سلمان مصالحة ||
مقام الصمت
الصَّمْتُ أَصْدَقُ إِبْلاغًا
مِنَ ٱلجَلَبِ. فِي بَحْرِهِ ٱلمَوْجُ
لا يَرْتاحُ مِنْ تَعَبِ.
مَنْ كَانَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ،
ضَرَبَتْ آهاتُهُ وَتَرًا، يَنْمُو
عَلَى ٱلخَشَبِ.
وَإِنْ تَثَاقَلَ فِي سَيْرٍ إِلَى
هَدَفٍ، يَنْحُو إِلَى نَفَسٍ
يَنْسَابُ مِنْ قَصَبِ.
وَمَنْ تَراكَضَ فِي السَّاحاتِ،
يَتْبَعُ مَنْ يُلْقِي كَلامًا نَمَا فِي
غَمْرَةِ الصَّخَبِ،
لَنْ يَسْتَوِي قَوْلُهُ لَوْ كُنْتَ
تَسْمَعُهُ، لِأَنَّ الحَكايا خَبَتْ
فِي مَوْقِدٍ خَرِبِ.
إِنَّ الكَلامَ خَفِيٌّ، عَاشَ
مُغْتَرِبًا، قَدْ خُطَّ مِنْ قِدَمٍ
فِي مُلْتَوَى ٱلكُثُبِ.
فَٱجْنَحْ إِلَيْهِ، إِذا ما كُنْتَ
فِي عَوَزٍ لِلصَّمْتِ لَيْلًا،
وَسَامِرْ نَخْلَةَ النَّسَبِ.
وَقِفْ هُناكَ، وَسائِلْ بَعْضَ
مَنْ كَتَبُوا، بِٱلرَّمْلِ حِينًا،
وَحِينًا فِي عُرَى ٱلقَتَبِ.
قَوْمٌ تَوَلَّوْا. قَضَوْا أَعْمارَهُمْ
شَغَفًا بِٱلصَّيْدِ، إِذْ رَحَلُوا
لَيْلًا إِلَى سَبَبِ.
يَحْدُونَ عِيسًا بِجُنْحِ ٱللَّيْلِ،
شاعِرُهُمْ يُذْكِي ٱلضِّياءَ ٱلَّذِي
قَدْ جَفَّ فِي الشُّهُبِ.
وَيَرْفَعُونَ تِجَاهَ ٱلْأُفْقِ
رَايَتَهُمْ. وَيَنْثُرُونَ كَلامًا
خِيطَ مِنْ خَبَبِ.
وَيُرْسِلُونَ سِهَامًا خَلْفَ
هَوْدَجِهَا، حَتَّى تُطِلَّ عَلَى
ٱلْعُشَّاقِ مِنْ حُجُبِ.
ما كُنْتُ أَذْكُرُ ذا، لَوْلا
مُعَذِّبَتِي. تِلْكَ ٱلَّتِي سَطَعَتْ
كَٱلْبَرْقِ فِي السُّحُبِ.
فِيها وُلِدْتُ، عَلَى أَعْتابِها
دَرَجَتْ مِنْ مُهْجَتِي فِكَرٌ
تَنْمُو عَلَى لَهَبِ.
مِنْها الكَلامُ، وَمِنْها الصَّمْتُ
فِي أُفُقٍ سارَتْ قَوافِلُهُ
دَهْرًا مَعَ الجَدَبِ.
هُنَا أَنَا ٱلآنَ، فِي أَرْضٍ
بِلَا وَطَنٍ. لا رَمْلَ فِيهِ،
وَلا مَأْوَى لِمُغْتَرِبِ.
أَنَّى نَظَرْتُ رَأَيْتُ الحُزْنَ
فِي بَلَدٍ، نامَتْ نَواطِرُهُ
عَنْ نَكْبَةِ العَرَبِ.
***