الاثنين، 21 نوفمبر 2011

نكتة الربيع العربي



الخروج من السّبات لا يأتي بالعودة إلى تعدّد الزوجات، بل بتحديد النّسل وبتزاوج العرب مع المدنية المعاصرة...

سلمان مصالحة


نكتة الربيع العربي


سارع الكتاب والمحلّلون العرب،
مثلما هي الحال دائمًا، إلى تبنّي مصطلح الربيع العربي الذي أشاعته الصحافة الأجنبيّة بخصوص الانتفاضات التي ضربت بعض الأقطار العربية، دون سواها. والحال هذه ليست جديدة، فكثيرًا ما تقع عين المرء حتّى على ترجمات للجغرافيا العربية والتاريخ العربي والأسماء العربية من اللغات الأجنبية منشورة مشوّهة بالأخطاء في الصحافة العربية على طول العالم العربي وعرضه. فالكتّاب والمحرّرون لا يكلّفون أنفسهم عناء الفحص والتدقيق فيما يكتبون وينشرون وهكذا يختلط حابلهم ونابلهم بحابل ونابل القرّاء الذين يمرّون على كلّ هذه الأخطاء مرّ الكرام.

هذه هي أيضًا حال هذا
”الرّبيع العربي“، كما يسمّونه، والذي ملأ الشّاشات، أجنبية وعربية، دون أن يتفكّر أحد فيما هو جارٍ في الحقيقة على الأرض. مرّة أخرى يترجم العرب توصيف أحوالهم دون أن يكلّفوا هم أنفسهم النّظر إلى ما هو جارٍ في ساحاتهم. إنّها حال مضحكة مبكية حقًّا. إذ كيف يتبنّى مثلاً كلّ هؤلاء الطائفيّين في بلدهم الحديث عن ربيع عربيّ بينما هم غارقون حتّى أخمص قدميهم في وحل الطائفيّة، كما هي حال لبنان، على سبيل المثال لا الحصر؟ بل وأكثر من ذلك، كيف يتحدّث كلّ هؤلاء عن ”ربيع عربي“، في الوقت الذي تتحوّل فيه هذه الانتفاضات إلى حرق للكنائس، كما حصل في مصر؟ وكيف يمكن الحديث عن ”ربيع عربيّ“ عندما يخرج عبد الجليل في ليبيا وبعد مقتل العقيد بتصريح أوّل يكشف أنّ كلّ همّه هو إعادة العمل بالشريعة وبتعدّد الزّوجات؟

ولكي لا يُفهَم من كلامي
كما لو أنّي أقلّل من أهميّة هذه الانتفاضات، أقول إنّ جميع أنظمة الاستبداد العربيّة، على شتّى تنويعاتها الملكية والجمهورية، يجب أن تذهب إلى الجحيم. كما أودّ التأكيد على أنّ الخروج ضدّ الاستبداد، كلّ استبداد مهما كان منبعه، هو بلا شكّ خروج مبارك. إنّه مبارك على وجه الخصوص في الحال العربية التي لم تعرف في يوم الأيّام عيشًا خارج الاستبداد. لكن، يبقى السؤال الذي لا مناص من طرحه حول ما يجري في هذا العالم العربي التي تذرو فيه الرّياح الغربيّة كثبان هذه الشّعوب العربيّة فتتحرّك هذه الكثبان في هذه البقعة الشاسعة من الأرض دون أن يعرف أحد أين ستحطّ الرّحال.

فهل هذا هو الرّبيع العربيّ؟
من الملاحظ أنّ هذه الانتفاضات قد نشبت بالذّات في البلاد التي تتّبع أنظمة حكم ”جمهوريّة“. وهي جمهورية شكليّة طبعًا لم تنبن على أيّ أسس جمهورية أصلاً. بل وأكثر من ذلك، لقد ضربت هذه الانتفاضات تلك الأنظمة التي أشبعت النّاس شعارات كاذبة حول العروبة والوحدة والاشتراكية والصمود والتصدّي والمقاومة والممانعة وما إلى ذلك من بلاغة بليدة تدغدغ عواطف العامّة من النّاس، في الوقت الذي كان ينصبّ فيه جلّ اهتمامها على تخليد السلطة القبلية والطائفية حاكمة مستبدّة بالحديد والنّار.

بكلمات أخرى، يمكننا القول إنّ هذه الانتفاضات هي في الحقيقة ضدّ هذه العروبة الزّائفة التي لم تزرع شجرًا، لم تبنِ حجرًا ولم تخلق بشرًا أحرارًا. لقد وضعت هذه الأنظمة نصب أعينها وطرًا واحدًا هو تلقُّف الحكم والاستفراد به إلى أبد الآبدين. إنّها تسير في ذلك على هدي السّلف السالح، منذ أن ظهر هذا السّلف على مسرح التاريخ. يكفي العودة إلى هذا التاريخ العربي لمعرفة ما آلت إليه حال هؤلاء الخلفاء، إذ أنّ الغالبيّة العظمى من هؤلاء الخلفاء قد لقوا مصيرًا كمصير القذّافي من القتل والسحل والتمثيل بجثثهم.

يكفي هنا أن نورد هذه الرواية
عن خطبة أبي سفيان لبني أميّة، مشبّهًا السّلطة بالكرة، إبّان خلافة عثمان بن عفّان: ”يا بني أميّة! تلقّفوها تلقُّف الكرة. فوالّذي يحلف به أبو سفيان: ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولاقيامة“. هذه هي حقيقة الصّراع على السّلطة في هذا التاريخ العربي والإسلامي. وهو التاريخ الذي يتبجّح به الإسلامويون على اختلاف مشاربهم في محاولة لدغدغة عواطف العامّة. يعرف الجميع ماذا كان مصير عثمان في نهاية المطاف. إنّه مصير شبيه بمصير القذّافي بعد قرابة ألفية ونصف من السنين.

حتّى هذه اللّحظة، لا نرى
بشائر حقيقية لربيع عربيّ. لا نرى برامج وخططًا تهدف إلى إخراج هذه الأمّة من سباتها. الخروج من السّبات لا يأتي بالعودة إلى تعدّد الزوجات، بل بتحديد النّسل وبتزاوج العرب مع المدنية المعاصرة. يجب التأكيد على أنّه لن يحصل تزاوج عربي مع المدنية دون تطليق الماضي العربي بالثّلاثة.

لقد كنت ذكرت في الماضي إنّ العرب هم أكثر شعوب الأرض احتياجًا إلى ثورة أتاتوركية تفصل الدين عن الدولة. إذ أنّه فيما يخصّ العرب، فليس أبو سفيان وأمثاله، بل إنّ أتاتورك بالذّات هو الحلّ.
***
نشرت:
”إيلاف“، 21 نوڤمبر 2011
_________________

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

وجه الشبه بين بشّار وسيف الإسلام

سلمان مصالحة

وجه الشبه بين بشّار وسيف الإسلام

”سورية تختلف عن مصر،
وعن تونس“، هذا ما صرّح به بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة التليغراف، ولم يكتف بذلك، بل أضاف: ”التاريخ مختلف، والسياسة مختلفة“. هذا الكلام ليس جديدًا. لقد كرّر الأسد الآن ما كان صرّح به قبل شهور في مقابلة سابقة مع ”وول ستريت جورنال“، وقد تطرّقت لذلك آنئذ في مقالة لي بصحيفة ”هآرتس“ العبرية.

ما من شكّ في أنّ الرئيس بشّار الأسد كان قد ترعرع، كما ترعرع غيره في هذه البقعة من الأرض، على كلّ تلك الشعارات العاطفية القائلة: ”أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة“، والتي أثبتت الأيّام زيفها وزيف رافعيها.

لقد ذكرت في حينه أنّ الأسد على حقّ. نعم، فسورية تختلف عن تونس وتختلف عن مصر. ففي تونس رحل زين العابدين ولم يأمر الجيش التونسي بقمع التونسيين المنتفضين. وفي مصر استقال، أو استُقيل، مبارك ولم يُؤمَر الجيش بأيّ حال بإطلاق النّار على المنتفضين المصريين.

نعم، سورية تختلف عن تونس وعن مصر. بل وبشّار الأسد يختلف عن زين العابدين بن علي وعن حسني مبارك. فبمجرّد إجراء مقارنة أو موازنة بسيطة ممّا جرى في الآونة الأخيرة بينه وبينهما، سيتّضح لكلّ ذي بصر وبصيرة أنّ الكفّة ستميل لصالحهما، بينما هو أكثر شبهًا بسيف الإسلام القذّافي. الفرق الوحيد بينه وبين سيف الإسلام هو أنّ هذا الأخير كان على وشك أن يرث رئاسة والده العقيد، بينما بشّار الأسد قد ورث فعلاً رئاسة أبيه الذي استبدّ بسورية عقودًا طويلة مستخدمًا النّار والحديد. ولقد مضى على الوراثة أكثر من عقد من الزّمان حتى الآن.

والآن، يبدو أن هنالك حاجة
إلى دراسات معمّقة، وفي مجالات معرفية مختلفة، لفهم حقيقتنا نحن العرب. فها أنذا أجد نفسي مضطرًّا إلى اقتباس بيت من شعر المتنبّي وإلباس حالنا العربيّة به في هذا الأوان، إذ يمكننا القول:
لكلّ داء دواءٌ يُستطبّ به - إلاّ ”العروبة“ أعيتْ من يداويها.

