الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

اغتيال إسرائيلي، والخلفية شرف العائلة


وعلى ما يبدو فالسنوات المقبلة لا تبشّر بخير عميم، لا للفلسطينيين ولا للإسرائيليين. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل اليهود والعرب في هذه البقعة من الأرض ذاهبون إلى عنف بلقاني؟ إنّه سؤال سيبقى مفتوحاً على كلّ الاتجاهات. وبانعدام وجود قيادات إسرائيلية وفلسطينية واعية فإنّ المستقبل يبدو قاتماً
.

سلمان مصالحة ||

اغتيال إسرائيلي، والخلفية شرف العائلة

مرّ عقدان على اغتيال اسحق رابين، وما زالت إسرائيل تتخبّط في ما أعقبه هذا الاغتيال من تأثيرات على المجتمع الإسرائيلي من جهة، وعلى وضع القضية الفلسطينية من الجهة الأخرى.


منذ اغتيال رابين في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، ومن كثرة البحث عن خيوط جامعة للمجتمع اليهودي في إسرائيل، نسي كلّ هؤلاء من هو القاتل وما الخلفية التي ترعرع فيها. انخرط الجميع في محاولة مستمرّة لرأب الشرخ المجتمعي، وانصبّ جلّ الاهتمام على تسمية شارع هنا، وميدان هناك، مؤسسة هنا ومعهد هناك، على اسم رابين.

كلّ أولئك الذين يحاولون دسّ رؤوسهم في الرمال يتجاهلون أمراً في صلب الموضوع. فتحديد اليوم الرسمي لذكرى اغتيال رابين هو وفقاً للتقويم اليهودي-العبري 12 حشوان، وذلك بخلاف التقويم الغربي (4/11). ولهذه الخطوة دور كبير في غمغمة دلالات وخلفية الاغتيال. فقد اغتيل رابين بوصفه إسرائيليّاً وليس بوصفه يهوديّاً. فقط القاتل، وكلّ أصحاب الأيديولوجيات الأصولية الذين استثاروه لفعل ذلك، تصرّفوا استناداً إلى دقّات الزمن اليهودي.

في المجتمعات التي تسير بموجب القوانين القبلية، لا قيمة للفرد، حتى وإن كان رئيس حكومة القبيلة. قيمة الفرد تقاس بالاستناد إلى مقدرته على تبنّي القيم القبلية والسير على هديها. كلّ خروج على هذه القواعد والقيم يؤدّي إلى ردّود فعل عنيفة ومتطرّفة من أولئك الذين يرون أنفسهم رافعي راية القبيلة والمحافظين على كرامتها.

إنّ الخطيئة الصهيونية الأولى جاءت مع إنشاء إسرائيل، حينما لم يقم قادة إسرائيل، من اليمين واليسار، بفصل الدين عن الدولة. هكذا، وبعد مرور عقدين، نشبت حرب حزيران (يونيو) 1967، التي قرّبت القبيلة اليهودية من أماكن مشحونة بقيم دينية وقبلية.

لقد مرّت الأيام والأعوام على هذه الحالة وضربت جذور الاحتلال عميقاً، كما لم يتوقف التكاثر السكّاني. لقد دفعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى رابين إلى تغيير في تصوّراته. فرابين هذا، «البطل الإسرائيلي»، الذي كان قائد أركان الجيش في حرب 1967، هو ذاته الذي كان وزيراً للأمن في الانتفاضة الأولى، وشاعت على الملأ مقولته بأنه سيكسر أيدي الفلسطينيين الذين ينتفضون بإلقاء الحجارة.

مع مواصلة الانتفاضة، فهم رابين متأخّراً أنّ استمرار احتلال شعب آخر يواصل تكاثره السكاني سيضع إسرائيل في حالة خطر وجودي بوصفها «دولة يهودية ذات غالبية يهودية»، كما شاء مؤسسوها. لهذا السبب تحوّل بكثير من التردّد والتشكّك إلى طريق أوسلو. لكن، ولأسباب داخلية تتعلّق بطبيعة ائتلافه الحكومي، تخطّى خطوطاً حمراء رسمها رافعو راية القبلية اليهودية. لقد استند في حكومته تلك على دعم نوّاب وأحزاب عربية، وشكّلت هذه الخطوة شرشفاً أحمر أمام ثور الأصولية اليهودية الهائج.

هكذا رفع اليمين شعاراً قبليّاً ضدّه مدّعياً أنّ رابين لا يمكنه مواصلة السير في طريقه لأنّه لا يمتلك «غالبية يهودية». وهكذا بدأ رابين بوصم دعاوى معارضيه بأنّها عنصرية، وقال ذلك بصريح العبارة في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، قبل اغتياله بقليل.

وبعدما أصر على مواصلة طريقه السياسية، أخذ شيوخ القبيلة اليهودية بالبحث عن مسوّغات شرعية دينية لإيقاف هذا الابن الضالّ عن مواصلة نهجه. سؤال واحد ثانوي بقي مفتوحاً: من سينفّذ الحكم عليه.

الطلقات النارية التي أردته قتيلاً في «ميدان ملوك إسرائيل» في وسط تل-أبيب خرجت من مسدّس من رأى هذا الميدان ساحة حمى القبيلة اليهودية، وأنّ رابين تخطّى حدود القبيلة. لهذا يمكن القول إنّ رابين قُتل على «خلفية شرف العائلة» و «القبيلة اليهودية»، وذلك نظراً الى ائتلافه مع نوّاب عرب مقابل اليمين القبلي اليهودي.

في السنوات الأخيرة أخذ مصطلح «دولة يهودية» بالتجذّر أكثر فأكثر في الخطاب السياسي الإسرائيلي. وعلى ما يبدو، من وجهة نظر اليمين الأصولي، أفلح اغتياله في وقف تلك المسيرة التي بدأت في أوسلو.

لقد مرّ عقدان على وقف أوسلو الإسرائيلية، وفي هذه الأثناء تجذّر الاستيطان أكثر فأكثر في المناطق الفلسطينية، بينما ما زالت قيادات أوسلو على حالها في الجانب الفلسطيني، وما بدّلوا تبديلاً. بل أكثر من ذلك، انقسم الفلسطينيون كيانين متنافرين لا رابط بينهما، غزة والضفة.

وفي الخلفية ثمّة «عالم عربيّ» طالما تغنّى في الماضي باسم قضية فلسطين. هذا العالم لم يعد قائماً أصلاً، فكلّ يغنّي على ليلاه، وكلّ قطر مشغول بأحواله التي يرثى لها. ناهيك عن أنّ نكبات العرب الأخرى ولضخامة حجمها تضع في الظلال هذه النكبة الفلسطينية.

وعلى ما يبدو فالسنوات المقبلة لا تبشّر بخير عميم، لا للفلسطينيين ولا للإسرائيليين. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل اليهود والعرب في هذه البقعة من الأرض ذاهبون إلى عنف بلقاني؟ إنّه سؤال سيبقى مفتوحاً على كلّ الاتجاهات. وبانعدام وجود قيادات إسرائيلية وفلسطينية واعية فإنّ المستقبل يبدو قاتماً.
*
الحياة، 10 نوفمبر 2015


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع