‏إظهار الرسائل ذات التسميات شعر عالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شعر عالمي. إظهار كافة الرسائل

تشارلز بوكوڤسكي | جوابي



 

تشارلز بوكوڤسكي ||


جوابي 




”ما الدّاعي لديه لاستعمال كلمات مثل هذه
في كتاباته؟“


”كلمات مثل ماذا، يا أمّاه؟“


”حسنًا، مثل - motherfucker .“

”هنالك مَنْ يتكلّم هكذا، يا أمّاه.“

”أُناسٌ يعرفُهم؟“

”نعم.“

”لكن، لماذا يُصادق
أُناسًا كهؤلاء؟“

”لأنّه، يا أمّ امرأتي، لو صادقتُ فقط
ناسًا مثلكِ،
لن يكون ثَمّ شيء أكتب عنه،
شيء يرغبُ الـ motherfuckers بقراءتِهِ“.
*
من مجموعة: The Continual Condition 2009

ترجمة: سلمان مصالحة

For Hebrew, press here
ــــــ

كاترينا إليوپولو: قصيدة حبّ

كاترينا إليوپولو

قصيدة حبّ


حلمتُ عن امرأة
امرأتي ليستْ أربعاء الرّماد
كما ليستْ هي الجمعة الحزينة
وليستْ أحدَ الصُّعُود
امرأتي هي دَوْمًا الخميس.

وبكلمات أُخرى، ما لا يقبله العقل.

عُنقها حلبةُ سباقٍ
مَثْلومةٌ من وقْعِ الحذوات
ميدانٌ مُرْتَعدٌ

تُمسكٌ ساعةً صغيرة
بينَ أسْنانها
وعندما نُقبِّلُ بعضَنا أخْشَى من
أنْ أبْتَلعَها

عندئذٍ ستعرفُ دائمًا إيقاعي

امرأتي ليستْ شَجَرَة
إنّها حجرٌ
عندما أقضمُها تَتكسّرُ أسناني.
إنّها أيضًا تُعاني، إذ ليسَ بوسعي
أنْ أُغيّر شكْلَها.

أستطيعُ فقط أنْ أُغيّرَ فَضاءَها
وهكذا أرْميها بَعيدًا
وبعدئذٍ أعْدُو مثلَ كلبٍ يَبْتَلعُ المسافات
لأُعِيدَها إليّ.


ترجمة: سلمان مصالحة

Katerina Iliopoulou, "Love Poem", translated into Arabic by Salman Masalha

****


Katerina Iliopoulou

Love Poem


I dreamt of a woman
My woman is not Ash Wednesday
Nor is she Good Friday
Nor the Sunday of Doubting Thomas
My woman is always Thursday.

That is to say inconceivable.

Her neck is a racetrack
Furrowed by hooves
A vibrating field.

She holds a small watch
Between her teeth
And when we kiss I worry
I might swallow it

Then she will always know my rhythm.

My woman is not a tree
She is a stone
When I crunch her my teeth shatter.
She suffers too because it’s impossible for me
To change her shape

I can only change her space
So I throw her away
And then I run like a dog sucking in the distance
To get her back.


From the book of poems “Mister T.”, Melani 2007, translated by Konstantine Matsukas


***

مارتين نيمولر - جاؤوا أولا

سـلمان مصـالحة

صرخة ضدّ اللاّمبالاة

هنالك صيغ متعدّدة لنصّ مارتين نيمولر (Martin Niemöller). لقد كتب النصّ، الصرخة، ضدّ النازية بعد إحكام سيطرتها على ألمانيا، وهو من بين النصوص الأشهر التي تُقتَبس ضدّ لامبالاة الأفراد، وضدّ الركون إلى الصمت في حال الظّلم والحكم المتعسّف. إنّه نصّ نافع لكلّ زمان ومكان، وحيثما حلّ ظلم وعسف في هذا العالم.

مارتين نيمولر

جاؤوا أوّلاً


جاؤُوا أوّلاً إلى الشّيُوعيّين،
وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي،
لأنّي لَمْ أكُنْ شُيوعيًّا.
ثُمّ جاؤُوا إلى الاشتراكيّين،
وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي،
لأنّي لَمْ أكُنْ اشتراكيًّا.
ثمّ جاؤُوا إلى أعْضاء النّقابات،
وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي،
لأنّي لَمْ أكُنْ نقابيًّا.
ثمّ جاؤُوا إلى اليَهُود،
فَلَمْ أرْفَعْ صَوْتِي،
لأنّي لَمْ أكُنْ يهوديًّا.
بَعْدَئذٍ جاؤُوا إليَّ،
فَلَمْ يَتَبَقَّ أحَدٌ
لِيَرْفَعَ صَوْتَهُ لأجْلِي.

ترجمة: سلمان مصالحة

For English, press here

يوسانو طيكان / في هذا البلد

يوسانو طيكان

في هذا البلد

الرّجالُ الكبارُ السنّ
أذكياء جدًّا
في هذا البلَد.

دائمًا،
الشبّان هم الّذين
يضحّون بأنفسهم.


ترجمة: سلمان مصالحة

يوسانو طيكان (Yosano Tekkan)، هو الاسم الأدبي ليوسانو هيروشي
شاعر ياپاني من مواليد كيوطو (1873-1935).

ڤيسار جيطي/الشّعَرات


ڤيسار جيطي

الشّعَرات



كَمْ مِنْ تِلْكَ عَلَى رُؤوسنا،
نَمْشُطُها حسبَ آخر صرعة.
نُزيّنُها،
نَنفُشُها أمامَ المِرْآة،
نَمْلؤها بالبريق والرّوائح.
لكنْ، حينما نَحْلقُ
وَتَسْقُطُ عَلَى الأرْض،
فإنّا نَكْنُسُها
كَمَا الزّبالة،
كَما الحُكّام.




ترجمة: سـلمان مصـالحة

من مجموعة: "ذاكرة الهواء" 1993.

ڤيسار جيطي: شاعر ألباني من مواليد 1952. اشتغل مدرسًا في قرى ألبانيا، وبعد أن نشر مجموعته الشعرية الأولى في العام 1980 حُكم عليه بالسجن لمدّة ثماني سنوات مع الأشغال الشاقّة.
القصيدة هذه هي خير تعبير عن مصير المستبدّين من الحكّام على سائر مللهم ونحلهم. لذلك من المهمّ وضعها هنا في ترجمة عربيّة لما لها من إسقاطات على المستبدّين من الحكّام العرب.
*
10 أكتوبر 2009
***
Visar Zhiti,"The Hairs", translated into Arabic by Salman Masalha

غلام محمد شيخ: يقول كبير

"يقول كبير"

انطباعات وتنويعات تشكيلية حول شعر كبير
بريشة الفنان الهندي: غلام محمد شيخ
 
 

(خاص بهذه الجهة)


(1)

Ya ghat bheetar soor chand hai
Ya ghat nau lakh taara

"الشمسُ والقمرُ يقطنان في هذا الوعاء الجسد
وكذلك أيضًا تسعمائة ألف نجمة."
(1997)
***
(2)

Ek achambha dekha re bhai
Thaada sinh charaave gai

"أُنظُرْ يا صاحِ، لقدْ رَأَيْتُ العَجَب العُجابَ،
أَسَدًا كانَ يَحْرُسُ قَطيعَ بَقَر."
(2001)
***

(3)

Kahat Kabir, Walled City

Kaajar keri kotadi kaajar ka hi kot

(يقول كبير، مدينة مسوّرة)
"القَليلٌ من كُوخ الكُحْل في قَلْعَة الكُحْل"
(2002)
***
للانكليزية، اضغط هنا.

لقراءة قصيدة "خلود" للشاعر الهندي كبير، اضغط هنا

خلود/ للشاعر الهندي كبير

خُلُود

للشاعر الهندي كبير (ت: 1518)
المُلوكُ سَيذْهَبُون، وَكَذَا مَلِكاتُهم الجَميلات،
حرّاسُ البَلاط، وكُلُّ ذَوِي الأَنَفَة سَيَذْهَبُون.
القُضاةُ الّذين يُرَتّلون الڤِيدات سَيَذْهَبُون،
وَسَيذْهَبُ أُولئكَ الذين لهم يُنْصتُون.
اليُوچيّونَ المازوخيّونَ وَالمُفَكّرونَ اللاّمعُونَ سَيَذْهَبُون،
القَمَرُ سَيذْهَبُ، وَالشّمْسُ وَالماءُ وَالرّيح.
كَذَا يَقُولُ كَبير، يَسْتَطيعُ البَقاءَ فَقَطْ أُولئكَ
الّذينَ عُقُولُهم مُوثَقَةٌ بالصُّخُور.


ترجمة: سلمان مصالحة
*
كبير: بريشة الفنان غلام محمد شيخ
***

"Eternity" by Kabir, translated into Arabic by Salman Masalha

شارون أولدز - ذَكَرُ البابا

شارون أولدز || 

ذَكَرُ البابا


بمناسبة زيارة البابا بنيديكتوس السادس عشر إلى الأراضي المقدّسة، أقدّم لكم هذه الترجمة لقصيدة الشاعرة شارون أولدز (Sharon Olds) وهي بعنوان "ذَكَرُ البابا". إنّ هذه الشّاعرة الأميركيّة، المولودة في سان فرانسيسكو سنة 1942، ترى إلى البابا لحمًا ودمًا كسائر بني البشر. وعلى الرّغم من الهالة القدسيّة الّتي تحيط به في أذهان المؤمنين غير أنّه يظلّ بنظرها مع ذلك رجلاً كسائر الرّجال. ولهذا السّبب فما من شكّ في أنّه يعتريه في اللّيالي ما يعتري الرّجال، كما تشير الشّاعرة في قصيدتها. يُلاحظ أيضًا أنّ الشّاعرة تستعير في قصيدتها تشبيه السمكة، وفي ذلك إشارة إلى بعض الرّموز الّتي استُخدمت في القرون المسيحيّة الأولى.

ولمّا كنّا نسمع صباح مساء عن حظر بعض الكتب في العالم العربي وعن تكفير الكتّاب والشّعراء لأسباب سخيفة سُخْفَ هؤلاء المُكَفِّرين أنفسهم ومن هم على شاكلتهم، فقد خطر ببالي السؤال التالي: ماذا كان سيكون مصير شاعر، بل شاعرة عربيّة لو نشرت قصيدة كهذه فيما يتعلّق بالأئمّة والمشايخ؟ ناهيك عن أناس أعلى مرتبةً. أليس كذلك؟

القدس، 12 أيّار 2009
***

شارون أولدز

ذَكَرُ البابا


مُعلّقٌ عَميقًا في جَوْفِ عَباءاتِه،
مِضْرَابٌ ناعمٌ في مَرْكز جَرَس.
يَتحَرّكُ عندما يَمْشي، سَمَكةٌ روحانيّة* 
في هالةٍ من طُحْلُبٍ فضّيّ، 
الشَّعْرُ يَتَمايَلُ في الظّلمَة والحَرّ - وفي اللّيْل 
حِينَما تَنامُ عيناهُ، 
يَنْتَصبُ قائمًا
إجْلالاً للرَّبّ.


ترجمة: سلمان مصالحة

* روحانيّة: أي، من ذوات "الأرواح الّتي لا أجساد لها مثل الملائكة والجن وما أَشبهها"، كما يرد في لسان العرب تعريفًا للرّوحاني.

The Pope's Penis by Sharon Olds,
translated into Arabic by Salman Masalha.

***

Sharon Olds

The Pope's Penis

It hangs deep in his robes, a delicate
clapper at the center of a bell.
It moves when he moves, a ghostly fish in a
halo of silver seaweed, the hair
swaying in the dark and the heat -- and at night
while his eyes sleep, it stands up
in praise of God.

***

For Hebrew translation, press here.

ڤيسلاڤا شيمبورسكا: قصائد



ڤيسلاڤا شيمبورسكا

قصائد

ترجمة وتقديم: سلمان مصالحة


ولدت ڤيسلاڤا شيمبورسكا (Wislawa Szymborska) في العام 1923 في بلدة بنين الواقعة شرق پولندا. ومنذ العام 1931 تسكن في مدينة كراكوڤ، حيث درست هناك الأدب الپولندي والسّوسيولوجيا. في منتصف سنوات الأربعين نشرت محاولاتها الشّعريّة الأولى. وبعد أن وضعت الحرب العالميّة أوزارها استمرّت في نشر قصائدها في الجرائد والمجلاّت الپولنديّة. بالإضافة إلى ذلك، كتبت أعمدة صحفيّة في النّقد الأدبي، ومراجعات دوريّة للكتب الصّادرة. كما ترجمت قصائد كثيرة إلى اللّغة الپولنديّة وخاصّة من الشّعر الفرنسي. لقد نالت جوائز كثيرة منها جائزة وزارة الثّقافة الپولنديّة في العام 1963، جائزة چوتة في العام 1991، دكتوراة فخريّة من جامعة پوزنان في العام 1995، وجائزة نادي پن الپولندي في العام 1996. نشرت مجموعات شعريّة كثيرة وكتبًا ومقالات في النّقد الأدبي، وظهرت أشعارها في دوريّات وأنثولوجيات عديدة. كما تُرجمت أشعارها إلى كثير من اللّغات الأوروپيّة. لُغتها الشّعريّة غنيّة، ولا تقتصر على أسلوب واحد دون سواه. إنّ تعدّد أساليب الكتابة لديها يجعل مهمّة التّرجمة لأشعارها شائكة ومضنية. ولكن، لا مناص في نهاية المطاف من سلوك هذه الطّريق بغية تقديم بعض النّفحات للقارئ العربيّ الّذي يتشوّق إلى التّعرّف على آداب الأمم الأخرى.

القصيدة لدى شيمبورسكا هي تلك السّلسلة الّتي في يد "قرد برويچل". فحينما تُمتحن في التّاريخ الإنساني ويغلبها النّسيان تأتي تلك الرّنّة الخفيفة من السّلسلة لتذكّر بما كان، وبما هو كائن أو سيكون. فالشّعر لديها ليس مجرّد لعبة للتّسلية. إنّه قاموس تُشكّل مفرداته كراتٍ معدنيّة تضرب النّاقوس الّذي يقضّ مضجعها حينما تميل هي إلى النّسيان، وهذا المعدن هو المعدن الحقيقي والأصيل للشّعر، وفيه فقط ضمان النّجاح في هذا الاختبار. وفي هذا العصر وفي هذه الحقبة كلّ شيء له مغزى سياسي، وشيمبورسكا ذات النّفس الحسّاسة لما يجري، تضع أصابعها على تلك المداولات بين أطراف نزاع في كلّ مكان، الّذين يمضون الوقت للتّداول حول شكل الطّاولة، فكلّ ذلك هو سياسة، ولكن خلال هذه السّياسة، والسّؤال حول أيّ طالة "يجدر التّداول / بشأن الحياة والموت، مستديرة أم مربّعة." في هذه الأثناء يُقتَل النّاس وتنفق الحيوانات وتتهدّم البيوت وتُصبحُ الأرض خرابًا يبابًا، كما حال سابق العصور والدّهور.

أمّا عن الشّعر، فما هو هذا السّحر الّذي طالما تساءل النّاس عن جوهره؟ كثير من النّاس من يسأل عن سرّ هذا الفنّ الكلامي. وكثير من الشّعراء يسألون ويبحثون عن إجابة. لكلّ منهم رؤيا، ولكلّ منهم تصوّر أو إحساس بهذا الجانب أو بغيره من حُجيرات هذا الكنز المكنون. "بعض النّاس يحبّون الشّعر"، لكن ليس الجميع، "لكن يمكن أيضًا حبّ مرقة الدّجاج بالمعكرونة"، تستطرد شيمبورسكا. لكنّها لا تقنع بإجابات من هذا النّوع. فكثير من الإجابات الّتي أعطيت حتّى الآن هي إجابات واهية. ولذلك فهي تستمرّ في البحث عن إجابة أكثر دقّة، حتّى تخلص في النّهاية إلى الإجابة اللاّ-إجابة: "وأنا لا أعرفُ، لا أعرفُ وطالما تشبّثتُ بهذا / كما بدرابزين مُنقذ".

وهنا، وفي هذا الجواب الّذي يترك الباب مفتوحًا على مصاريعه، تبقى شيمبورسكا على طريق الرّحلة الطّويلة الّتي لا نهاية لها، تبقى متلبّسة بعدم المعرفة وهذا هو الدّليل على معرفتها لحقيقة الشّعر. هذه الحقيقة البسيطة الّتي تقتصر على البحث عن الإجابات لكلّ شيء. البحث عن الإجابات العميقة لماهيّة وجوهر الأشياء. ولأنّ إجابات من هذا النّوع مستحيلة الحصول، فإنّ عمليّة البحث ستبقى خالدة، وهي رحلة في طريق ليس منها رجعة. ولأنّ هذه الرّحلة هي رحلة فرديّة فإنّ شيمبورسكا تشعر بالأمان لدى شقيقتها الّتي "لا تكتب الأشعار". أحيانًا، وحينما يكون في العائلة أكثر من شاعر فهذا يؤدّي إلى "دوّامات في العلاقات العائليّة". ولهذا فإنّ الأمان الّذي تشعر به شيمبورسكا هو هذا التّوتّر الشّخصيّ الّذي لا يقربه أحد. هذه الفردانيّة المُرعبة، ولكن المُبدعة في آن معًا.


***


قردان لبرويچل

دائمًا أفكّر في امتحان التّوجيهي:
في النّافذة يجلسُ قردان مربوطَيْن بسلسلة.
عبر النّافذة تحومُ السّماء.
البحرُ يضربُ أمواجَه.

إنّي أُمتَحنُ في التّاريخ الإنساني:
أُتأتِئُ، وترتعدُ فرائصي.
قردٌ واحد، عيناهُ عليّ، يسترقُ السّمعَ ويسخر.
الثّاني يبدو يغلبُه نُعاس.
وحينَ يعمّ الصّمتُ بعدَ سؤال،
يُشيرُ لي ليذكّرني من خلال
رنّة خفيفة بالسّلسلة.

***

رسائل الميت

قرأنا رسائل الميت كما آلهة بلا أمل،
ومع كلّ ذلك آلهة، لأنّنا نعرفُ المواقيت الآتية.
نعرفُ أيّ دُيونٍ لم تُدفَع.
مع أي رجال هرولت النّساء للزّواج.
يا لهم من مساكين هؤلاء الموتى، موتى الرّؤى الضّيّقة،
مضحوك عليهم، غير معصومين، ويحسبون كلّ شيء.
إنّنا نرى الوجوه، حركات الأيادي وراء الظَّهْر.
آذانُنا تلتقطُ صوت تمزيق الوصايا الأخيرة.
يجلسون أمامنا مُضحكين كما لو كانوا على قطع خبزٍ مطليّة بالزّبدة.
أو مُسرعين للإمساك بالقبّعات المتطايرة فوق رؤوسهم.
ذوقهم السّيّء، ناپليون، بُخار وكهرباء،
أدوية فتّاكة لأمراضٍ قابلة للشّفاء.
سُخْف أشراط السّاعة حسب القدّيس يوهانس.
جنّة اللّه الخادِعة على الأرض، حسب جان جاك...
بهدوء نراقبُ بيادقهم على لوح الشّطرنج.
أنّهم فقط الآن تحرّكوا ثلاث خانات للأمام .
كلّ ما رأته عيونهم خرج مختلفًا تمامًا.
أكثرُهم حماسًا نظروا إلينا بثقة.
اكتشفوا أنّهم سيجدون هناكَ الكَمال.

***


أبناء هذا العصر

نحنُ أبناءُ هذا العَصْر،
إنّه عصرٌ سياسيّ.

كلّ ما يحملُ يومُك من أعباء
أو ليلُك، أعباؤك أعباؤنا، أعباؤكم
هي أعباءُ سياسة.

شِئتَ أمْ أبَيْتَ،
جيناتُك ماضيها سياسي،
لونُ الجلدِ سياسي،
للعَيْن وَجْهٌ سياسيّ.

بهذه الصّورة أو تلك،
لكلّ ما تقول أصداءٌ
لكلّ سَكَتاتِك مضمونٌ أو معنى
سياسي.

حتّى إذْ تخطو في الغابة،
تخطو أنتَ خطواتٍ سياسة
على أرضٍ سياسيّة.

حتّى الأشعار الغَيْر السّياسيّة هي أشعارٌ سياسة،
وفي الأعالي يزهو القمر بنوره،
منذُ زمن، لم يعُدْ قمري بَعْدُ.
أن تكون أو ألاّ تكون، هذا هو السّؤال.
أيّ سؤالٍ يا صديقي، أجب ببساطة.
سؤال سياسيّ.

لستَ مُلزمًا أن تكون من بني البشر
لكي تكون ذا مغزى سياسيّ.
يكفي أن تكون نفطًا خامًا،
هشيمًا مُركّزًا، مادّةً خامًا مُكرّرة.

أو حتّى طاولة جلساتٍ، على شكلها
ثار جدالٌ شهورًا طويلة:
حولَ أيّ طاولة يجدرُ التّداوُل
بشأن الحياة والموت، مُستديرة أمْ مُربّعة.

وفي هذه الأثناء، قُتل أناسٌ،
نفقتْ جوعًا حيوانات،
دُورٌ التهمتها ألسنة النّيران،
وحقولٌ أنبتت البُور،
مثلما في غابر العصور
غير السّياسيّة.

***


بعض النّاس يحبّون الشِّعْر

البعض -
أقصد ليس الجميع.
ليس الغالبيّة، ولا حتّى الأقليّة.
دون أخذ المدارس بالحسبان، فهم مُضطرّون هناك،
والشّعراء أنفسهم،
هؤلاء النّاس إثنان بالألف.

يحبّون -
لكن، يمكن أيضًا حبّ مرق الدّجاج بالمعكرونة،
يحبّون الإطراءات وأزرق السّماء،
يحبّون منديلاً قديمًا،
يحبّون الإصرار على إراداتهم،
يحبّون ملاطفةَ كَلْب.

الشِّعْر -
لكنْ، ما هو الشِّعْرُ في الحقيقة.
كَمْ مرّةٍ أُعطيتْ على هذا
إجابة واهية.
وأنا لا أعرفُ، لا أعرفُ وطالما تشبّثتُ بهذا
كما بدرابزين مُنقذ.

***


ڤيتنام

يا امرأة، ما اسمُك؟ لا أعرف.
أينَ وُلدتِ؟ لا أعرف.
لماذا تحفرينَ الأرض؟ لا أعرف.
كم من الوقت تختبئين هنا؟ لا أعرف.
لماذا تعضّين يدَ المحبّة؟ لا أعرف.
ألا تعرفين أنّنا لن نمسّك بسوء؟ لا أعرف.
مع أيّ طرفٍ أنتِ؟ لا أعرف.
ثَمّةَ حربٌ فعليكِ أن تختاري. لا أعرف.
هل ما زالت قريتك قائمة؟ لا أعرف.
هل هؤلاء هم أولادك؟ نعم.

***


في مديح ذمّ الذّات

ليسَ للدّأية ما تتّهم به نفسَها.
التّساؤلات غريبة في نظر الفَهْد الأسود.
سمكة الپيرانْها لا تُشكّك بمصداقيّة أعمالِها.
الأفعى يُمدح نفسَه دونما اعتراضات.

لا يوجد ابنُ آوى ذو نَقْدٍ ذاتيّ.
الجراد، التّمساح، الشْعريّة وذبابُ الخيل
كلّها تعيشُ حياتها راضيةً مرضيّة

قَلْبُ حوت الأورْكا يزنُ مائة كيلو
لكن من جهة أخرى، فهو خفيف.

لا يوجد شيء أكثر حيوانيّة
من ضمير نقيّ
على الكوكب الثّالث في المجموعة الشّمسيّة.

***


في الثّناء على شقيقتي

شقيقتي لا تكتُب الأشعار
ولا يبدو أنّها فجأة ستنظم القصائد.
سارت على خطى والدتها الّتي لم تكتب الأشعار.
وعلى خطى والدها الّذي هو الآخر لم يكتب الأشعار.
تحتَ سقف شقيقتي أشعر بالأمان:
لا شيء سيدفعُ زوج شقيقتي لكتابة الأشعار.
ومع أنّ الأمر يُذكّر بقصيدة لآدم مكدونسكي،
لا أحد من أقربائي مشغول بكتابة الأشعار.

على مكتب شقيقتي لا توجد أشعار قديمة.
ولا توجد جديدة في حقيبتها.
وحينما تدعوني شقيقتي للعشاء،
أعرفُ أنّّها ليست عازمة على قراءة الأشعار لي.
إنّها تعمل مرقة رائعة، ودونما أن تُحاول
ولن تندلق قهوتها على المخطوطات.

في كثير من العائلات لا أحد يكتب الأشعار.
ولكن، حين يفعلون عادةً ما يكونون أكثر من واحد.
أحيانًا يفيضُ الشّعر كشلاّلات الماء عبر الأجيال،
صانعةً دوّاماتٍ في العلاقات العائليّة.

شقيقتي تعتني بالنّثْر الدّارج والمُحترم.
كلّ نتاجها الأدبي يقتصر على البطاقات البريديّة.
يكرّرُ الشّيء ذاتَه كلّ عام:
أنّها حينما ستعود،
ستروي لنا كلّ شيء،
كلّ شيء،
كلّ شيء.

***

النّهاية والبداية

في نهاية كلّ حرب
أحدٌ ما يجبُ أن يُنظّف.
النّظام أيًّا ما كان
لن يحدثَ من ذاته تلقائيًّا.

أحدٌ ما يجبُ أن يدحرَ رُكامَ الخراب
إلى جوانب الطّرقات،
حتّى تعبرَ فيها
العرباتُ الملأى بالموتى.

أحدٌ ما يجبُ أن يتلطّخ
بالطّين وبالرّماد،
برفّاصات الأرائك،
شظايا الزّجاج
والخِرَق النّازفة.

أحدٌ ما يجبُ أن يجرّ لوحًا من خشب
ليدعمَ الحائط،
يُثبّت الزّجاج في النّافذة
يُركّبَ البابَ في محوره.

هذا لا يبدو جميلاً في الصّورة
ويحتاج سنين طويلة.
كلُّ الكاميرات قد نزحتْ من زمان
إلى حربٍ أخرى.

ثَمّ حاجة للجسور من جديد
ولمحطّات القطار.
ستتمزّقُ الأكمام
من كثرة التّشمير.

أحدٌ ما، يحملُ مكنسةً في يده،
يتذكّرُ كيف كان.
أحدٌ ما يتنصّتُ
ويهزّ رأسَه الّذي لم يُنْزَع من مكانه.
لكنّ البعضَ هناك
يبدأ هذا الشّأن
يُثيرُ المللَ لديهم.

بين الفينة والأخرى، يحفرُ أحدٌ
ما تحتَ شُجَيْرَة
حُججًا قد صَدِئَتْ
ينقُلُها لأكوام الوَرَثَة.

مَنْ كانَ منهم على عِلْمٍ
بما قد حدثَ هنا ولماذا،
يجبُ أن يُفرعُ مكانًا لِمَنْ
كانَ قليلاً ما يعلم.
وأقلّ من قليل،
وأخيرًا، لا شيء.

على الأعشاب الّتي غطّت
الأسباب والنّتائج،
أحدٌ ما يجبُ أن يستلقي
سُنبلةٌ بين أسنانه
ويتأمّل الغيوم.

***


عن الموت، دون مبالغة

هو لا يفهمُ في النّكات،
لا يفهم في النّجوم، في الجسور،
في النّسيج، في حفر المناجم، في فلاحة الأرض،
في بناء السّفُن، وخَبْز الكعك.

عندَ حديثنا عن برامج الغد
يدسّ كلمتَه الأخيرة الّتي
لا علاقة لها بالموضوع.

هو لا يعرفُ حتّى في الأمور،
المتعلّقة مباشرةً بمهنته:
حَفْر القبور،
نقش التّوابيت،
لا يعرفُ التّنظيف وراء نفسه.

غارقٌ في التّقتيل،
يفعل ذلك بكثير من عدم الدّراية،
دونما أسلوب أو خبرة،
وكأنّه يتمرّن، لأوّل مرّة، على كلّ واحد منّا.

الانتصارات هي انتصارات،
لكنْ كم من الهزائم،
والضّربات الّتي أخطأت الهدف
والمحاولات المتكرّرة.

أحيانًا تنقصه القوّة
لإسقاط ذُبابَة في الهواء.
مع غير قليل من الزّواحف
خسرَ المُباراة في الزّحْف.

جميع هذه البصيلات، الأكواز
السّداسيّات، الزّعانف، قصبات التّنفّس،
ريش المُداعبة، فِراء الشّتاء
تشهد على التّأخير
في عمله الجاري بلا مبالاة.

لا تكفي الغرائز المُبيّتة،
وحتّى المُساعدة الّتي نُقدّمها له في الحروب والثّورات
هي، للآن، ضئيلة جدًا.

قلوبٌ تنبض في البَيْض.
هياكل الأطفال تنمو وتكبر.
البُذور، بكدٍّ واجتهاد، تصلُ إلى وُريقتين أولَيين.
أحيانًا إلى شجرتين سامقتين على خطّ الأفق.

مَنْ يظنّ أنّ الموت قادرٌ على كلّ شيء،
فهو بنفسه برهانٌ حيّ،
على أنّه ليس بقادر.

لا يوجد ثَمّ حياةٌ،
ولو لِرمشة عين واحدة فقط،
ليست خالدةً.

الموتُ
دَوْمًا يتأخّر في الرّمشة عينٍ هذه.

سُدًى يهزّ ألأيادي
للأبواب اللاّ مرئيّة.
كلّ ما قامَ به أحدٌ ما
لن يقدر أن يُعيده للوراء.

***


كتابة سيرة حياة

ما المطلوب؟
المطلوب أن تكتب طلبًا
وأنْ تُرفق طيّه سيرة حياة.

ودون علاقة بطول الحياة
على السّيرة أن تكون قصيرة.

تلخيص الحقائق وفرزها أمر ضروري.
إستبدال المناظر بالعناوين
والذّكريات الواهية بتواريخ ثابتة.
من بين جميع قصص الحبّ يجب تسجيل الزّواج فحسب،
ومن الأولاد فقط الّذين قد وُلدوا.

مَنْ يعرفُكَ ذو شأنٍ أكبر ممّن تعرفُهُ.
والسّفرُ فقط إن كان لخارج البلاد.
الإنتماء لـ"ماذا"، لكن ليس لماذا.
شهادات التّقدير دون التّبريرات.

أُكتبْ كما لو أنّك لم تتحدّث مع نفسك أبدًا
وكأنّك التففتَ على نفسك من بعيد.

تجاهل الكلاب، والقطط والعصافير،
الهدايا القديمة، الأصدقاء والأحلام.

السِّعْر وليس القيمة
العنوان وليس المضمون.
رقم الحذاء وليسَ الغاية الّتي يذهبُ
إليها هذا المفروض أن يكون أنت.

مع ذلك يجب إرفاق صورة مع أذنٍ مكشوفة.
شكلها فقط يُؤخذ بالحسبان، ليس ما يُسمَع
ماذا يُسمَع؟
صرير الماكنات الّتي تطحن الورق.

***



نشرت في فصلية "مشارف"، عدد 13، 1997


Wislawa Szymborska, "Selected Poems", translated by Salman Masalha, Masharef 13, Haifa 1997

برايتن برايتنباخ: "الحياة في مكان آخر"



برايتن برايتنباخ


"الحياة في مكان آخر"



ترجمة وتقديم: سلمان مصالحة


"الكتابة هي نوع من الانتحار"، كما يقول الشاعر برايتن برايتنباخ (Breyten Breytenbach). لقد عرف هذا الأمر "على جلده"، كما نقول، من خلال ما جرى له مع نظام التفرقة العنصرية الذي كان قائمًا في جنوب أفريقيا طوال عقود من الزّمن. المجموعات الشعرية الأولى التي نشرها برايتنباخ كُتبت بلغة أمّه، الأفريقانيّة، أي لغة المستوطنين البيض في القرن الأفريقي. في أعقاب نشرها، حظيت مجموعاته هذه بإعجاب النقاد الذين أطلقوا عليه لقب "دانتي أفريقي".

شيموس هيني: قصائد



شيموس هيني || "الخارج من السّحر"



ترجمة وتقديم: سلمان مصالحة


في إيرلندا هذه الّتي استمرّ فيها الاقتتال لعقود طويلة، واختلط اللّه فيها بالعنف بالدّم والألم مع الويسكي والشّتاء الصّاقع، ولد ييطس كبير شعراء الإنچليزيّة، وكوكبة أخرى من شعراء إيرلندا الّذين يقف على رأسهم في هذه الحقبة شيموس هيني (Seamus Heaney) الحائز على جائزة نوبل للآداب للعام 1995. شيموس هيني ينتمي إلى الطّائفة الكاثوليكيّة الّتي تشكّل أقليّة كبيرة في إيرلندا الشّماليّة. ولد هيني في 13 أپريل 1939 وهو الابن البكر بين اخوته التّسعة في مزرعة واده الواقعة حوالي 50 كيلومترًا شمال غرب بلفاست.


بدأ كتابة الشعر إبّان فترة دراسته الجامعيّة ونشر بعض محاولاته في تلك الفترة باسم مستعار. وفي العام 1963 عُيّن محاضرًا في الأدب الإنچليزي، وقد اشترك في تلك الأيّام في ورشة شعريّة أدارها فيليب هوبسباوم. في العام 1965عُيّن محاضرًا في الأدب الإنچليزي في كوينز كوليج في بلفاست. حازت كتاباته الشعرية على عدّة جوائز.

لقد وصفه النّاقد روبرت لويل على أنّه أهمّ شاعر إيرلندي بعد ييتس. وهو يعدّ في هذا الأوان من أشهر الشعراء الكاتبين باللغة الإنچليزية.

كتاباته تعجّ بالموت، موت أصدقاء ومعارف كثيرين من جرّاء الحرب الطائفية التي دارت رحاها في رحاب إيرلندا في العقود الأخيرة. غير أنّ أشعاره الذاتية، وبخاصة تلك الصوناتات التي كتبها إثر وفاة والدته، والزشعار الّتي نظمها في أعقاب وفاة والده، تُعدّ من أمهات الشعر الإنچليزي في الفترة المعاصرة.

لم يأبه هيني بالنقّاد، وبخاصة أولئك الّذين وصفوه بالشيء ونقيضه. فقد وصفه البعض بالابتعاد عن الأحداث السياسية في شعره، بينما كال آخرون اللّوم له لأنّه كثيرًا ما يتطرّق إلى هذه الأمور في قصائده. ويبدو أنّ الجانبين على حقّ، فلم يلجأ هيني في شعره إلى المباشرة والتقريرية حينما كتب عن هذه الأمور، كما أنّه لم يدع تلك الأمور تمرّ دون أن يضع عليها بصماته الشعرية.

لقد تحوّل هيني مع الأيّام إلى أخد أفذاذ الشعر الإنچليزي المعاصر، كما أنّه عالج الكثير من القضايا الّتي تهمّ الشعر المكتوب بالإنچليزية. إنّ المكانة الّتي حظي بها هيني دفعت الأكاديمية البريطانية إلى تبنّيه ومنحته كرسي الشعر في جامعة أوكسفورد ليجلس عليها خلال سنين. لقد ذاع صيت هيني خارج الجزر البريطانية وحظي بشعبيّة كبيرة في أميركا الّتي نصّبته من طرفها على عرش الشّعر المكتوب بالإنچليزيّة.

يوظّف هيني في أشعاره الأساطير الإيرلنديّة القديمة من الحضارات الغاليّة، السّيلطيّة، رامزًا أحيانًا مصرّحًا في أحايين كثيرة عن أنّ العالم الخارجيّ ما هو إلاّ قائم بالقوّة فينا. وهو ليس منعزلاً بأيّ حال عن الحال الذّاتيّة للإنسان الفرد أينما كان.


