في مسائل إسرائيل والأقليّة ومواقف جنبلاط


تعقيب حول تصريحات جنبلاط:
عملاً بمبدأ حرية الرأي، ومهما كان هذا الرأي سخيفًا ولا يتطرّق للموضوع المطروح، ننشر هنا هذا الردّ الذي نشره مفوّض الإعلام في الحزب التقدّمي الاشتراكي على مقالتي المنشورة في صحيفة «الحياة»، ونترك للقارئ النبيه أن يستجلي الأمور ما بين السطور وما وراء السطور. (س. م.)

رامي الريس ||

في مسائل إسرائيل والأقليّة ومواقف جنبلاط


طالعنا السيد سلمان مصالحة في «الحياة» (السبت 22 تموز - يوليو 2017) بقطعة سوسوليوجية سيكولوجية، عكست في بعض جوانبها انفصاماً فاقعاً في الفهم والتحليل، متوجهاً بالنقد إلى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط حيال موقفه الأخير من تطورات الأحداث في فلسطين المحتلة (التي لا يتردد مصالحة بتسميتها إسرائيل، متناسياً أنها تحتل أرض وطنه)، ومعتبراً أن مواقف جنبلاط لا تشكل «مثالاً يقتدى لدى (هذه) الأقلية التي بقيت في وطنها على رغم كل الصعاب».

كان حرياً بمصالحة الذي يدرّس في الجامعة العبرية بالقدس أن يعود إلى التاريخ القريب، عندما اتخذ وليد جنبلاط سلسلة من الخطوات والمواقف لدعم عرب 48، وعقد مجموعة من اللقاءات في الأردن مع ممثلين عنهم انطلاقاً من حرصه على تعزيز التواصل وتثبيت الهوية العربية للدروز في فلسطين. ولكن، يبدو أن هذا ما يزعج السيد مصالحة الذي يود تغطية انخراطه في الحياة الإسرائيلية بعنوان: النضال السياسي من الداخل!

هل يتعرّض جنبلاط لوحدة «الأقلية»، كما يسمّيها مصالحة، عندما يطلب منها ومن أبنائها تعزيز وحدتهم الوطنية مع إخوتهم الفلسطينيين وعدم الانصياع لمخططات الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول دوماً أن يوحي بأنه يمنحهم امتيازاتٍ لا تعدو كونها مجرد وعود وهمية، فيما لا يتوانى الجيش الإسرائيلي عن دفعهم إلى الصفوف الأمامية في الجبهات!

هل يتعرض جنبلاط لوحدة «الأقلية»، عندما يحذّر من تصديق هذه الوعود الوهمية والانجرار وراء مخططات مشبوهة يسعى إليها الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتوانَ عن طرد الفلسطينيين من بيوتهم وأرزاقهم واحتلالها والتوسع الاستيطاني فيها؟

هل يتعرض جنبلاط لوحدة «الأقلية» عندما يدعو إلى رفض الخدمة العسكرية الإلزامية (مع التركيز على أبناء هذه الأقلية) في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي كي لا يرفع المجند بندقيته في وجه شقيقه الفلسطيني؟

وهل يتعرض جنبلاط لوحدة «الأقلية» عندما ينادي بالوعي والحكمة والشجاعة لمواجهة الاحتلال عندما يقول: «إلى العرب الدروز في فلسطين، احذروا من فخ الفتنة مع إخوانكم العرب التي تريدها سلطة الاحتلال الإسرائيلي».

واضحٌ أن مفهومكم للنضال لا يلتقي مع مفهومنا، ومفهومكم للاحتلال أيضاً لا يلتقي مع مفهومنا.

وليد جنبلاط لا يبحث عن زعامة عابرة للحدود، فهو يملكها حتى لو لم يجاهر بها، وإلا ما الذي يبرر هذا المقدار من الاستفزاز الذي شعرتم به لو أنه كان فعلاً مجرد «زعيم طائفي لبناني» كما وصفتموه؟

حبذا لو تقرأون بين السطور جيداً، وأنتم من أساتذة «الأدب العربي»!

* مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي

الحياة، 25 يوليو 2017

انظر أيضًا: الأنباء، صحيفة الحزب التقدمي الاشتراكي

----




دفاعًا عن سورية


أرشيف: يناير 2008-

سلمان مصالحة ||

دفاعًا عن سورية


قد يتفاجأ بعض القرّاء
من عنوان هذه المقالة، وخاصّة لمعرفة القرّاء من مواقفي ضدّ نظام البعث الحاكم في سورية والّتي عبّرت عنها هنا وفي أكثر من مكان. فمن جهة أولى يمكن الإشارة إلى:

أوّلاً: التّوريث
بعد أن جثم الأسد الأب على صدر الشعب السّوري عقودًا من الزّمن، وبعد أن تقدّم به الزّمن كما هي سنّة الحياة، طفق يعمل على توريث الكرسي، فصفّق له ما يسمّى زورًا وبهتانًا "مجلس الشّعب" لهذه الخطوة الـ"مباركة"، وكأنّ الشّعب السّوري قد اختُزل بأسره في هذه الأسرة الحاكمة؟ هكذا أضحت بين ليلة وضحاها ما يسمّى زورًا وبهتانًا أيضًا "ثوريّة" البعث إلى "ثورثيّة" البعث، أي ثوريّة توريثيّة. ولكنّ التّوريث السّياسي العربيّ قديم قدم هذه البقعة من الأرض، فقط الشّعارات تتغيّر غير أنّ الطّبع العربي لا تُغيّره الشّعارات مهما تظاهرت بالثّوريّة، إذ أنّ الطّبع القَبَلي البَرِّي العربيّ يغلب التّطبُّع البِرِّي للمجتمعات المعاصرة.

ثانيًا: السّجن السّوري
من الواضح أنّ نزوع النّظام الحاكم في الشّام إلى تحويل البلد سجنًا يزجّ فيه بأبناء الشّعب السّوري من أصحاب الرأي الّذي يتعارض مع توجّهات هذا النّظام، وفقط لمجرّد الرأي المخالف، إنّما هو نابع في الحقيقة من ذعر هذا النّظام. إنّ النّظر إلى بنود الاتّهام الّتي توجّه للمثقّفين السّوريّين الّذين يزجّ بهم النّظام في السّجون هي مثار للسّخرية، وأبرز مثال على ذلك التّهمة المتمثّلة ببند "النّيل من هيبة الدّولة". لستُ رجل قانون، غير أنّي أكاد أجزم بالقول إنّه لا يوجد رجل قانون في العالَم بوسعه تفسير هذا البند المضحك، ناهيك عن كونه تهمة يُعاقَب عليها أصلاً. رُبّما مُدّعو الفلسفة والمجتمع المدني من مراهقي العروبة هم الوحيدون الّذين يستطيعون تفسير هذا البند السّخيف على شاكلتهم.

لقد تحوّل هذا الذّعر إلى رهاب مزمن في نفسيّته. لذلك فإنّ القمع الّذي يمارسه إنّما هو تعبير صارخ ذعر عميق لدى النّظام من أيّ تحوّل نحو الدّيمقراطيّة. إنّ هذا لذّعر له ما يبرّره، لأنّ النّظام أدرى بما يفعل بأبناء الشّعب السّوري على اختلاف ملله وطوائفه وإثنيّاته. إنّه ذُعر من إمكانيّة الانتقام الشّعبي من زمرة هذا النّظام، ولذلك لا يجد النّظام سبيلاً أمامه سوى سبيل تشديد القبضة وقمع البشر، على غرار سفّاح العراق البعثي القبلي التّكريتي، غير المأسوف عليه.

ثالثًا: تحرير الجولان
منذ الاحتلال الإسرائيلي للجولان في حزيران 67، لم يُحرّر نظام البعث شبرًا واحدًا من الجولان. ورغم كلّ ما يتشدّق به هذا النّظام من تسمية حرب أكتوبر 73 ووصفها بـ "حرب تشرين التّحريريّة"، إلاّ أنّ الحقيقة هي خلاف ذلك تمامًا. فحتّى مدينة القنيطرة السّوريّة في الجولان المحتلّ لم تُحرّر بل تمّ إعادتها إلى سورية من خلال مفاوضات فكّ الاشتباك بين القوّات الإسرائيليّة والسّوريّة مع وقف النّار. هذه الحقيقة يتمّ إخفاؤها لغاية في أنفس اليعاقيب. إنّ تقادم عهد تلك الأيّام عن الأجيال الجديدة لا يُغيّر من الحقيقة شيئًا. ومنذ ذلك الأوان لم تُطلق طلقة واحدة على هذه الحدود. أي أنّ جبهة الجولان هي أكثر الجبهات هدوءًا في الشّرق الأوسط منذ عقود طويلة، حتّى بعد ذلك القصف الإسرائيلي للمنشآت العسكريّة السّوريّة في دير الزّور الواقعة في العمق السّوري.

رابعًا: وبعد أن وقّعت
جمهورية مصر العربيّة اتّفاقيّة سلام مع إسرائيل، وتبعتها لاحقًا المملكة الأردنيّة الهاشميّة بتوقيع اتّفاق سلام آخر مع إسرائيل، ما يعني في نهاية المطاف خروج هاتين الجبهتين من المواجهة، فقد وجد نظام البعث الحاكم في سورية أنّ طرق المجابهة من أجل تحرير الجولان بمساعدة آخرين قد انسدّت أمامه. ولأنّ هذا النّظام البعثي الشّامي لا يبادر إلى حرب من طرفه من أجل تحرير أرضه، وإنّما ينضمّ في المؤخّرة إلى محاربين آخرين، فهو يجنح إلى التّخريب في كلّ مكان، وفي هذه الأثناء يملأ الإعلام بجعجعة الشّعارات القوميّة الطنّانة ليس إلاّ. هذه هي طبيعة هذا النّظام، ولذلك فإنّه على استعداد لمحاربة إسرائيل حتّى آخر لبنانيّ وحتّى آخر فلسطيني. هذا هو التّفسير الوحيد لإصراره على مواصلة التّخريب في لبنان وعدم الاعتراف باستقلال هذا البلد وتبادل السّفراء معه، وهذا هو التّفسير الوحيد أيضًا للّعب بأوراق الأحزاب الفلسطينيّة الإسلاميّة. لهذا السّبب سيواصل هذا النّظام اللّعب بلعبة التّخريب هذه، لأنّها في نهاية المطاف اللّعبة الوحيدة الّتي بقيت بحوزته، فلا لعبة له سواها.

خامسًا: ولكن ومن جهة أخرى،
وبالنّظر إلى ما ذكرنا آنفًا، فهل كلّ ما ذكرنا هي طبيعة النّظام السّوري لوحده؟ فعندما نقرأ لبعض الكتّاب الّذين يجدون متنفّسًا لهم في نقد هذا النّظام فحسب ملتزمين الصّمت تجاه سائر الأنظمة العربيّة، فإنّنا نشكّ في مصداقيّتهم أصلاً. فها هو النّظام المصري يعمل جاهدًا، على غرار نظام البعث، على التّوريث في أرض الكنانة. وها هو مهرّج ليبيا يعمل هو الآخر على توريث "الجماهيريّة العربيّة الاشتراكيّة العظمى"، وها هي سائر الأقطار من ممالك وإمارات وسلطنات تعمل كلّها على التّوريث، لا فرق. وها هي الأحزاب اللّبنانيّة على اختلاف مللها ونحلها ليست سوى محميّات قبليّة تعمل بالتّوريث هي الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، أنظروا ماهي حال المرأة في سائر الإمارات والسّلطنات والممالك الّتي تعيش في القرون الوسطى بقوانين ظلاميّة من تلك القرون. أليس من حقّنا أن نقول كلمة واحدة بهذه الأمور أيضًا؟

صحيح أنّ النّظام السّوري يلعب بالأحزاب الإسلاميّة القادمة من خارج سورية من أجل مصالحه ليس إلاّ، لكن من جهة أخرى هذه هي اللّعبة السّياسيّة، لعبة مصالح وموازين قوى. فليتعلّم الآخرون النّظر إلى مصالحهم هم، فلا توجد عروبة، فالعروبة أيّها الأخوة هي أكذوبة.

وأخيرًا على الأقلّ تبقى نقطة ضوء واحدة لدى هذا النّظام، رغم كلّ الانتقادات ضدّه. ونقطة الضّوء هذه هي "حظر حركة الإخوان المسلمين". في الحقيقة يجب حظر كلّ الأحزاب الدّينيّة في كلّ مكان على هذه الأرض، وعلى وجه الخصوص في العالم العربي، لأنّه لن تقوم لهذا العالم قائمة ما لم يفعل ذلك.
والعقل وليّ التّوفيق.
*
نشر: إيلاف، 31 يناير 2008

***

عن كلام جنبلاط ومن قد يقولون قوله

مخترة جنبلاط وأمثاله -


إنّ الزعامات الطائفية الوراثيّة والتوريثيّة في هذا المشرق، وجنبلاط أحد أمثلتها البارزة، لا يمكن بأيّ حال أن تشكّل مثالاً يُقتدى لدى هذه الأقليّة التي بقيت وصمدت في وطنها على رغم كلّ الصعاب.


توريث على الطريقة العربية

سلمان مصالحة ||

عن كلام جنبلاط ومن قد يقولون قوله


بدل أن تشتغل الزعامات الطائفية اللبنانية، على تشكيلاتها وتقليعاتها الدينية والدنيوية كافّة، في حلّ مشكلاتها المزمنة، تظهر علينا هذه الزعامات بين فينة وأخرى عبر شتّى وسائل الإعلام محاولة تصدير جميع عيوبها السياسية والاجتماعية إلى محيطها. والعيوب كما هو معروف هي عابرة للحدود الجغرافية والسياسية، فما بالكم بهذا النوع القاتل من العيوب القبليّة والطائفيّة؟

ولأنّ الأقربين، كما يقال، أولى بالمعروف، نجد لزاماً علينا أن نضع النقاط على الحروف المبهمات. إنّ الكلام هذه المرّة سيُوجّه إلى «البيك»، زعيم المختارة والزعيم اللبناني وليد جنبلاط. والمناسبة هي ما أُشيع ونُشر من كلام منسوب إليه في شأن تبجيل مواطنين من إسرائيل نفّذوا العمليّة في «الحرم القدسي»، وإسباغه عليهم نعت «المجاهدين». لقد تصادف أن كان ضحايا هذه العمليّة حارسين شرطيّين على أبواب «الحرم القدسي» ينتميان إلى الطائفة العربية الدرزية. بالتأكيد، لم تكن العملية موجّهة ضدّ أفراد ينتمون إلى الدروز، غير أنّ جنسية المنفذين الإسرائيلية والموقع المقدّس الذي نُفّذت فيه أثارت حساسيّات طائفيّة، سارع الكثيرون إلى إخمادها قبل أن تتطوّر إلى أمور لا تُحمد عقباها.

إنّ الأحداث التي تعصف بهذا المشرق في الأعوام الأخيرة تصل أصداؤها إلى هذه الربوع التي تعيش فيها الأقلية العربية بظروفها الخاصّة في إسرائيل. وعلى رغم كلّ النّزيف العربي الطائفي المقيت خلف الحدود، حافظت هذه الأقليّة بحدسها الطبيعي وببصيرة العقلاء فيها، من مختلف الطوائف، على لحمتها الاجتماعيّة. وعلى رغم كلّ الصعوبات لم تدع هذه الأقليّة كلّ هذا الشرار الطائفي أن يُشعل حريقاً في ربوعها وبين صفوفها.

من هذا المنطلق ولأنّنا هنا في هذه الربوع، وعلى غرار أهل مكّة، أدرى بشعابنا هنا، بل أبعد من ذلك، لأنّنا هنا أدرى ليس فقط بشعابنا، بل بشعوبنا أيضاً، فإنّ الكلام موجّه إلى جميع زعماء الطوائف والقبائل عبر الحدود أن يتركوا هذه الأقليّة وشأنها.

إنّ الزعامات الطائفية الوراثيّة والتوريثيّة في هذا المشرق، وجنبلاط أحد أمثلتها البارزة، لا يمكن بأيّ حال أن تشكّل مثالاً يُقتدى لدى هذه الأقليّة التي بقيت وصمدت في وطنها على رغم كلّ الصعاب. إنّ الأجيال العربية الناشئة لدينا تبحث عن مستقبل آخر يقع على طرف نقيض لكلّ ما تراه من حولها. هذه الأجيال تبحث عن سُبُل لتخطّي كلّ هذه الأوبئة الاجتماعية التي تشهدها في هذا المشرق العربي النازف.

لهذا السبب، ولأسباب كثيرة أخرى لا يتّسع المجال للتطرّق إليها الآن، ليس من قبيل الصدف أنّ هذه الأقليّة العربية في إسرائيل وبجميع طوائفها، وكما يتّضح من كلّ الاستطلاعات التي أُجريت في الأعوام الأخيرة، لا ترغب بأيّ حال من الأحوال أن تكون جزءاً من أيّ كيان سياسيّ عربيّ أو فلسطيني على الإطلاق. وهذا ما تعبّر عنه أيضاً القيادات السياسية، الثقافية والاجتماعية الفاعلة بين صفوف هذه الأقليّة.

هذه هي حقيقة هذه الأقلية الباقية في وطنها الذي صار جزءاً من الكيان السياسي الإسرائيلي. فنضال هذه الأقلية نضال سياسي ضمن الكيان السياسي الإسرائيلي. وفي هذا النضال لا مكان بأيّ حال من الأحوال وفي أيّ من الظروف، لا للدواعش ولا لأشباه الدواعش بيننا. لهذا أيضاً، يجب التحلّي بالشجاعة الأخلاقية ونبذ وإدانة كلّ نبرة طائفيّة، مهما صغرت ومهما كان مصدرها. إذ إنّ هذا الشرار الطائفيّ سرعان ما ينتشر ويشعل الحرائق التي لا تُبقي ولا تذر.

وخلاصة القول، إنّ المخترة تضحي أحياناً مخطرة. لهذا فإنّ الزّعامات الطائفية والدينية في هذا المشرق، على اختلاف تشكيلاتها، مدعوّة إلى حلّ مشاكلها وإشفاء عيوبها المزمنة في مواقع وجودها بدل العمل على نقلها إلى ربوعنا. لسنا بحاجة إلى اقتناء هذا النوع من العيوب، فلدينا ما يكفي منها ونحن نصارعها بأنفسنا. وكما ذكرت آنفاً، نحن هنا أدرى بشعابنا منكم، ونحن هنا أدرى منكم بشعوبنا وشعوبكم أيضاً.
*
الحياة، 22 يوليو 2017

***

تعقيبات على المقال:
رامي الريس، مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي، الأنباء
قصي الحسين، أستاذ في الجامعة اللبنانية، الأنباء
 

الانقسام الفلسطيني يخدم إسرائيل


أيّ خطوة لتحريك العملية السلمية بين الجانبين تستدعي الإطاحة بالقيادات السياسية الحالية في كلّ من إسرائيل وفلسطين.

سلمان مصالحة ||


الانقسام الفلسطيني يخدم إسرائيل


كل من اعتقد أو عقد آمالاً في الماضي على تدخّل القوى العظمى لحلّ الصراع الإسرائيلي العربي، أو الإسرائيلي الفلسطيني تحديدًا، قد عاد بخفّي حنين. وكلّ من لا يزال يملك ذرّة من اعتقاد بأنّ العالم، وفي مقدّمه الولايات المتحدة، سيُقدم على اتّخاذ خطوات عملية لدفع مسيرة ما لحلّ هذه القضية المُزمنة سيُمنى، بلا أدنى شكّ، بخيبات متجدّدة.
المرّة الوحيدة التي حصلت فيها حلحلة ما على المسار الإسرائيلي الفلسطيني كانت في أوسلو، أي بمبادرة ذاتية فلسطينية-إسرائيلية. وفقط بعد أن حيكت صفقات أوسلو بين الجانبين دخلت الولايات المتحدة على الخطّ، أو تمّ إعلامها وإشراكها، لأجل مباركة ما اتّفق عليه الجانبان بمباحثات سريّة بينهما.

هذه هي حقيقة سلوكيّات القوى العظمى والمؤثّرة، فهي لا تشحذ أظفارها لتحكّ جلود المتصارعين. فهذه القوى لا تتدخّل في الصراعات الإقليمية إلاّ في حال حصول تهديد لمصالحها المباشرة. كذا كان في الماضي وكذا سيكون.

طالما انتظر العرب في الماضي أن يحصل تغيير مع تبدّل الإدارات الأميركية بعد الانتخابات، غير أنّ شيئًا لم يحدث بعد استبدال رئيس وإدارة برئيس آخر وإدارة أخرى.

وها هم الفلسطينيّون والعرب ينتظرون أن يأتي الفرج من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. لكن، يجب ألاّ يغيب عن الأذهان أنّ أميركا لا تحرّك ساكنة إلاّ حينما تشعر أنّ مصالحها مهدّدة.

ولكن، حتّى لو افترضنا أنّ ثمّة مصلحة للعالم وللولايات المتحدة في دفع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للدخول في مفاوضات سلام والمضيّ قدمًا بغية إنهاء الاحتلال وحلّ هذا الصراع، فهل هنالك قيادات إسرائيلية وفلسطينية بوسعها اتّخاذ قرارات صعبة غايتها الوصول إلى حلّ ينهي الصراع على هذه الأرض؟

من ينظر بعيون بصيرة إلى الواقع في الحالين، الإسرائيلية والفلسطينية، يرى أفقًا مسدودًا، ففي الجانب الإسرائيلي، لا يمكن الوثوق بهذه الحكومة الإسرائيلية وبقدرتها على اتخاذ قرارات بهذا الحجم الذي يتطلّبه حلّ القضايا الجوهرية لهذا الصراع المتمثّلة بانهاء الاحتلال الجاثم منذ خمسة عقود، بما فيه احتلال القدس الشرقية، وإيجاد صيغة لحلّ قضيّة اللاجئين. هذه الحكومة الإسرائيلية ترتكز على أركان من أقصى اليمين الديني والدنيوي وهي أكثر الحكومات تطرّفًا في هذه القضايا. وحتّى لو افترضنا أنّ تركيبة هذه الحكومة الإسرائيلية قد تبدّلت بعد انتخابات قادمة، أو لتغيير حاصل في الائتلاف الحكومي، فهل هذا الأمر يضمن تقدّمًا في مسار السلام؟

وماذا بشأن الوضع السياسي الفلسطيني من الجهة الأخرى؟ بخصوص هذا الجانب الفلسطيني، فحدّث ولا حرج. إذ إنّ الانقسام السياسي الفلسطيني منذ عقد من الزمان، والذي لا يبدو أنّه ذاهب إلى انفراجة في المستقبل المنظور، ينفي وجود قيادة فلسطينية واحدة بوسعها اتّخاذ قرارات بحجم حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فلا سلطة الضفّة الغربية تستطيع التحدّث باسم غزّة، ولا سلطة غزّة تستطيع التحدّث باسم سلطة رام الله. وكلّ هذا ناهيك عن إمكانية الحديث أو اتّخاذ قرارات ديمقراطية يقبل بها الفلسطينيّون.

وهكذا، فإنّ هذا الانقسام السياسي الفلسطيني المستحكم على الأرض يخدم في نهاية المطاف اليمين الإسرائيلي الذي يعيد ويكرّر دعوى عدم وجود شريك فلسطيني لعقد اتفاقية سلام تنهي الصراع.

لذلك، وعلى خلفية هذا الوضع المظلم في هذا الملفّ فإنّ أيّ خطوة لتحريك العملية السلمية بين الجانبين تستدعي الإطاحة بالقيادات السياسية الحالية في كلّ من إسرائيل وفلسطين. إنّ القيادات الحاليّة لدى الطرفين غير مؤهّلة أو غير قادرة على اتّخاذ قرارات تاريخية بهذا الحجم.
*
الحياة، 14 يوليو 2017


حيثما يشيخ المجرمون


سلمان مصالحة ||

حيثما يشيخ المجرمون


حَيْثُما يَشِيخُ المُجْرِمُونَ،
لا يَنْبُتُ زَرْعٌ فِي السُّهُول.
لا يُزْهِرُ وَرْدٌ عَلَى خُدُودِ
الصَّبايا، وَلا الوَعْدُ عَلَى
قُيُودِ الحَكايا. لا تَحْلُمُ
الأَرْحامُ بِالوُعُولِ.

حَيْثُما يَشِيخُ المُجْرِمُونَ،
لا تُسْتَساغُ فِي الفَمِ لُقْمَةٌ.
لا يُحْسَبُ الصُّبْحُ فِي عِدادِ
الزَّمَنِ، وَلا يُنْسَبُ المَساءُ
إلَى خَيالِ النّاسِ. حَيْثُما
يَشِيخُ المُجْرِمُونَ، لا تَغِيبُ
الشَّمْسُ وَراءَ الأُفُقِ، وَلا
يَدْلِفُ النُّعاسُ لِلْعُيُونِ.

حَيْثُما يَشِيخُ المُجْرِمُونَ،
لا يَعْرِفُ المُؤْمِنُونَ سَبِيلاً
إلَى اللّٰهِ. الغائِبُ لا بَيْتَ لَهُ
فِي قُبَّةِ السَّماءِ، ناهِيكَ عَنْ
أَدِيمِ الأَرْضِ. لا يُثْمِرُ حَمْلٌ
فِي الأَحْلامِ. حَيْثُما يَشِيخُ
المُجْرِمُونَ، لا يَكْبُرُ طِفْلٌ
فِي الحُقُول.

حَيْثُما يَعِيشُ المُجْرِمُونَ
لا يُكْتَبُ شِعْرٌ أَبَدًا.
لا يُحْسَبُ النَّثْرُ مَدَدًا.
وَلا الصَّمْتُ يُنْسَبُ عَدَدًا.

حَيْثُما يَعِيشُ وَيَشِيخُ
المُجْرِمُونَ،
لا تُسْتَساغُ اللُّقْمَةُ،
وَلا تُسْتَساغُ
حَتَّى النَّقْمَةُ.
*
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!