الخميس، 4 سبتمبر 2014

لا شيء ينفع

سلمان مصالحة || لا شيء ينفع

تَشَدَّقَ البَعْضُ بِالمَعْنَى،
فَمَا كَانُوا. كَذا تَحَرَّكَ
فِي جَنْبَيَّ بُرْكَانُ.

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

هواجس طارئة بشأن الكيان المزعوم


سلمان مصالحة ||


هواجس طارئة بشأن الكيان المزعوم


أحيانًا تضطرنا الذاكرة للعودة ألى أمور كان لها أثر بالغ في مسيرة حياتنا على هذه الأرض. ولمّا كان عبدكم الحقير قد وُلد في هذه البقعة من الأرض الواقعة شرق المتوسّط، فقد كنت ترعرعت، كما غيري، في مكان لا يُحسد عليه المرء، كما يُقال. وها هي الذاكرة الخبيثة تعيدني الآن إلى ما مضى وانقضى من أيام سوالف.

لنبدأ الكلام بإيراد بعض المفردات والتعابير التي شاعت في الخطاب السياسي العربي منذ عشرات السنين، وفي الحقيقة لا زالت حتّى يومنا هذا تحتّل مساحات من الخطاب العربي. لننظر مليًّا فيما يلي من تعابير: ”الكيان“، ”الكيان المزعوم“، ”دولة الكيان“، ”الكيان المسخ“، ”دولة العصابات“، ”الكيان الصهيوني“، ”الكيان الصهيوني المسخ“، ”الدولة العبرية“ وما شابه ذلك من توصيفات أغدقتها المخيّلة العربية طوال عقود على دولة إسرائيل التي قامت بقرار أممي، كما غيرها من دول في هذه البقعة، بعد جلاء الانتدابين، البريطاني والفرنسي.

لا شكّ أنّ القارئ النبيه الذي تقدّمت به السنّ يتذكّر مثلي أنّنا قد ولدنا، شببنا وترعرعنا على مثل هذا الخطاب الذي أقلّ ما يقال عنه إنّه كان بليدًا ينهل من موروث بلاغي يميل على الأغلب إلى دغدغة العواطف أكثر منه إلى تحريك الخلايا الرمادية في الأدمغة. فلقد ملأ هذا الخطاب جميع الفضاءات التي اتّصل العرب من خلالها، بدءًا بالمكتوب في الصحافة والمنشورات، مرورًا بالمسموع في الإذاعات، عبورًا إلى المرئي في الشاشات، وأخيرًا وليس آخرًا بركوبنا في هذا الأوان قوافل ”الترحال“ وارتيادنا الفضاء الافتراضي الجديد.

ففي الوقت الذي كان فيه العرب يتمايلون طربًا وهم يستمعون إلى ما يدغدغ عواطفهم من مثيل ”أمجاد يا عرب أمجاد“، أو بلاغات أحمد سعيد النارية في ”صوت العرب“ التي تهدّد بإلقاء اليهود في البحر، كانت العساكر العروبية تتقهقر هزيمة تلو أخرى، بينما تصرّح زعامات هذه العساكر على الملأ بالانتصارات. لم تكن تلك الانتصارات سوى انتصارات الزّعامة التي أفلحت في بقائها المُخلّد على الكراسي لمواصلة استغباء العباد، مصادرة البلاد وتكريس الاستبداد.

وطوال كلّ هذه العقود الطويلة من تلك ”الانتصارات الوخيمة“ التي جلبت الوبال على البلدان وأهلها، لم يحصل أبدًا أن قام زعيم عربيّ بأيّ شكل من الأشكال بإجراء حساب نفس بسيط. لم يفكّر واحد من كلّ هؤلاء بأن يترك العباد لشأنهم. لم يفكّر بترك المنصب والذهاب مع انتصاراته للانعزال متقاعدًا معزّزًا مكرّمًا ويفسح المجال للآخرين، ليدلوا بدلوهم في تسيير أمور البشر والبلاد.

وها هي الأعوام والعقود تمرّ على هذه الأصقاع والبلدان وما بُدّلوا تبديلا. وإذا ما عدنا إلى تلك التعابير التي ذكرناها آنفًا فإنّنا نرى أنّها أكثر ملاءمة لوصف أحوال كلّ هذه الأصقاع بالذات دون غيرها. وما على القارئ النبيه إلاّ أن ينزع العصابة التي تغطي ناظريه وتستر حقول الرؤية. ما عليه إلاّ أن ينظر حواليه ويرى كلّ هذه الكيانات المزعومة. فها هو ”الربيع العربي“ قد كشف كلّ ذلك الزّيف الذي لفّ هذه الكيانات المسمّاة دولاً. فها هو الكيان اللّيبي، وبعد عقود من اغتصاب القذّافي للسلطة، قد عاد إلى طبيعته القبلية التي جُبل عليها، وذاكم هو اليمن ”السعيد“ يرتدّ إلى تعاسته المتجذّرة في نعراته القبلية والطائفية. أمّا عن لبنان فحدّث ولا حرج، فقد انبنى هذا البلد ومنذ البدء على مسطرة طائفية مقيتة لدرجة أنّه من كثرة ”الرؤساء“ فيه، كما يُطلق عليهم في خطاب اللبنانيين، لا يستطيع هذا الكيان ”المزعوم“ انتخاب رئيس واحد.

وإذا ما انتقلنا لإمعان النظر فيما يجري في العراق وسورية، فماذا نحن واجدون؟ لقد كشفت الأعوام الأخيرة على العالم أجمع كلّ ذلك الزّيف المتمثّل بهذه الكيانات التي يجمعها ببعضها البعض سوى الدكتاتوريات التي جذّرت القبلية والطائفية في ربوعها وحكمتها بالحديد والنار. لقد تستّرت كلّ تلك الدكتاتوريات خلف شعارات العروبة، وخلف شعارات الاشتراكية والثورية ومحاربة الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية. لقد كانت كلّ الشعارات كاذبة فقد شكّلت كلّ هذه الأنظمة المثال الأقبح على الرجعية العربية بعنصريتها المقتية تجاه الإثنيات الأخرى غير العربية في هذه البلدان. أمّا الشعارات الاشتراكية فلم تكن تعني شيئًا سوى مشاركة الطغمة الحاكمة في نهب موارد البلاد. لقد رفعت الأنظمة شعار فلسطين لإسكات البشر وكبتهم، ومنعهم من المطالبة بالحريات وبالحياة الكريمة في الأوطان. لقد شكلت فلسطين ضريبة كلامية لحرف الناس عن البحث عن سبل لحلّ قضاياهم الداخلية.

وفوق كلّ ذلك، فإنّ كلّ عربي صادق يعرف في قرارة نفسه أنّ دول الاستعمار تلك التي يلعنها علانية وفي كلّ مناسبة كانت أرحم على العباد من كلّ دوله بأنظمتها التي تدّعي الوطنية والقومية وما إلى ذلك من توصيفات. بل وأكثر من ذلك، إنّ دول الاستعمار الملعونة هذه هي التي يتقاطر على سفاراتها أملاً بالحصول على جنسياتها بالذات.

أين هي إذن الكيانات المزعومة، أو دول العصابات؟ أليست هذه مفارقة عجيبة غريبة؟ صحيح أنّ هذه الحقيقة مرّة، لكنّها تبقى حقيقة واضحة لا ينتطح بها عربيّان.
*

نشر: ”الحياة“، 2 سبتمبر 2014
***




قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات