الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالقهوة

سـلمان مصـالحة


لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلاّ بالقهوة

عندما اندلعت الثّورة
الإيرانيّة الشّعبيّة وأطاحت بالشّاه، استغلّ سفّاح العراق، البعثي القبلي التّكريتي، هذا الوضع الإيراني الحرج فزجّ بالعراق في حرب ضروس مع إيران حرقت الأخضر واليابس في هذين البلدين. لقد ذهب ضحيّة هذه الحرب الّتي استمرّت سنوات مئات الألوف من البشر، إن لم يكن العدد أكبر من ذلك، في هاتين البقعتين. ولمّا طالت الحرب ولم يأت النّصر بدأت تظهر على السّاحة التّعابير الّتي تنمّ عن الشّعوبيّة الشّعبويّة العربيّة النّاهلة من موروثات أسطوريّة قديمة، بدءًا بقادسيّة صدّام وذي قار وانتهاءً باستخدام تعابير الفرس والعجم تكريسًا للقومويّة العنصريّة العربيّة تجاه مسلمين آخرين لمجرّد كونهم لا ينتمون إلى القوميّة العربيّة.

الأساطير لا تموت. الأساطير خُلقت لكي تعيش على مرّ الزّمن. قد تخبو أحيانًا وقد يلفّها النّسيان لبعض الوقت غير أنّها تظلّ كالجمر الكامن تحت الرّماد، فما أن تهبّ ريح على موقدها حتّى يتناثر الرّماد فتستعر من جديد. وها هي الرّياح العاتية تهبّ في هذه المنطقة، وها نحن نشاهد هذا السّعير العنصري من جديد تجاه الفرس والعجم، كما يظهر من كتابات بعض العرب الّذين يشاهدون صباح مساء كيف تبني إيران نفسها في هذه البقعة من الأرض، فيسارعون إلى انتشال التّعابير العنصريّة الّتي تنهل من موروث قديم مشيرين إلى الصّراع بين العرب والعجم.

لا يشكّ أحد في
وقوفي علنًا ضدّ ما يمثّله ملالي إيران، وقد عبّرت عن ذلك في أكثر من مناسبة. غير أنّ هنالك فرقًا شاسعًا بين الوقوف ضدّ الملالي وبين النّظرة العنصريّة العربيّة تجاه الشّعب الإيراني المغلوب على أمره. فرغم كلّ قد يُقال عن طبيعة هذا النّظام، إلاّ أنّ المرء ملزم بقول الأمور صراحة أيضًا. فرغم كلّ ذلك، يبقى النّظام الإيراني والشّعب الإيراني أكثر تعدّديّة وديمقراطيّة من جميع الأنظمة والشّعوب العربيّة كافّة. ففي الانتخابات الرّئاسيّة الإيرانيّة هنالك أكثر من مرشّح واحد، وهذه حالة معدومة في كلّ الأقطار العربيّة. كما أنّ أحمدي نجاد، أو خاتمي لا ينتميان إلى قبائل تدعمهما بالحديد والنّار، كما هي حال قبائل العربان. من هنا، لزامٌ على الفرد العربي أن ينظر إلى نفسه في المرآة قبل صبّ تعابيره العنصريّة تجاه الآخر الإيراني في هذه الحالة.

لقد ذكرت في أكثر من مناسبة أنّ البلد الوحيد في هذه المنطقة الّذي قد تحدث فيه ثورة ديمقراطيّة حقيقيّة هو إيران بلا أدنى شكّ. إنّ نظام الملالي زائل لا محالة لأنّ هذه هي طبيعة الحياة وسنّة الحياة في العصر الحديث. والشّعب الإيراني المتحضّر والمنفتح على الحضارات بحاجة إلى دعم جميع المتنوّرين في هذا العالم، وهو بحاجة إلى دعم المتنوّرين العرب على وجه التّحديد، لأنّ الثّورة التّنويريّة الحقيقيّة في هذا الشّرق ستأتي من إيران بالذّات، بعد أن يطيح الشّعب الإيراني بنظام الملالي القابع في غياهب الماضي.

كذلك، على العرب تحديدًا
أن يلجموا النّظرة العنصريّة الشّائعة لديهم تجاه الفرس والعجم. فيكفي لهم أن ينظروا قليلاً في تاريخهم ليجدوا أنّ للفرس والعجم فضلاً كبيرًا على حضارتهم العربيّة والإسلاميّة في كافّة المجالات. ففي المجالات الدّينيّة نذكر على سبيل المثال لا الحصر، البخاري ومسلم والتّرمذي والنّسائي والبيهقي والسّرخسي وأبو حنيفة وغيرهم الكثير، فهل كان المسلمون سيحفظون دينهم لولا هؤلاء وأمثالهم من ذوي الأصول الفارسيّة؟ وفي مجال اللّغة العربيّة ذاتها، كيف كانت أحوال تلك اللّغة لولا سيبويه والزّمخشري والفيروزابادي وابن المقفع وغيرهم؟ وماذا بخصوص البيروني والرّازي والجرجاني والخوارزمي في سائر العلوم الطبيّة والموسيقيّة إلى آخر قائمة العلماء والفلاسفة وغيرهم الكثير الكثير الّذين كان جلّهم من أصول غير عربيّة، بل كانوا في الغالب من أصول فارسيّة على وجه التّحديد. إذن، قبل أن يتفوّه البعض من العرب بتعابير تنمّ عن نظرة عنصريّة مقيتة عليهم النّظر إلى كلّ هؤلاء بنوع من الإجلال والتّواضع.

حتّى أنّ ما ذُكر من حديث
بشأن عدم فضل العربيّ على الأعجميّ إلاّ بالتّقوى، فيبدو أيضًا أنّه حتّى في هذه الأمور لم يعد للعرب فضل على أحد. فحتّى هذه التّقوى لم تعد من صفاتهم، وعلى ما يبدو لم تكن يومًا من الأيّام من سماتهم. فنظرة واحدة إلى تاريخ العرب وتاريخ الخلفاء والرّؤساء قديمًا وحديثًا لنرى أنّها كانت أبعد ما يكون عن ذلك، بل يمكن القول إنّ ما كان يميّزها هو القتل والسّحل لبني البشر في كلّ مكان.


لم يبق إذن للعرب سوى
القهوة يتفاخرون بها على غيرهم، إذ هنالك خرافة لا ندري مدى صحّتها تقول إنّ العرب هم الّذين اكتشفوا القهوة. ولأنّي مولع بشرب القهوة صبوحًا وغبوقًا، وفي أيّ وقت كان، فأنا لهم من الشّاكرين. ولكن حتّى هذه القهوة، لم يعد للعرب فضل بها على غيرهم، إذ أنّ الإسپرسّو الطّلياني أو الفرنسي أفضل مذاقًا من كلّ ما يتشدّق به العرب من فضل القهوة العربيّة على غيرها.
بعد كلّ هذا، أليس من حقّنا أن نقول للعالم أجمع كلّ عام وأنتم بخير، وبالفارسيّة: سال نو مبارك!

والعقل وليّ التّوفيق.

يناير 2008


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع