سـلمان مصـالحة
المؤمنون هم أعدى أعداء الله
رغم ما قد يتبادر إلى ذهن البعض من المفارقة الواضحة في هذا العنوان غير أنّ ما نشهده على طول وعرض الساحة العربيّة وغيرها يكشف هذه الحقيقة المرّة على الملأ.
فمن وجهة نظر المؤمنين فإنّ اللّه، أي هذا الكيان الّذي يؤمنون به، وكما ينعكس في النّصوص المقدّسة هو خالق السّموات والأرض وما عليهما من بشر ووبر وشجر وحجر ومطر والشمس والقمر والأفلاك. ليس هذا فحسب، بل إنّه، وكما تشي أسماؤه الحسنى التوراتية ثم القرآنية لاحقًا فهو عالم عارف قادر على كلّ شيء، بيده أنيط الثواب والعقاب وإليه المآب.
لقد تطوّرت هذه الفكرة، أي فكرة التوحيد، عابرة من التعدّدية الفكريّة، أي من توزيع المسؤوليّات الطبيعيّة والكونيّة على أكثر من موظّف -فكرة - (= إله) يسيّر كلّ منها على حدة أمرًا من أمور البشر، إلى فكرة الوحدانية. أي، إلى وضع كلّ الوظائف على عاتق فكرة واحدة جامعة، هي فكرة الإله الواحد الذي يجمع بيديه كلّ المسؤوليات عن الطبيعة والإنسان.
ولمّا كان البشر، ومنذ أن خطوا على هذه البسيطة، ينتمون إلى أعراق عديدة وينمازون فيما بينهم في الأزمنة والأمكنة والأجناس والأطباع، كذا كان الاختلاف في أجناس وأطباع موظّفيهم - آلهتهم - المعتمدين من قبلهم للقيام بالمهام التي إنيطت بهم لأغراض شتّى. لقد أسبغوا على آلهتهم مسؤوليات متنوّعة، بدءًا من وظائف الإرعاد والإمطار ومنسوب ارتفاع مياه الأنهار وانتهاءً بالحبّ والحرب والغضب والحكمة والشمس والقمر والليل والنهار، والبرّ والبحر والخير والشرّ. ويمكن إجمال كلّ هذه الوظائف بأنّها كانت دائمًا مرتبطة بكلّ ما يواجه الإنسان في مسيرة حياته على هذه الأرض، في هذه الدنيا وهذه الدّار.
لقد شغلت كلّ هذه المسائل بال الإنسان في كلّ زمان ومكان ومنذ القدم. كما شغلت طبيعة الآلهة باله ولم يتوانَ عن البحث فيها وإثارة التساؤلات حولها. فها هو الفيلسوف الإغريقي اكسينوفانس (Xenophanes) من القرن السادس قبل الميلاد ينتقد المعتقدات السائدة بشأن الآلهة في ذلك الأوان، تلك المعتقدات التي تُضفي صفات شتّى على الآلهة هي في الواقع صفات في صميم الصفات البشريّة.
لقد سخر اكسينوفانس من هؤلاء مُذكّرًا أنّ أهل تراقيا يصوّرون الإله أزرق العينين ذا شعر أحمر بينما أهل الحبشة يصوّرون الإله أسمر اللّون أفطس الأنف، إذ كلّ واحد من هؤلاء يصوّر إلهه على شاكلته. ثمّ يمضي اكسينوفانس في رفض كلّ هذه التّصوّرات قائلاً إنّه لو كانت الخيول والثيران تمتلك أيادي وتعرف فنّ الرسم بأياديها لكانت صوّرت هي الأخرى آلهتها على شاكلتها، ولكانت الخيول رسمت آلهتها على صورة الخيول ولكانت الثيران رسمتها على صورة الثيران. لقد رغب اكسينوفانس في القول إنّ كلّ هذه الآلهة هي من صنع البشر، ولذا فإنّ كلّ ما يُغدق عليها من صفات هي أمور وإسقاطات نابعة من صفات وأطباع وميول الذين اختلقوها ابتغاء القيام بأداء المهام المنوطة بها، وابتغاء خلق صلة عضوية بين عمل الإنسان وعمل الآلهة.
ومثلما هي حال الآلهة الـ"وثنية" القديمة، كذا هي الحال مع الإله التوحيدي، إله التوراة - إيلوهيم، يهوه وسائر أسمائه - الذي، وكما كنت قد وقفت وفصّلت الكلام في هذه المسألة في سلسلة مقالات سابقة، كان قد انتقل مُترجَمًا من التوراة إلى القرآن.
فلو نظرنا إلى طبيعة هذا الإله التوحيدي كما تنعكس في الصفات التي تُسبغ عليه في التوراة والقرآن لرأينا أنّها مأخوذة من صفات لصيقة بحياة البشر ومفاهيمهم على هذه الأرض. كذا هي حال صفات وأطباع الإله التوراتي، وكذا هي من ثمّ الصفات والأسماء الحسنى القرآنية.
