مختارات تراثية - 619 هـ/1222 م
الجوبري ||
كشف أسرار كذبة الرهبان
”اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم. وهم أضرّ الخلق وأحسن من غيرهم لأنّهم إذا خلوا بأنفسهم يعترفون بأنّهم على الضلالة وقد غيّروا الأحوال والأفعال والأقوال. ولهم أعمال عظيمة لا تعد ولا تحصى، وهم يأكلون الأموال بالباطل ويرتبون الكذب وزخارف القول، وهم أكذب الخلق على كل حال، فمنهم من عمل لديره عيدًا وجعل له ناموسًا من بعض النواميس يأكل به أموال النصارى.
وها أنا أثبت لك شيئًا من ذلك.
فاعلم أنّ هؤلاء القوم أعظم ناموس لهم قنديل النور في كنيسة قمامة بيت المقدس. وهو من عمل الرهبان، وقد ارتبط عليه جميع النصارى وأسباطهم وأجناسهم. وقد كان الملك المعظم ابن الملك العادل قدّس الله روحه دخل إلى القمامة يوم سبت النور، فقال للراهب: لا أبرح حتّى أبصر هذا النور كيف ينزل. فقال له الراهب: أيّما أحب إليك، هذا المال الذي يتحصّل من هذا الوجه أو اطلاعك عليه؟ فإنّك إن كشفت سرّه عدمت هذا المال، فاتركه مستورًا مصانًا واربح هذا المال العظيم. فلما سمع ذلك، علم باطن قول الراهب فتركه على حاله وخرج.
وذلك أنّ القنديل هو أعظم النواميس التي صنعتها الأوائل، وذلك أنّ له في رأس القبّة حقًّا من حديد معلّقًا بسلسلة وهو مهندس في هلال القبة، لا يطلع عليه أحد إلا الراهب. والسلسلة لها فيه خلو، فإذا كان ليلة سبت النور، صعد الراهب إلى الحق وجعل فيه مطبوخ الكبريت على مثال السنبوسكة، وجعل تحتها نارًا موقّتة إلى الساعة التي يريد أن ينزل فيها النور. ثمّ يدهن السلسلة بدهن البيلسان. فإذا جاء الوقت وأوقدت النار عطف المطبوخ على زرة السلسلة في ذلك الحق المهندس، فيستمد من تلك النطفة دهن البيلسان ويسري مع السلسلة نازلًا إلى القنديل فتعلق النار في فتيلة القنديل، وتكون مسقيّة أولاً بدهن البيلسان. فاعلم ذلك!"
*
نقلًا عن: عبد الرحيم بن عمر الدمشقي المعروف بـالجوبري، المختار في كشف الأسرار، القاهرة د. ت
0 تعليقات:
إرسال تعليق