدو؟

ولا يكتفي منهج التدريس السوري بهذا، بل يواصل في فصل آخر طالبًا من التلاميذ أن يذكروا علامات الإعراب، أو بناء الأفعال التي تحتها خط في الأمثلة المذكورة. ومن بين الأمثلة، نقرأ: ”لا يعرف العدو إلا لغة القتل والتدمير“. بل وأكثر من ذلك، إذ يطلب من التلاميذ لاحقًا أن يطوّروا ملكاتهم اللغوية كتابيًّا، على النحو التالي: ”اكتب ستّ جمل مترابطة تُحذّر فيها العدوّ الصهيوني من نتائج اعتداءاته المتكرّرة على أهلنا في الأرض المحتلّة، مستخدمًا حالات بناء المضارع.“

ولأنّ النّظام مغرم بالجزم في كلّ شيء، فإنّ الجزم اللغوي هو وسيلة لإيصال هذه الفكرة إلى التلاميذ. فها نحن نقرأ عن صيغ الجزم بالعربية: ”فيما يلي مجموعة من الجمل يشتمل كلّ منها على فعل مضارع مسبوق بحرف جازم“. وهكذا نجد من بين الجمل، الجملة التالية: ”لمّا يُدرك العدوّ بأنّنا قادرون على قهره“. ولكي لا تبقى الأمور دون تذويتها على أرض الواقع اللغوي في ذهنية التلاميذ، فإنّ التلاميذ مطالبون بعد ذلك بكتابة إنشاء، هذا نصّه: ”اكتب فقرة مترابطة مستوفيًا فيها حالات جزم المضارع تُعبّر فيها عن قناعتك بنهاية العدوّ الصهيوني“. ولا يكتفي الكتاب بهذا، بل يضع في أفواه التلاميذ الكلام الذي يجب أن يكتبوه دون أن يُعطوا إمكانية لأيّ تشكيك في الموضوع. إذ يُطلب من الطالب أن يكتب: ”مستفيدًا من الألفاظ والتراكيب التالية (يُدحر العدوان، تنتهي الحرب، على يد المقاومة، ينتصر، أنا على يقين، أستعدّ، يتهيّب)“، كما ينصّ الكتاب المدرسي السوري.

أمّا مسك الختام، كما تتبدّى عليه صورة النّظام في هذا البلد المأزوم منذ عقود طويلة، فهو إيراد خطاب الرئيس بشّار الأسد في كتاب مدرسي للصفوف الابتدائية، كما لو أنّ النّصّ هو نصّ لشيكسبير مثلاً، أو لنقل خطبة للإمام علي من نهج البلاغة. إنّه مجرّد خطاب في مؤتمر قمّة عربية عقدت في دمشق. فما علاقة ذلك بتدريس الطلبة؟ والجواب على ذلك، كما يردّ في الكتاب حول الخطاب. إذ يُطلب من التلاميذ ما يلي: ”تميّزت شخصيّة السيّد الرئيس بالعمق الوطنيّ والقوميّ، هات من الخطاب ما يدلّ على ذلك!“. فماذا يسع المرء أن يقول في هذا الكلام؟ لو كان الأمر مضحكًا لضحكنا.

هكذا هي الحال، إذن، في المناهج السورية. أليست هذه الحال هي أكبر دليل على هذا الخراب التربوي الذي يعيش فيه التلاميذ العرب في هذا القطر؟ إنّ مناهج تدريس من هذا النّوع لا يمكن أن تُنشئ إنسانًا حُرّا مُبدعًا بأيّ حال. ففي نهاية المطاف، تنشئ هذه المناهج مواطنًا لا يؤمن بأيّ شيء، إذ أنّه يعيش في عالم من الكذب والدجل، ولا يستطيع البوح بما في مكنونات نفسه.

هذا المثال السوري من المناهج التربوية هو الخراب الكبير الذي تترعرع فيه وعليه الأجيال العربية. فيا لها من مأساة!
*

نشر: الحياة، 23 سبتمبر 2014



مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف22/12/24 18:54

    اين الحل انا طلبت حل سؤال ولم تحلوه

    ردحذف

قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات