يسار أو يمين لا فرق

ترجمة عربية لمقالة "هآرتس" -

يبدو أن الكنيست، وعلى الورق فقط، تضم 120 عضوًا.  فعليًا دائمًا يغيّبون من المعادلة الـ 13 عضو كنيست من القائمة المشتركة.

 سلمان مصالحة ||

يسار أو يمين لا فرق


المرة تلو الأخرى يفشل ما يسمى هنا اليسار في الاختبار المدني. يبدو أن هذا اليسار غارق في الوحل القومي المتطرف نفسه الذي يدعي بأنه ضده. صحيح أنه يطرح هنا وهناك مواقف تبدو تجاه الخارج معارضة لحكومة نتنياهو اليمينية، ولكن في الوقت نفسه فإنه يكشف عن عمق انغلاقه في الفضاء العرقي المركزي الذي يرسمه اليمين بالتحديد.

مثال بارز على هذا بالإمكأن أن نجده في وجهات النظر التي يعرضها من حين إلى آخر البروفيسور زئيف شترنهل في «هآرتس». في مقاله الأخير 31/8 حاول البروفيسور شترنهل رسم حدود المعارضة في الكنيست، التي من شأنها أن تشكل بديلا لحكم نتنياهو. نظريًا، هكذا يقول، «المعارضة تمتد من الجناح الاشتراكي ـ الديمقراطي لميرتس مرورًا بما تبقى من حزب العمل وحتى مصوتي ”يوجد مستقبل“».

البروفيسور شترنهل أيضًا يحسب المقاعد المحتملة التي يمكن لمعارضة كهذه أن تحسبها: «على الورق يدور الحديث عن إمكانية كامنة لحوالي 40 مقعدًا»، ولكنه يضع قيودًا على أقواله بقوله إن «جزءًا من هؤلاء الذين أعتبرهم معارضة محتملة قريبون من القوميين المتطرفين الراديكاليين، وسيرفضون التعاون مع العرب».
وبهذا، بالضبط في هذه النظرية، تكمن المشكلة البنيوية لما يسمى هنا يسار، فالمعارضة في إسرائيل دائمًا هي يهودية بصرامة. هذه النظرية جزء من الرؤيا المتجذرة جدًا في الخطاب السياسي لليسار.


يائسًا من الوضع البائس للمعارضة، دعا البروفيسور شترنهل قبل أكثر من عام، زعماء «الوسط ـ يسار» حسب تعريفه، إلى النظر في المرآة وفحص من هو الزعيم الذي يستطيع إنقاذ اليسار: «سيحسنون صنعًا جميعًا، بدءًا من أعضاء ”يوجد مستقبل“ وحتى أعضاء الكنيست من المعسكر الصهيوني، إذا نظروا في المرآة»، وكل هذا من أجل الاعتراف بحقيقة مفادها أنّ إيهود باراك هو «أفضل احتمال لديهم، إن لم يكن الوحيد» للوصول إلى السلطة وإنقاذ البلاد من حكم الأبرتهايد. («هآرتس» 19/5/2017)

يبدو أن الكنيست، وعلى الورق فقط، تضم 120 عضوًا.  فعليًا، في الخطاب السياسي الإسرائيلي ،سواء من اليمين أو من اليسار، دائمًا يغيّبون من المعادلة الـ 13 عضو كنيست من القائمة المشتركة. هؤلاء موجودون في الكنيست باعتبارهم ورقة تين، من أجل إخفاء عورة دولة اليهود وتزيينها بلون ديمقراطي.

نظرية المعارضة اليسارية لشترنهل تخصص لخمس مواطني الدولة فئة منفصلة: عرب. إلى هذه السلة يلقون كل العرب دفعة واحدة، وكأنّهم لا يتشكّلون من مصوتين اشتراكيين، ديمقراطيين، علمانيين، تقليديين، قوميين متطرفين، ويسار ويمين. لكلهم لون شامل واحد: عرب. صحيح أن أعضاء الكنيست من الأحزاب العربية يجلسون في المعارضة منذ الأزل، ولكن هذه المعارضة وهمية، والتي لن تكون في يوم من الأيام جزءًا من الحوار الديمقراطي الإسرائيلي. هذه معارضة مقصاة.  حتى «اليسار» لا يأخذها بالحسبان.

بدلا من الحديث عن أحزاب إسرائيلية، والتي تمثل في الكنيست مواطنين من تيارات إسرائيلية واجتماعية مختلفة، فإن اليسار نفسه يستخدم المفهوم الشامل «عرب» الذي يخلد الإقصاء البنيوي. لهذا فإن هذا اليسار الذي يتباهى بكونه بديلا للحكم يسقط المرة تلو الأخرى في الفخ الذي يخبئه له اليمين القومي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو.

هكذا لا يُدمّرون الجدران الفاصلة بين المواطنين بهدف الوصول إلى مساواة واستبدال الحكم. بل بالعكس. على ضوء هذه الأمور يبدو أن نظرية المعارضة التي خلقها اليسار تشكل فعليًا روح الأمور التي تصعد من مواد «قانون القومية».
*

”هآرتس“ 6/9/2018

القدس العربي

 شفاف الشرق الأوسط
***
For Hebrew, press here
For English, press here



مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!