أرشيف - الاتحاد، 20/3/1995
سلمان مصالحة |
الثابت والمتحول
يبدو أن الأدباء العرب، على كثرتهم وقلة بركتهم، قد حوّلوا عملية الإبداع
إلى سلعة تُقتنى وتُباع في مزاد علني. وهكذا أصبح التعامل مع الأدب مهنة تخضع
للعرض والطلب، غير أنّ الأمر لم يقتصر على ذلك بل صارت ساحات الأدب حلبات تجتمع
فيها الشلل التي لا تُعطي للأدب شيئًا، بل أصبح جلّ همّها الانضواء تحت الأسماء،
رابطة هنا واتحاد هناك، ولم تعنها مرّة، وعلى ما يبدو لن تعنيها أبدًا قضية
العطاء، بل التقرب من السلطات الحاكمة عنوة في البلاد العربية، للفوز ببعض المال
- وهو مال حرام - من هذا الحاكم أو ذاك. وهكذا ضاع الإبداع ولم يتبق منه غير
الإطار. ليس هذا فحسب، بل يطلع علينا الأدباء العرب بين الفينة والأخرى بتقليعات
جديدة، من مثل الاتحاد العام للأدباء العرب الذي حول نفسه إلى محكمة تأديبية،
وهكذا، كما قرأنا وسمعنا، فإنّ هذا الاتحاد قد “طرد” من بين صفوفه الأديب الشاعر
أدونيس، الأمر الذي جرّ وراءه انسحاب سعد الله ونوس وآخرين.
الثابت في
الإبداع في العالم العربي، كما هي الحال في كلّ مكان، يقع خارج تلك الإطارات التي
لا تفي بتحقيق الوعود التي قامت من أجلها، بل جلّ اهتمامها ينصَبّ على قضية
الوظائف والتلبّس بالكنى التي لا تقرّب أصحابها من الأدب والفكر، إنّما تقرّبهم
من موائد السلطان. ومثل هؤلاء الصغار النفوس كمثل رجال الدين الذين يسارعون إلى
استصدار الفتاوى هنا وهناك فقط لمجرّد التذكير بوجودهم. والطريقة الأمثل لوضع
هؤلاء عند حدودهم هي تجاهلهم تمامًا، وهكذا يموتون موتًا بطيئًا.
هذه
هي حقيقة الأمر، فالإبداع الحقيقي بحاجة إلى قرّاء رفيعي الذوق، وليس بحاجة إلى
طوق أو إطارات قلّة الأدب، تلك الإطارات هي المتحوّل فيما يخصّ الأدب، لأنّها لا
تثبت على حال، بل تتناقلها الرياح حيثما هبّت. ولهذا يستطيع أدونيس أن يركن إلى
الطمأنينة لأنّ فصله من عضوية اتحاد الأدباء العرب إنّما هو في النهاية يندرج في
مصلحته ويضيف لسمعته أكثر من وجوده داخل هذا الإطار الهشّ. ليس هذا فحسب، بل يجب
أن تكون الدعوة إلى بعض المبدعين الحقيقيين الذين ما زالوا في هذا الإطار أن
يتركوه فورًا، وليبق ذلك الإطار يضم من هم لائقون به ولائق هو بهم.
إذا كان ثمّ بعض الأدباء والمفكرين الذين يضعون الأدب العربي
والحضارة العربية في الخانة العالمية اللائقة بهما فأدونيس هو الثابت في الإبداع
أمّا هؤلاء فهم المتحوّلون عن الحقيقة والآيلون إلى الضياع.
وماذا
يجري هنا على الساحة الفلسطينية؟
الأمر ليس ببعيد عما يجري في العالم
العربي. ففي السنوات الأخيرة، وبسبب التشرذمات السياسية والطائفية التي كانت من
نصيبنا في هذا الوطن، أخذت تظهر على الساحة الأدبية المحلية، في الداخل والخارج،
فئات تصبّ جلّ همّها واهتمامها على الأطر وتعداد الأسامي التي تتحلق حولها، وذلك
دون الأخذ بنظر الاعتبار أيّ همّ أدبي أو أخلاقي، وهكذا صار القاسم المشترك بينها
هو امتهان الأدب والوصول به إلى حضيض ما بعده من حضيض.
ولمّا آل الوضع
الأدبي في هذا الوطن إلى هذا المصير، فإنّي أجد أن السكوت على ما يجري ينصبّ في
النهاية في خانة الاتآمر على الأدب وعلى ما يمثله من قضايا سامية. لقد تحولت
المناصب إلى الضالّة التي ينشدها أولئك الذين بدأت تظهر عوراتهم الأدبية على
الملأ. ولمّا كنّا حريصين على الأدب الحقيقي في هذه الديار، وجدنا من الضرورة
بمكان وضع النقاط على الحروف المبهمات حتى لا يلتبس الأمر على ذوي البصائر، ويكون
الأدب المحلي في النهاية هو الخاسر.
من هنا نود أن نؤكد على أن ليس
ثمّ تنظيم أدبي يجمع أهل الأدب من العرب في هذه البلاد، كما إن كل ما يُنشر عن
تنظيم هذا أو آخر ليس إلا ضحكًا على ذقون العباد.
من هذا المنطلق، أجد
من الضروري التأكيد مرة أخرى على أنّ ما يُنشر في الصحف دون تدارس الوضع الأدبي
من جميع جوانبه، ودون استشارة خيرة أهل الأدب في هذا الوطن، لا يعبّر إلا عما
يجيش في أفئدة المتنصّبين من عفن.
ولهذا أؤكد على أنّ هذه التنظيمات
لا تمثّل الأدب المحلي بأي حال من الأحوال، وهي لم تأت إلا لأغراض في أنفس
اليعاقيب السوداء، ولذلك فالإبداع الحقيقي منها براء، ولهذا اقتضى التنويه الآن
قبل فوات الأوان.
الاتحاد