أبو حيّان التّوحيدي | مسألة في حدّ الظلم

مختارات:
وسمعت فلانًا في وزارته يقول: أنا أتلذّذ بالظلم. فما هو هذا؟ ومن أين منشؤه؟ أعني الظلم. أهو من فعل الإنسان أم هو من آثار الطبيعة؟

أبو حيّان التّوحيدي || مسألة في حدّ الظلم

ما معنى قول الشاعر: والظلم في خلق النفوس فإن تجد - ذا عفه فلعلّة لا يظلم.
وما حدّ الظلم أولًا؟ فإن المتكلمين ينفكون في هذه المواضيع كثيرًا ولا ينصفون شيئًا. وكأنهم في الغضب والخصام.

وسمعت فلانًا في وزارته يقول: أنا أتلذّذ بالظلم. فما هو هذا؟ ومن أين منشؤه؟ أعني الظلم. أهو من فعل الإنسان أم هو من آثار الطبيعة؟

الجواب: قال أبو علي مسكويه، رحمه الله: الظلمُ انحرافُ العدل.
ولما احتيج في فهمه إلى فهم العدل أفردنا له كلامًا ستقف عليه ملخصًا مشروحًا.

وهو في معنى الجور، الذي هو مصدر جار يجور، إلا أن الجور يُستعمل في الطريق وغيره إذا عدل فيه عن السّمْت. والظلم أخصُّ بمقابلة العدل الذي يكون في المعاملات. فالعدل من الاعتدال وهو التقسيط بالسوية. وهذه السوية من المساواة بين الأشياء الكثيرة، والمساواة هي التي توجد الكثرة وتُعطيها الوجود وتحفظ عليها النظام. وبالعدل والمساواة تشيع المحبة بين الناس وتأتلف نيّاتهم، وتعمر مدنهم، وتتم معاملتهم وتقوم سننهم.

ولشرح هذا الكلام وتحقيق ماهية القول في العدل وذكر أقسامه وخصائصه - بسطٌ كثيرٌ، لم آمن طوله عليك وخروجي فيه عن الشريطة التي اشترطتها في أول الرسالة من الإيجاز. ولذلك أفردتُ فيه رسالة ستأتيك مقترنة بهذه المسألة على ما يشفيك بمعونة الله.

ولو أصبنا فيه كلامًا مستوفى لحكيم مشهور أو كتابًا مؤلفًا مشروحًا - لأرشدنا إليه على عادتنا واحلنا عليه كرسمنا ولكنا لم نعرف فيه إلا رسالة لجالينوس مستخرجة من كلام أفلاطون وليست كفاية في هذا المعنى وإنما هي حض على العدل وتبيين لفضله وأنه أمر مؤثر محبوب لنفسه.
وإذا عرفت العدل من تلك الرسالة عرفت منه ما عدل عنه ولم يقصد سمته.
وكما أن إصابة السهم من الغرض إنما هو نقطة منه، فأما الخطأ والعدول عنها فكثير بلا نهاية - فكذلك العدل لما كان كالنقطة بين الأمور تقسمها بالسوية كانت جهات العدول عنها كثيرة بلا نهاية. وعلى حسب القرب والبعد يكون ظهور القبح وشناعة الظلم.

فأما قول الشاعر: والظلم في خلق النفوس فمعنى شعري لا يحتمل من النقد إلا قدر ما يليق بصناعة الشعر. ولو حملنا معاني الشعر على تصحيح الفلسفة وتنقيح المنطق لقل سيمه وانتهك حريمه وكنا مع ذلك ظالمين له بأكثر مما ظلم الشاعر النفوس التي زعم أن الظلم في خلقها.

على أنا لو ذهبنا نحتج له ونخرج تأويله لوجدنا مذهبًا وأصبنا مسلكًا ولكن هذه الأجوبة مبينة على تحقيقات مغالطة الشعراء ومذاهبهم وعاداتهم في صناعتهم.

