الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

عنزة نتنياهو

سـلمان مصـالحة

عنزة نتنياهو

تروي الأمثال اليهوديّة عن أحد اليهود، وقد جاء إلى الرابي كائلاً على مسامعه الشكاوى عن الوضع الذي لم يعد بوسعه تحمّله في البيت، بسبب ضيق المكان وكثرة النّسل.

أنصت الرّابي لمن جاء يستشيره في أمور الدنيا والدين دون أن يقطع حبل كلامه. وبعد أن فرغ اليهودي من شكاواه على مسمع من الرّابي، صمت منتظرًا المشورة الحكيمة.

قال له الرّابي: "ما عليك إلاّ أن تُدخل عنزة إلى البيت".
- "كيف أُدخل عنزة إلى البيت في هذا الوضع المزري؟"، سأل اليهودي.
- "إفعل ما أقوله لك، ولا تُجادل في أمور لا تفقهها"، وبّخه الرّابي بحزم.
انطلق اليهودي، وعاج في طريق عودته إلى السّوق فاقتنى عنزة، مثلما أشار عليه الرّابي، ثمّ مضى بها إلى البيت لتعيش مع الأسرة.
فرح الأولاد لرؤية العنزة ومضى اليوم الأوّل على خير. غير أنّ الوضع سرعان ما تدهور فامتلأ البيت ضجيجًا على ضجيج، ثغاء على صياح وضاق بهم المكان أكثر فأكثر.

وهكذا، وبعد مضيّ أسبوع، لم يعد اليهودي يستطيع تحمّل الوضع، فهرول مسرعًا إلى الرّابي شاكيًا باكيًا على ما حلّ به وبالعائلة.
أطرق الرّابي مليًّا، ثم نظر إلى اليهودي وقال: "عُد إلى البيت فورًا وأخرج العنزة من البيت، ثم ارجع إليّ بعد أسبوع."
أسرع اليهودي وأخرج العنزة من البيت. وبعد أسبوع عاد إلى الرّابي.
سأله الرّابي: "كيف حالكم في هذه الأيّام؟"
أجاب اليهودي: "الحمد للّه، لقد تحسّن الوضع ونشعر بالرّاحة الآن."
***
تذكّرت هذه الحكاية الآن في سياق ما يجري بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة، بين نتنياهو وأبو مازن. والعنزة من الحكاية هي المطلب الجديد الذي أدخله نتنياهو إلى بيت الـ"قيادة" الفلسطينيّة، والمتمثّل بالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل "دولة يهوديّة".

من الواضح أنّ هذه العنزة التي أُدخلت الآن، سيتمّ إخراجها لاحقًا. غير أنّ الـ"قيادات" الفلسطينيّة الّتي لا تفقه أصول اللّعبة، مثلما لا تفقه أبدًا في رعاية الماعز، ستشعر بنوع من الارتياح بعد أن يتمّ إخراج هذه العنزة - المطلب - من البيت الفلسطيني. عندها سيخرج كلّ هؤلاء "المسؤولين" الفلسطينيّين إلى الرأي العام وينشرون البيانات وسيعتبرون إزالة هذا المطلب من الطّاولة، كما لو أنّه انتصار على نتنياهو وحكومة إسرائيل وسيشعرون بالراحة، وربّما يوزّعون الـ"راحة" على المارّة.

إنّ المتتبّع، من صنف ذوي البصر والبصيرة، لما يجري في العقود الأخيرة، يلاحظ أنّ الجانب الفلسطيني أضحى يمتلك "شلعة معزى" من ماعز الحكومات الإسرائيليّة المختلفة.

كما أنّ الجانب الفلسطيني، من مسؤولين سلطويّين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم السياسيّة والقبليّة، والّذين أدمنوا الفساد منذ سنوات طويلة، وخاصّة في العقدين الأخيرين، مضوا قدمًا في اختلاس الأموال المقدّمة للشعب الفلسطيني من الدول المانحة لبناء قصور لهم ولمقرّبيهم، بينما تركوا النّاس عراةً، فاضطُرّ هؤلاء للعمل في بناء المستوطنات الإسرائيليّة التي تكاثرت وقضمت الشّجر والحجر.

هكذا أوصلت هذه القيادات البائسة، بجميع أطيافها ولا أستثني من هذا البؤس أحدًا، الشّعب الفلسطيني إلى هذا الدّرك. إنّه الدّرك الّذي يتمثّل في امتلاك هذه الـ "شلعة" الكبيرة. غير أنّه، شعبًا وقيادة، لا يعرف رعاية الماعز، لا ثقافيًّا ولا سياسيًّا ولا نضاليًّا، لأنّه لا يفقه العالم أصلاً.

وفي هذه الأثناء لم تتبقّ أماكن رعاية لتسريح كلّ هذه الماعز فامتلأ البيت الفلسطيني ثغاء وبكاء.

ليس فقط أنّ من تناديه لا حياة له، إنّه لا يمتلك أيضًا ذرّة من حياء.

والعقل وليّ التّوفيق!
***

المقالة نشرت أيضًا في: شفاف الشرق الأوسط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع