الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

هل هو اليأس، يا عبد القادر؟

سلمان مصالحة

هل هو اليأس، يا عبد القادر؟

الصديق عبد القادر الجنابي، وهو العراقي الذي يعيش في الغربة منذ عقود ولأسباب تتعلّق بنظام بلده الآفل والتي لا تخفى على كلّ من يمتلك ذرّة من بصر أو بصيرة، مشغول كما نحن مشغولون جميعًا بهاجس الحال التي آلت إليه أوضاع هذه البقعة من الأرض التي سكنتها العرب منذ قرون طويلة.

وعلى الرّغم من الأمل الذي ينتاب الفرد بين فينة وأخرى لهبوب البشر من أبناء جلدتنا العرب ضدّ الظّلم والاستبداد في هذه الأصقاع العربيّة، إلاّ أنّ هذا البصيص من الأمل سرعان ما يخبو أو يكاد يخبو لما يصل الأسماع من كلام ينمّ عن دفائن خبيثة، طائفيّة دينيّة وعرقيّة، هنا وهناك.

لقد نشر الجنابي مؤخّرًا مقالة في “إيلاف” بعنوان “حصاد علوي واستفزازات أخرى”، وسكب فيها مقولات تنمّ عن حالة من اليأس. لقد استثارتني المقالة لأنّنا جميعًا، أو على الأقلّ لأنّ كثيرين منّا، يشعرون بهكذا حالات بين فينة وأخرى. وكيف لا يشعر المرء بالاكتئاب واليأس وهو يرى هذه المجازر التي تنفّذها الأنظمة مرّة والمليشيات مرّة أخرى بحقّ النّاس البسطاء في هذا القطر العربي أو ذاك؟

يبدو أن الصديق الجنابي قد بلغ به اليأس مبلغًا لا يُستهان به، من أحوال وطنه من جهة أولى ومن أحوال هذه الأمّة من جهة أخرى. ولكن، وبقدر مبلغ هذا اليأس الذي تنضح منه المقالة التي نشرها في إيلاف، كذا هو عمق الصّدق الذي تنضح به مقالته. فقط الجهلة من القرّاء سيظنّون أنّه يدعو إلى حرب طائفيّة، وإلى سفك الدماء مثلما قد تُفَسّر كلماته حرفيًّا. وفقط الجهلة سيسارعون إلى اتّهامه بالدعوة لمثل هكذا وضع وهكذا حال.

إنّه يكتب كلّ هذا الكلام لأنّه يرى ما يجري على الساحة. والحقيقة المرّة التي يجب أن تُقال علانية وعلى رؤوس الأشهاد هي أنّ الواقع العربي ومنذ قديم الزّمان دائمًا كان، وهو لا يزال حتّى هذا الأوان مشروعًا قبليًّا طائفيًّا ملتهبًاخافيًا تحت الرّماد ينتظر فرصة هبوب ريح ليظهر على السطح ويأكل الأخضر واليابس.

ولهذا السبب، لا يمكن أن ينبع هذا الكلام الذي يدوّنه الجنابي في مقالته إلاّ من يأس آخر. إنّه ”يأس شعريّ عنيف“ من حال هذه المجموعات البشريّة التي درجت طوال قرون أن تُظهر الخير شعارًا في العلن بينما هي تبطن الشرّ في السرّاء، وفيما بطن. إنّ ما يجري على الساحة العربيّة في هذا الأوان هو خير مثال على هذه الحال النفسيّة، على هذا الفصام. أنظروا إلى ما يجري في الشّام فلكم في بلاد الشّام أسوة سيّئة.

نعم، يجب أن نقول الحقيقة مهما كانت مرّة. لقد سئمنا الشعارات التي أضحت، وطوال قرون طويلة، بمثابة كواتم عقول في رؤوس العرب. إنّ دعوة الجنابي هي دعوة للمصارحة. إنّها دعوة لقول الحقيقة المرّة لتظهر تحت ضوء الشّمس بغية المصالحة مع النّفس.

والعقل وليّ التوفيق!
*
نشرت في “إيلاف”، 2 أغسطس 2011
______________

الجمعة، 22 يوليو 2011

سخافات العربان

سلمان مصالحة

سخافات العربان

(كاريكاتير جديد)
بين فينة وأخرى نجد أنّه ما من مناص من الإشارة إلى بعض الكاريكاتيرات التي تحملها لنا الأخبار عن سلوكيّات العربان. والكاريكاتير هذه المرّة يأتينا من تلك الناحية التي تُعرف بالخليج.

وهذا الخليج كما هو معروف منطقة غنيّة بالنّفط والغاز، وبالإضافة إلى ذلك فهو يعجّ بالأمراء، بالشيوخ وأصحاب السموّ من كلّ ما هبّ ودبّ، ومن كلّ من شبّ وحاز وفاز. كما إنّه تكثر فيه الأحاجي والألغاز. أحاجي الوسواس وألغاز الخنّاس.

والأحجية هذه المرّة لها علاقة بصاحب سموّ فريد. لها علاقة بشيخ ليس كسائر الشيوخ. إنّه صاحب السموّ الشيخ حمد آل نهيان من سلالة أصيلة من ملّة العربان. ولمّا كان الشيخ حمد لا يعرف كيف يصرف كلّ تلك الأموال التي تأتيه من نفط أو من غاز، فقد عقد العزم أن يكتب اسمه في الصحراء ليخلّد ذكرًا له.

ولكي لا يشكّ أحد في هذا التخليد، فقد آلى على نفسه أن يحفر الاسم في الجزيرة بحروف كبيرة تمتدّ مئات الأمتار لدرجة أنّه يمكن رؤية اسمه الحميد من الفضاء. وهكذا كان.

لا ندري كم من الوقت والمال استثمر سموّه في هذا المشروع الذي يُعلي من شأنه ومن شأن أبناء جلدته من العربان. ولعلّه سيسجّل هذا فتحًا علميًّا عربيًّا فريدًا في كتاب چنيس، مثلما عوّدنا العربان في هذا الأوان. فمرّة يسجّلون أكبر صحن حمّص، ومرّة يسجّلون أكبر صحن كنافة. مرّة يسجّلون أكبر تبّولة ومرّة أكبر فقّوسة. وها هم ما شاء الله يسجّلون أكبر اسم محفور في الصحراء.

غير أنّ ثمّة أمرًا لا مناص من الإشارة إليه في هذا الكاريكاتير العرباني الجديد. لاحظوا مدى الاعتزاز بالانتماء لدى هؤلاء العربان. لو تغاضينا بعض الشيء عن المدى الأكبر من السخف الكامن في هذا المشروع أصلاً، فإنّنا أمام ظاهرة فريدة بلا أدنى شكّ. إذ يظهر على الملأ ومن الفضاء مدى عقدة النّقص لدى هذا النوع من العربان. فحتّى الاسم، اسمه لم يكتبه بحروف لغته، لغة العربان. بل بحروف لغة الإفرنج والرومان.

وعلى ما يبدو، فهذه هي الحال مع هذه الملّة. فلا يُملّ من تقليعاتها الغريبة العجيبة، ولا من عقليّاتها الرتيبة. كذا كان وكذا يكون إلى يوم يبعثون.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشرت أيضًا في: "شفاف الشرق الأوسط"
____________________
قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات