من مجموعة ”ريش البحر“، منشورات زمان، القدس 1999
سلمان مصالحة
أسرار الطفلة من غزة
أصداء اعتراف إلٰه الجنود
بندى
برتقال القصيدة
(1) أسرار
تَمُرُّ الطّريقُ إلى غَزّةٍ
عَبْرَ عَيْنَيْ صَدِيقَة.
وَعَبْرَ النَّدَى في ٱلحَدِيقَة.
هُنا النّسْوةُ اللاتِي يُحِكْنَ
ثِيابَ الرّجالِ، وَينظُمْنَ
في
الثّوْبِ خَيْطًا مُطَلْسَمْ.
هُنا، في الرِّمالِ،
تُفِيقُ النّساءُ
عَلَى رِسْلِها،
في صَباحٍ مُغَبَّرْ،
بغيرِ رِجالٍ. لأنّ
الخَيالَ
ٱحْتَمَى في الزَّوايا، نَما
في الغُبارِ المُلَعْثَمْ.
هَلُمُّوا إلى البَحْرِ.
في البَحْرِ لَيْلٌ تَعَثَّرْ.
وَهُبُّوا
ٱزْرَعُوا في يَدَيْهِ
قَناديلَ زَيْتٍ، تَغَطّتْ
فُرُوعُ
الدَّوالي قُطُوفًا،
فَلَيْلُكَ أَخْضَرْ.
هُنا، في الدُّروبِ
اللّواتي
ٱرْتَعَشْنَ كَخافِقِ طفْلَهْ،
تَخافُ الصّبايا مِنَ
القابِلَهْ،
فلا تَعْرفُ النّسْوةُ اللاّتي
ٱنْتَظَرنَ اللّيالي
فُنُونَ النّياحَهْ
على شارعٍ مُنْتَحِرْ.
فَيا أيُّها الدِّيكُ
يُعْلِي صياحَهْ،
لَيُلُكَ شَمَّرْ،
وَلَيْلُ النّساءِ دَعا
ثُمَّ كَبَّر.
(2) الطفلة من غزّة
الطّفلةُ مِنْ غَزّة
تَبني أَعْشاشًا
مِنْ رِيشِ البَحْر.
وَالواقفُ خَلْفَ
السُّورِ
يُخَبّئُ فِي عَينيهِ قِلادَة
مِنْ وَرَقِ التّذكارْ.
بعدَ مُرورِ الشّارِعِ
تَحْتَ الخُطُواتِ البَرّيَّة،
تَفْقِسُ في الأعْشاشِ حَكايا،
يَتَراكَضُ أطْفالٌ
داخلَ
لَوْنِ العَصْر.
يَلْتقِطُونَ الصَّوْتَ الخافِتَ
مِنْ رَمْلِ
الصّحْراء.
عِنْدَ مَساء،
يَنْفَرطُ العِقْدُ من العَيْنينِ،
يُبلّلُ دَرْبَ البَحْر.
البَسْمَةُ يُرْسلُها اللّيْلُ
إلى
المَنْفَى.
الشّاعِرُ
يَلفُظُ أنفاسَهْ.
(3)
أصداء
على الأُغنية،
نَما العُشْبُ،
ذابَ الصّدَى في
اللّسان.
وفي الأرْضِِ بَعْضُ كَلامٍ
تَفَرّقَ بَيْنَ الغُبارِ
وصَوْتِي.
ولا شَيْءَ فِي البالِ
غيرُ ٱنْتِظارِ الأغَاني.
وفي الأغْنيَة،
خَطا القَلْبُ،
دَرْبُ الرّجوعِ
تَلَوَّى،
ٱعْتَرِفْ يا حَبيبي.
وذِي النّفْسُ انّتَهَتْ مِنْ
زَمان.
فلا البَيْتُ فِي الشِّعْرِ، لا لا
ولا البَيْتُ فِي الرّمْلِ
لا لا
وما البَيْتُ في الذّاكِرَهْ.
ولا بالَ للوَرْدِ.
هاتِ النّجومَ وخُذْنِي.
ٱنْطَلِقْ بي، نَوَيْتُ الرَّحيلَ.
ولا ماءَ لِي، لا تَشُدَّ وِثاقِي
عَلَيَّ. فلا دَرْبَ لي في
حَبيبي. ٱحْتَذِرْ مِنْ رُجوعِي
إلَيَّ.
(4) اعتراف
هي
الأُغنيَة،
حَبَتْ فِي لِساني إلى
مَنْ نَما فِي اللّيالي
هِلالاً هِلالا.
لَثَغْتُ بِحَرْفٍ أتَى مِنْ عُيوني
فمالَ
إلَيَّ السُّنونو بلا مَوْعِدٍ
للقائيِ، وَمادَتْ سَمائي.
فَلَمْ
أعْتَرِفْ بالمَحارِ ولَمْ أعْتَرِفْ
بالجِبالِ الرّواسِي،
وَلَمْ
أعْتَرِفْ
بالبِحارِ.
فَغَطّتْ رُموشي الجَداوِلْ،
وَفَوْقِي
سَماءٌ بلا عاصِفَهْ.
فَلا تَتْرُكِي فِي الرّمالِ
خُطاكِ، هِيَ
اللّحْظَةُ النّازِفَهْ،
وَقَلْبِيَ قائفْ.
يُرَدِّدُ فِي القاعِ
رَجْعَ
صَداكِ. أنا فِي الجُنونِ
أباتُ، وَأحْلُمُ ليْلاً، وأحلُمُ
يَوْمًا، وأحْلُمُ أنِّي ٱحْتَرَقْتُ
فَراشًا، وأحلُمُ أنِّي
افْتَرَشْتُ
الجَناحَ. فَمِنْ أيْنَ أبْدأُ هذا
الصّباحَ. وَدَدْتُ
لَوَ ٱنَّ الزّمانَ
رَماني إلَى الذّاكِرَهْ.
وَرَدّدَ صَوْتِي
الصّدى،
وَٱسْتَراحَ.
(5) إله الجنود
طَريقِيَ تَخْطو
إلى غزّةٍ
تَمُرّ بِخوذَةِ جُنْدِي.
إلٰهَ الجُنودِ الّذي يَمْتَطِي
صَهْوةَ الرّيحِ، هَلِ البَحْرُ
يَعْرقُ لَمّا تَمُدَّ يَدَيك
إلَيْهِ؟
هَلِ النّجْمُ فِي اللّيْلِ يَعْرِفُ
كَيْفَ الوُصولُ إلَى
وَكْرِهِ؟
أَضِئْ لِي الطّريقَ إلَى الغَيْبِ،
خُذْ مِنْ سمائِيَ
شَمْعَهْ.
إلٰهَ الجُنودِ، نَما الحُزنُ فِي
الشّرُفاتِ وَأوْرَقَ
مِنْهُ الصّدَى،
لَمْ يَعُدْ بَعْدُ. سُدًى ذِكْرَياتي.
أتَذْكُرُ
كَيْفَ مَشَيْنا مَعًا فِي
الجبالِ؟ أتَذْكُرُ كَيْفَ احْتَبَسْنا
الهِلالَ
لأوّلِ حَرْفٍ هَوَى
في اللّيالي على شَفَتَيْكَ
لِبَسْمَةِ
طفْلَهْ.
أتَذْكُرُ سِرْبَ السُّنونو
الّذي مَضَى مِنْ عُيونِي،
فَحَلّقَ فِي أعيُنِ العاشِقاتِ؟
وَعادَ لِيَجْبلَ قَلْبي بِطِينِ.
وَيَبْنِيَ فِي الرّيحِ بُرْجًا مُعَلَّقْ.
فَرَفْرَفَ قَلْبِي
دُوَيْنَ الّربابِ
"نَعامًا تَعَلّقَ بالأرْجُلِ".
وَلَمْ يَبْقَ لِي
غَيْرُ خَطْوِي
وَرائي تَسَمَّرَ فِي الرّمْلِ، لا
رِيحَ فِي
الأرضِ أوْ عاصِفَهْ.
أنا فِي عُيونِي ٱخْتبأْتُ
وَدَحْرَجْتُ
فَوْقِي ثَرًى
من زَمان.
(6) ندى برتقال
تِشْرينُ
حَيْرانُ.
يخطُو على الدّربِ،
منْ عَسْقلانَ إلى البَحْرِ،
يَرْكُلُ ظِلَّهْ.
ويرْحَلُ بينَ التّرابِ المُغنّي،
ويذكُرُ أهلَهْ.
هنا صارَ حُزْنُهُ طفْلَهْ،
تَعَمْشَقُ كالرّيحِِ،
تَطْفُو على النّعْلِ بينَ السّماءِ
وظِلِّي. تلاشَى بَيَ الدّرْبُ
على الطُّرقِ المُتربة.
وفي الدّرْبِ دَرْبٌ ودَمْعَةُ دُمْيَهْ،
وخلفَ الرّجالِ
صَبايا
نَمَتْ كَالرُّخامِ. شَواهدُ
خُطّتْ عليها الحُروفُ
بماءٍ تَساقطَ من أعْينٍ
في سَماءٍ سَحيقة.
إلى غزّةٍ تَصُبّ
الطّريقُ
بِعَيْنَيَّ حينًا فَراشًا،
وحينًا تَصُبّ
نَدََى
بُرْتُقال.
(7) القصيدة
خُذُوا من البَحْرِ أسْماكَهُ
أَعِيدُوا
الغُيومَ إلى النّهْرِ،
ٱرْفَعُوا عَن لَمَى الطّفْلِ
حِمْلَ
النّساءِ الحَواملْ.
فُروعُ الأسَى وارفة،
وَالحَكايا شُجونٌ
مَرَتْها
نُهودُ الأراملْ.
إذا ٱرْتَحلَ الأنبياءُ،
فَلا تَحْزنُوا
للفَقِيدةْ.
ولا، لا تَقُولُوا
بأَنّ الرّجَا
فِي
القَصِيدَةْ.
*