الاثنين، 22 يونيو 2009

مرگ بر ديكتاتور

سـلمان مصـالحة

مرگ بر ديكتاتور

أيًّا ما كانت النتائج
التي سيتمخّض عنها الوضع في إيران إثر الانتخابات الأخيرة والمظاهرات الشعبية المطالبة بإعادتها عقب دعاوى تزوير ملالي النّظام لها، فما من شكّ في أنّ أمرًا واحدًا قد ظهر جليًّا على الملأ وهو هذه الحيويّة الشّعبيّة التي تسم الإيرانيين، والتي لا يسع الفرد العربي إلاّ النّظر إليها مشدوهًا بنوع من الغيرة. العالم بأسره يشاهد كيف يقوم النّظام الإيراني بتقييد الصحافة ومنعها من إيصال الأحداث، غير أنّ الأجيال الإيرانية الشابّة المتمكّنة من تقنيّات الاتّصالات الحديثة التي تقدّمها الثورة التكنولوجية تتخطّى كلّ القيود وتوصل إلى العالم بالصوت والصورة كلّ ما يريد نظام الملالي إخفاءه عن أعين العالم.

لقد كنت كتبت في الماضي وقبل أكثر من ثلاث سنوات، وعلى وجه التّحديد في سپتمبر 2006، مقالة أشرت فيها إلى أنّ رياح التّغيير في هذا الشّرق لن تأتي من البلدان العربيّة وإنّما من إيران ومن الشّعب الإيراني بالذّات. كما نوّهت إلى تلك التوجّهات العنصرية العربية المقيتة الّتي تسم كتابات الكثيرين من العرب العاربة والمستعربة التي تنهل من روافد الجهل والجاهلية الجهلاء تجاه الآخرين وتجاه الشعب الإيراني على وجه الخصوص.

***

ليس دفاعًا عن إيران هذا الأوان

لا يشكّ أحد في أنّي أمقت
نظام الملالي الّذي أناخ بكلكله على صدور الشّعب الإيراني منذ عودة الخميني من منفاه الأوروپي. إنّ نظام الملالي هذا تمقته أيضًا الأجيال الإيرانية الشابّة. وبوسع المرء أن يستنتج ذلك من خلال التّقارير الّتي تُنشر عن أجواء وأهواء هذه الشّريحة الإيرانيّة الكبرى في صحف أجنبيّة كثيرة، مثلما قد يلاحظها المتتبّع للبلوچات الإيرانيّة على الإنترنت. لقد كنت كتبت في الماضي إلى أنّه لو قيّض لأن يحدث تحوّل جذري في هذه المنطقة، فما من شكّ في أنّ هذا التّحوّل سيأتي من إيران بالذّات. نعم من إيران، ليس من ملالي إيران بل من الأجيال الإيرانيّة الشّابّة الّتي ستُحدث ثورة حقيقيّة في هذه المنطقة. كما بوسعنا أن نقول إنّ تحوّلاً من هذا النّوع لا يمكن أن يأتي من البلدان العربيّة وذلك لطبيعة هذه المجتمعات القبليّة، ولعلّ في ما يجري في العراق، بعد أن جُدعت قبضة السّفّاح التّكريتي، خير شاهد على ذلك. وكذا هي الحال في سائر البلاد العربيّة الّتي تشكّل في حقيقة الأمر فيدراليّات قبليّة محكومة بالحديد والنّار، أكثر منها دولاً وشعوبًا حقيقيّة يجمعها وحدة هدف ووحدة مصير.



وفي الآونة الأخيرة،
ولأسباب سياسيّة وقبليّة، وفئويّة مذهبيّة في ظاهرها وفي باطنها، بدأت تظهر على السّطح في وسائل الإعلام العربيّة ظاهرة مقيتة تشهد على هذا الدّرك العنصري الّذي وصل إليه هؤلاء الكتبة من مدّعي القومويّة العربيّة. لا شكّ أنّ القرّاء قد بدؤوا يلاحظون تلك النّبرة الّتي تتحدّث عن الفرس وأطماعهم مستعيدين مقولات من غابر العصور عن مؤامرات الفرس والعجم الّتي تُحاك ضدّ العرب. طالما أشبَعَنا هؤلاء وأمثالهم في الماضي بشعارات أخوّة الشّعوب والدّيمقراطيّة وما إلى ذلك من كلام معسول، بينما ها هي اليوم كتاباتهم تنضح بمقولات لا يمكن أن ندرجها إلاّ في خانة العنصريّة العربيّة، تجاه الفرس حينًا وتجاه الأكراد حينًا آخر، إلى آخر قائمة البشر الّذين يعيشون في بلدان العربان أو حولها.

يجب أن نضع النّقاط
على الحروف المبهمات فنقول إنّ كلّ تلك الدّعاوى الّتي يشيعها هؤلاء إنّما هي نابعة من تلك العقيدة العنصريّة الّتي يترعرع العرب عليها وينهلونها من منابع ثقافتهم قديمة كانت هذه الثّقافة أم معاصرة. في الحقيقة لم يتحرّر العرب من هذه الدّعاوى العنصريّة في يوم من الأيّام. فقد تخبو هذه النّظرة ردحًا من الزّمن، ولأسباب عديدة ليس هنا المجال لطرحها، لكنّ هذه النّعرة سرعان ما تعلو وتثور من جديد مع كلّ أزمة وجوديّة يجد العرب أنفسهم فيها.

ألا يمكننا أن نقول إنّه لولا الفرس لما عرف العرب نحو وقواعد لغتهم هم، ولولا الفرس لما عرف العرب الفنون والعمارة والتّاريخ والعلوم. فها هو سيبويه في النّحو، وها هو الطبري في التّاريخ وفي تفسير القرآن، وها هو إبراهيم الموصلي في الموسيقى والغناء، وها هو الخوارزمي في الرّياضيّات والفلك، وها هما الفارابي وابن سينا في الفلسفة والعلوم، وها هو الرازي في الطب والكيمياء والفلسفة، وها هو البيروني وها هو الإصفهاني وبوسعنا أن نعدّد الأسماء تلو الأسماء مديدًا طويلاً. فلولا هؤلاء الفرس الّذين رفدوا الحضارة العربيّة بكلّ ما هو نافع ماكث في الأرض، كيف كانت ستكون أحوال هذه الحضارة الّتي يتبجّح بها هؤلاء العنصريّون الآن؟

والعنصريّون القومويّون العرب هم هم من تنضح كتاباتهم صبح مساء بتلك النّظرة العنصريّة تجاه سائر الإثنيّات الغير العربيّة الّتي تعيش في الفضاء العربي وفي الجوار العربي. كيف ينظر هؤلاء العنصريّون القومويّون إلى أكراد سورية، أو إلى أكراد العراق؟ يتشدّق هؤلاء بصلاح الدّين ناسين متناسين كونه كرديًّا وليس عربيًّا. وكيف ينظر هؤلاء إلى الأمازيغ في المغرب وقبائل شمال أفريقيا؟ ناهيك عن السُّمر في السّودان، وأهل دارفور؟ كذلك، انظروا ما آلت إليه حال الأقباط، وما أدراكم ما حالُ الأقباط؟

إنّ نطام الملالي زائل لا محالة،

لأنّ هذه هي سنّة التّاريخ. لن يستطيع نظام الملالي في إيران من مجاراة العصر رغم ما قد يبدو لأوّل وهلة. إنّ هذا النّظام قادم من عصور قديمة، وهو نظام عائد إلى عصور قديمة، ولذلك فإنّ كلّ توجّهاته هي توجّهات صِدامٍ مع الحضارة المعاصرة مع مستقبل البشر. إنّ زرع هذه الأيديولوجية الصّدَاميّة لدى الشّعب الإيراني هي الأفيون الّذي يخدّر به هؤلاء الملالي أهل هذه البقعة من الأرض. وهذه البقعة هي البقعة الّتي وضعَ الإسلامُ السّياسي (وفي الحقيقة لا يوجد إسلام غير سياسي) على عقول أهلها حجابًا حاجزًا يحجب عنهم حقائق هذا العالم، من أجل حملهم إلى العودة إلى الماضي المُتَخَيَّل. إنّ الحنين إلى ذلك الماضي الموهوم هو خير شاهد على العياء المعاصر، الحاضر في كلّ مجال من مجالات الحياة العربيّة؛ كما أنّه خير شاهد على انسداد الأفق الحضاري العربي للمستقبل المنظور. لهذا السّبب بدأنا نرى شيوع كلّ تلك التّعابير العنصريّة الّتي تنضح من كتابات بعض القومويّين الّذين آن الأوان إلى كشف عنصريّتهم البغيضة المتستّرة خلف شعاراتهم وبلاغتهم البليدة. إنّ هذه التّعابير والمقولات العنصريّة هي خير شاهد على بلادة ّهؤلاء وعلى عمق جهلهم. وعلى ما يبدو فإنّ طَبْعَ هؤلاء يغلب تَطَبُّعَهم، مهما تظاهروا بغير ذلك.
وعندما تكون الحال على هذا المنوال، فبئس المآل!


***


ولقد ذكرت أكثر من مرّة
أنّه ورغم كلّ ما يقال عن النظام الإيراني إلاّ أنّه يبقى والشعب الإيراني أكثر تعدّديّة وديمقراطيّة من جميع الأنظمة والشّعوب العربيّة كافّة. كما أشرت في أكثر من مناسبة إلى أنّ البلد الوحيد في هذه المنطقة الّذي قد تحدث فيه ثورة ديمقراطيّة حقيقيّة هو إيران بلا أدنى شكّ. إنّ الشّعب الإيراني المتحضّر والمنفتح على الحضارات بحاجة إلى دعم جميع المتنوّرين في هذا العالم، وهو بحاجة إلى دعم المتنوّرين العرب على وجه التّحديد، لأنّ الثّورة التّنويريّة الحقيقيّة في هذا الشّرق ستأتي من إيران بالذّات، بعد أن يطيح الشّعب الإيراني بنظام الملالي القابع في غياهب الماضي (إقرأ:
"لا فضل لعربي على أعجميّ إلاّ بالقهوة"). وها هي الجماهير الإيرانية قد خرجت إلى الشّوارع صارخة على الملأ: "مرگ بر ديكتاتور" (الموت للدكتاتور)، وذلك بخلاف الجماهير العربيّة التي تخرج فقط لتصرخ صرخة مختلفة، وهي صرخة أضحت ماركة مسجّلة عليها وباسمها، ألا وهي صرخة "بالرّوح بالدّم نفديك يا فلان"، كائنًا من كان على رأس قبائل العربان. ربّما كان هذا هو الفرق بين معدن الإيرانيوم ومعدن العربانيوم.

وأخيرًا، لا يسعنا سوى أن نقول نحن العرب أيضًا، لقد آن الأوان لأن نصرخ: "مرگ بر ديكتاتور"، لكلّ المستبدّين من العربان، كائنًا من كان ذلك المستبدّ، أكان رئيسًا يورّث الرئاسة لأبنائه من الولدان، أو كان ملكًا جاهلاً لا يعرف القراءة والكتابة ولا حتّى التّفوّه بجملة عربية سليمة في ممالك وأمارات وسلطنات جزيرة العربان، إلى آخر قائمة سلالات الكذب والبهتان.

والعقل ولي التوفيق.

***

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات