قد كنتُ آملُ أنْ يمتدّ بي أجَلُ - حتّى أرَى أمَلاً فِي الأُفْقِ يشتعلُ
لكنْ، رَأيتُ مِنَ الإخْوانِ مَوْعظَةً - تَنْدَى كَراهِيَةً فَاسْتَنْكَفَ الأمَلُ
سلمان مصالحة||
لعن الله أهل الكفر أجمعين!
سأخرج عن عادتي،
هذه المرّة، وذلك لكي أريحَ نفرًا معيّنًا من القارئين والقارئات، والمُعلّقين والمعلّقات، العاربين منهم والعاربات، القيسيّين واليمانيّين والقيسيّات واليمانيّات، على ما بدر منهم من قبلُ وعلى ما هو آت.
إذ أنّي:
قد كنتُ آملُ أنْ يمتدّ بي أجَلُ - حتّى أرَى أمَلاً فِي الأُفْقِ يشتعلُ
لكنْ، رَأيتُ مِنَ الإخْوانِ مَوْعظَةً - تَنْدَى كَراهِيَةً فَاسْتَنْكَفَ الأمَلُ
*
أمّا بعدُ،
ولمّا كنت قد عقدت النيّة أن أدعو لجميع القرّاء براحة البال، ولكي لا أُطيل عليهم وعليّ هذا الاستهلال، فها أنذا أغتنمُ هذه الفرصة لأفتتح كلامي بديباجة فصيحة وبلغة عربيّة صريحة قوامها اللّعنات، فأستهلُّ بالقول:
لعنَ اللّه نتنياهو وأبا نتنياهو
وعموم أعمام وأخوال نتنياهو ومن هم على شاكلة هؤلاء من زعماء ودهماء الصهيونية، كما لعنَ اللّه أهل وزعماء أميركا وأوروبا ولعن الله ”ربيبتهم إسرائيل“. ولعن الله سائر دول الاستعمار وممالك الاستكبار، كما ولعنَ الله روسيا واليابان وما بأعمالهما من بلدان. ولعن الله كوريا، شمالها بجنوبها، ولعن الله جنوب السّودان وشمال البيضان، ولعن الله أهل تايلاند واستراليا ونيوزيلاند، ولعن الله ساكنة جزر الواق واق، ولعن الله قاطنة ذيبة المهل، إنْ كنتم تعرفون. ولعن الله ساكنة البرازيل وقاطنة الأرجنتين، ولعن الله أهل الهند والسند، وما وراء السدّ من أهل الجنّ والحنّ. ولعن اللّه عموم أهل الصين، ولعن الله كلّ مَن والى هؤلاء من أهل هذه الملل والنحل. كما ولعن الله سائر أهل الـ”كفر“ وأتباع إبليس اللعين أجمعين لعنة أزليّة إلى يوم الدين.
ومن جهة أخرى، أسأل وإيّاكم
اللّه العليّ القدير، الّذي خلق لنا الجهلَ مثلما خلق لنا من لدنه العقل يفتح لنا به أبواب علم وفير، أن يمنّ من كرمه عطفًا ورحمةً على أمّة العرب التي اصطفاها من بين سائر الأمم لكي تغدق موفور النّعم على سائر بني البشر، من ترك ومن بربر ومن عجم، وجعلها على هذه الأرض، مذ دحاها، طاردةً للهموم ومنارة للعلوم، وبها مُذ أُخرجت يقتدون.
وهكذا، وكما ترون،
فها أنذا قد افتتحت كلامي بدعاء صريح مباشر ولعنتُ أهل الـ”كفر“ في مشارق الأرض ومغاربها، وأعليتُ شأن هذه الأمّة المختارة. وليكن كلامي هذا، بإذنها تعالت، بردًا وسلامًا على قلوب القرّاء أجمعين، وخاصة على بعض القلوب من صنف قلوب أولئك الذين ليسوا فقط يندرجون في جمهرة النّكرات، بل ويحاولون دومًا الاصطياد في الأمواه العكرات، فيسرحون ويمرحون في هذا الفضاء الافتراضي معتمرين قبّعات الإخفاء يوقّعون بما استعير من أسماء، ليصبّوا عبرها جام كراهيتهم المتجذّرة الأصيلة على كلّ من يجرؤ على وضع مرآة صقيلة أمام وجوههم النبيلة.
وكما ترون إيضًا،
فلا أسهل عليّ ولا أهون على لساني من تدوين هذا الكلام الربّاني، إن كنتم تفقهون ملفظي الّذي لا يني يرجو الخير لإخواني. غير أنّي، وبعد أن طال بي زماني، وبعدما كنت أعملتُ فيه عقلي وأفكاري، وطالما وصلت ليلي بنهاري بحثًا عن إجابات على ما آلت إليه أحوال العرب الأبرار. ولمّا كنت أنتمي إلى هذه الأمّة الّتي أُخرجت للنّاس خير أمّة، فقد عقدتُ العزمَ، عزمةً بعد عزمة، ألاّ أرثي لحالي، وألاّ أحمّل غيري أسباب ما آل إليه مآلي.
بل إنّي، وبدل ذلك،
ولكثرة حلّي وترحالي، ولكثرة ما شاهدتُ بين ربعي من محن، ما ظهر منها على الملأ وما بطن، فقد آليت على نفسي أن أنظر في المرآة كي أرى ماذا جنيتُ أنا، وماذا جنينا نحنُ في هذه الحياة. وكيف ذا أضحينا، بين ليل وضحى، متروكين على قارعة الطّريق لا يلتفت إلينا رائحٌ أو غاد، من الأقوام التي نصفهم دائمًا بالأوغاد. والسّؤال الذي لا يني يقضّ عليّ مضجعي وارتأيت أن يقضّ عليكم مضاجعكم هو: كيفذا، ولمذا، تقدّمَ الـ”كفّار“ وتأخّرَ الـ”مؤمنون“؟ إنْ كنتم بهذه المسألة وما تكتنفه من أمور تتفكّرون.
فأمّا المرآة
التي يجب أن ينظر كلّ منّا فيها، فهي تلك المرآة الصقيلة، تلك الملكة النبيلة الأصيلة التي انمازَ بها البشر عن الوبر وتدرّبوا بها وتدبّروا بها أمور دنياهم. فقد ورد في المأثور أنّ ”أوّل ما خلق اللّه العقل“. فما لنا إذن، والحالُ هذه، لا نتواصى به كما تواصى به غيرنا؟ ألم نقرأ نحنُ أيضًا وبلغتنا العربيّة في تراثنا العربيّ: ”يا أيها الناس اعقلوا عن ربّكم، وتواصَوْا بالعقل.... وقال صلى الله عليه وسلم: أوّل ما خلق الله العقل. فقال له: أقبلْ! فأقبلَ. ثم قال له: أدبرْ فأدبرَ. ثم قال الله عزّ وجل: وعزّتي وجلالي، ما خلقتُ خلقًا أكرمَ عليّ منكَ. بك آخذُ، وبك أُعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب.“ (عن: إحياء علوم الدين للغزالي).
وهكذا، وكما ترون،
ولمّا كُنّا مدعوّين إلى التواصي بالعقل كابرًا عن كابر، ومنذ الزّمن الدّاثر الغابر، فنحنُ مدعوّون الآن أيضًا إلى إنعام النّظر وإلى إعمال البصر والبصيرة. نحنُ مدعوّون إلى البحث عن إجابة للسؤال، ما الّذي حلّ بنا الآن حتّى جنحنا أجمعين عن هذه الجادّة، وشوّهنا في حيواتنا هذه المادّة. وما الّذي يمنعنا من الأخذ بالمعقول المصقول لكشف غياهب المجهول؟ وهل كلّ المصائب التي تحلّ علينا هي مؤامراتٌ يحوكها أعداء أو يعقدونها لنا في الخفاء؟ وهل هي مشيئة مَنْ شاء، عزّ وعلا من شاء؟ وهل كلّ هذه المصائب والمحن هي قدرٌ مكتوب أم هي غضب مصبوب نازل من عالم الغيوب؟
إنّها أسئلة لا بدّ من طرحها على الملأ. ولا يمكننا أن نصل إلى إجابات وافية صافية عليها، ما دمنا ننأى بأنفسنا عنها ونحجم عن التفكّر فيها. بل وأكثر من ذلك فإنّنا، بدل التفكّر والتبصّر، نشمص لرؤية المرآة فنحطّمها بأيدينا تحطيما، فَنعْمَهُ عن رؤية ما اعْوَجّ فينا وما فسد.
ولهذا أيضًا، فإنّ خير ختام
لهذا الكلام أن نوجز القول. فلقد آن الأوان لأن نُعلّق على رؤوس الأشهاد ما يكمن فيه خير العباد، فنأخذ نحن أجمعين بما يمليه علينا القول الفصل: بالعقل وحده يحيا الإنسان. فبه العلمُ لمن علمَ فأبْدَع، وبه الإيمان لمنْ آمنَ فَأوْدَع، وبه الراحة والاطمئنان لمن كان ولمن سيكون.
والعقل وليّ التوفيق!
*
نشر في: ”إيلاف“، 3 فبراير 2012
***
0 تعليقات:
إرسال تعليق