هل فقدنا الأمل؟

محاربة القبلية في السياسة الإسرائيلية -

ليس هذا حقّ المواطنين العرب ومندوبيهم فحسب وإنما هذا هو واجبهم في المشاركة بالإدارة العامة للحياة في الدولة لصالحهم ولصالح كافة مواطنيها أيضًا.


سلمان مصالحة

هل فقدنا الأمل؟


الحجر الذي ألقى به أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، إلى مستنقع الانتخابات المحلية الضحل، كشف على الملأ الواقع المؤلم للسياسة الإسرائيليّة بمختلف تيّاراتها وقطاعاتها.

ما الذي قاله أيمن عودة من حيث الجوهر؟ لقد صرّح في مقابلة صحفية أنّه إذا ما توفّرت شروط معينة، فسوف تكون القائمة المشتركة على استعداد لإجراء مفاوضات، بل وحتى على استعداد للمشاركة في ائتلاف بديل لسلطة اليمين الراهنة. كان بمقدور حجر صغير يُلقيه سياسيّ عربي أن يستثير كلّ النتانة التي انتشرت في الأجواء على موجات الأثير.

سرعان ما انبرى رؤساء حزب "كاحول لافان" الذين يتطلّعون إلى استبدال السلطة إلى الإعلان عن رفض مسبق لأية إمكانية للتعاون مع القائمة المشتركة. وحتى في البيت السياسيّ الذي ينتمي إليه أيمن عودة،  سواء كان ذلك في "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" (حداش) أو في باقي مركبات القائمة المشتركة، لم يعربوا عن ارتياحهم من تصريحه وسارعوا إلى تعميم بيانات ترفض أقواله.

وهكذا، فمرّة تلو أخرى، يُماط اللثام عن الحقيقة المرّة في دولة إسرائيل. ومهما يبدو الأمر غريبًا، فإنّنا نعيش في دولة تُدار بدون أيّ حزب إسرائيليّ، فكافة القوائم التي تتنافس في الانتخابات هي قوائم تعتمد بصورة كليّة على الروح القبلية اليهودية والعربية، الدينية والإثنية، ولا يوجد أيّ حزب إسرائيليّ محض.

عندما يرفض رؤساء حزب "كاحول لافان" يد رئيس القائمة المشتركة الممدودة ويصرّحون بأنّ ائتلافهم الطبيعي هو مع الليكود وليبرمان فإنهم يكشفون النقاب عن الحقيقة المرّة التي تضبط إيقاع السياسة الإسرائيليّة. إن هذه السياسة هي سياسة يرضع كافة الأشخاص المتنفّذون في حلبتها الإسرائيليّة حليب الأم الغني بالروح القبلية اليهودية ليس إلا.

لقد أماط تصريح أيمن عودة اللثام عن الوجه الحقيقي، ويجب التنويه بأنّه القبيح، للأشخاص الذين يطمحون إلى استبدال السلطة الحالية. كما كشف هذا التصريح النقاب، من ضمن ذلك، عن الوجه السخيف للسياسيّين العرب الذين سارعوا إلى رفض أقواله، حيث يكافح هؤلاء السياسيّون من جهة، من أجل انتخابهم للكنيست الإسرائيليّة التي تمثل الرمز الصهيوني الأكثر وضوحًا والتي يقسمون من على منبرها يمين الولاء لدولة إسرائيل، إلا أنهم يرفضون، من الجهة الأخرى، أن يكونوا شركاء في ائتلاف بديل، أو في شيء ما منوط بإدارة دولة إسرائيل لصالح كافة مواطنيها.

هناك شيء مغلوط في هذا النهج الذي يتّبعه السياسيّون العرب. ليس هذا حقّ المواطنين العرب ومندوبيهم فحسب وإنما هذا هو واجبهم في المشاركة بالإدارة العامة للحياة في الدولة لصالحهم ولصالح كافة مواطنيها أيضًا. يجب أن يكونوا شركاء في اتّخاذ القرارات في جميع مجالات الحياة، والتطلّع، في الدرجة الأولى، إلى إنهاء الاحتلال وإقامة السلام الدائم والثابت على أساس دولتين للشعبين، الإسرائيليّ والفلسطيني.

يجب أن نقول هنا كلامًا قاطعًا لا يقبل التأويل: كلّ حزب لا يتطلّع إلى استبدال السلطة أو إلى أن يكون شريكًا في ائتلاف بديل للسلطة الحالية، فليس له الحقّ في الوجود السياسيّ. بالنسبة لكلّ الأشخاص الذين يؤيّدون سياسة من هذا النوع الغريب، من المحبّذ لهم أن يبحثوا عن عمل آخر في ميدان آخر.

يتبيّن من كلّ الاستطلاعات التي تفحص مواقف المواطنين العرب بأنّ غالبية الأشخاص الذين تمّ توجيه الأسئلة إليهم يريدون أن يكونوا شركاء في كافة مجالات الحياة، ويبتغون أن يكون صوتهم مؤثرًا على عمليّة اتخاذ القرارات في الدولة.

إذا كانت الاحزاب اليهوديّة ترفض التعاون الحقيقي مع المنتخَبين العرب في الكنيست الإسرائيليّة فيجب أن نفضح أمام العالم بأسره وجود هذه التفرقة العنصرية (الابرتهايد) البرلمانية المنهجية في أداء "الدولة اليهودية".

على ما تبدو عليه الصورة حتى الآن، فالظاهر أنّنا لن نشهد حدوث تغيير جوهريّ في السياسة الإسرائيليّة في الانتخابات الوشيكة. لكن، ممنوع اليأس. فقد حان الوقت للبدء في التفكير بالمستقبل، بالبديل الإسرائيليّ الوحيد الذي يجدر تقديمه لجمهور المواطنين النُّزهاء.

ومع أنّه لا توجد في الوقت الراهن أيّة محاولة لطرح طريق أخرى، إلا أنّنا لم نفقد بعد الأمل بأَنْ نعيش في دولة طبيعية يحظى فيها كافة المواطنين بالمساواة.
*
هآرتس
***
For Hebrew, press here

For English, press here


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!