ثم أقول: إن الظلم الذي ذكرنا حقيقته يجري مجرى غيره من سائر الأفعال فإن صدر عن هيئة نفسانية من غير فكر ولا روية سمى خلقًا وكان صاحبه ظلومًا. وهذه سبيل غيره من الأفعال المنسوبة إلى الخلق لأنها صادرة عن هيئات وملكات من غير روية. فأما إذا ظهر الفعل بعد فكر وروية فليس عن خلق مذمومًا كان أو معلومًا وإذا لم يكن عن خلق فكيف يكون عن خلق. وإنما يستمر الفاعل على فعل ما بروية منه فتحدث من تلك الروية الدائمة هيئة تصدر عنها الأفعال من بعد بلا روية فتسمى تلك الهيئة خلقًا.
فأما الشيء الصادر عن هذه الهيئة فإنه إن كان عملًا باقي الهيئة والأثر سمى صناعة واشتق من ذلك العمل اسم يدل على الملكة التي صدر عنها كالنجار والحداد والصائغ والكاتب فإن هذه الأعمال إذا صدرت من أصحابها بلا روية سموا بهذه الأشياء ووصفوا بهذه الصفات.

فأما إن تكلف إنسان استعمال آلة النجارة والحدادة والكتابة والصياغة فأظهر فعلًا يسيرًا بروية وفكر فعلى سبيل حكاية وتكلف فإن أحدًا لا يسمى هذا نجارًا ولا كاتبًا ولذلك لم (س. ؟) والصناعة كلها تجري هذا المجرى فهذه الأعمال كما نراها والأفعال أيضًا التي لا تبقي آثارها - جارية هذا المجرى. وعلى هذه السبيل جرت أمور الأخلاق والأفعال الصادرة عنها لأن الأخلاق هيئات للنفوس تصدر عنها أفعالها بلا روية ولا فكر.

فأما الوزير الذي سمعته يقول: أنا أتلذذ بالظلم فإن الإختيارات المذمومة كلها إذا صار منها هيئات وملكات صارت شرورًا وسمي أصحابها: أشرارًا. وليس يختص الظلم في استحقاق اسم الشر وخروجه عن الوسائط التي هي فضائل النفس - بشيء دون أمثاله ونظائره. وفقد هذه الوسائط هو شرور ورذائل تلحق النفوس كالشره والبخل والجبن سوى أن الظلم اختص بالمعاملة وترك به طلب الاعتذار والمساواة.

وهذه النسبة العادلة والمساواة في المعاملة - قد بينها أرسططاليس في كتاب الأخلاق وأن المعاملة هي نسبة بين البائع والمشتري والمَبيع والمشترَى وأن نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع على التكافؤ، وفي النسبة والتبديل فيها وعلى ما هو مشروح مبين في غيره من الكتب.

فأمّا قولهم: لا يزال الناسُ بخير ما تفاوَتوا، فإذا تَساوَوا هلكُوا. فإنّهم لم يذهبوا فيه إلى التفاوُت في العَدْل، الذي يساوي بينهم في التعايش. وإنما ذهبوا فيه إلى الأمور التي يتمّ بها التمدّن والاجتماع. والتفاوتُ بالآحاد، ههنا، هو النظام للكلّ. وقيل: إن الإنسان مدنيّ بالطّبع فإذا تَساوَى الناسُ في الاستغناء هلكت المدَنيّةُ وبطلَ الاجتماع.

وقد تبين أن اختلافَ الناس في الأعمال وانفرادَ كلّ واحد منهم بعمل هو الذي يُحدث نظامَ الكلّ، ويُتمّ المدنية. ومثالُ ذلك الكتابةُ التي كُلّيتها تتمّ باختلاف الحُروف في هيئاتها وأشكالها وأوضاع بعضها عند بعض. فإنّ هذا الاختلاف هو الذي يقوم ذاتَ الكتابة التي هي كُلية. ولو استوت الحروفُ لبَطلت الكتابة.
*
عن: أبو حيّان التوحيدي، كتاب الهوامل والشّوامل
***

عربان 48 (كاريكاتير بالكلام)

عربان 48
(كاريكاتير بالكلام)

بركة (رئيس الجبهة الديمقراطية) وزحالقة (رئيس التجمّع الوطني الديمقراطي) - ما شا اللّه، كلّهم ديمقراطيّون وكلّهم وطنيّون - ”يدعوان نتنياهو للتدخّل شخصيًّا في قضيّة العنف المتنامي في المجتمع العربي.“

ليس هذا فحسب، بل ويبرقان خدمة إعلامية لصحافتهما لإشعار القرّاء بأعمالهما الجليلة لصالح الجماهير العربيّة.



أخي أيّها العربيّ... الغبي

أرى الأمس موعدنا لا الغدا

مقالة نُشرت في صحيفة ”الحياة“، بتاريخ 28 يوليو 2002:

هل هنالك بشر في هذه الأصقاع الشاسعة من المحيط إلى الخليج يضعون حدا لكل هذه الكوارث النازلة على الناس "بفضل" الزعامات والحكومات المتوارثة؟...



