مختارات - قضايا عربية
إنّ لبنان الجديد يجب أن ينهض نهضة جبّارة تفوق نهضة الأتراك ويجب أن تشمل هذه النهضة الطروس والنفوس في وقت واحد لئلا يسبقنا الزمن ويردينا فنقع مثخنين بالجراح في هذا العهد الكريم.
محيي الدين النصولي
يجب أن تخنق الطائفية في لبنان
وقف فخامة الرئيس الأول في حفلة الاتحاد النسائي اللبناني العربي وقال بأنّ
الطائفية يجب أن تُنزع من النفوس قبل أن تُنزع من الطروس، وأبدى أسفه لتغلغل
الطائفية في الطبقات اللبنانية شبابها وشيبها، ودعا إلى القومية الحقّة والوطنية
الصادقة في هذا العهد الجديد.
ووقف الدكتور الزميل جورج حنا في الحفلة
ذاتها وحذّر العنصر النسائي من أن تنساب في صفوفه أفعى الطائفية فتنفث سمومها
وتفرق الصفوف.
ونحن الذين قلنا بإلغاء الطائفية وإحلال الكفاية
محلّها نودّ أن نهمس في أذن المسؤولين بأنّ الطائفية لن تُلغى إلّا إذا كافحناها
في النفوس ومحوناها من النفوس والطروس في وقت واحد.
عندما هبّ منقذ
الأتراك وأبوهم مصطفى كمال منذ ربع قرن وقام بهذه النهضة الجبّارة التي أدهشت
الشرق والغرب، قضى بشطحة قلم على معظم النصوص دون أن ينتظر نزعها من النفوس، وسار
بالأتراك نحو آفاق جديدة لم يألفوها من قبل.
ترى هل كان بوسع أتاتورك
أن يخطو بشعبه هذه الخطوة الجريئة لو لم يتذرع بالقوانين الجديدة يطلع بها على
الناس من علٍ، ولو لم يأخذ روح التركي ودماغه وأحاسيسه فيصقلها ويرهفها، ولو لم
يفتح أعين الأتراك على هذه الدنيا الجديدة التي ارتضاها لهم، ولو لم يتغلغل في
الأوساط التركية على اختلاف طبقاتها فيبذر بذور الإصلاح المنشود والنهضة التركية
الحديثة؟
حسب لبنان اليوم أنه تحرر من الأجنبي، وأنه ينعم باستقلاله
الكامل وسيادته التامة، فهل نسير في هذا العهد الكريم على سنن عهد الانتداب، وهل
تريدون أن نعامل اللبنانيين طوائفَ وشِيَعًا، فنوزّع الوظائف على المذاهب بدلًا
من أن نوزّعها على أعظم اللبنانيين خُلُقًا، وأتمّهم ثقافة، وأصحّهم علمًا،
وبدلًا من أن ننظر إلى اللبنانيين من علٍ فلا نُفرّق بين لبناني وآخر إلّا من حيث
الكفاية الخُلُقية والعلمية ومن حيث التضحية في سبيل لبنان والإخلاص لمثله العليا
القريبة والبعيدة؟
إنّ لبنان الجديد يجب أن ينهض نهضة جبّارة تفوق
نهضة الأتراك ويجب أن تشمل هذه النهضة الطروس والنفوس في وقت واحد لئلا يسبقنا
الزمن ويردينا فنقع مثخنين بالجراح في هذا العهد الكريم.
نحن لا ندعو
إلى ثورة دامية، ولا ندعو إلى التوسّل بالقوّة والعنف للوصول إلى هذه الأهداف،
ولكننا نطلب سياسة رشيدة تؤمن بوطنها الجديد، وتؤمن بأنّ اللبنانيين يحرصون على
هذا العهد الحرص كلّه، ويضحون كلّ شيء في سبيل توطيد دعائمه وتثبيت ركائزه على
أسس من الوطنية الصادقة والأخوة الصحيحة، وننهض بلبنان نهضة تشمل جميع عناصره
وتوجههم الوجهة الصالحة التي تُقرّ المثل العليا الجديدة، وهي أنّ اللبنانيين
أخوة بين بعضهم البعض، ويعطف بعضهم على بعض، وينزعون إلى بناء وطن للجميع تنعدم
فيه الأثرة والأنانية ويسوده العدل في معاملة أفراد أسرته الواحدة من أقصاه إلى
أدناه.
إنّ نغمة الطائفية يجب أن تُخنق، فالأوطان لا تُشيّد في عهد
الذرّة على الأديان والمذاهب، ولكنها تُشيّد على الأخوة والحب والعدل، وتُبنى على
سياسة رشيدة تنفذ إلى المستقبل، والمستقبل لا يُبنى قطّ على الشعوب التي لا تجاري
الزمن وتغمض العين عن تطوّراته وتنكمش على نفسها بينما كلّ شيء يدعو إلى الإنطلاق
والتحرّر.
إذا أردتم أن تخدموا هذا العهد وأن توطّدوه فابدأوا بالطروس
والنصوص، ولا تهملوا النفوس بالتنشئة والرعاية والتعهّد، فاللبنانيون هم من أكرم
الشعوب عنصرًا، وأرهفهم حسًّا، وأشدّ الناس مجاراة للزمن ومبادئ النشوء
والارتقاء.
إنّ هذا الزمن الذي نحيا فيه هو زمن ديناميكي وزمن
تَوَثُّب، فإياكم والركود والاستسلام لمؤثرات الماضي لئلا نجمد حيث نحن، والجمود
معناه الموت ومعناه الفناء.
أجل، إنّ لبنان بلد تقدّمي، وبلد
يمرّ بهذه السفاسف مرّ الكرام، فلنحرّره منها بتيّارات تأتي من علٍ وبتيّارات
تعمّ طبقاته كافّة، إذا شئنا أن بنبني وطنًا وننشئ شعبًا.
ــــــــــــــ
محيي الدين النصولي، ”يجب أن تُخنق الطائفية في لبنان، فالأوطان لا تُشيّد في عصر
الذرّة على المذاهب والأديان”، بيروت،
8.1.1947
حول هذه القضايا، اقرأ أيضًا:
“أتاتورك هو الحل”، 11.11.2008
“كل يغني على لبنانه”، 3.6.2009
“ميكروكوسموس العرب”، 30.3.2010
“كيانات عربية مشوهة”، 12.11.2010
“سعيد عقل في الكنيست”، 27.5.2011
“رسالة في الدلالة العميقة للربيع العربي”، 6.4.2012
“هل دودنا من عودنا”، 23.4.2015
“لبنان - الفرصة الأخيرة”، 14.8.2020
“في لبنان - التاريخ لا يعيد نفسه”، 29.6.2023




سلمان مصالحة
نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....


0 تعليقات:
إرسال تعليق