ولماذا أسوق هذا الكلام الذي لا يبدو أنّه سهل على الأسماع؟

والإجابة على هذا التساؤل
ليست سهلة هي الأخرى، إذ يبدو أنّ أمراض ”العروبة“ فعلاً قد أعيت من يداويها. فطالما سمعنا عن الأجيال العربية الجديدة تلك التي وصلت إلى مواقع ووظائف سلطانية مرموقة أو غيرها، وعن الآمال المعلّقة عليها. طالما كُتب وأشيع أن هذه الأجيال التي درست في جامعات العالم المتحضّر قد تعلّمت شيئًا من هذا التحضُّر لدى تلك المجتمعات.

ولكن، وعلى ما يبدو، فإنّ ثمّة أمورًا عصيّة على الأفهام، وهي التي بحاجة إلى إجراء دراسات معمّقة حولها من أجل فهم أصولها. إذ يتبيّن بعد سنين طوال أنّ التحضُّر الذي يحاول هؤلاء الظهور بلباسه ليس سوى قشور. وهذه القشور سرعان ما تتطاير مع أوّل تجربة يخوضها هؤلاء في مجتمعاتهم. إذ يبدو أنّ هذه المجتمعات العربيّة هي أكثر شبهًا بالثقوب السّوداء الفلكيّة التي تجذب وتبتلع كلّ شيء ولا تدع أيًا منها يرسل أيّ بصيص نور، أيّ بصيص أمل.

هكذا، وبين ليلة وضحاها، أضحى الليبيّون المنتفضون ضدّ العقيد في عرف ابنه سيف الإسلام الذي درس في الغرب كما هو معلوم، جرذانًا. وهكذا أضحى السوريّون في عرف زبانية بشّار الأسد، وهو الدكتور المتخرّج من جامعات الغرب، مندسّين وما إلى ذلك من توصيفات. ولذلك فهو يرسل جيشه وعصاباته لقتلهم وسحلهم في الساحات.

هكذا، إذن. بعد أن يعود هؤلاء من الغرب حاملين شهادات عليا ،وما شابه ذلك، فإنّهم يعودون إلى أصولهم وكأنّ كلّ تلك السنوات في الغرب قد ذهبت هباء. فهل الطّبع العربي البَرِّي يغلب التطبُّع البِرِّي؟

نعم سورية تختلف
عن مصر وعن تونس. إنّها أكثر شبهًا بالعراق للتّعدّد القبلي، الطائفي والإثني فيها وما ينساق مع هذا التّعدُّد من عصبيّات إثنيّة وطائفيّة. فمثلما اختزل سفّاح العراق صدّام حسين بلاد الرافدين بشخصه وبزبانية قبيلته وطائفته والمنتفعين، كذا هي الحال مع سفّاح الشّام الذي يختزل سورية بشخصه وبزبانية قبيلته التي رفعت شعار العروبة الكاذب. وها هو أخيرًا يكشف عن زيف هذا الشّعار البعثي، فلا أمّة واحدة ولا رسالة خالدة، فسورية تختلف عن مصر وعن تونس. نعم، سورية هي عائلة واحدة ذات وسادة بائدة. هي نظام مافيوزي في نهاية المطاف وليس أيّ شيء آخر.

ولأنّ سورية تختلف
عن مصر وعن تونس، فحريّ بالمعارضة السوريّة أيضًا أن تكون على قدر المقام، كما يقال. وهذا يعني أنّ عليها أن تكون بالمرصاد لكلّ أولئك المهووسين من إسلاميين تكفيريين على اختلاف مشاربهم، كالقرضاوي ومن هم على شاكلته من أصحاب العمائم التي أضحت أكثر شبهًا بكواتم عقول على الرؤوس. هؤلاء الذين يصرخون ليل نهار في منابر التكفير المختلفة في مشارق العرب ومغاربها باثّين سموم الكراهية الطائفيّة والدينيّة في أذهان العامّة.

ولهذا اقتضى الحذر أيضًا من أمثال هؤلاء وقبل فوات الأوان. إذ أنّ هؤلاء وبسمومهم تلك يقومون يتفتيت ما تبقى من خيوط رابطة لهذه المجتمعات. وهي خيوط واهية في الأصل على كلّ حال، فبدل تقويتها يقومون بتمزيقها بسمومهم المبثوثة في النسيج المجتمعي العربي.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشرت في: إيلاف، 31 أكتوبر 2011
________________
قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات