من حضر السوق باع واشترى
المشكلة في طلب عودة ورفاقه ليست في الحاجة وليست في الواجب المدني الشرعي للنضال ضدّ الاحتلال بكلّ السبل المتاحة.
سلمان مصالحة ||
ما ينطبق على الشرطة ينطبق أيضًا على النوّاب
" ينبغي على الشرطة دخول البلدات العربية بكامل قوّتها، للقضاء على أوكار العصابات الإجرامية، السوق السوداء والخوّات وجمعِ السلاح غير المرخص المنتشر في المجتمع العربي". لم تكن هذه التصريحات الجميلة تصريحات سياسيّ ينتمي إلى حزب من أحزاب اليمين. بل كانت هذه تصريحات تفوه بها النائب أيمن عودة عام 2019، خلال مقابلة أجراها معه أرييه جولان على القناة الثانية. منذ سنوات يصرخ رؤساء السلطات المحلية، الشخصيّات العامّة، والسياسيّون العرب من على جميع المنابر والمنصات، مطالبين بدخول شرطة إسرائيل والقوى الأمنية للبلداتِ العربية للقضاء على أوكار المُجرمين في الوسط العربي.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه يا سادة، ما هو نوع الشرطة التي ستدخل بكامل قوّتها للبلداتِ العربية؟ هل هي شرطة لا ينتمي أحد من أفرادها للعرب؟ هل عليها أن تشمل يهودًا فقط، بمعنى أنّها شرطة أجانب؟ نقول هذا الكلام على خلفية العاصفة التي أثارها النائب أيمن عودة في باب العمود الأسبوع الماضي، حين طالب أفراد شرطة إسرائيل العرب "بوضع سلاحهم جانبا والعودة لأحضان شعبهم".
حسنًا، يجدر بنا أنّ نسمّي الأشياء بأسمائها. إن الاحتلال هو أصل كلّ نجاسة وكلّ خطيئة. إنّ الاحتلال هو مصدر كلّ الشرّ الذي يتواجد فيه العرب واليهود في هذه الأرض الموعودة بالحراب والبارود. كل من يدّعي - يهوديّا كان أم فلسطينيّا - أنّ الصراع في هذه البلاد هو صراع قوميّ لزامٌ عليه قبول المبدأ القائل بأنّ حلّ الصراع يمكن أن يكون قوميًّا فقط، مع كلّ ينبع من ذلك.
المشكلة في طلب عودة ورفاقه ليست في الحاجة وليست في الواجب المدني الشرعي للنضال ضدّ الاحتلال بكلّ السبل المتاحة. المشكلة تكمن في توجيه هذا المطلب لأفراد الشرطة العرب بالذات. كان يتحتّم على عودة التوجّه إلى جميع أفراد الشرطة، دون تمييز دينيّ، طائفيّ أو قوميّ. إذ إنّه ولكونه جزءًا من المؤسسة السياسية الإسرائيلية، التي تشكّل الكنيست درّة تاجها، من المفترض أن يتوجّه إلى كافّة المواطنين، لا حصرَ نفسه داخل خانة انعزالية لا توّدّي إلى أيّ مكان.
إنّ مَن حارب لأجل الوصول إلى الكنيست ليصبح جزءًا من مؤسَّسات الدولة "اليهودية" بل وأقسم يمين الولاء لها، لا يحقّ له مطالبة مواطنين آخَرين بالاستقالة عن مؤسَّسات الدولة ذاتها. ألا تعكس هذه المطالبة تناقضا تاما بين أفعاله وكلامه؟ حيث يُلزمه هذا المطلب أن يكون أوّل المستقيلين من الكنيست، بدل أن يكون ورقة تين تستُر عورتها.
أميل إلى الاعتقاد بأنّ كلّ هذه التصريحات ناتجة عن صراعات حزبية داخلية بين الأحزاب أو بين أعضاء الكنيست العرب. فقد تكون هذه مجرد محاولات هدفها لفتُ الانتباه إثر ارتفاع مكانة النائب منصور عباس الإعلامية بعد انخراط القائمة العربية الموحّدة في الائتلاف الحكوميّ. الكنيست الإسرائيلي كأي برلمان آخر في العالم، هي بمثابة سوق سياسيّة، وعليه فإمّا أن تكون في صفوف الائتلاف وإمّا أن تكون في صفوف المعارضة التي تسعى إلى استبدالها وتسلّم مقاليد السلطة. هذه هي اللعبة السياسية في كلّ نظام ديمقراطي سليم.
كما هو معلوم، تُحسن الأمثال إيجاز التجارب الحياتيّة بكلمات قليلة. وعلى ما يبدو فقد قرّر النائب عباس العمل بالمثل العربيّ الشعبي القائل: "من حضر السوق باع واشترى".
وعلى ما يبدو أيضًا، فإنّ سلوك النائب عباس قد أفقد أعضاء القائمة المشتركة صوابَهم، إذا كان لديهم صوابٌ أصلًا.
*
"هآرتس"
For Hebrew, press here
0 تعليقات:
إرسال تعليق