سلمان مصالحة ||
ثمّة أناس
ثَمَّةَ أُناسٌ يَمُوتُون فِي وَضَحِ النَّهارِ،
وَثَمَّةَ أُناسٌ يَمُوتُونَ فِي حَلَكِ اللَّيْلِ.
ثَمَّةَ أُناسٌ لا يُدْرِكُونَ مَنْ يَقْتُلُهُمْ،
وَثَمَّةَ أُنَاسٌ يُدْرِكُونَ جَيِّدًا وَلٰكِنَّهُمْ
لا يَجْرُؤُونَ عَلَى الَقَوْلِ:
مَنْ ذَا الَّذِي أَغْمَضَ هٰذا ٱليَوْمَ
عَيْنَيَّ قَهْرًا، بِلا رَغْبَةٍ مِنِّي بَعْدُ
فِي النَّوْمِ ظُهْرًا.
ثَمَّةَ أُناسٌ يُقْتَلُونَ خِفْيَةً، بِلا
شَاشَاتٍ فِضِّيَّةٍ تَتَرَاءَى فِيهَا بَدْلاتُهُمْ
وَرَبطاتُ أَعْناقِهِمْ. بِلا شَاشَاتٍ
يَتَبَارَى فِيهَا الدَّجَّالُونِ، وَمَا أَكْثَرَهُمْ،
عَلَى ٱلْتِقاطِ صُورَةٍ لَهُمْ، بِوُجُوهٍ وَاجِمَةٍ
تُخْفِي فَرَحًا بِٱنْتِهَازِ فُرْصَةٍ، سَنَحَتْ
عَلَى حِينِ مَوْتٍ. ثُمَّ سُرْعَانَ ما يُهَرْوِلُونَ
تِبَاعًا إلَى شَبَكاتِهِمْ. يَتَوَاصَلُونَ مَعْ
مُرِيدِيهِمِ المُلَيِّكِينَ لِكُلِّ شَارِدَةٍ وَصُورَةٍ.
يَبْتَلِعُونَ حُبُوبًا مُخَدِّرَةً، نَافِعَةً
لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكانٍ، فَحسْبُهُمْ بِهَا
وَنِعْمَ وَكِيلُهَا.
ثَمَّةَ أُنَاسٌ يَتَنَقَّلُونَ بَيْنَ المَجَالِسِ،
من كُرْسِيّ هُنَا إلَى مَقْعَدٍ هُنَاكَ،
يَتَناقَلُونَ الأَخْبَارَ ويَعْرِضُونَ عَلَى
ٱلنَّاسِ بَنَاتِ أَفْكَارِهِمْ - سَبَايَا مِنْ
بَلاغَةٍ بَلِيدَةٍ - يَهُزُّونَ رُؤُسَهَمْ الَّتِي
انْتَفَخَتْ كَكُرُوشِهِمْ الخَاوِيَةِ، إلَّا
مِنَ كَلامٍ مَأْزُومٍ بِالاسْتِعَارَاتِ الَّتِي
أَكَلَ عَلَيْهَا الدَّهْرُ، شَرِبَ وَتَقَيَّأَ.
ثَمَّةَ أُنَاسٌ يَجْنَحُونَ إلَى تَدْبِيجِ
بَيَاناتٍ بِنَحْوٍ مَخْطُوءٍ، مَخْطُوفٍ
مِنْ مِيراثٍ مُتْخَمٍ بِالأَكاذِيبِ.
يَذْرِفُونَ فِيهَا دُمُوعِ التَّماسِيحِ
عَلَى الماضِينَ إلَى الغَيْبِ. ثُمَّ
يَغِيبُونَ عَنِ ٱلأَنْظَارِ، يَنْتَظِرُونَ
مَوْتًا جَدِيدًا يَشْحَنُونَ بِهِ
أَلْسِنَتَهُمْ، يَسْتَلُّونَها أَمَامَ
شَاشَاتٍ مُلَطَّخَةٍ بِالدِّمَاءِ الَّتِي
سُفِكَتْ عَبَثًا. يَتَلَمَّظُونَ بِكَلامٍ
أَتْخَمَ النَّاسَ قُرُونًا. وَلٰكِنَّ القَوْمَ
ظَلُّوا جَوْعَى.
وَثَمَّةَ، فِي ٱلْخَفَاءِ، بَعِيدًا مِنَ
ٱلْهَرَجِ، بَعِيدًا مِنَ الدَّجَلِ، أُنَاسٌ
يَعِيشُونَ حَيَاتَهُمْ أَحْرَارًا، يَكِدُّونَ
فِي ٱلْخَفَاءِ أَحْرَارًا، وَيَمُوتُونَ فِي
ٱلْخَفَاءِ أَحْرَارًا، دُونَ أَنْ يَلْتَفِتَ
إلَيْهِمْ أَحَدٌ. هٰؤُلاءِ يُحْشَرُونَ فِي
ٱلْخَفَاءِ وَادِعِينَ بِمَصَائِرِهِمْ.
مُلْتَفِعِينَ، زُرَافَاتٍ وَوِحْدَانًا،
بِمَسِيرِهِمْ خَفِيفِي ٱلْوَطْء،
أَحْرَارًا مِنَ ٱلكَلامِ ٱلْمُهْتَرِئِ،
إلَى حَيْثُ ٱنْبَلَجَ الصُّبْحُ فِي
مَسَاقِطِ رُؤُوسِهِمْ، وَكَسَا
ٱلنُّورُ وُجُوهَهُمْ، وَمُذَّاكَ
لَمْ يَنْطَفِئْ.
*
تعليقات فيسبوك:
تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.
0 تعليقات:
إرسال تعليق