سلمان مصالحة
حرباوات عرب 48
الشّيوعيّون العرب، وعلى وجه الخصوص
من صنف هؤلاء وأتباعهم المنضوين تحت راية ما يسمّى الجبهة الدّيمقراطيّة للسّلام والمساواة، والّذين أقسمت قيادتهم ونوّابهم يمين الولاء لدولة إسرائيل، هم من أسوأ المدمنين الشّيوعيّين على رفع الشّعارات الكاذبة. إنّ هؤلاء، ولإدمانهم على تدخين الشّعارات الّتي نفخها فيهم سدنة الكرملين من الضّالّين غير المغفور لهم، أضحوا في حال يرثى لها. إذ أنّهم لم يجدوا، بعد أن تهاوت صروح أولئك الّذين زوّدهم بوجبات الشّعارات التّخديريّة، من سبيل لإشباع أنفسهم غير سبيل البحث عن القراعيم. والقراعيم، جمع قرعومة بلغتنا المحكيّة، هي أعقاب السّجائر المرميّة، بعد استنفاد المدخّن جرعات النّيكوتين منها.
لقد شاءت الأقدار
أن انفرط عقد "منظومتهم الاشتراكيّة" مثلما أدمنوا على إشاعة تسمية تلك الدّول الّتي سارت في ركاب "بيت-عزّهم" السّوڤييتي الّذي اندثر فلم يبق له أثر. وكعادة المدمنين الّذين لم يجدوا مصحّات للفطام من شعاراتهم، تراهم ملقيّين على قارعات الطّرق أو تجدهم يبحثون، في بعض ما تبقّى من براميل القمامة الشّيوعيّة المتناثرة على أطراف العالم، عن أعقاب سچائر يشفون بها ظمأ إدمانهم. وهكذا على سبيل المثال تراهم يشيدون في صحفهم الصّفراء ومواقعهم الحمراء البلهاء بنظام كوريا الشّماليّة، لا لشيء سوى أنّه يُخيَّل لجهلائهم أنّ مثل هذه الأنظمة يعادي أميركا والرأسماليّة ويؤمن بالاشتراكيّة. في حين يعلم كلّ من يمتلك ذرّة من عقل في هذا العالم أنّ هذا النّظام الكوري الشّمالي هو أسوأ نظام بقي على وجه الأرض، من ناحية تأليه الزّعيم وتوريث الرئاسة واستعباد النّاس وإفقارهم إلى أبعد الحدود. لقد حقّ في هؤلاء المدمنين القول أنْ تبدّلَ العالمُ وما بُدّلوا تبديلا.
نودّ التأكيد أوّلاً
على أنّه لا بأس في الاعتراض بشدّة أو رفض وإدانة السّياسات الأميركيّة، بل ربّما كان من واجب ذوي العقول المتنوّرة والحرّة الّتي تنشد الخير الاعتراض على تلك السّياسات الغبيّة وخاصّة تلك الّتي تأتي من قرائح محافظي بوش الجدد وأمثالهم المتعولمين. غير أنّ هذه الفئة من الشّيوعيّين وأتباعهم الجبهويّين من فلسطينيّي إسرائيل (عرب 48، عرب الدّاخل، عرب إسرائيل، وما شئتم من تسميات...)، ولشدّة إدمانهم الشّعارات المتوارثة كابرًا عن كابر فإنّهم لا يفرّقون بين الخير والشرّ في هذا العالم. فالشّعار الّذي ترعرعوا عليه شبّوا عليه وها هم يشيبون عليه. لقد أدمنوا على جرعات الغباء الّتي رضعوها من "منظومتهم" من المهد، ويبدو أنّهم سيحملونها في جعبتهم إلى اللّحد.
وعلى سبيل المثال،
يعلمُ كلّ إنسان بسيط يتّسم بالبديهة الخَيّرة من أهلنا في هذا الوطن أنّ القضاء على نظام صدّام التّكريتي الظّالم هو عملٌ خَيّرٌ، بينما التنفيذ وما جرى ويجري في ساحة العراق الآن هو شرّ. هذه هي المعادلة، غير أنّ المدمنين على شعارات المفروطة "الاشتراكيّة"، غير المأسوف عليها، لا يعترفون بحقيقة هذه المعادلة. بل إنّك تقرأ في صحافتهم مديحًا وإشادات بما يسمّونه زورًا وبهتانًا "مقاومة". الإرهاب الّذي يفجّر الكنائس والمساجد والأسواق على من يؤمّها من النّاس البسطاء الأبرياء، من جميع أطياف أبناء العراق على جميع مللهم ونحلهم، في المدن العراقيّة ليس "مقاومة" وليس "شريفة" بأيّ حال ولا يمكن أن يكون كذلك، أيّها الدجّالون الكذبة. إنّما هو جرائم تقشعرّ لها الأبدان مهما حاول الكذبة تلميعها.
وشيء آخر يجب قوله لهؤلاء الدّجالين
من رافعي شعار الأمميّة في حين أنّ الأمميّة منهم براء: كيف ينظر هؤلاء إلى أنفسهم في المرآة وهم يتشدّقون بفلسطينيّتهم ويرفعون صوتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي من أجل رفع الضّيم والظّلم عن الشّعب الفلسطيني (والظّلم الإسرائيلي للفلسطينيّين هو أمر واقع ويجب محاربته كما يجب كنس الاحتلال من المناطق الفلسطينيّة المحتلّة، وهذا واجب على على كلّ إنسان حرّ وصاحب ضمير)، ولكنّهم في الوقت ذاته يدافعون عن نظام على شاكلة النّظام السّوداني وعصابات عُرْبانه الّتي شرّدت أكثر من مليونين وقتلت أكثر من مائتي ألف إنسان من أهل دارفور في السّنوات الأخيرة؟ أليس أهل دارفور جزءًا من هذه الأمميّة الّتي يدّعيها هؤلاء الدّجّالون؟ أم أنّهم، في ما يتعلّق بأهل دارفور ذوي البشرة الأشدّ سمارًا، عنصريّون عروبيّون قد ترعرعوا على بذاءات شاعرهم ورمز عروبتهم البليدة الّذي شحنهم بمقولة: "إنّ العبيد لأنجاس مناكيدُ"؟
إنّ هؤلاء بتوجّهاتهم هذه
إنّما يكشفون عن حقيقة لا يمكن كنسها وإخفاؤها تحت بساطهم المُهترئ. إنّهم في قرارة أنفسهم، وبما تنضح به صحفهم ومواقعهم، يشهدون على أنّهم أصوليّون وسلفيّون، بل وعنصريّون عروبيّون. وهم بذلك ليسوا بأقلّ سوءًا من المتأسلمين القدماء والجدد الّذين يعيثون فسادًا في المجتمعات العربيّة وفي ما سواها. ولأنّهم أصوليّون وسلفيّون فإنّك تراهم أو تقرأ في صحافتهم كلّ ذلك التّغامز والتوادد مع الأصوليّين الإسلاميّين، أو مع القبليّين العربان في كلّ مكان: "هنالك قوى أصولية دينية تناضل ضد العدوان والاحتلال، وهي أشرف من كل اليسار المدّعي والمزيف"، مثلما يصرّح أحد زعمائهم في صحافتهم. أليست مقولته هذه تكشف بالضّبط أنّه هو الّذي يمكن تسميته بـ "اليساري المزيّف"، المتزلّف للأصوليّة؟لقد نسي هؤلاء الشّيوعيّون والجبهويّون،
أو تناسوا، شعاراتهم الأخرى الّتي طالما رفعوها في الماضي، مثل شعار "الدّين أفيون الشّعوب". لقد نسي هؤلاء أو تناسوا، أنّ من بين أهمّ الأسباب الّتي "فَسْقَلَتْ" وذرّرت أبناء المجتمع العربي في إسرائيل هو ظهور الحركة الإسلاميّة الّتي بدأت مدعومةً من الحكومات الإسرائيليّة بغرض ضرب التّوجّهات الوطنيّة الوحدويّة الديمقراطيّة والمنفتحة على العالم، الّتي كانت لدى شرائح صادقة من أبناء الجمهور العربي ولدى بعض القيادات السّابقة، رغم الكثير من التّحفّظات الّتي لدينا على تلك القيادات أيضًا. لكن يبدو أنّ خلفاء هؤلاء ولشدّة إدمانهم الشّعارات، ولاختفاء بعض الوجوه المسؤولة من السّاحة، فقد أضحت الشّعارات في ذهنيّاتهم مخدّرًا يفقدهم صوابهم، فتراهم في كلّ واد يهيمون، يقولون ما لا يفهمون. لذلك أيضًا تراهم يسارعون إلى الزّجّ بأنفسهم في منافسات عقيمة مع المتقومجين الجدد، فرسان فضائيّات الزّعيق، أو أنّهم يتودّدون إلى إسلاميّين جدد، من عربان أيديولوجيّات الحريق.
كيف نصف، إذن، حال هؤلاء؟
لا شكّ أنّهم الأكثر شبهًا بالحرباء. والحرباء هي هذا المخلوق الّذي طالما شدّ انتباهنا في سني طفولتنا لتلوّنه بلون الجسم الّذي يقف عليه، أو في بيئته، اتقّاء الافتراس. وفي بعض الأحايين تتشكّل الحرباء بلونين مختلفين من جانبيها. هذه هي حال هؤلاء أيضًا، فإنّهم في كثير من الأحيان يصرّحون بالعربيّة شيئًا واحدًا، ثمّ يقولون خلافه عندما يأتي التّصريح بالعبريّة. إنّهم، على ما يبدو، قد ذوّتوا جوهر مقولة "لكلّ مقام مقال"، أو أنّهم قد انطبعوا منذ نعومة أظفارهم بطبيعة الحرباوات المتلوّنة.
أليس كذلك؟
*في المقالة القادمة سنشرح لكم معنى الآية:
"لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ غَباءً الّذِينَ تَشَيَّعُوا فَقالُوا إنّا شُيوعيّون جبهويّون فلسطينيّون إسرائيليّون".
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاس غَباءً
في المقالة السّابقة
تطرّقت إلى مسألة الشّعارات الّتي أدمنت عليها بعض القيادات والمتنفّذين في الجبهة الديمقراطيّة والحزب الشّيوعي الإسرائيلي، وهي الشّعارات البعيدة كلّ البعد عن الأمميّة والعلمانيّة اللّتين يدّعيانهما. وقد يسأل سائل: ألم تكتب بأنّك ستمنح صوتك في الانتخابات الإسرائيليّة السّابقة للجبهة الدّيمقراطيّة؟ والجواب على ذلك: بلى، ولا أنكر ذلك. بل وقد نشرت هذا الكلام هنا في "إيلاف"، وقد تمّ نقل المقالة بعد ذلك وتوزيعها في النّاصرة والجليل وبلدات أخرى عشيّة الانتخابات بعد استئذاني بعمل ذلك. ولكنّى أكّدت في المقالة، ويمكن العثور عليها في أرشيف "إيلاف"، على أنّي سأمنح صوتي للجبهة لأنّها "الأقلّ سوءًا" من بين سائر الأحزاب الموجودة على السّاحة، وذلك لكون الجبهة: "بما تمثّله من توجّهات على الصّعيد الإسرائيلي العام، سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، هي الخيار الأقلّ سوءًا" (أنظر المقالة).
