الثلاثاء، 9 مايو 2017

الهوية المعقّدة للعرب في إسرائيل


الفوارق التي تظهر بين المكوّنات الطائفية لهذا المجتمع هي مجرّد أصداء لما هو حاصل في سائر المجتمعات العربية في هذا المشرق.

 

سلمان مصالحة

الهوية المعقّدة للعرب في إسرائيل


بعيدًا عن الخطاب السائد في وسائل الإعلام العربية بخصوص الأقلية العربية في إسرائيل، يأتي بحث استطلاعي جديد، نشره مؤخّرًا المعهد
إصدار المعهد الإسرائيلي للديمقراطية
الإسرائيلي للديمقراطية، ليكشف عن حقائق تتعلّق بهذا الجمهور الذي يعيش في حالة فصام مزمن. وعلى خلفية الخطاب الشعبوي الشعاراتي تميل الغالبية إلى عدم مواجهة هذه المكتشفات وتفضّل الاستمرار في دسّ رؤوسها في رمال الحواضن البلاغية.

لقد شمل هذا الاستطلاع مجموعتين عمريّتين، الأولى هي مجموعة الشباب بسنّ 18-34 عامًا، والثانية مجموعة البالغين بسنّ 35-54. وقد انصبّ اهتمام الاستطلاع على استكشاف مواقف المواطنين العرب على اختلاف طوائفهم، من مسلمين ومسيحيين ودروز، فيما يتعلّق بعدّة قضايا، وهي: تقييم الوضع الإسرائيلي الرّاهن، الشعور بالانتماء للمواطنة الإسرائيلية والهوية الوطنية، القيم الديمقراطية، قضيّة الثقة بمؤسسات الدولة وبقيادة الجمهور العربي في إسرائيل.

على العموم، وعلى غرار المستطلعين اليهود بفوارق ليست كبيرة، تقيّم أكثرية المستطلعين العرب الوضع الإسرائيلي بأنّه جيّد أو جيّد جدًّا. غير أنّ أكثرية المستطلعين العرب، في الآن ذاته، تشير إلى التمييز والإجحاف بحق المواطنين العرب من قبل المؤسسة.

ولكن، على الرغم من كلّ ذلك، فإنّ المكتشفات الأخرى من هذا الاستطلاع تشير إلى حالة الفصام المزمنة لدى هذا الجمهور. إذ إنّ الأكثرية من بين المستطلعين العرب (%55) يقولون بأنّّهم فخورون بكونهم إسرائيليّين. والملاحظ أنّ نسبة الفخر بالهوية الإسرائيلية هي أعلى في صفوف الفئة العمرية البالغة، حيث وصلت إلى قرابة الثلثين (%62.5). هذه النسب هي نسب معدّلة للجمهور العربي بعامّته. ولكن، بالنظر إلى مركّبات هذا المجتمع الطائفية نجد فروقًا واضحة بين مركّباته. إذ يتبيّن من الاستطلاع نسبة الفخر بالهوية الإسرائيلية هي الأعلى في صفوف الدروز (%83)، وهي شبيهة بالنسبة بين اليهود (%86). وبين المواطنين المسيحيين بلغت نسبة الفخر بالهوية الإسرائيلة حوالي الثلثين (%64)، وبين المسلمين حوالي النصف (%49).

أمّا بخصوص المركّبات الأهمّ في الهوية الشخصية فإنّ ألأكثرية من المستطلعين العرب في إسرائيل (%29) ينظرون إلى المركّب الديني: مسلم، مسيحي أو درزي، بوصفه المركّب الأهمّ في الهوية ويضعونه في المرتبة الأولى. بينما وضع الربع منهم (%25) الهوية الإسرائيلية في المرتبة الثانية، بعدها تأتي في المرتبة الثالثة بنسبة مشابهة (%24) الهوية العربية. فقط ثمن المستطلعين (%12.5) أشاروا إلى الهوية الفلسطينية بوصفها الهوية الأهمّ.

مرّة أخرى هذه النسب المتعلّقة بتدريج المركّبات الأهمّ في الهوية هي نسب لكافّة المواطنين العرب. أمّا بالنظر إلى المركّبات الطائفية لهذا الجمهور فنكتشف فوارق كبيرة بين مركّباته. إذ تشير نتائج الاستطلاع بين المواطنين المسلمين إلى نسبة متشابهة تتعلّق بتدريج المركّبات الأهمّ في الهوية الشخصية، الإسلامية والإسرائيلية والعربية. غير أنّ النسبة الأكبر (%32) لكون الهوية العربية تأتي في المرتبة الأولى هي لدى المواطنين المسيحيين، بعدها تأتي لديهم الهوية الإسرائيلية (%22)، ثمّ الهوية الدينية (%18)، والهوية الفلسطينية (%14). بينما في صفوف المواطنين الدروز فإنّ الهوية الدينية تأتي في المقدّمة بالنسبة الأعلى من بين العرب حيث بلغت %54. بعدها تأتي الهوية الإسرائيلية بنسبة %37، بينما الهوية العربية لا تكاد تُذكر وهي بنسبة %5. أمّا الهوية الفلسطينية فهي معدومة لدى الدروز، حيث لم يذكرها أيّ واحد من المستطلعين.

وفيما يتعلّق بمسألة التديّن، فحوالي ثلث المستطلعين العرب بعامّة يعرّفون أنفسهم بأنّهم متديّنون جدًّا أو متديّنون. وما يقارب النصف يقولون بأنّّهم محافظون. والملاحظ أنّ نسبة التديّن في صفوف المسلمين هي الأعلى. ومن بين الطوائف العربية الثلاث يكشف الاستطلاع أنّ نسبة عدم التديّن هي الأعلى في صفوف المواطنين الدروز.

أمّا فيما يتعلّق بقضيّة الثقة بالمؤسسات الرسمية والسياسية، فإنّ المواطنين العرب على غرار المواطنين اليهود، لكن بنسبة أكبر، يكشفون عن عدم ثقة بالسياسيين. إذ تقول النسبة الأكبر منهم بأن السياسيين يهتمّون بمصالحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بمصالح الجمهور الذي انتخبهم. أمّ بخصوص القيادة العربية فإنّ نسبة ضئيلة، وهي أقلّ من ثلث المستطلعين، تثق بقيادة الجمهور العربي المتمثّلة بلجنة المتابعة العليا للجمهور العربي في إسرائيل.

إنّ نتائج هذا الاستطلاع تشير بلا أدنى شكّ إلى الحال السياسية والاجتماعية المعقّدة التي وجدت فيها هذه الأقلية نفسها على خلفية المواطنة الإسرائيلية والصراع العربي الإسرائيلي منذ قيام إسرائيل كدولة يهودية باعتراف أممي. وعلى الرغم من إشكالية العلاقة بالمؤسسات الرسمية ذات الأجندات اليهودية القومية التي نشأت عليها، فإنّ الأقلية العربية وعلى خلفية ما يجري في العالم العربي، وما تشاهده في السنوات الأخيرة من مجازر لا أوّل لها ولا آخر، فإنّ تشبّثها بالهوية الإسرائيلية على إشكاليّتها له ما يبرّره.

كذلك فإنّ الفوارق التي تظهر بين المكوّنات الطائفية لهذا المجتمع هي مجرّد أصداء لما هو حاصل في سائر المجتمعات العربية في هذا المشرق. وعلى ما يبدو فإنّ الانتماء للعروبة لم يفلح في جذب المركّبات البشرية لهذا المجتمع لتنصهر في هويّة عابرة للطوائف.

إنّها قضايا كبيرة تؤرّق أهل هذا البقعة من الأرض وهي جديرة بالبحث، وجديرة أيضًا بطرحها على الملأ والتعامل معها بانفتاح ذهني وبصراحة قصوى. إنّ طريق التصالح مع أنفسنا تبدأ بالتصارح. أليس كذلك؟
*
الحياة، 9 ماي 2017
مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع