بعبع التطبيع: بكري بعد دويري


بعبع التطبيع يفتك بالجميع


سلمان مصالحة ||

بعبع التطبيع: بكري بعد دويري


منذ سنوات، دهم مصطلح جديد السوق العربية للتجارة بالكلام. وهي، على كلّ حال، سوق لم تُفرض فيها الجمارك على الحكي. وحينما يكون الكلام بلا مكوس فلا عجب أن يتلقّفه كلّ عابر، أو ممانع مأخوذ بتجارة الكلام «البليغ» الذي يُعبّئ سامعه.

وهكذا، بين فينة وأخرى، تخرج إلينا طيور الصحافة العربية صادحة بزقزقات تهمة «التطبيع» مع إسرائيل، أو مع «الكيان الصهيوني»، وفق الخطاب «الممانع»، وهي التهمة الجاهزة التي توجّه إلى فلان أو علّان. وهكذا الحال راهناً، إذ اجتمعت التهمة ذهاباً وإياباً عابرة للحدود بين «الكيان» ولبنان، هذا البلد الذي قد لا يمكن وصفه بأنه «كيان» أحد.

هناك في لبنان، استلّ الممانعون تهمة التطبيع وصدحوا بها في وجه زياد دويري، الفنّان السينمائي اللبناني، لا لشيء إلا لأنه زار إسرائيل، للعمل على فيلم رغب في أن يكون قريباً من المكان الذي يتمحور حوله. ثمّ لم يمرّ وقت طويل حتّى خرج هؤلاء الممانعون إيّاهم احتفاءً بفنّان سينمائي فلسطيني قادم من إسرائيل، فانتفض ممانعون فلسطينيّون شاهرين تهمة التطبيع مع «الكيان الصهيوني» في وجه الممانعين اللبنانيّين.

ولم تقف الأمور في حروب الممانعة هذه عند هذا الحدّ، بل اختلط حابل التطبيع بنابل الممانعة، إسرائيليّاً، فلسطينيّاً ولبنانيّاً. إذ ما إن نُشر خبر احتفاء الممانعين اللبنانيين بمحمد بكري في بيروت، حتّى خرجت وزيرة الثقافة الشعبوية الإسرائيلية، وهي من صنف الممانعين إيّاهم، طالبة من المدّعي العام الإسرائيلي التحقيق مع بكري لزيارته دولة معادية هي لبنان وتصريحاته للصحافة هناك. لقد جاءت تصريحات الوزيرة الإسرائيلية صورة طبق الأصل عن مطالب الممانعين في لبنان تقديم الفنان دويري للمحاكمة بسبب زيارته «الكيان الصهيوني». بالطبع هي لم تلصق نعت «كيان» ولا حتّى نعت «مزعوم» بلبنان، كعادة الممانعين لدى التطرّق إلى إسرائيل، بل مجرّد لبنان حاف، بوصفه دولة معادية، ليس إلا.

لقد صرّح بكري للصحافة الإسرائيلية، عقب ذلك، بأنّ أقواله التي نُشرت في الصحافة اللبنانية حول التطبيع مع إسرائيل قد أُخرجت من سياقها. بالطبع، كثيراً ما تفعل الصحافة ذلك مع أناس لا يفكّرون قبل إطلاقهم الكلام بلا جمارك على عواهنه. والحقيقة هي أنّ بكري ليس ضدّ إسرائيل بأيّ حال. بوسعنا العودة إلى مقالة - رسالة نشرها في صحيفة «هآرتس»، وفيها ما يكشف عن موقفه. يكتب بكري في رسالته تلك: «هنالك شريك للسلام لا مثيل له في الجانب الفلسطيني- لا تخسروه!... انهضوا لأجل أولادنا. انهضوا واعملوا شيئاً ما. إسرائيل ليست مستوطنة. إسرائيل هي دولة صغيرة وجميلة من دون مستوطنات. حكومة إسرائيل مدينة لنا بمستقبل أولادنا. انهضوا واصنعوا ذلك. اصنعوا السلام». (هآرتس، 10/7/2014). إذاً، من يكتب متغزّلاً بالعبريّة بأنّ «إسرائيل ليست مستوطنة»، وإنّما هي «دولة صغيرة وجميلة»، لا يمكن أن يكون ممانعاً وضدّ إسرائيل بأيّ حال. ربّما على العكس من ذلك.

إضافة إلى ذلك، يعتقد كلّ مهووسي بعبع التطبيع أنّ إسرائيل معنيّة أصلاً بهذا التطبيع مع العالم العربي. كلّ من يمتلك ذرّة من بصر أو بصيرة يعرف أنّ إسرائيل ليست معنيّة بأيّ تطبيع مع هذه المنطقة المأزومة. إنّها معنيّة بالتطبيع مع العالم الآخر، خارج هذه المنطقة، فليس لدى هذه المنطقة ما تستطيع تقديمه لإسرائيل سوى الهدوء على الحدود، أمّا دون ذلك فلا شيء. على العكس، فإسرائيل هي التي لديها ما تقدّمه لهذه المنطقة في كلّ المجالات التي قد تخطر على بال، وهذا هو التطبيع الوحيد الذي تبحث عنه إسرائيل، ليس إلا. وهذا أيضاً ما هو حاصل، وراء الكواليس، بلا «شور أو دستور» من هذا الممانع أو ذاك. إنّ الأرشيفات الإسرائيلية تعجّ بالوثائق التي تكشف هذا «التطبيع» منذ نشأة الحركة الصهيونية وحتّى قيام إسرائيل وما بعد بعد قيام إسرائيل.

على هذه الخلفيّات، حريّ بنا أن نضع بعض النقاط على بعض الحروف المبهمة. إذا كان «جرم التطبيع» نابعاً من مبدأ عام له علاقة بحقوق إنسانية فلسطينية، فيجب أن يسري هذا المبدأ على الجميع وفي كلّ مكان. من هذا المنطلق، فإنّ الوقوف ضدّ التطبيع يجب أن يسري على «الكيان اللبناني» أيضاً، إذ يعرف القاصي والداني كيف يتعامل الكيان اللبناني مع الفلسطينيّين القابعين فيه. وهكذا، ربّما تتحوّل التهمة فتصبح ضدّ بكري لأنّه يُطبّع أصلاً مع كيان لبناني يهضم الحقوق الإنسانية للفلسطينيين. وكلّ هذا ناهيك بتعامل هذا الكيان مع اللاجئين السوريين الذين هُجّروا من وطنهم بسبب براميل الممانعة المتفجّرة فوق رؤوسهم. بل أبعد من ذلك وأخطر: ها هم هؤلاء الممانعون الذين هدموا البلاد فوق العباد يتحدّثون عن التجانس المجتمعي في بلد هُجّر نصف سكّانه، كما يصرّحون بما معناه أن لا مكان لعودة هؤلاء إلى بلادهم. بكلمات أخرى، أسقط الممانعون عن هؤلاء السوريّين «حقّ العودة» إلى أوطانهم.

إذاً، والحال هذه، عن أيّ تطبيع ومع من يتمّ التطبيع في كلّ هذا اللغط الكلامي؟ وهل بقي شيء طبيعيّ أصلاً في هذا المشرق المأزوم بذهنيّاته والمهزوم بقياداته؟
*
الحياة، ملحق تيارات، 1 أكتوبر 2017




هذيان ثنائي القومية

ترجمة "وكالة فلسطين اليوم" للمقالة المنشورة في "هآرتس":


 

سلمان مصالحة ||

هذيان ثنائي القومية


على خلفية الحروب الاهلية في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)، وهي مطالب هذيانية مأخوذة من عالم من يسيرون اثناء النوم والمقطوعون عن كل ما يحدث من حولهم.

الدلائل التي قدمتها السنوات الاخيرة حول مستوى هشاشة "دولة القومية" العربية، تحول "التحذير" الذي أسمعه الرئيس الفلسطيني في الامم المتحدة، والقائل بأنه في ظل غياب حل الدولتين فان الفلسطينيين سيتوجهون الى حل الدولة الواحدة، تحوله الى تحذير مضحك. هذا الامر يبرز بشكل خاص على ضوء عدم القدرة على انشاء نظام فلسطيني واحد في غزة والضفة الغربية. اذا كان العرب، للأسف، لا يستطيعون انشاء دولة قومية مدنية واحدة جديرة باسمها، وهذه الدول آخذة في التفكك الى اجزاء على خلفية دينية، طائفية وقبلية، من خلال تنفيذ تطهير عرقي وطائفي، فمن السهل فهم ما الذي ينتظرنا في المستقبل في هذا الجزء الصغير الذي منحنا إياه الله، اذا لم تقم قيادة الشعبين باغلاق البلاد أمام الاضطرابات المستقبلية.

إن هذيان الدولة اليهودية التي تنشيء نظام ابرتهايد ديني فعلي، يجب تنحيته جانبا. كما أن هذيان الدولة ثنائية القومية يجب تأجيله الى حين قدوم المسيح. والى حين يأتي الوقت الذي يتحول فيه اليهود الى سويديين والعرب الى دانماركيين. الى حين تتحقق احلام اليقظة، يجب البحث عن طرق لمنع الهيجان والاضطرابات. يبدو أنه بعد عشرات السنين التي تمت اضاعتها على حروب لا فائدة منها، عاد الشعبان الى نقطة البداية. في ارض الميعاد المحمية من رأسها الى أخمص قدميها، يجب علينا بناء سد لوقف الخراب. وبناء هذا السد يبدأ في ادراك اليهود والعرب أنه فقط من خلال تقسيم البلاد الى كيانين سياسيين وطنيين منفصلين يمكن انهاء المعاناة. وهذا لن يحدث بدون أن تقوم قيادات سياسية شجاعة لدى الشعبين.

إن كل من لديه عقل يعرف أن اليهود والعرب لن يذهبوا من هنا. بالامكان مواصلة نزف الدماء بدون نهاية، لكن بعد كل الدماء النازفة، والعرق والدموع، في يوم ما في المستقبل سينهك الجميع ويفهمون أن المخرج الوحيد هو العودة الى خطة التقسيم والاعتراف بحق تقرير المصير "للشعبين" في هذه البلاد.

في السنوات الاخيرة انتشرت بشكل واسع، سواء في الوسط العربي أو اليهودي، موضة انتقاد اليسار. يجب العودة وتذكير كل من يحاول أن ينسى، أن شعار "دولتين لشعبين"، الذي اخترق الحدود الحزبية، مسجل على اسم اليسار اليهودي – العربي الثابت. تجدر قراءة ما كتبه الدكتور اميل توما، الزعيم والمنظر لركاح في العام 1976: "الامر المهم في محاولة حل الموضوع الفلسطيني اليوم هو الاعتراف بحق الشعبين، الفلسطيني والاسرائيلي، في تقرير المصير واقامة دولتين مستقلتين". هذه الاقوال نشرت باللغة الانجليزية، لكنها صدرت ايضا باللغة العبرية في كراسة في الذكرى التسعين لانشاء الحزب الشيوعي. واضاف الدكتور توما بأنه تقريبا 50 في المئة من "اليهود الاسرائيليين ولدوا في اسرائيل" وأنهم "لا يعرفون لغة اخرى أو ثقافة اخرى غير العبرية. لهذا أنا اقول إن هناك شعب اسرائيلي – لديه كل الدلائل القومية".

اليهود والعرب الشيوعيون تمسكوا وما زالوا يتمسكون بهذه المبادئ على مر السنين. وهذا الامر وجد تعبيره في قرارات مؤتمر ماكي (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) في العام 2007: "دولة اسرائيل هي دولة يهودية، لأنها تعبر عن تجسيد حق الشعب اليهودي في البلاد في تقرير المصير"، اقتباس عضو الكنيست دوف حنين في موقعه على الانترنت.

أحد طرفي معادلة الصراع تحقق، وما تبقى هو انهاء الاحتلال وتجسيد حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولة فلسطين الى جانب اسرائيل. بدون اعادة تبني خطة التقسيم فان هذه البلاد مع سكانها ستنزلق في المستقبل الى الدمار والخراب.
*
هآرتس

*
مصدر: فلسطين اليوم، 28 سبتمبر 2017

أيضًا: الحياة الجديدة، 29 سبتمبر 2017

***

For Hebrew, press here

رفيفان المجالي || عزيزي الأخ الخواجا شرتوك

وثيقة


رفيفان المجالي ||

عزيزي الأخ الخواجا شرتوك


عزيزي الأخ الخواجا موسى شرتوك المحترم

سلامًا واحترامًا وأمّا بعد، أحرّر إليك هذا بعين الخجل حيث لم أحضر وقت الاجتماع، وما ذلك إلا لعدم وجود سيارة بالكرك توصلني إليكم. ولذلك أعتقد أنّني معذور من هذه الجهة، وإنّي أعتقد أنّ قلّة حضوري لا يفوتنا شيء من المنفعة والمصلحة. والآن واصلكم زعل بك ابن اختنا المعهود بإخلاصه لمصلحتكم والمعروف أنه من أكبر الملّاكين بأراضي الغور وأراضي الرابه(؟) وهو يحتاج إلى مبلغ من الدراهم ليسد دينه يأخذه على أراضيه، بيع أو رهن. وكنت أودّ أن أقدم بنفسي معه، ولكنّي واثق من أخوتك، يكفيه كتابي عن شخصي لإتمام مصلحة ابن اختنا التي أبدّيها على مصلحة نفسي، وأعدّها ضرورية جدًّا عليّ في إتمامها. وبما الآن أصبحت ألقي عليك كلّ اعتمادي، [أريد]كم أن تعملوا له كلّ المساعدة بإعطائه مبلغ كاف، وهذه القيمة أتعهّدها بنفسي وأربطها بكفالتي على أن تأخذونها منه أرضًا أو نقدًا مع فائضة، ولا أظنّكم تبخلون عليّ برجائي الذي آمله منكم وبثقتي التي هي بكم كبيرة جدًّا وعظيمة تمامًا. ولذلك ليس لكم بهذا أقلّ معذرة أو تأخير، وتجعلوني مديونًا لكم بهذا الجميل ومغمورًا بهذا اللطف طولة حياتي. وإذا رأيت مناسبًا أن تحضر وتشاهد الأراضي بعينك مع زعل بك في البر (؟) يكون ذلك مناسبًا وأكون حاضرًا بنفسي عند قدومكم، فيصير انشالله الاتفاق بحضوري.

هذا وبالختام دم بسلام

المخلص
رفيفان المجالي
٩٢٣/٥/٢٤
---
وثيقة من الأرشيف الصهيوني المركزي
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!