لقد كتبت ذلك لأنّ الحقيقة هي أنّ كلّ الأحزاب القائمة على السّاحة سيئّة، ولذلك فأنا أنتخب "الأقلّ سوءًا" لكي لا يذهب صوتي، إن أنا امتنعت عن التّصويت، للأحزاب الكبيرة الحاكمة، كما هي الحال في قواعد الانتخابات النّسبيّة الإسرائيليّة. والتّأكيد هو على "الأقلّ سوءًا"، غير أنّ منحي صوتي لـ"الأقلّ سوءًا" لا يجعل الجبهة وقيادتها وصحفها فوق النّقد، بل يعني أنّ ثمّ أمورًا سيئّة فيها أيضًا، وفيها الكثير من ذلك. وهي أمور لا يمكن كنسها تحت بساط الشّعارات الّتي أضحت كاتمات عقول لدى البعض، ظنًّا من هؤلاء أنّهم وبمجرّد التّزنُّر بالشّعارات يسقطون عن أنفسهم إمكانية التعرّض للنّقد، بينما الحقيقة هي خلاف ذلك تمامًا.
وسنكشف للقرّاء الآن بعضًا
من غباء بعض تلك القيادات والمتنفّذين في هذه الجبهة وصحافتها. ولأنّ هؤلاء البعض يدّعون مواكبة العصر فقد أفردوا لحزبهم وجبهتهم وصحافتهم موقعًا في هذه الشّبكة. إنّهم يدّعون بكونهم منبرًا حرًّا وتعدّديًّا، وأنّّهم يؤمنون بحريّة التّعبير وما إلى ذلك من شعارات، غير أنّ هذه الادّعاءات سرعان ما تسقط في مواجهة الواقع. فها هم يصرّحون في الخفاء بأنّ هنالك: "قواعد معيّنة نتّبعها في التّعامل مع الموادّ المنشورة في موقع الجبهة، تستند إلى رؤى سياسيّة تقرّها قيادة الجبهة". وعندما تسأل هؤلاء عن هذه القواعد والرّؤى فإنّهم لا يحيرون جوابًا، وكأنّ القواعد والرؤى السّياسيّة للأحزاب تنتمي إلى عالم الغيب؟
لقد نسي هؤلاء أنّ للإنترنت فضائل لا يعرفونها. إذ إنّ المتصفّح ذا البصر والبصيرة سيكتشف أنّ الأمّيّة أقرب إلى هؤلاء من الأمميّة. إذ لو أنّهم كانوا يقرؤون ما نقرأ من هذه "المواقف والرّؤى الّتي تقرّها قيادة الجبهة"، كما يدّعون، ويمكن الوصول إليها عبر موقعهم، لكانت هذه القيادة وإدارات صحافتها ومحرّريها قد اختفت عن الأنظار، ومن زمان.
فعلى سبيل المثال، تراهم يتشدّقون صباح مساء بقيادتهم، صاحبة الصّون والعفاف، ولهذا الغرض يتزيّون بكلّ ما هو شعاراتي كعادة المدمنين عليها، فيفردون للقارئ إحالات إلى كُتّاب مقالات يعتزّون بهم لمجرّد كونهم فلسطينيّين لا غير. غير أنّ من يقرأ عميقًا في موقع "أصحاب المواقف والرّؤى السّياسيّة" سيكتشف في الحال أنّه أمام أناس أقلّ ما يمكن أن يقال عنهم هو أنّهم على درجة من الغباء والأميّة يصعب الوصول إليهما.
ولماذا أقول هذا الكلام؟
لقد أفردوا في صدارة موقعهم صورًا لقياداتهم الّتي فارقت الحياة وإحالات إلى سيرهم إجلالاً منهم لهذه القيادات. ولا بأس في ذلك، فقد عرفت بعضها إذ ربطتني بها علاقات شخصيّة، كما أكنّ للبعض منها احترامًا حقيقيًّا، رغم أنّي كنت قد أسمعتها شخصيًّا، وفي أكثر من مناسبة ولقاء، تحفّظي من بعض مواقفها وسلوكيّاتها، وليس هنا المجال لتفصيل تلك اللّقاءات والمشاهد والتّحفّظات. إنّهم يرفعون هذه الشّخصيّات بمثابة شعار فحسب، إذ أنّ القارئ النّبيه سيصل في موقعهم ذاته وخلف تلك الشّعارات إلى أمور من نوع آخر.
لنقرأ، على سبيل المثال فحسب،عن بعض ملابسات ما جرى أيّام النّكبة والمواقف المتلوّنة والمتبدّلة للشّيوعيّين بين ليلة وضحاها، ممّا يصل إليه القارئ عبر موقعهم. يذكر أحد الكتّاب المميّزين: "حينما أعلنت الهيئة العربية العليا معارضتها لقرار التقسيم، أصدرت عصبة التحرر الوطني،وهي الجناح العربي في الحزب الشيوعي، أصدرت بياناً تمتدح فيه المفتي،وتسمي قراره بمحاربة التقسيم بأنه انتفاضة قومية رائعة. وصفق الناس يومها للشيوعيين.ولكن الشيوعيين العرب كانوا غافلين. ففجأة تغير موقف الاتحاد السوڤيتي وأعلن موافقته على التقسيم. وإذا الشيوعيون العرب الذين كانوا ينادون بوحدة فلسطين واستقلالها ينادون بتقسيمها. وإذا الحزب الشيوعي ينشقّ على نفسه. وإذا إميل توما وبولس فرح يعارضان التقسيم، بينما فؤاد نصار وطوبي وحبيبي يؤيدونه. ويركض فؤاد نصار قائد الشيوعيين إلى أبراهام بن صور المبامي الصهيوني ويحاول إقناعه بأن التقسيم أفضل من الدولة الثنائية الموحدة التي كان ينادي بها المبام. هكذا مسح العباقرة العرب الشيوعيون ما قالوه بالأمس، فسبحان مبدل الأحوال!".
كما أنّ إميل توما ذاته لا يسلم من سياط الكاتب الّذي يتزيّن به الموقع. فلنقرأ معًا، إذن، كلمات الكاتب: "ولنرجع إلى التاريخ مرة أخرى: السنة 1948، الشهر آذار، المكان حيفا، الشيوعي إميل توما عضو في اللجنة القومية في حيفا. إميل يجتمع سراً مع قادة صهيونيين!. وقد يدعي إميل أنه كان يريد إحلال هدنة في حيفا. ولكن الناس سامحهم الله، يسيئون الظن دائماً، وهم يقولون إن إميل كان يسلم أسرار العرب للصهيونيين الذين يجتمع بهم...". بهذه اللّغة يهاجمه الكاتب الّذي يتشرّف به أصحاب "المواقف والرؤى الّتي تقرّها قيادة الجبهة". وهذا الكلام مميّز لديهم، ليس لأنّهم يؤمنون بحريّة التّعبير، فهم لم يكونوا في يوم من الأيّام كذلك. إنّما هو موجود لديهم لأنّهم، من جهة، قد أدمنوا على الشّعارات فحسب، ولأنّهم لا يقرؤون ،من الجهة الأخرى. سأكتفي بهذا القدر من الاقتباسات الآن، وهنالك أمور كثيرة أخرى ووكلام وكتابات تتعرّض إلى مواقف وسلوكيّات شخصيّات مركزيّة، مثل إميل حبيبي، صليبا خميس، عصام العبّاسي وغيرهم.
لم أرغب في ذكر
اسم كاتب المقال المذكور أعلاه، وذلك لسببين: أوّلاً، لكي لا يسارع المحرّرون إلى شطب هذه الموادّ من موقعهم، ونحن نريد من القرّاء أن يطّلعوا عليها قبل أن تُشطَب، لكي يتعرّف القارئ على منسوب غبائهم. وثانيًا، لأني أرغب في إرغامهم على القراءة، بل وإرغامهم على تخصيص طاقم يكدّ بحثًا في أرشيفهم عن هذه "الرّؤى الّتي تقرّها قيادة جبهتهم ومحرّري صحافتهم ومواقعهم.
فماذا يمكن أن يُقال، إذن، عن هؤلاء؟ لو قُيّض لجحا أن ينشئ صحيفة أو موقعًا لكان أكثر ذكاءً منهم.
ورغم كلّ ذلك،
ولكي لا يُفهم كلامي على التّعميم، أقول إنّه ما زال هناك بعض المنتمين للجبهة والحزب، من صنف أولئك الّذين يعملون بجديّة وبصدق لمصلحة النّاس، بعيدًا عن الشّعارات المتقومجة الّتي تذهب أدراج الرّياح، أو أدراج الأثير الفضائي العروبي القادم من أكبر قاعدة عسكريّة أميركيّة في الشّرق الأوسط، بوق واضعي نظريّات "الفوضى البنّائة". فإذا كان الرّفاق والشباب المنفتحون الصّادقون، والأوفياء إلى مبادئ الأمميّة والعلمانيّة ممّن ينتمون إلى هذا الجسم يشعرون بالحرج من هذا الهرج، فما عليهم سوى الاحتجاج على ما تقوم به بعض قياداتهم وبعض المتنفّذين في صحافة الجعجعة البلهاء الّتي يحرّرونها. وإذا كانوا يريدون خيرًا للنّاس في هذا الوطن، فما عليهم سوى العمل على إحالة جميع هؤلاء المجعجعين وأمثالهم إلى التّقاعد. لأنّهم إنْ لم يفعلوا ذلك يصبحون مسؤولين عن كلّ ما يجري خلف ظهورهم وباسمهم.
وأمر أخير نودّ التأكيد عليه،وعلى مسمع من جميع هؤلاء ومن لفّ لفّهم من مدمني الشّعارات الكاذبة: لا يمكن للأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل، والّتي تناضل وبحقّ من أجل الحفاظ على حقوقها في وطنها ضدّ السّياسات العنصريّة الإسرائيليّة، إلاّ أن تكون نصيرة لكلّ الأقليّات الّتي تناضل من أجل حقوقها في أوطانها، كالأكراد في سوريا والعراق وتركيا وإيران، وكألأقباط في مصر، وكأهل دارفور في السّودان، وكالأمازيغ وغيرهم في دول المغرب وسائر الأقليّات في البلاد العربيّة، أو كأيّ أقليّة أخرى مضطهدة على وجه الأرض. كما لا يمكن للأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل أن تكون في جانب نظام قمعي كالنّظام البعثي العروبي العنصري، مثال الّذي رحل إلى غير رجعة من بلاد الرّافدين، أو كنظام البعث الّذي يلاحق ويسجن خيرة المثقّفين السّوريّين، والّذي سيرحلُ هو الآخر عاجلاً أم آجلاً من بلاد الشّام، مثلما رحل عن لبنان.
نحن نؤمن بالحريّة لنا ولغيرنا، كما أنّنا ننشد الخير لنا ولغيرنا إذ أنّ المبادئ الإنسانيّة في نهاية المطاف لا يمكن أن تتجزّأ. بل على العكس من ذلك تمامًا، هذا هو المعنى الحقيقي للأمميّة. هذا إذا كنّا نؤمن بها حقًّا ولا نرفعها كمجرّد شعار يتلاشى مع هبوب كلّ نسمة قومويّة أو إسلامويّة، بغية منافسة شعاراتيّة مع تيّارات ظلاميّة أخرى ظهرت على السّاحة.
وَالعَقْلُ وَلِيُّ التّوفيق.
***
نشرت في إيلاف، مارس 2007
0 تعليقات:
إرسال تعليق