تعقيب جديد على مقالتي التي نشرت في ”الحياة“. وهذه المرّة أكثر جهلًا وسخفًا
ومرّة أخرى، وعملًا بحريّة الرأي، مهما كان هذا الرأي سخيفًا ولا يتطرّق للموضوع المطروح، فها أنذا أنشره هنا ليكون متاحًا للقارئ النبيه ابتغاء أن يخلص منه بموقف رشيد ورأي سديد. والعقل وليّ التوفيق! (س. م.)
قصي الحسين ||
فارق الهوية الجنبلاطية
كنت أشعر حقًا، وأنا اقرأ ما كتبه سلمان مصالحة في جريدة “الحياة”، السبت
22/7/2017 (ص 8)، تحت عنوان: “في مسائل إسرائيل والأقلية، ومواقف جنبلاط”، أنه
لو كان بإمكانه أن يأمر فصيلًا بسيطًا من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، لتوجه به
إلى دارة هؤلاء الفتيان المنتفضين في الأقصى الشريف، وأكمل قتلهم بقتل أهلهم
وهدم بيوتهم على رؤوسهم. فما استحت قوات الاحتلال عن فعله بأهل الفتيان
الشهداء، لكان مصالحة يرغب أن يكون ملكًا أكثر من الملك، و”فعلها”.
1- بنـزعة من “فوبيا الانتماء الإسرائيلي” يوغل سلمان مصالحة تحريضًا على وليد
جنبلاط والإرث التاريخي الجنبلاطي، بأنه يشتغل على زعامة طائفية، وعلى أقلية
طائفية، وعلى توريث زعامة طائفية. وأن جنبلاط أو البيت الجنبلاطي “غريق هذه
الأوبئة الاجتماعية” في المشرق العربيّ، والذي يبكي عليه مصالحة ويندب نزفه،
تمامًا كما يبكي عليه الإسرائيليون المغتصبون، وربما أكثر منهم بكثير.
2- وبنـزعة من “فوبيا الانتماء الإسرائيلي” نفسها، يتفوق المصالحة على نفسه حين
يقدم تصوره “للأقلية الباقية في وطنها الذي صار جزءًا من الكيان السياسي
الإسرائيلي”، كما يقول المصالحة نفسه بنفسه، وأن نضالها لا مكان فيه للدواعش
ولا لأشباه الدواعش عندها. مع دعوته للتخلي عن نبرة “جنبلاط الطائفية”، لأنها
تمثل “الشرر الطائفي”، الذي يشعل الحرائق التي “لا تبقي ولا تذر” وأن الوصاية
الجنبلاطية على الطائفة هي الخطر بعينه. وأنه على الزعامة الجنبلاطية، وسائر
الزعامات الطائفية والدينية في المشرق، أن تشفى من عيوبها الطائفية، لا أن
تنقلها إلى “ربوعنا” كما يقول، داخل الكيان الصهيوني المغتصب، والذي هو بنظره
ليس إلاّ “دولة إسرائيل”.
3- يتحفنا المصالحة أخيرًا وبنازع من “فوبيا الانتماء الإسرائيلي” أنه أدرى من
وليد جنبلاط بإدارة الوضع الفلسطيني داخل إسرائيل، وأنه يكفيه فخرًا أنه يصارع
العيوب الطائفية المصدرة إلى البيئة العربيّة تحت شعار قديم جديد، فيقول: “نحن
هنا أدرى بشعابنا منكم. ونحن هنا أدرى منكم بشعوبنا (فلسطينيي 48) وشعوبكم”
لأنه يعتقد أنه بخطابه هذا يجب أن يكون قيمًا على العرب والفلسطينيين جميعاً،
بمسعفة من الكيان الإسرائيلي المحتل نفسه دون أدنى حياء.
ولم يتأخر مفوض الإعلام في الحزب التقدي الاشتراكي الأستاذ رامي الريس في الرد
على ترهات الكاتب سلمان مصالحة (جريدة الحياة 25/7/2017، ص 8):
1- ذكره بموقف جنبلاط وسلسلة من الخطوات والمواقف لدعم عرب 48. وعقد مجموعة من
اللقاءات في الأردن مع ممثلين عنهم، انطلاقًا من حرصه على تعزيز التواصل وتثبيت
الهوية العربيّة للدروز في فلسطين”. ويقول الريس متابعاً: “يبدو أن هذا ما يزعج
السيد مصالحة الذي يود تغطية انخراطه في الحياة الإسرائيلية بعنوان: “النضال
السياسي من الداخل”.
2- يسأل: هل تعرض جنبلاط لوحدة الأقلية الدرزية في فلسطين؟ وهل في تحذيره من
تصديق وعود العدو الصهيوني ما يؤذي الأقلية الدرزية؟ وهل دعوته الدروز لرفض
الخدمة العسكرية الإسرائيلية، وعدم رفع بندقية في وجه الشقيق الفلسطيني في
الداخل أو الخارج، ما يهز هذه “الأقلية”؟ أم هل تحذير جنبلاط لدروز فلسطين من
فخ الفتنة التي تريدها إسرائيل، ما يزعزع هذه الأقلية؟
3- قال الأستاذ رامي الريس لمصالحة بوضوح: مفهومكم للنضال لا يلتقي مع مفهومنا،
ومفهومكم الاحتلال أيضًا لا يلتقي مع مفهومنا.
4- قال الريس أيضًا إن جنبلاط لا يبحث عن زعامة عابرة للحدود، فهو يملكها حتى
لو لم يجاهر بها. وأن التحسس منه، لأنه يملك مثل هذه الحيثية في الطائفة
الدرزية داخل الأرض المحتلة وخارجها، ولولا ذلك لما حملت عليه.
لعل “فارق الهوية” هو الذي جعل الكاتب سلمان مصالحة يحمل على زعامة وليد
جنبلاط، رئيس اللقاء الديمقراطي ورئيس الحزب الاشتراكي ورئيس جبهة النضال في
البرلمان اللبناني.
1- فعلى كتفي وليد جنبلاط العباءة الجنبلاطية التي خلعها في احتفال المختارة
بذكرى مرور أربعين عامًا على استشهاد كمال جنبلاط، على كتفي نجله الأستاذ تيمور
بك جنبلاط، زائد الكوفية الفلسطينية الرمز، كإرث للنضال المشترك.
2-* ذكر وليد جنبلاط الملأ في المختارة وفي العالم أن كمال جنبلاط شهيد الثورة
الفلسطينية وشهيد الحركة الوطنية اللبنانية، وشهيد حركات التحرر العمالي في
العالم من خلال رفعه علم الحزب وعليه القلم والمعول ومجسم الكرة الأرضية
والشعلة. وهو أيضًا بذلك شهيد الأممية الاشتراكية العالمية.
3- في احتفالية المختارة بذكرى مرور أربعين عامًا على استشهاد كمال جنبلاط،
أنشد وليد جنبلاط ومعه نجله التيمور جنبلاط في قصر المختارة، عرين الشوف وبني
معروف، نشيد فلسطين: “موطني” وحده. في الساحة الكبرى التي تمتد من كنيسة
المختارة التي كان دعا البطريرك الراعي لتدشينها قبل أشهر، حتى باحة جامع
الأمير شكيب ارسلان، والذي دعا أيضًا سماحة مفتي الجمهورية دريان لتدشينه قبل
شهر أو أقل. وهذه رسالة جنبلاطية بامتياز، ندعو الجميع لقراءتها والتمعن في
سطورها.
4- بعد تموضع وليد جنبلاط خارج 14 آذار، دعا بالفم الملآن للتموضع في فلسطين
داخل أراضي 48 وخارجها. وجعل محور حراكه السياسي، الصراع العربيّ الإسرائيلي.
5- جعل وليد جنبلاط من المختارة، حاضنة الهوية الفلسطينية وحاضنة الهوية
العربيّة، وحاضنة الحريات العربيّة والإسلامية والأممية. ولا غرو، فالمختارة
أمينة عامة للثورات، وساحة عامة لنضالات. ولا أعرف لا في القديم ولا في الحديث
أية ثورة، طار طائرها، إلاّ وحطّ على القلعة الجنبلاطية في المختارة. فما بالك
بثورات الاستقلال العربيّة في سورية ولبنان ومصر والجزائر وفلسطين. فعلم
المختارة الذي يرفعه اليوم النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور جنبلاط “نسيج وحده”،
تأتلف ألوانه مع ألوان العلم القومي العربيّ والعلم الوطني اللبناني، والعلم
الفلسطيني والعلم الاشتراكي الأممي.
6- إنه إذن، “فارق الهوية” حيث المختارة وسيدها إرثًا وصيرورة ونضالًا في تلاحم
مع الوطنية اللبنانية والقومية العربيّة في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي أو
غيره، بلا مهادنة ودون هوادة.
7- لهذا وربما أكثر، ينافح الإرث الجنبلاطي ويدافع وليد جنبلاط عن الاندراج تحت
سقف الاحتلال الإسرائيلي، وأي احتلال آخر. والتاريخ شاهد على ذلك، منذ الشهيد
علي جنبلاط والشهيد فؤاد جنبلاط والشهيد كمال جنبلاط.
* وليد جنبلاط اليوم بإرثه وخطه يعيش إذًا فارق الهوية الجنبلاطية لا أكثر ولا
أقل.
* د. قصي الحسين - أستاذ في الجامعة اللبنانية
الأنباء، 5 أغسطس 2017
انظر مقالتي: «عن كلام جنبلاط ومن قد يقولون قوله»
0 تعليقات:
إرسال تعليق