متى تذهب السكرة وتأتي الفكرة؟



منذ جلاء الاستعمار القديم وخروج العالم العربي - وإن كان الخروج نسبيًّا - من قبضة الدول المستعمرة، لم يهدأ لهذا العالم العربي بال...

سلمان مصالحة

متى تذهب السكرة وتأتي الفكرة؟


الانتفاضات التي ضربت
أقطارًا عربيّة بعينها، دون سواها، منذ عام ونيّف لم تأت من فراغ. إذ أنّنا وبنظرة سطحيّة على هذه الأقطار يمكننا أن نضع إصبعنا على ظاهرة مثيرة للاهتمام بعيدًا عن الكتابة الرومانسية المُشبعة بالشعارات التي وصفت ما جرى في هذه الأقطار بأنّه ثورة. منذ البداية كان الشكّ يتملّكني حول هذه التسميات التي تُطلق جزافًا دون النّظر في الجوهر، أي بما يحمله المصطلح ثورة من معنى. لم أدّعِ في الماضي، مثلما لا أدّعي الآن، أنّ الأمور واضحة المعالم بما يكفي للولوج في عمق هذا الحدث الكبير، غير أنّي ومنذ البداية لم أشهد على الأرض بما يشي على أنّه ثورة بحقّ وحقيق.

منذ جلاء الاستعمار القديم وخروج العالم العربي - وإن كان الخروج نسبيًّا - من قبضة الدول المستعمرة، لم يهدأ لهذا العالم العربي بال. لقد ظهرت على الخارطة تقسيمات وأقاليم ودول عربية، على غرار ما حدث في أصقاع مختلفة من العالم. لقد كُتب الكثير وقيل الكثير عن هذه التقسيمات ولا حاجة إلى التكرار. غير أنّ ما يلفت الانتباه هو أنّ بداية الأنظمة في هذه الدول المُستحدثة كانت نوعًا من السير على خطى هذه المجتمعات الموروثة كابرًا عن كابر. وبكلمات أخرى، لقد تشكّلت هذه الأقطار حول نظام قبليّ ينهل من موروث هذه المجتمعات. هكذا انتظمت هذه الأقطار في في نظام الممالك والإمارات والسلطنات.

صحيح أنّ الاستعمار
قد انكفأ بصورة أو بأخرى، غير أنّ لعبة الأمم لم تنته في هذه البقعة من الأرض. وهكذا أضحت مسرحًا للتجاذبات بين معسكرين وقطبين اثنين قد برزا للعلن مع نهاية الحرب العظمى الثانية. المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي، الشيوعي، بقيادة الاتحاد السوفييتي. في خضمّ هذه الحرب الباردة بين القطبين أفلح بعض العسكر في الإطاحة ببعض الأنظمة في الأقطار العربية. ولمّا كانت المسألة القوميّة ما زالت في طور تشكّلها في هذه الأصقاع، فقد امتلأ الفضاء العربي في تلك ”الجمهوريات“ التي برزت على السطح بكلّ تشكيلات الشعارات العاطفيّة والرومانسية، عن الوحدة والاشتراكية والقومية وما إلى ذلك من كلام كبير لم يكن يستند في الواقع إلى أيّ رصيد لديها.

وهكذا، سرعان ما تحوّل هؤلاء العسكر إلى منظومة سلطويّة كلّ همّها منصبّ على البقاء في الحكم، أو تحوّل هؤلاء العسكر إلى منظومة قبليّة وطائفيّة تتستّر خلف شعارات قوميّة ومعاداة الامبريالية، وما إلى ذلك من أصناف البلاغة العربية. لقد مرّت عقود طويلة على حكم هؤلاء العسكر فلم يحقّقوا شيئًا لكلّ هذه الشعوب العربية التي اغتُصبت وغُلبت على أمرها. لقد كان الاستبداد واستعباد العباد سمة ملازمة لتلك الأنظمة. وها نحن، وبعد عقود من حكم هؤلاء العسكر واستبدادهم نرى أنّ كلّ تلك الشعارات قد ذهبت أدراج الرياح. فعادت كلّ هذه الـ”شعوب“ إلى نقطة الصفر.

لذا، ليس من قبيل الصدفة
أن تضرب موجة الانتفاضات العربية، المسمّاة ”ربيعًا“ بالذّات تلك الأقطار العربية التي اغتصب فيها العسكر السلطة وأخذوا يورّثون فيها الحكم، كما لو كانوا ملوكًا. وكان هؤلاء بالطبع يجدون من يصفّق لهم ويُلقي على مسامعهم الأشعار والمدائح في جلسات ما يُسمّى ”مجلس شعب“ وما إلى ذلك من مجالس صوريّة في حقيقتها. في الحقيقة كان بإمكان الرئيس أن يعرض على هذه المجالس المزوّرة قرارًا يقول بأنّ الشمس تُشرق من المغرب وتغرب في المشرق، وبالطبع كانت تلك المجالس ستبصم بالعشرة على قرار الرئيس الواحد الأحد الفرد الصمد، بلا أدنى شكّ.

والحقيقة المرّة هي أنّ كلّ التيّارات التي كانت، ولا تزال، تُسمّى يسارًا، لم تكن كذلك في حقيقتها. بل يمكن القول يقينًا، إنّها كانت حركات انتهازية تتزلّف إلى هؤلاء السلاطين - ربّما الأصحّ السراطين - الجدد الذين استحكموا بالبلاد واستبدّوا بالعباد. لم تُقدّم تلك الحركات بديلاً تنويريًّا وديمقراطيًّا لهذه الشعوب، بل استخدمها العسكر الطائفي والقبلي لمآربه، فقبلت هي بالفتات الممضوغ المتروك لها على موائد هؤلاء اللّئام.

لست من أنصار الأنظمة الملكيّة،
وعلى وجه الخصوص العربيّة منها، بأيّ حال من الأحوال. غير أنّ الحقيقة التي يجب أن تُقال هي أنّ الأنظمة الملكية العربية وعلى كلّ سيّئاتها التي لا تُحصى، فقد كانت على الأقلّ أرحم بشعوبها من كلّ تلك التي تُسمّى جمهورية وثورية وما إلى ذلك من مسمّيات كاذبة. ليس هذا فحسب، بل إنّ الاستعمار ذاته كان أرحم من هذه الأنظمة على البشر والحجر والشجر. لذا، فبعد أن طفح الكيل انتفض النّاس في تلك الأقطار على هذه الأنظمة الفاسدة والمفسدة في الأرض.

لقد آن الأوان لأن تذهب السكرة. لقد آن الأوان لأن تأتي الفكرة.

والعقل وليّ التوفيق!
*
نشر في: ”إيلاف“، 14 مايو 2012

***

عن هـويّة العرب في إسرائيل


حول مسألة الهوية - مقالات من الأرشيف (1994):

ولكن، ومن جهة أخرى، وإلي جانب هذا الوضع الموضوعي الّذي وجدت نفسها الأقليّة العربيّة فيه، فهنالك أمور أخرى جرت خلال هذه العقود كان لها أبعد الأثر في إحداث البلبلة في كلّ ما يتعلّق بهويّة هذه الأقليّة المغلوب على أمرها...

ســلمان مصــالحة || عن هـويّة العرب في إسرائيل

في الآونة الأخيرة بدأت تظهر على السّاحة العربيّة داخل إسرائيل بعض التّساؤلات حول مكانة العرب الفلسطينيّين في إسرائيل، ومن خلال تلك التّساؤلات تبرز على السّطح قضايا تنصبّ جلّها في خانة التّخبّط الّذي صار من نصيب تلك الأقليّة في كلّ ما يتعلّق بهويّتها. وطوال العقود الماضية لم تحاول النّخبة المثقّفة منهم التّطرّق إلى هذه القضايا لكونها مليئة بحقول من الألغام. وبدل البحث في هذه المسائل بكلّ جرأة من أجل تدارك المطبّات فقد انتشرت بين صفوفهم توجّهات رومانسيّة تضخّ ماء حياتها من آبار الماضي الّتي أخذت تنضب مع مرور الزّمن. تلك التّوجّهات الرّومانسيّة نبعت من ذلك الأمل بأنّ الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل النّكبة، بفضل الأمّة العربيّة الممتدّة من الخليج إلى المحيط.

غير أنّ الماضي لا يعود أبدًا. بل وأكثر من ذلك، فمع مرور الزّمن يأخد الماضي بالابتعاد ومعه تبتعد الأحلام الرّومانسيّة. وخلال كلّ هذه الفترة بقيت هذه الأقليّة كفرع مقطوع من الشّجرة الأمّ فغرزت نفسها في ترابها، هذا التّراب الّذي تحوّل إلى مَسكَبٍ لبسَ صورة أخرى بقيام إسرائيل فيه. لقد انصبّ جلّ همّ هذا الفرع المقطوع من الشّجرة على الإبقاء على جذوة الحياة في الوطن رغم كلّ هذه المحن. ويمكن القول إنّ هذه المهمّة قد تمّ تنفيذها برغم كلّ العراقيل الّتي واجهتها. لقد كان للقلّة القليلة من المثقّفين في تلك الفترة، وعلى وجه الخصوص أولئك الّذين تحلّقوا في مدار الشّيوعيّين حصّة الأسد في الحفاظ على الوجود العربيّ الوطني في الوطن المقطوع.

وهكذا ابتعد الماضي رويدًا رويدًا وظهر تيّاران داخل الأقليّة الفلسطينيّة في إسرائيل. وكلاهما، على الفرق الكبير بينهما، لم يرد أن يعوّل على البلاغة العربيّة المسموعة من الاذاعات العربيّة. التّيّار الأوّل هو تيّار وطنيّ حاول لمّ شظايا هذا المجتمع وصهرها في بوتقة جديدة. ذلك هو التّيّار الّذي تحلّق في مدار الشّيوعيّين قد فهم اللّعبة وموازين القوى فقد استمرّ الالتزام بموقفه من قرار التّقسيم برغم كلّ الصّعوبات، أي أنّه قبل بقيام إسرائيل، وفي نفس الوقت استمرّ بالمطالبة بإقامة دولة فلسطينيّة إلى جانب إسرائيل، هذا الموقف الّذي يفهم الجميع الآن أنّه كان الموقف السّليم الّذي يجب اتّخاذه، ولو تمّ الأخذ به لما كانت الأوضاع الفلسطينيّة على ما هي عليه الآن. والتيّار الآخر هو تيّار كثير العدد أيضًا ولكنّه تيّار مذدنب صبّ جلّ اهتمامه على قضايا صراع البقاء والحياة، دونما اهتمام بالجوانب القوميّة والوطنيّة. هو التّيّار الّذي اهتمّ بالقضايا اليوميّة وبالمصالح الشّخصيّة ملقيًا عرض الحائط بكلّ ما يتعلّق بقضايا قوميّة ووطنيّة. هذا التّيّار الّذي كان يدلي بأصواته في الانتخابات لصالح الأحزاب الصّهيونيّة على جميع تصنيفاتها، وحتّى تلك المتديّنة والعنصريّة منها. وعلى هامش هذين التّيّارين كان هنالك أفراد وحركات صغيرة جدّا استمرّت في حمل الرّايات القوميّة العربيّة على جميع شعاراتها المعروفة. وعلى الرّغم من الفارق الكبير بين التّيّارين، إلاّ أنّهما قد التقيا في النّهاية ضمن الجدول الّذي حفرته لهما الصّهيونيّة متمثّلة بدولة إسرائيل الّتي قامت في الوطن.

ولكن، ومن جهة أخرى، وإلي جانب هذا الوضع الموضوعي الّذي وجدت نفسها الأقليّة العربيّة فيه، فهنالك أمور أخرى جرت خلال هذه العقود كان لها أبعد الأثر في إحداث البلبلة في كلّ ما يتعلّق بهويّة هذه الأقليّة المغلوب على أمرها. من بين تلك الأمور الانقطاع الفيزيائي عن الجسد العربيّ وقد تمثّل ذلك في الحدود المغلقة طوال عقود من الزّمن، إضافة إلى ذلك يمكننا أن نذكر تلك النّظرة الغابنة الّتي نظر فيها العالم العربيّ المحيط إلى هذه الأقليّة، حيث اتّهمت في الكثير من الأحيان كما لو أنّها كانت متعاونة مع الصّهيونيّة. ولكنّ هذه الأقليّة قد كظمت غيظها جراء هذا الغبن وبقيت في وطنها وأبقت على هذه الهويّة على جميع إشكالاتها الرّومانسيّة.

يدور الحديث في الآونة الأخيرة عن القضيّة الّتي يطلق عليها البعض مصطلح أسرلة الأقليّة العربيّة في إسرائيل، وهنالك من بين المثقّفين من ينفي ذلك، على الرّغم من أنّه لا يقدّم أيّ إثبات وجيه لمقولاته. غير أنّي أريد أن أؤكّد هنا أنّ هذه الأسرلة هي حقيقة وواقع لا يمكن أن يتجاهلهما ذوو البصر والبصيرة. وإلى جانب ذلك الوضع الموضوعي الّذي نشأ بعد النّكبة فثمّ أمور طرأت خلال هذه العقود قد عمّقت هذا التّوجّه في صفوف الأقليّة الفلسطينيّة داخل إسرائيل. حينما بدأت تظهر في منظّمة التّحرير التّوجّهات الواقعيّة الّتي تقبل بقيام إسرائيل في الوطن المشطور فقد بدأت بموازاة ذلك تتقهقر تلك التّوجّهات الرّومانسيّة في صفوف العرب في إسرائيل. أي أنّه كان للتّوجّه الواقعي في صفوف منظّمة التّحرير حصّة ودور كبير في صهر هذه الأقليّة في الكيان الإسرائيلي. فإذا كانت منظّمة التّحرير الفلسطينيّة، ”الممثّل الشّرعي والوحيد“، للشّعب الفلسطينيّ قد تنازلت عن حلمها، فقد وجدت هذه الأقليّة الفلسطينيّة في إسرائيل نفسها مقطوعة مرّة أخرى من جسد شعبها هي.

غير أنّ لهذه البلبلة أسباب أخرى، وتلك هي أسباب تتعلّق بماهيّة وجوهر إسرائيل، حيث أنّ إسرائيل، كما تعرّف نفسها، هي دولة يهوديّة قامت من أجل اليهود، وقد قبلت بوجود أقليّة عربيّة فيها، غير أنّ هذه الأقليّة هي دائمًا تأتي في المرتبة الثّانية أو الثّالثة في تدريج هموم هذه الدّولة. وهكذا فإنّ الوضع الّذي نشأ يجعل الأقليّة العربيّة في إسرائيل من أتعس الأقليّات في هذا العالم. وسبب هذه التّعاسة هو انعدام الأحلام لديها. فجلّ اهتمامها يتحوّل إلى قضايا حياتيّة يوميّة، والقضايا الحياتيّة اليوميّة ستؤدّي في النّهاية إلى تشرذم هذه الأقليّة إلى حمائل وطوائف، وهذه هي الحقيقة الجوهريّة لهذا المجتمع العربيّ، تذوب ضمن الكيان الإسرائيلي. وهذا ما هو حاصل فعلاً على أرض الواقع.

ومصطلح الأسرلة الّذي يحاول البعض إطلاقه، ليس هو مجرّد شعار فحسب، إنّما هو حقيقة ظاهرة للعيان ولا يمكن تجاهلها من خلال إطلاق شعارات لا تستند إلى أرض الواقع، ولكي أبيّن لكم ما أرمي إليه فها أنا سائق لكم بعض الأمثلة للتأكيد على ما أقول.

أوّلاً، من ناحية الموقف السّياسيّ فإنّ جميع العرب في إسرائيل أصبحوا يرون أنفسهم جزءًا لا يتجزّأ من الكيان السياسيّ الإسرائيلي، فيَنتخبون ويُنتخبون، وينصبّ جلّ اهتمامهم على قضايا المساواة المدنيّة في الدّولة اليهوديّة.

وثانيًا، وهذه هي قضيّة جوهريّة، يلاحظ المراقب ذلك التّدهور الحاصل للّغة العربيّة في صفوف أفراد تلك الأقليّة. لقد نشأ جيل كامل يتحدّث بلغة هي خليط من العبريّة والعربيّة. ويجب علينا ألاّ ننسى أنّ من أهمّ نجاحات الصّهيونيّة هو بعث اللّغة العبريّة من جديد لتصبح لغة تخاطب ولغة كتابة وإبداع، وإذا كان العرب في إسرائيل قد استوعبوا هذه اللّغة، لجميع الأسباب الموضوعيّة الّتي قد تكون صحيحة، وتبنّوها كلغة تخاطب وكتابة فإنّهم بذلك يرفعون راية أهمّ الإنجازات الصّهيونيّة. إنّ من يتجوّل داخل المدن والقرى العربيّة في إسرائيل فلا شكّ أنّه سيلاحظ أنّ اللاّفتات على الحوانيت والمتاجر قد كتبت في الكثير من الأحيان باللّغة العبريّة. كما يمكنني هنا أن أسوق مثالاً آخر، وهو أنّ صحيفة ”يديعوت أحرونوت“ العبريّة هي أوسع الصّحف إنتشارًا بين صفوف العرب في إسرائيل. أليست هذه الحقائق تشير إلى أسرلة الأقليّة العربيّة في إسرائيل؟ فاللّغة هي ليست وسيلة تخاطب فحسب إنّما هي وجود حضاري كامل يؤثّر على مفاهيم وتفكير من يتكلّمها.

وثالثًا، وهذا هو مثال في غاية الأهمّيّة، وفيه ما يشير إلى هذه الهويّة الجديدة الّتي نشأت لدى العرب في إسرائيل. على الرّغم من الشّعارات الّتي يرفعها، بين الفينة والأخرى، السياسيّون والمثقّفون من بين العرب في إسرائيل، من مثل كون الشّعب الفلسطينيّ واحدًا لا يتجزّأ، فيجب ألاّ ننسى أنّ الإنتفاضة الفلسطينيّة في المناطق المحتلّة لم تتخطّى حدود الخطّ الأخضر، ولم تصل إلى ما يُطلق البعض عليه اسم ”فلسطينيّي الدّاخل“، وكلّ ما عمله هؤلاء هو مجرّد تضامن معنوي لا غير، وبين الحين والآخر فقد أرسل هؤلاء بعض المواد الغذائيّة لـ ”إخوانهم“ المحتلّين، ليس إلاّ. وإذا كان البعض يظنّ أنّ الخطّ الأخضر هو الفاصل السياسيّ الوحيد، فأودّ هنا أن الفاصل ليس خطًّا أخضر سياسيًّا فحسب إنّما هو فاصل نفسانيّ يحمل في طيّاته أمورًا هي أبعد وأعمق من ذلك بكثير. وللتّمثيل على ما أقول، يكفي أن ننظر إلى وضع القدس المحتلّة، فهنالك الكثيرون من العرب، مواطني إسرائيل، الّذين قدموا إلى القدس للدّراسة في الجامعة العبريّة أو مؤسسّات أخرى في المدينة، واستمرّوا في البقاء هنا بعد إنهاء الدّراسة وسكنوا في المناطق العربيّة من القدس المحتلّة. فهؤلاء، وهم ليسوا قليلي العدد، لم يشاركوا بأيّ صورة كانت بالانتفاضة الفلسطينيّة الّتي شملت القدس الفلسطينيّة المحتلّة. وعلى الرّغم من كون هؤلاء ينتمون إلى الطّبقة المثقّفة الّتي ترفع شعارات الانتماء للشّعب الفلسطينيّ إلاّ أنّهم لم يكونوا جزءًا من الانتفاضة، كما أنّهم لم يضربوا في أيّام الإضرابات المتعدّدة بل ذهب كلّ منهم إلى عمله في المؤسّسات الإسرائيليّة. هذه الحقيقة هي أكبر إثبات على أنّهم رأوا أنفسهم جزءًا من الهويّة الإسرائيليّة، كما أنّهم كانوا يتنقّلون بحريّة ويعبرون الحواجز رافعين الهويّات الإسرائيليّة، وفي الحقيقة لم يختلفوا بذلك عن سائر المستوطنين الإسرائيليّين في المناطق المحتلّة رغم الفارق الواضح بين الطّرفين. هذه هي الأسرلة على أرض الواقع، وقد تستخدم إسرائيل هؤلاء في المستقبل حينما يدور الحديث عن مستقبل القدس. قد يثير هذا الكلام حفيظة الكثير من النّاس، لكن آن الأوان إلى طرح جميع القضايا على جميع الإشكالات المترتّبة عنها. وفقط من خلال طرح جميع التّساؤلات يمكننا الوصول إلى رؤى مستقبليّة سليمة.

***
نشرت المقالة في: ”الحياة الجديدة“، رام الله، 12 ديسمبر 1994
____

خذيني

سلمان مصالحة || خذيني

خُذي الكلمةَ الزانيةْ
سئمتُ اقترافَ الحروفْ
عن العائد الرائحِ.

خُذي القبلةَ الثانيةْ
ولا تَرُدّي الرصيفْ
على الشارع السانحِ.

خُذي النشوةَ الفانيةْ
خُذيني انتصارَ الخريفْ
على الورق النازحِ.

خُذي الدمعةَ الرانيةْ
خُذي قَسَمات الرغيفْ
من الجائعِ المادحِ.

*
من مجموعة ”مقامات شرقية“ (1991)
***
For Russian , press here
-------
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!