سـلمان مصـالحة
إنْ قالت النّار خُذني إلى البحر
هَلِ الشِّعْرُ إنْسٌ غَرِيبٌ أَتَى راجِلاً
مِنْ مَكانٍ بَعِيد، وَسُرْعَانَ مَا
يَعْتَرِيهِ أُوَارُ النَّدَمْ؟
أَمِ الشِّعْرُ حِسٌّ خَفِـيتٌ تَوَارَى مَعَ
النّارِ حِينَ قَضَتْ نَحْبَهَا، إذْ مَضَتْ
فِـي اخْتِبارِ حُدُودِ الأَلَمْ؟
***
وَمَنْ يَحْمِلُ الصَّوْتَ لَيْلاً، بُعَيْدَ
اخْتِفاءِ الحَنِينِ الَّذِي أَشْبَعَ الذّكْرَياتِ
كَلامًا كَـثِيفًا نَمَا مِنْ عَدَمْ؟
وَمَنْ يَحْمِلُ النَّفْسَ، حِينَ تُفِـيقُ مِنَ
المَوْتِ، حِينَ سَتُبْحِرُ خَلْفَ عُيُونٍ
تَسَمَّرَ فِـيها السَّنَا حِقْبَةً، لَمْ تَنَمْ؟
***
وَإنْ قَالَتِ النّارُ للْقَلْبِ، خُذْنِـي
أَصِيلاً إلَى البَحْرِ؟ هَلْ يَسْمَعُ المَوْجُ
صَوْتَ الوَلِيدِ الَّذِي شَاقَهُ المَرْتَعُ؟
وَكَـيْفَ يَكُونُ الحَدِيثُ عَنِ القَلْبِ
بَعْدَ انْقِضاءِ الفُصُولِ؟ وَماذا يَصِيرُ
الرَّمَادُ الخَفِـيفُ إذَا مَسَّهُ المَاءُ؟
هَلْ يَنْفَعُ الشُّعَرَاءَ لِدَمْلِ الجِراحِ الّتِـي
وَرِثُوهَا أَبًا سائِلاً عَنْ أَبٍ؟
***
وَحِينَ يَغِيبُ الزَّمانُ عَنِ اللَّحْظَةِ،
وَتَعْلُو مِنَ الهَاوِياتِ الخُطُوبُ الَّتِـي
تَأخُذُ النَّفْسَ فِـي رِحْلَةِ اللاَّرُجُوعِ
إلَى حُلُمٍ سَابِقٍ، مَنْ يُعِيدُ الضِّيَاءَ
إلَى مُقْلَةٍ مَكَـثَتْ فِـي الغُرُوبِ؟
وَمَنْ فِـي الظَّلامِ سَيَرْسِمُ لَيْلاً
لَهُ ما لَهُ مِنْ صَفَا اللَّيْلَةِ؟
***
وَحِينَ يَصِيرُ المَكانُ كَـثِيبًا مِنَ
الحُزْنِ تَحْمِلُهُ الرِّيحُ أَنَّى تَرُوحُ.
وَحِينَ سَتُفْتَحُ، بَعْدَ سُبَاتِ
الخَرِيفِ، عَلَى مِصْرَعَيْهَا
القُرُوحُ. وَحِينَ، عَلَى شَفَةِ
القَفْرِ، يَنْمُو الضَّبابُ الجَدِيبُ.
وَحِينَ سَتُمْحَى الدُّرُوبُ
وَتَفْنَى عَلَى هذِهِ الأَرْضِ،
يَبْقَى الكَلامُ الجَرِيحُ
بُيوتًا مِنَ الشِّعْرِ، نَارًا تَوَقَّدُ
فِـي مَفْرَقِ الرُّوحِ.
يَأوِي إلَيْهَا، إذَا ما
أضاعَ الطَّرِيقَ، الغَرِيبُ.
***
0 تعليقات:
إرسال تعليق