الثلاثاء، 1 أبريل 2014

دولتان للغتين، عبريّة وعربيّة


سلمان مصالحة || 
دولتان للغتين، عبريّة وعربيّة

لقد آن الأوان للحديث بصراحة وطرح الموضوع بجدّية. لن يذهب اليهود والعرب من هنا إلى أيّ مكان آخر. ليس بالضرورة أن يكون المرء عبقريًّا لكي يفهم أنّ الوضع الراهن لا يُطاق من الناحينين الأخلاقية والسياسية. كُلّ من يدّعي أنّ الصّراع هو صراع قومي، يجب أن يكون لديه ما يكفي من الاستقامة والشجاعة الفكرية ليعرض رؤياه للحلّ القومي.


هنالك أشخاص، في كلّ من اليمين المعتوه وكذلك في اليسار الذي لا يقلّ عتهًا، يطرحون أفكارًا مفادها عدم التقسيم. لكن، ما لم يحصل تقسيم فلن يتمّ حلّ الصّراع. لن نصل إلى وضع الـ”شخص واحد، صوت واحد”، وإنّما إلى استمرار الاحتلال ومواصلة الغوص في المياه العادمة الدينية، اليهودية والإسلامية على حدّ سواء. يجب، إذن، وضع الأحلام الكاذبة عن الحياة في دولة ثنائية القومية جانبًا. ولأنّ الغالبية المطلقة في صفوف الجمهورين، اليهودي والفلسطيني، ترغب في العيش في بلدها حياة ذات طابع قومي، فلا مناص من تقسيم سياسي للبلاد إلى دولتين قوميّتين، بكلّ ما يعنيه هذا الكلام.

من أجل الوصول إلى إنهاء الصّراع هنالك حاجة إلى وجود نوايا حسنة لدى الشعبين. هذه النوايا الحسنة تتطلّب تذويتًا، اعترافًا عميقًا وموافقةً من جانب الطرفين على المبدأ الأساسي: يوجد للشعبين علاقة قويّة بمناطق هذه البلاد. ومن الواضح أنّ كلّ من يرفض قبول هذا المبدأ الأعلى والجوهري فإنّه لا يبحث عن حلّ حقيقي للصّراع.

يجب التأكيد على أنّ تقسيم البلاد هو تقسيم سياسي لدولتين قوميّتين: دولة عبريّة-إسرائيليّة ودولة عربيّة-فلسطينيّة. سيتأسّس التقسيم على الخطّ الأخضر، ليس بسبب قدسيّة ما تتعلّق به، وإنّما لأنّه الخطّ الذي يحظى بموافقة دوليّة واسعة. بالإضافة إلى ذلك، ومن أن أجل ضمان كون هذه التسوية بين الشعبين نهايةً للصراع، يجب أن يُسنّ في برلماني الدولتين قانون دستوري يقضي بفصل الدين عن الدولة. الغاية من قانون كهذا هي الالتفاف وقطع الطريق على الإشكالات المرتبطة بالتعريفات الدينية، الإثنيّة والقوميّة للأفراد من مواطني الدولتين.

في الوضع الذي لا تعرف فيه دولة إسرائيل تعريف من هو وما هو اليهودي، فهي لا تستطيع أن تطالب باعتراف بها كدولة يهوديّة. فكم بالحري، عندما يكون خُمس مواطنيها هم عرب يعيشون في بلدهم وفي وطنهم. لذلك، إذا ما أصرّ الجانب الإسرائيلي على الاعتراف بـ”دولة يهوديّة”، يجب الإصرار من الطرف الآخر على إضافة لا تقلّ أهميّة عن هذا التعريف، والإضافة هي: “وبلاد ووطن العرب، مواطني الدّولة”.  من الواضح أنّ “الأغلبيّة اللغويّة” في كلّ دولة هي التي تقرّر هويّتها الثقافيّة. ومع ذلك، ربّما كان من المفيد للأغلبيّة أن تتعلّم وتعرف لغة الأقليّة، لغة الجار الذي يقطن في البيت المجاور. لهذا السبب، يجب أن تُحدّد الدّولتان مكانة رسميّة للغة الدولة الجارة. إنّ الاعتراف بمكانة رسميّة للغة الجيران ضروريّ لأجل تربية الأجيال القادمة. إذ أنّ مواطني هاتين الدولتين هم أشبه ما يكونون بقاطني عمارة مشتركة. إنّهم قاطنو وطن مشترك.

وعلى غرار كلّ دولة سليمة منتظمة واستنادًا إلى القواعد المعمول بها في القانون الدولي، يجب التأكيد على أنّ القوميّة في الدّولتين القوميّتين هي قوميّة سياسيّة-مدنيّة، ليس إلاّ. فاليهودي الذي يختار العيش تحت السيادة الفلسطينيّة، يُعتَبر فلسطينيًّا بكلّ شيء، ككلّ مواطن فلسطيني آخر.  كذلك هي الحال فيما يخصّ المواطنين تحت السيادة الإسرائيليّة. إنّ الغاية من هذا الميز المقتَرَح بين القوميّة المدنيّة وبين القوميّة الدينيّة-الإثنيّة هي الالتفاف على الحاجز العالي الذي لا يمكن تجاوزه - أي المطلب بتعريف الدولة على أساس الأغلبيّة الإثنيّة-الدينيّة لمواطنيها.

للدّولة، بوصفها كيانًا سياسيًّا، لا يوجد دين. مواطنو الدولة يستطيعون أن يكونوا مؤمنين بدين كهذا أو آخر، أو أن لا يؤمنوا بأيّ دين على الإطلاق. إنّ اللّغة السائدة هي التي تُحدّد في نهاية المطاف هويّة المكان. لذلك، إنّ ما يُنهي الصّراع مرّة واحدة وإلى الأبد هو الاعتراف بفلسطين كدولة عربيّة - ليس إسلاميّة - وبإسرائيل كدولة عبريّة - ليس يهوديّة. وهكذا، قد يكون في ذلك ما يجلب الخلاص لأبناء وأحفاد إبراهيم، إسرائيل وإسماعيل، في هذه البقعة من الأرض.
*

نشرت هذه المقالة بالعبرية والإنكليزية في صحيفة “هآرتس”، بتاريخ 19.03.2014

***
For Hebrew, press here

For English, press here

*

نشرت بالعربية أيضًا في: شفاف الشرق الأوسط

مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات