سـلمان مصـالحة || ذاكرة مصرية
(قصيدتان)
منون الوجوه؟
(1)
مَنونَ الوجوهُ الّتي تختفي في الزّحام
مُحمَّلةً قسماتِ الرّصيف
ووقْعَ خُطًى ناطقَة؟
مَنونَ الوُجوهُ الّتي تقتفي خطوَها،
بأعْيُنها أعْيُني عالقَة؟
(2)
أنا في عيوني اختبأتُ
كما الأحرف السّادقَة.
وَهُمْ،
كالفَلائكِ قبلَ هُبوب رياح
على الضّفّة المُتعَبَة.
وَهُمْ،
رحلةٌ كالطّريق
تطولُ كأذرُع العاشقة.
(3)
مَنونَ الوجوهُ الّتي تحمل الرّاقصات
اللّواتي يَمِلْنَ كفرعِ الخريف
على التّرعة المُترَعَة؟
يميلُ الرّصيفُ بهنّ
ويحملُ قلبي مَعَهْ.
(4)
مَنونَ انْتُمُ السّائرونَ
إلى لا وصول
على الشّارع المُزدَحِم؟
على ظَهْرِكم قد تَدلّى الزّمانُ
جدائلَ صبرٍ
قُطُوفَ عناء،
كَشَعْر الصبيّة هذي الّتي
ترتدي جلدَها المُنسدِل
وخاصرتاها حزام.
تحلُّ الجدائلَ آنًا رويدًا،
وآنًا يكون بها خُيلاء.
فيفلتُ من راحتيها سلام،
وتنعفُهُ في الهواء،
وفي شفتيها يفيق ابتسام.
(5)
شَفا غُربَتِي لا يُطيقُ الكلام.
فكيف تجفّ الدّموع،
وفي النّيل منبعُ دَمْعي.
وأنت عيوني
وأنت شجوني
فأين أضيعُ وأين أصيع؟
فكوني جنوني
وكوني
كما شاءَك النّيلُ كوني
معابدَ فرعون كوني،
خُطَى عاهرة
تجوبُ الشّوارعَ بعد نزول مساء
وأضْلُعها ضامرة.
فكوني سُكوني
وكوني كلامي
فإنّي عشقتُك يا قاهرة.
القاهرة ربيع 1987
***
بعد يوم
(1)
بعدَ يومٍ تُصبحُ اللّحظةُ ذكرى.
يكشفُ العاشقُ سرَّه.
بعدَ يومٍ
بعدَ ساعَة
يرفعُ النّيلُ شراعَه
ويُوَلّي مثلما ولّى القطار.
حاملاً حزني على أكتافه
وتباريحَ انتظار.
(2)
بعد يوم، بعد ساعة
تكبرُ اللّحظةُ في نفسي الّتي كالرّيح
هبّتْ فوقَ رأسي تتهادى،
بعد أن هرّبْتِنِي من بلادي
لبلادٍ في فؤادي
ليسَ فيها غير إنسان وشاعر
وتراتيل قصيدة.
وحروف تعشقُ الحبرَ الّذي قد كانَها
مثلما قد كُنتِنِي قبل حُضوري
بيديك والدّفوف.
وأنا قَرْعُ طبولٍ أفرِقيّة
لأغانٍ غَجريّة،
وشتاء للخريف.
(3)
بعد يوم وجريدة،
يفضحُ العاشقُ سرَّهْ،
ويطيرُ النّيلُ،
والأفلاكُ
والنّاسُ
على جانح طائر.
يُصبحُ العاشقُ شاعر
وتصيرين
قصيدة.
أسوان، ربيع 1987
***
من مجموعة: كالعنكبوت بلا خيوط، القدس (1989)
***
0 تعليقات:
إرسال تعليق