سلمان مصالحة ||

أخي أيّها العربيّ... الغبي



هل هنالك بشر في هذه الأصقاع الشاسعة من المحيط إلى الخليج يضعون حدا لكل هذه الكوارث النازلة على الناس "بفضل" الزعامات والحكومات المتوارثة؟ هل هناك زعيم عربي يعيد يوما ما حسابات زعامته وبطانته في النجاح والفشل في كل ما صنعته هذه الزعامة والبطانة لبني البشر؟ هل هناك زعيم أو مسؤول عربي يملك ذرة من شجاعة أخلاقية – ولا نقول شجاعات أخرى، لأن هذه هي شأن البلاغة العربية التليدة والبليدة- فيقف أمام الناس ويقول لهم على الملأ وبصراحة: لا أستطيع الاستمرار في هذا المنصب فانتخبوا شخصا آخر مكاني.

وهل هناك لحظة أسعد وأبرد من لحظة كهذه على النفس العربية المنهكة؟ فقط عندما نصل إلى لحظة كهذه نستطيع القول إننا ركبنا طريقا جديدة وسرنا إلى ما هو خير للعباد كل العباد. فقط في لحظة كهذه يستطيع الفرد العربي أن يشعر في قرارة ذاته باقتراب ساعة الفرج.

لكن يبدو أن لحظة كهذه لا تندرج في حسابات الزمن العربي، وأغلب الظن أنها لن تأتي في القريب العاجل. إذاً، لم يتبق للفرد العربي سوى اليأس من كل ما يجري ومن كل ما يشاهد من حوله. يجب أن لا يستهجن أحد من نتائج تقرير التنمية البشرية المنشور أخيرا، حين يقرأ أن نصف الشباب العرب يحلمون بترك الأوطان والهجرة إلى الدول الغربية، أو إلى أي مكان آخر بشرط أن يكون خارج العالم العربي.

ماذا أبقت إذا هذه الأنظمة الأبوية، من دون استثناء، للإنسان العربي؟ لا شيء. فلا يوجد تنقل حر بين البلاد العربية، ولا أدب حر، ولا كتب حرة، ولا علم حر، ولاسينما حرة ولا إذاعة حرة، ولا انتخابات حرة.لا شيء. فقط لا شيء. وما دامت الحال على هذا المنوال، وهي كذلك بلا أدنى شك، فإن الأنظمة العربية بأسرها أنظمة غريبة، وهي أنظمة أجنبية على رغم كونها من ذوي القربى، وما من سبيل وما من وسيلة متاحة أمام الفرد لاستبدالها بأخرى. وإذا كانت هذه عي الحقيقة، وهي كذلك، فإنّ البحث عن العيش في كنف نظام أجنبي، على رغم كونه من ذوي البعدى، يصبح وجيهًا جدًّا وله ما يبرّره. إذا كانت الأنظمة غريبة، فما على المرء إلا أن يختار بين نظام غريب يعيش فيه بحرية، وبين نظام غريب قريب لا يترك له فسحة من حرية باي شكل.

لو كانت هناك ذرة من أخلاق لدى الزعامات العربية، لما بقيت يوما واحدًا في مناصبها. غير أن الحديث عن الأخلاق لم يكن يوما موضوعا مدرجا على أجندة الحكومات العربية، ولا على طاولات النخب العربية المتعاونة مع زمر هذا الاستبداد الذي لا نهاية له. على العكس من ذلك، دأبت هذه النخب دوما على تمجيد الزعيم الذي يمنّ عليها بدوره بفتات مقتطع من أموال الشعب المنهوبة. هذه هي خيانة المثقفين الكبرى لشعوبهم.

في إحدى لحظات اليأس سأل نزار قباني مرة: متى يعلنون وفاة العرب؟ والجواب هو: في كل يوم يعلنون هذه الوفاة، في الصحف والفضائيات والإذاعات. لكن يبدو أن ما من أحد يرغب في أن يشترك في جنازاتهم. وهكذا بوسعنا أن ننشد الآن، ولكن مع بعض التعديل، البيت الذي شاع على لسان عبد الوهاب:

أخي أيها العربي الغبي - أرى الأمس موعدنا لا الغدا.
*

نشرت المقالة بتاريخ 28 يوليو 2002، في ملحق ”تيارات“، صحيفة ”الحياة“ الصادرة في لندن
***

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!