غير أنّنا يجب أن ننتبه إلى حقيقة أخرى. فدائمًا كان هنالك فرق واضح بين فهم طبيعة هذا الإله لدى العامّة من النّاس وبين طبيعته لدى الخاصّة، من العارفين. وهذا الفرق أيضًا يندرج ضمن ذات التصوّر الآنف الذّكر من أنّ طبيعة الإله مرتبطة بطبيعة الإنسان المؤمن. فكلّما تقدّم الإنسان المؤمن في دروب المعرفة كلّما ازداد إلهه معرفة أيضًا. ومن جهة أخرى، كلّما غرق الإنسان المؤمن في مستنقعات الجهل كلّما كان إلهه غارقًا هو الآخر في مستنقعات جهله هذه أيضًا. لأنّ الإله في نهاية المطاف على شاكلة عبده.
من هذا المنطلق، يمكننا القول إنّ إله المتصوّفة وإله الفلاسفة هو أسمى وأرقى مرتبة من إله العامّة، أو إله الجهلة من البشر. من هنا أيضًا، فلا يمكن أن يكون إله ابن عربي بذات المرتبة مع إله الجهلة من العوام. فلننظر في كلام ابن عربي البارق في هذه الأبيات: "لقد كنتُ قبل اليوم أُنكرُ صاحبي - إذا لم يكنْ ديني إلى دينه داني / فقد صارَ قلبي قابلاً كُلّ صـورةٍ - فَمرعًى لغُزلانٍ وديرٌ لرُهبــانِ / وبيتٌ لأوثان وكعبةُ طائـفٍ - وألواحُ توراةٍ ومُصْحفُ قُـرآنِ / أدينُ بدين الحـُبّ أَنَّى تَوَجّهتْ - ركائبُهُ، فالحُبّ ديني وإيماني".
فهل دين الحبّ هذا، كما يظهر في كلام ابن عربي، هو دين المؤمنين الآخرين؟ وهل إله ابن عربي هذا هو ذات الإله الذي يتبدّى على الملأ في نصوص شعبيّة أخرى ذاع صيتها في هذه البقعة من الأرض؟ وعلى سبيل المثال، وفقط للتذكير، نقصد مثل نصوص الكراهية التي تتبدّى في دعوات مثل: اللهمّ احصهم عددا واقتلهم بددا، اللّهم شتّتْ شملهم، اللّهمّ يتّمْ أطفالهم ورمّل نساءهم، إلى آخر هذا النّوع من الأدعية الموجّهة إلى النصارى واليهود وسائر البشر ممّن يوضعون في خانة الـ"كفار".
والإجابة على هذا التساؤل واضحة للعيان، ولا حاجة إلى تفصيلها. فكلّ من يملك ولو ذرّة من بصر أو بصيرة يستطيع الوصول إليها بما أوتي من فهم ونباهة. ففي نهاية المطاف، فإنّ طبيعة الإله هي كطبيعة صاحبه، إنّ كان قبليًّا فإلهه يأتي على شاكلته قبليّ الطّبع، وإن كان أمميًّا محبًّا فإلهه أمميّ محبّ، على غرار إله ابن عربي.
وهكذا، عندما أقول إنّ المؤمنين هم أعدى أعداء اللّه، فإنّما أعني بالقول كلّ هؤلاء الجهلة الّذين يرسمون الإله على شاكلتهم فيزيدونه جهلاً على جهل، ويجهلون به فوق جهل الجاهلين.
إنّ هؤلاء النّفر من المؤمنين، وهم الغالبيّة العظمى، عادة ما يكونون أداة طيّعة في أيدي الأشرار من تُجّار الدّين من ذوي المآرب التي لا علاقة لها بالإيمان والأخلاق.كما يمكن القول إنّهم ليسوا أداة فحسب، بل إنّهم يُضحون في صفّ أعداء اللّه ذاته بسلوكهم وتصرّفاتهم. وذلك لأنّهم، بسلوكيّاتهم تلك، إنّما هم يَنقُضون حقيقة وجوهر هذا الإله الذي يؤمنون به.
لينظر القارئ من حوله وليتفكّر فيما هو حاصل. ولكي أعطي مثالاً واحدًا بيّنًا على هذه الحال، فيكفي القول إنّ أشدّ الّذين يظهرون مدافعين عن هذا الإله التوحيدي هو من صنف هؤلاء الجهلة بحقيقة هذا الإله وجوهره الّذي رُسم في ذهنيّتهم ببعض صفاته وأسمائه. ولمّا كان هؤلاء يصفون هذا الإله بالعالم الجبّار القادر على كلّ شيء، فإنّهم بتصرّفاتهم تلك التي يظهرون بها مدافعين عنه بكلّ شاردة وواردة، يلغون في حقيقة الأمر، قدرة هذا الإله على كلّ شيء. وهكذا، فإنّهم بسلوكيّاتهم تلك، يضعون إلههم في مرتبة هشّة وضيعة، كمن هو بحاجة ماسّة إلى حماية من طرفهم، أي من طرف هؤلاء الجهلة. فإذا كان قادرًا على كلّ شيء، كيف ذا يُنزله كلّ هؤلاء الجهلة من عليائه وكبريائه وقدرته ويضعونه في حال العوز إليهم؟
وختامًا، يمكن القول إنّ هذا السّلوك الصّادر عنهم هو أشدّ أنواع الكفر، على الأقلّ من وجهة النّظر الدينية التي يتظاهرون بالتّمسّك بها. ولذا، وجب إجمال القول بأنّ هؤلاء المؤمنين، على اختلاف مللهم ونحلهم، هم في الحقيقة أعدى أعداء الله. وفي ذلك فليتفكّر المتفكّرون.
والعقل ولي التوفيق!
*
المقالة في: الشفّاف***
تقول التوراة :خلق الله الانسان على شاكلته .والحقيقة ان الانسان خلق الهه على شاكلته!
ردحذفولو كان للخراف اله لكانت "لا تقتل " تعني : لا تقتل الخراف , ولكان ذبح الانسان مقبولا وشرعيا بعد البسملة
ردحذفسيدى الكاتب المحترم انا أقرأ لك للمرة الاولى وان ارى انك شجاع وجرىء ومثقف لكتابتك فى موضوع حساس وما اردت توصيله فى المقال كلام ومفهوم صحيح يحدث عند المسلمين والمسيحيين فليس الشرك هو الايمان باكثر من اله فقط بل هو صنع الله على رغبه الانسان وهذا مختلف عن ما جاء فى التوراه ان الله خلق الانسان على صورته ومثاله وهو له تفسير اخر وشكرا على افكارك المستنيرة
ردحذفإن الصفات التي وُصف بها الله عز وجل لا يمكن أن تكون خارج مفردات البشر وهو أكبر منها وأكبر والكون الذي خلقه الله العظيم ونعيش فيه هو مكان كل المفردات البشرية منذ وجدت الألف والباءو... وأنك تجد من ينقص من صفاته بسبب جهله هو نقص في قلبه وإيمانه وعلمه وأراك في وصفك غير الوصف الصحيح لما هو صحيح, وأعجز بنفسي عن الوصف وسبحان الله عما يصفون...
ردحذفهذه لا تعدو أن تكون محض خزعبلات، تنم عن جهل. وهذا مسلك ليس غريباً إنه مسلك التائهين الذي قد حكى عنهم القرآن
ردحذفكلمة واحدة فقط أرجو أن تكون أمينا_ ولا أخالك_ لأنك تصارع في الأصل فطرة جبلت عليها النفوس .هي التسليم بوجود إله واحد خالق مبدع سرمدي الوجود، بيده مقاليد كل الأمور هو (الله)
فقط أسألك من أين جئت بكلمة الله إن لم يكن سبق وجوده هذه اللفظ.
لعلك ولت قبل ظهور الحاسوب ، والإنترنت ظن والهاتف النقال . هل كنت تعرف هذه الألفاظ قبل وجودها. المسميات تسبق أسماءها هذا أبسط قواعد فلسفة اللغات.
فقط اقرأ قوله تعالى (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )ثم قلب التاريخ منذ أن خلق الله الأرض هل تعثر على من سمي بهذا الاسم ( الله ) غيره تعالى
يمكنك أن تروغ في إجابتك كما تشاء، ولكننيعلي يقين أنك لن تجد ، بل ولن تجرؤ أنت نفسك على تسمية مولودك به.
أخي الكريم الله سبحانه وتعالى أكرمك بهذا العقل ، وأكرمك بنعمة الحياة والوجود، وأكرمك بما لا تستطيع له حسباناً وعددا ، فلا تكن من الجاحدين وأول من عينيك هذه الغشاوة، وانظر للحياة والوجود بتجرد، اختلى بنفسك مزيبلاً منها كل فكرة مسبقة وفكر في أمر الحياة وكل ما يريبك وستصل إلى حقيقة لا تريبك أبداً
هذه الهالة التي اكتسبتهاهي الغشاوة التي تمنعك من النظر بتجرد وتمنعك من الوصول إلى الحقيقة المطلقة المجردة ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ )
أو لعلك سيدي مررت بتجربة قادتك إلى ما تعتقد أو أن الواقع الحياتي للمسلمين قد قادك إلى ذلك. وهذا يقع فيه كثيرون، فيصلون إلى نتائج خاطئة هي عين ما وصلت إليه .
طبيعة الإله هي كطبيعة صاحبه، إنّ كان قبليًّا فإلهه يأتي على شاكلته قبليّ الطّبع، وإن كان أمميًّا محبًّا فإلهه أمميّ محبّ ,تماما كما قال نيجه في كتابه زارادشت:اتى الاله الصحراوي اي الاله العربي على شاكلته , اله شيطاني همجي شريرغريزي يكيد ويقتل ويمكر بل هو امكر الماكرين !؟ وهنا يتساءل نيجه : كيف يمكن لذاك الاله ال يكون محبا و متسامحا . ولو ولد عيسى ابن مريم في الصحراء هل الهه سيكون محبا متسامحا .؟
ردحذف