روني سوميك: حليب سباع


روني سوميك




حليب سباع




(قصائد)



ترجمها من العبريّة

سلمان مصالحة

لقاء في ليل صحراوي (2005)
***


ألجير



لو كان لي طفلةٌ أُخرى
لأطلقتُ عليها اسمَ "ألجير"
وَلكُنتُمْ سَتَحْنون أمامي الطّواقي الكولونياليّة
وتُكَنّونني "أبو أَلْجيرْ".
في الصّباح، إذْ كانتْ ستفتحُ عيني الشّوكولاطة
كُنتُ سأقول: "ها هي أفريقيا تستيقظ"،
وكانتْ هي ستُداعبُ الشُّقْرَة في شَعْر شقيقتها
واثقةً أنّها اكتشفت الذّهبَ من جديد.
كانت الذرّاتُ على شاطئ البحر ستكونُ مَرْتَع ألعابها،
وفي آثار أقدام الفرنسيّين الّذين هربوا من هناك،
كانت ستُخبّئ التّمورَ السّاقطة من الشّجر.
"ألجير"، كُنتُ سأمسكُ بيديّ بطرف الشّرفة، وأُناديها:
"ألجير، تعالي إلى البيت، وانْظُري كيف أصبغُ حائطَ الشَّرْق
بفُرشاة الشّمس".




ألجير: هو الاسم الّذي يُستخدم في اللغة العبريّة، كما في الغات الأوروبية، للجزائر. لقد ارتأيت الإبقاء عليه كما هو في الأصل العبري وعدم إثبات الاسم العربي، وذلك لاستخدامه اسمًا للطّفلة.





***


جِمال

كَمْ جَمَلاً تُريد
لقاءَ ابنتِكَ؟ يسألُني
بائعُ الحليّ في سوق أنطاليا.
وفجأةً لم يَعُدْ وتدُ السّنين مغروزًا
في أطراف الخيام الّتي تتهادَى
مع الرّيح.
كذا هي الحياة. تُنجبُ طفلةً قربَ بقايا البيّارات
في پيتح-تكڤا، تُربّيها على مقربة من الحيوانات المُتثائبة
في سفاري رمات-چان، وها هي سجاجيد الصّحراء تُفرَشُ
تحتَ أقدامها. وها أنذا أُزيّنُ، بخرزات العنبر، قَتَبَ الرّحال
الّتي مرّت، ذات مرّة، في الهاجرة
من نويبع
إلى رأس محمّد.
آنذاك، كانت أيّامي
رمالاً متنقّلة.


أنطاليا: موقع سياحي في تركيا.
پيتح-تكڤا ورمات-چان مدينتان في إسرائيل.
نويبع ورأس محمّد: موقعان سياحيّان في سيناء على شاطئ البحر الأحمر.



***

قصيدة ندم

يجب أن أدهنَ الضّباب على أخمص القدمين
وأربطَ ريشةَ نَسْرٍ في كلّ كاحل
وأعبُرَ ذكرى محيّاها كما أسطورة الهنود الحُمْر.
مرّةً كانَ تشبيهُ السّهم المسموم ملائمًا للنّدم.
اليوم، دم رئيس قبيلة هنديّة يسيل في الشّارع حيث تركتُها.


***



في الطّريق إلى عراد

النّعاجُ البيضاء في الطّريق إلى عَراد
"أسنانُ حَليب" في فَكّ الصّحراء.
الحَرْبُ على قَدَمٍ وَسَاق
والذّئبُ الّذي سيسكنُ معها لَم يولدْ بَعْد.


***


البحر الميّت

رُبّما هو الحروف المُدوّرة
في رسالة انتحار الصّحراء
من فوقه تتحرّك السّماء، في جزمات الفلاّحين
متثاقلة، حتّى في نسائم الأصيل النّافخة كما البوق.


