من الأرشيف - 1999:
ســلمان مصـالحة ||
صورة العربي
كثيرًا ما يتساءل العربي عن هذه الصّورة القاتمة الّتي يظهر بها في الإعلام الغربيّ. وفي الغالب، كما درجت عليه العادة، يحاول تحميل الإمپرياليّة والصّهيونيّة العالميّة المسؤوليّة عن هذه الصّورة المشوّهة، وبذلك يُريح ضميره فيركن إلى طمأنينة إلى زمن. ثمّ يعود وينتفض مرّة أخرى كلّما اقتضته الضّرورة لذلك بعد سماع خبر هنا، أو رؤية مشهد لا يُعجبه هناك.
غير أنّ هذا التّفسير هو جزء صغير من هذه الحقيقة المرّة. فهل يُصدّق أحد من النّاس أنّ الإعلاميّين في الغرب يركّزون جلّ اهتمامهم ومهنهم كلّها بغية تشويه صورة العربي؟ أليست لديهم اهتمامات أخرى في هذا العالم غير هذه الإهتمامات؟
إنّ أسهل الطّرق هي إلقاء اللّوم على الغير. بذلك نريح أنفسنا وضمائرنا من مهمّة النّظر قليلاً في المرآة لرؤية ما نحاول ستره. صحيح أننّا بذلك نعيش في وهم جميل، لكنّنا لا نستر شيئًا عن أعين الغير، لأنّ الآخرين الآخرين يظلّون يرون ما لا نراه نحن. ولمّا كانت هذه هي الحال على العموم، وهي كذلك بلا أدنى شكّ، فلماذا يدهمنا الاستغراب مرّة تلو أخرى؟
لقد تفكّرت في هذا الأمر قليلاً في الآونة الأخيرة بعد أن شاهدتُ شبكة الـ سي.إن.إن. فهذه الشّبكة؛ على سبيل المثال لا الحصر، تبثّ أحيانًا أشرطة دعائيّة سياحيّة من بلدان مختلفة في العالم. هذه الأشرطة تحاول ترغيب المشاهد في زيارة أصقاع وبلدان مختلفة في أرجاء العالم الواسع الّذي صار؛ كما يُقال قرية صغيرة. ما من شكّ في أنّ هذه الأشرطة هي من عمل المؤسّسات الرّسميّة لتلك الدّول الّتي تحاول اجتذاب البشر إلى زيارتها، أو هي، على الأقلّ، من وحي ما تمليه على صانعي الشّريط الوزارات المختصّة في تلك الدّول. لقد رأيت في الأمس شريطًا من هذا النّوع يدعو النّاس إلى زيارة مصر. فماذا يوجد في هذا الشّريط؟ الشّريط يحكي للمشاهد أنّ مصر هي المكان الّذي نزلت فيه الوصايا العشر على موسى، ويحكي للمشاهد أنّ مصر هي المكان الّذي وجد فيه المسيح ملجأ له. كما يحكي الشّريط عن الإسكندر، وعن الفراعنة، ولمّا كنّا نقترب من الألفيّة فالشّريط يدعو السّائح إلى المكان الّذي يحتفل بالألفيّة السّابعة.
الشّريط جميل وكلّ ما يرويه جذّاب وصحيح بالتّمام والكمال. لكن، ليس هذا هو السّؤال المهمّ. فالقضيّة تختبئ وراء ما لا يرويه هذا الشّريط أو ما يحاول تغييبه عن أعين المشاهدين. فهذا الشّريط بكلّ بساطة يحذف أربعة عشر قرنًا من الزّمان لم يجد لها ثانية واحدة، أو ومضة واحدة دعائيّة. فالشّريط الّذي وجد مكانًا للإسكندر وموسى والمسيح والفراعنة لم يجد مكانًا لهذه القرون من تراث الإسلام فيه. إذن، والحالُ هذه، فمن المسؤول عن هذا الشّريط؟ هل هو الإعلام الغربي مرّة أخرى؟ ومن يدفع لشبكة الـ سي.إن.إن أسعار بثّ هذا الشّريط؟ هل هي الإمپرياليّة الغربيّة أم الصّهيونيّة العالميّة؟
ألم يجد القائمون على تمويل هذا الشّريط الدّعائي معالم ومآثر إسلاميّة عربيّة في مصر بوسعها اجتذاب السّوّاح؟ ثمّ ألا يوجد مسلمون يشاهدون الـ سي.إن.إن ويسوحون في الدنيا طولاً وعرضًا ويمكن أيضًا اجتذابهم إلى زيارة مصر؟
الحقيقة في رأيي هي شيء آخر. فالمشكلة تكمن في القائمين على تمويل وبثّ هذا الشّريط على شاشة الشّبكة العالميّة، وهم بلا شكّ عرب ومسلمون. إنّهم في قرارات أنفسهم يؤمنون بأنّ التّراث العربي والإسلامي يُنفّر السّوّاح. وهذه هي القضيّة برمّتها.
*
القدس العربي، 15.9.1999
0 تعليقات:
إرسال تعليق