***


تسعة سطور عن البدوي الّذي لفظ أنفاسه من سرطان الصّحراء

البدوي الّذي لفظ أنفاسه من سرطان الصّحراء يدور في خلدي مثل مرسيدس بيضاء
يقولون: بعد أن مات أُطلقت في الهواء عيارات الفرح،
وأنّ الجبال شَعّت،
وأنّ طريق الملك انشقّت أمام انطلاق الفرسان.
ليتني كنتُ هناك، وأنا أتحدّث اللّغة البدويّة بلكنة تل-أبيبيّة،
أمرّ في المقهى، حيث تنظف النّادلة الطّاولة
قبل تقديم البيرة،
حيث ضوء المصباح ينقش في محيّاها
جَمالاً كما نقوش الخشب في مقبض الشّبريّة.


***

الكاتالوچ الأحمر للكلمة غروب

الشّاعر الفرنسي يرى الشّمس تحمرّ
فيعصر من عنب الغيوم لونَ الخَمْر،
الشّاعر الإنكليزي يُشبّهها بالسّوسنة
والعبريّ بالدّم.
يا بلادي، البلاد الّتي تغرز شفتين كانيباليّتين في عنق الغروب العذراء،
مجاذيفُ الخوف خيطتْ على طول ذراعيّ.
وأنا، في سفينة حياتي، أمخرُ مثلما نوح
نحو أراراط.


***


قصيدة وطنيّة

أنا عراقي-پيجاما، زوجتي رومانيّة
وابنتنا هي الحرامي من بغداد.
أمّي لا زالت تغلي الفُراتَ ودجلة،
أختي تعلّمت إعداد پيروشكي من أمّ
زوجها الرّوسيّة.
صديقُنا، مغربي-سكّين، يغرز شوكةً
من فولاذ إنكليزي في سمكة وُلدتْ في شواطئ النّرويج.
كُلُّنا عُمالٌ مُقالون أُنزلوا من سقالة البُرج الّذي
وددنا أن نُشيّدَه في بابل.
كُلُّنا حِرابٌ صَدِئَة أطلقَها دون كيشوت
على طواحين الهواء.
كُلُّنا لا زلنا نُطلقُ النّار على نُجومٍ تبرقُ في العينين
برهةً قبلَ أن تُبْتَلَع
في درب التّبّاتَة.


***


بغداد

في ذات الطّبشورة الّتي يُعلِّمُ فيها شرطيّ جُثَّةً في حلبة الجريمة
أُعلِّمُ حُدودَ المدينةِ الّتي أُطلِقَتْ فيها حياتي.
أستجوبُ شُهودًا، أعصرُ من شفاهِهم
قطراتِ عَرَقٍ وأُحاكِي بتردُّد خُطواتِ رقص
لِرغيفٍ على طَبَقِ حُمّص.
عندما سيُلقون القبض عليّ سيُخفّضون لي ثُلثًا على سلوكٍ حسن
وسيزجّون بي في قَصَبَةِ حَلْقِ سليمة مراد.
في مطبخ السّجن ستطهو أمّي السّمكَةَ الّتي
انتشلتها أمّها من مياه النّهر، وستروي عن الكلمة "أسماك"
الّتي عَلَتْ لافتةً ضخمةً في مدخلِ مطعم جديد.
مَنْ أكلَ هُناكَ حصلَ على سمكةٍ بحجم دبّوس حتّى
طلبَ أحدُ الزّبائن من صاحب المطعم أنْ يُصغّرَ
اللاّفتةَ أو أنْ يُكبّرَ السّمَكَة.
السّمكة سَتَخِزُ بعظامها، سَتُغْرقُ
اليدَ الّتي نتفتْ قُشورَها، وحتّى
الزّيت المغليّ على قَلاّية التّحقيق
لَنْ يُخْرجَ من فَمِه كلمةً تجريميّة.
الذّاكرةُ هي طبقٌ فارغ، به كَدماتٌ من خُدوش
سكّين على جلده.


***


الشَّفْرَة الّتي‮ ‬جرحت للشِّعْر وجهَ‮ ‬الإستعارة

                          إلى عبد القادر الجنابي


هو الشَّعْرَةُ‮ ‬الأخيرة في‮ ‬التفاف شارب سلڤادور دالي‮.‬
هو الطّلْقَة‮ ‬الشّاردة في‮ ‬وينشسطر‮ ‬جون واين‮ ‬المقصوص القصبَة‮.‬
هو الشَّفْرَة الّتي‮ ‬جرحت للشِّعْر وجهَ‮ ‬الإستعارة‮.‬
هو النّخْلَة الّتي‮ ‬أحْلَتْ‮ ‬أشجارَ‮ ‬الجنّة على طول دجلة والفرات‮.‬
فماذا كانَ‮ ‬لدينا،‮ ‬عبد القادر الجنابي،‮ ‬أسألُ
في‮ ‬الطّابق الخامس،‮ ‬في‮ ‬شارع نولِهْ،‮ ‬على تخوم حيّ‮ ‬كليشي‮ ‬في‮ ‬پاريس‮.‬
إلى أينَ‮ ‬هذه اللّيلة تنطلقُ‮ ‬خيول الألف اللّيالي‮ ‬وليلة أخرى؟
‮(‬كم ليلةٍ‮ ‬كانَ‮ ‬لي‮ ‬في‮ ‬سطرٍ‮ ‬واحد
وكم تدفّقَ‮ ‬الحبّ‮ ‬من عيون زوجته منى،
حينما لمّعتْ‮ ‬إصبعُهُ‮ ‬بروازَ‮ ‬الصّورة الّتي
حاولَ‮ ‬بها أن‮ ‬يحنّ‮ ‬إلى فيلم حياتِه‮ "‬الكاوبويي‮"‬
في‮ ‬شوارع بغداد‮).‬
في‮ ‬الغرفة الثّانية،‮ ‬انفتحَ‮ ‬بُرهَةً‮ ‬فريجيدر الوَعْي
وطفتْ‮ ‬حبّة الثَّلْج كما زورق في‮ ‬الماء الّذي‮ ‬ذابَ‮ ‬مِنْ‮ ‬قَعْرِ‮ ‬جسدها‮.‬


***


عزف مُنفرد على العرق

نملات سود‮ ‬يتسلّقنَ‮ ‬أطراف الأصابع،
مُصفرّةً‮ ‬من النّيكوتين
غارقةً‮ ‬في‮ ‬طرف الكأس‮ ‬ورقةُ النّعناع
الكحول تُحلّلُ‮ "‬كليوپاترا‮" ‬عبد الوهاب
كلّ‮ ‬شيء واضحٌ‮ ‬الآن
عزفٌ‮ ‬مُنفرد على الكمان
عزفٌ‮ ‬مُنفرد على الناي
عزفٌ‮ ‬مُنفرد على العُود

نحنُ‮ ‬عزف مُنفرد على‮ ‬العرق‮.‬


***


خرقة مطرّزة،‮ ‬قصيدة عن أم كلثوم

كانت ترتدي‮ ‬فستان سهرة أسود
وشواكيشُ‮ ‬صوتها تضربُ‮ ‬مساميرَ‮ ‬فولاذيّة
في‮ ‬الكوعِ‮ ‬المُسند على طاولة المقهى
في‮ ‬ساحة سطرومة‮.‬
‮"‬عوّدت عيني‮ ‬على رؤياك
وان مرّ‮ ‬يوم من‮ ‬غير رؤياك
ما‮ ‬ينحسبش من عمري‮".‬
أمّا أنا فجئتُ‮ ‬ومَحوتُ‮ ‬نسرًا كبيرًا رُسمَ‮ ‬بالطباشير
على قطعةٍ‮ ‬من‮ ‬غيوم،
رفرفتْ‮ ‬تحت جناحيه خرقةٌ‮ ‬مطرّزة
أوثقها،‮ ‬بعد سنين،‮ ‬بعروة بنطالِه
طبّاخُ‮ ‬القاعدة العسكريّة في‮ ‬بئير أوره‮.‬
طلبتُ‮ ‬منه بعض حبّات من البرتقال،
وفي‮ ‬آلة التّسجيل اسودّ‮ ‬فستانُها مرّةً‮ ‬ثانية‮.‬
أغمضَ‮ ‬في‮ ‬عينيهِ‮ ‬أبخرةَ‮ ‬الغداء،‮ ‬وقشّرَ‮ ‬حبّاتِ‮ ‬البطاطا‮.‬
مَنْ‮ ‬ذي‮ ‬الّتي‮ ‬تُغنّي،‮ ‬حاولتُ‮ ‬الاستفسار،‮ ‬أمّ‮ ‬كلثوم؟
هزّ‮ ‬هو رأسَه‮.‬
من طرفه،‮ ‬بِوُسْعي‮ ‬أن أسرقَ‮ ‬المطبخَ‮ ‬بأسْرِه‮.‬


***


خواجا بيالك

صبيّة عربيّة تغنّي‮ ‬قصيدة لبيالك
ظلال أجنحة الباص تُسوّدُ‮ ‬جُذوعَ‮ ‬الزّيتون
عند مُلتويات وادي‮ ‬عارة‮.‬
لا أمّ،‮ ‬لا شقيقة،‮ ‬وعيناها،‮ ‬من رمش لرمش،‮ ‬تتناقلان
أكاذيب نجوم الخواجا بيالك‮.‬
مرّةً‮ ‬قرأتُ‮ ‬أنّ‮ ‬أوّل علامة تُبشّرُ
بالخبوّ‮ ‬القريب للنّجوم
هي‮ ‬الانتفاخُ‮ ‬الظّاهر
واحمرارٌ‮ ‬في‮ ‬المناطق الخارجيّة‮.‬
على تلال شفتيها طُليتْ‮ ‬سجّادة الحُمْرة،
وكعابُ‮ ‬القصيدة دقّت دو،‮ ‬دقّتْ‮ ‬لا‮.‬
ملايين الأعوام‮ ‬يتواصلُ‮ ‬الانهدام،‮ ‬حتّى تتحوّل النّجمة
كرةً‮ ‬من نارْ‮.‬
ويشعّ‮ ‬باقي‮ ‬الحرّ‮ ‬للفضاء،
البيت اللاّمَنهي‮.‬
ألشّمس التي‮ ‬احترقتْ‮ ‬باللّهيب نقّطت بالعرق
فانيلاّت العمّال الزّرقاء‮.‬
أصداء أدعية المؤذّن‮ ‬
تُفرَشُ،‮ ‬كسجّادة مخرومة،‮ ‬على ظهرِ‮ ‬حِمار
نفقتْ،‮ ‬في‮ ‬محرّكه،‮ ‬الأحصنة‮.‬


***

صورة شخصيّة من الكوماندو

لجريمة القتل المتكامل ثَمّ‮ ‬حاجة لكتلة جليديّة‮. ‬أطرافها الحادّة
تنزلق إلى شريان العنق
ويذيب الدمُّ‮ ‬البصمات‮.‬
هكذا الأصابع المُسَجّاة على صفحة تحوّلت عُنُقَ‮ ‬جنديّ‮ ‬حارس
قبلَ‮ ‬أنْ‮ ‬تتخطّى السّياج الشّائك
للرّقص في‮ ‬قلب المعسكر‮.‬
في‮ ‬سِنّ‮ 81 ‬مَضَغْتُ‮ ‬المسامير،
بَصَقْتُ‮ ‬الصّدأ
وفقط بسبب النّظّارات لَمْ‮ ‬يَقْبلوني‮ ‬في‮ ‬الكومندو‮.‬
في‮ ‬عَيْنَيْ‮ ‬موظّفة التّجنيد إنْصَبَغَ‮ ‬البَحْر
وَشَخَرَتْ‮ ‬القوارب الموطوريّة إلى شاطئ شفتَيْها‮.‬
خُذْ‮ ‬معك كاميرا،‮ ‬وَدّت أن تقول لي،‮ ‬وَصَوّرْ‮ ‬حياتك،
إذا ضَيّعْتَها في‮ ‬مرّة من المرّات
على الأقلّ‮ ‬تبقى معك
نُسْخَة‮.‬


***


پناشر التاريخ في‮ ‬وادي‮ ‬يهوشافاط

الإنچليز سمّوا وادي‮ ‬يهوشافاط‮ - ‬جوزافاط
أمّا العرب فاختصروه‮ - ‬وادي‮ ‬الجوز
واليهود عبرنوه‮ - ‬ناحال إيچوز‮.‬
من وفرة الأسماء‮ ‬غار ببطن الأرض الماء
كما لو كان أصناف عطور أغدقها العشّاق
على جسد امرأة
وهي‮ ‬الآن ملقاة كالعجل السپير
في‮ ‬الباچاج
تنتظر الپنشر التاريخي‮ ‬التالي
ليذكّر بوجودها‮.‬


***


شُغل عَرَب

من أيّ‮ ‬خيطٍ‮ ‬سيُنسَجُ‮ ‬علمُ‮ ‬المُظاهرة
لعاملات النّسيج من دير حنّا‮.‬
في‮ ‬قنوات الخدوش على طول الرّاحتَيْن تُجدّفُ‮ ‬نُقطةُ‮ ‬عَرَق
كسفينةِ‮ ‬عبيدٍ‮ ‬نحوَ‮ ‬خليج النَّدَبات في‮ ‬الأظافر‮.‬
أتذكّر السنواتٍ‮ ‬الأولى لأُمّي‮ ‬في‮ ‬البلاد‮.‬
قادمة جديدة تجلسُ‮ ‬في‮ ‬غرفة ماكنات النّسيج لمصنع‮ "‬ريكِمْ‮".‬
جبينُها محروثٌ‮ ‬كلفيفة خيطان،
والكُشتبان هو خوذةُ‮ ‬الحرب،‮ ‬وَسِنانُ‮ ‬الإبرة‮ ‬يُغرَزُ‮ ‬في‮ ‬بطنِ‮ ‬القِماش،
منهُ‮ ‬حيكتْ‮ ‬ثيابُ‮ ‬العيد،
سراويلُ‮ ‬العَمَل،
ومنديلُ‮ ‬الدّموع‮.‬


***


كيلو وََلَد

في‮ ‬نُقطةِ‮ ‬تجميع الأيتام
توزنُ‮ ‬كيلوچرامات الحياة الباقية
في‮ ‬ملحمةِ‮ ‬عُمْرِ‮ ‬الوَلَدِ‮ ‬الرّواندي‮.‬
يداهُ‮ ‬تتشبّثان بذراع القبّان
ورجلاهُ‮ ‬مطويّتان في‮ ‬الهواء كما البهلوان
في‮ ‬أولمپيادة الإذلال‮.‬


***


قصيدة قرصنة عن الحبّ

إنْ‮ ‬تشُقّي‮ ‬بالمقصّ‮ ‬أمواج البحر
لن تجدي‮ ‬غير الماء‮.‬
وبقايا سفينة فينيقيّة،
كُنتُ‮ ‬فيها مرّةً‮ ‬عددًا لا‮ ‬يُحصَى من العبيد‮.‬
ألسّوْط الّذي‮ ‬انهال على ظهري
كان على هيأة‮ ‬يديك،
وصوتُكِ‮ ‬الآمر‮: ‬إسبحْ‮! ‬إسبَحْ‮! ‬كان حادّا كالبلطةِ‮ ‬
الّتي‮ ‬احتطبت المجاذيف‮.‬
وددتُ‮ ‬إذّاك أن‮ ‬يرفرف الحبّ‮ ‬كجمجمةٍ‮ ‬على راية سوداء،
كما في‮ ‬سفن القراصنة‮.‬
شيءٌ‮ ‬ما مُختَطَف،
شيءٌ‮ ‬ما سُلخَ‮ ‬من الجسد‮.‬



30 ‬ثانية للإنقضاض على الحَلَمَة‮‬

كانتْ‮ ‬هيَ‮ ‬أكَمَة
انتصبتْ‮ ‬في‮ ‬آخر مسار الحواجز في‮ ‬قاعدة التّدريبات العسكريّة‮.‬
كُويت‮ ‬ياقةُ‮ ‬السّماء فوقها بنشا الغيوم‮.‬
وكان خاكي‮ ‬رمالها،‮ ‬من منظر آخر،‮ ‬بيتًا من قصيدة للطّبيعة‮.‬
ولاتَ‮ ‬قصيدة،‮ ‬ولاتَ‮ ‬طبيعة‮.‬
حينما اهتزّتْ‮ ‬مَطَرَتان على الخاصرة،
رشّاش العوزي‮ ‬في‮ ‬اليد،
وأنت خندق على طوال العمود الفقري‮.‬
ما تبقّى هو أن نُلهّي‮ ‬النّفس بالحَلَمات
الّتي‮ ‬لموظّفة الكتيبة المطمئنّة دومًا
في‮ "‬جِيب" ‬الجنرال،
وتَذَكُّر الرّسام چوچن المُحتار بين أن‮ ‬يأكلَ‮ ‬الدّجاجة
الّتي‮ ‬له،‮ ‬أو أن‮ ‬يرسمَها‮.‬
هناك،‮ ‬بإزاء التّلّة،‮ ‬كُنّا مَيّتين من الجوع‮.‬


***

حليب سباع

وُلد جدّي‮ ‬في‮ ‬بلاد العَرَق
وعلى ورق القناني‮ ‬رُسمتْ‮ ‬سباعٌ‮ ‬مَمْشُوطة العُفرة
في‮ ‬هيأةِ‮ ‬نعجة‮ .‬
‮"‬هذا ملكُ‮ ‬الغاب‮"‬،‮ ‬كانتْ‮ ‬إصبعُهُ‮ ‬ترتعدُ
وفي‮ ‬شاربه الرّفيع رَسَمت الرّيحُ‮ ‬خُطوطَ‮ ‬الطّول
وخطوطَ‮ ‬العَرْض للأدْغال الّتي‮ ‬حلَمتُ‮ ‬بها‮.‬
لِحُسْن الحظّ‮ ‬أضعتُ‮ ‬الطّريق،
لولا ذاك،‮ ‬جاك دانييلز كان‮ ‬يمكنُ‮ ‬أن‮ ‬يكون أَبِي
وكانتْ‮ ‬جين ستهزّ‮ ‬سَريرَ‮ ‬الطّونيكْ‮ ‬في‮ ‬حَلْقِي‮.‬

فقطْ‮ ‬في‮ ‬القناني‮ ‬الفارغة الّتي‮ ‬نويتُ‮ ‬إلقاءَها في‮ ‬البَحْر
دفنتُ‮ ‬لذكراهُ‮ ‬ورقًا
سكرانَ‮ ‬من الحبّ‮.‬


***


كاتماندو: فوق حقول الأرز

فَوْقَ حُقُول الأَرُز
يَتَلأْلأُ ذَهَبًا رَأْسُ بُوذا.
في الدَّمْعَة الـخَفِيّة فِي عَيْنيه
يَتَجَمَّعُ مَطَرٌ لِكُلِّ السَّنَة.
وفي صَحْنِ الـمَيْدان تَنَاثَرَت
حُبُوبُ البَشَر. وُجُوهُهُمْ شاحِبَة
كَحَليبٍ يَهْتَزُّ في ضُرُوع بَقَرَةٍ مُقدّسَة.
"سَلامٌ عَلَيْكَ، مَوْلايَ المَلِك"، أَصِيحُ إلى الإيڤرِسْتْ،
وهو يَمْسَحُ بَقايا غُيُومٍ عَنْ جُفُونِه،
يَسْمَحُ للرّيح بِنَفْض رِمالٍ عَلِقَتْ في بَطْنِه،
وَيَقِفُ بُرْهَةً بكبرياء عَلَى أَطْرافِ أَصابِعِه.
مِنْ زَمان لَمْ يُذَكِّرُوه بأَنّهُ عارِضُ جِبالٍ
في مَعْرِضِ-أَزْياء اللّه.

***

وها هي سِيرَةُ أَرَقِ الشاعر العراقي سركون بولص
في مدينة لوديڤ بجنوب فرنسا




في اللّيلةِ الأُولَى، تَكَلّمَ عَلَى مَقْربَةٍ مِن اصْطَبْل
وَعَلَى رُؤُوسِ المَساميرِ في حَذواتِ الخُيُول
سُمِعَتْ طَرَقاتُ صَمْتِها.
في اللّيلة الثّانية، في غُرفةِ الخُوري، تَحْتَ مِسْمارٍ آخَر
صَلَبَ رِجْلَي يَسُوع إلى الحائط، لَمْ يَنْبسْ
بِبِنْتِ شَفَة.
في الثّالثة، في فُنْدقٍ كانَ مرّةً ماخُورًا،
حَكَّ كِلْسًا مِنْ شِفَاهِ الحِيطان
وَخَلّاهَا تَعْتَرِف.
مَنْ يَعْرِفُ، فَكّرَ، إلى أيّ ارتفاعٍ سَتَصِلُ كَوْمَةُ
الشّراشفِ الّتِي استُبْدِلَتْ على مَرّ السّنين على
ذاتِ السّرير.
لم يُغْمَضْ لَهُ جَفْنٌ في أَيّ من اللّيالي.
الوَقُودُ الّذي أشْعَلَ أَحْلامًا ظَلَّ يَجْرِي
في مُحَرِّكاتِ الطّائرات الّتِي قَصَفَتْ
قَبْرَ أَبِيه،
هُناكَ، عَلَى الأَرْضِ الّتي
أَقْلَعَتْ مِنْهَا حَيَاتُه.

***


فوطة


الزّمَنُ
رَقيقٌ
كَفُوطةٍ تَمحُو
فُتَاتَ كَلِمَةٍ
تَحْتَ اللُّغَة.
"تَمَتَّعْتَ؟" تَسْأَلُ، "إحْكِ لأصْدِقائِكَ.
مَا تَمَتَّعْتَ؟ إحْكِ لَنَا".
وَنَحْنُ، كَمَا الفَمِ، لا نَشْبَعُ أَبَدًا
مِنْ قائِمَةِ أَطْعِمَةِ الجَسَد
والحُبُّ فِي آخِر اللَّيْلِ هُوَ
كُرْسِيّ مَقْلُوبٌ
عَلَى طاولةٍ فِي مَطْعَم.
أَرْجُلُهُ فِي الهَواء،
رَأْسُهُ فِى غُيُومِ الأَرْضِيّة.


***



محتويات
ألجير
جمال
قصيدة ندم
في الطريق إلى عراد
البحر الميت
تسعة سطور عن البدوي الّذي لفظ أنفاسه من سرطان الصّحراء
الكاتالوچ الأحمر للكلمة غروب
قصيدة وطنيّة
بغداد
الشَّفْرَة الّتي‮ ‬جرحت للشِّعْر وجهَ‮ ‬الإستعارة
عزف مُنفرد على العرق
خرقة مطرّزة،‮ ‬قصيدة عن أم كلثوم
خواجا بيالك
صورة شخصيّة من الكوماندو
پناشر التاريخ في‮ ‬وادي‮ ‬يهوشافاط
شُغل عَرَب
كيلو وََلَد
قصيدة قرصنة عن الحبّ
30 ‬ثانية للإنقضاض على الحَلَمَة
حليب سباع
كاتماندو: فوق حقول الأرز
سيرة أرق الشاعر العراقي سركون بولص
فوطة

____



تنويه: غالبية القصائد نُشرت في فصليّة "مشارف" الحيفاويّة، وبعضها في موقع "إيلاف"، كما نُشر بعضها في صحف أخرى.


صدر الكتاب بالعربية:
روني سوميك، حليب سباع، منشورات ابن لقمان، مصر 2010


***


רוני סומק, חלב אריות, תרגם לערבית: סלמאן מצאלחה, הוצאת אבן לוקמאן, מצרים 2010


Ronny Someck, Lions' Milk, translated into Arabic by Salman Masalha, Ibn Luqman Publishing, Egypt 2010




مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!