لقد وجد شيموس هيني في فضاء إيرلندا مادّة غنيّة لشعره.

منذ المجموعات الأولى يُشتمّ من شعره تلك الأجواء الطبيعية التي لفّته. رائحة الأرض والفلاحة والإنسان مربوطة بالتاريخ والأساطير وكلّ ذلك مع الإبقاء على العلاقة مع ما هو قائم الآن على جميع مركّباته.

تتّسم لغته الشعرية بالعنفوانيّة والإغراق في الموسيقيّة اللّغويّة، إضافة إلى المضامين الإنسانيّة الشّاملة. اللّغة لدى هيني هي إحدى أبرز معالم شعره، حيث يتجّلى ذلك في امتلاكه لناصية اللّغة الإنچليزيّة من خلال تركيبات معقّدة ونحو كلاسيّ. في في الفترة اللاّحقة تتحوّل قصائد هيني إلى الاقتضاب كما هي حال الأمثال التي تختزل التجارب الإنسانية في سطور قليلة، ويستخدم التشبيهات وفي الكثير من الأحيان التوريات والأليچويا.

ما من شكّ في أنّ ما يقف في الكثير من الأحيان وراء منح جوائز نوبل هي أمور خارجة عن الجوهر الأدبي البحت. وعلى الرّغم من أنّ النّقّاد يعتبرونه من أبرز شعراء الإنچليزيّة في العصر الحديث إلاّ أنّ رياح التّسويات السّياسيّة الّتي شهدتها إيرلندا في الآونة الأخيرة قد هبّت على قاعة هيئة الحكّام، فتركت لديهم تأثيرًا على قرارهم بمنح الجائزة.






روتردام 1996


***

شجرة الأمنيات

خطرت على بالي كما شجرة الأمنيات
وشاهدتها تتسامى، بجذرها وفرعها، صوبَ السّماء،
تُجرجرُ أذيالها بكلّ ما انغرز
لضرورة بعد أخرى للشّفاء.
باللّباب والقُشور: قطعة نقديّة، دبّوسٌ ومسمار
انسابت منها كما نجم مُذّنّب
جديد الصّكّ وذائب. رأيتُ رؤيا
رأسَ فرعٍ يتسامى عبر الغيوم الرّطبة
وجهًا متضرّعًا للسّماء في المكان
الّذي انتصبت فيه الشّجرة.

***

إشراقات viii

تروي كتب التّاريخ: حينما كان رهبان كْلـُونماكْنويْز
أجمعين في المصلّى خاشعين
تراءت فوقهم سفينة في الهواء
جرّت معها في الخلف المرساة.
وعلقت في أخشاب المذبح. إذْ ذاك
وبعد ثبات الزّورق دون حراك،
هبَّ أحدُ الملاّحين، تشبّثَ بالأطراف،
ثمّ تدلّى بالحبل وراح يُصارعُ حتّى فكاك
المرساة، ولكن سدًى ما باء.
"لن يَقْوَى هذا الرّجلُ أن يحيا فينا، وسيغرق"، قالَ
رئيس الدَّيْر، "إلاّ إن قدّمنا إليه العَوْن". فكان العون كذاك.
أبحرت السّفينة، وتسلّقَ الملاّحُ عائدًا
خارجًا من ذاك السّحر، كما كان عرفَهُ بأمّ العين.

***

أوراكل (كاهن)

أن تختبئ في الجذع الأجوف
في شجر الصّفصاف،
يبدو الأنصاتُ لديه معروفًا
حتّى كالعادة ينادوك باسمك
يتردّدُ إسمك كالوقواق
على طول الحقول.
تستطيع سماعَهم
إفتح أقفال البوّابات
حالَما يتقدّمون
وينادونك لتخرج:
فم صغير وأذن
في صدعٍ خشبيّ،
قصبة وحَنْجَرَة
للأماكن المُطَحْلَبَة.

***

سَفْرة ليليّة

روائح الأشياء العاديّة
كانت جديدة في السَّفْرَة اللّيليّة عبرَ فرنسا:
غابات وقشٌّ ومطرٌ في الأجواء
عملَت نسيمًا دافئًا في السيّارة المفتوحة.
والشّاراتُ ابيضّت بلا شفقة
مونطريه، أبيڤيل، بوڤيه
قد وُعدت، وُعدتْ، مرّت وارتحلت،
كلّ اسمٍ مَنَحَ ما يحملُه الإسمُ بذاته
يتأوّه كومباينٌ دَربَه في ساعات اللّيل أو ينزفُ
عن طرفَي الضّوء حبوبًا.
نارُ الغابة تتسامى فوق الأشجار وتخبو
تُغلق المقاهي الصّغيرة الواحد تلوَ الآخر أبوابها.
وأنا أفكّرُ فيك باستمرار
ألفَ ميلٍ جنوبًا أراحت إيطاليا
فخذها على فرنسا في الكرة الأرضيّة المعتمة.
الأشياء العاديّة لديكِ
بُعثت من جديد هناك.


***

نشرت في فصلية "مشارف"، عدد 5، 1995

ـــــــــ

Seamus Heaney, "selected poems", translated by Salman Masalha, Masharef, No. 5, 1995





پيتار بوشكوفسكي: قصائد

پيتار ت. بوشكوفسكي

(قصائد)

ترجمة

سلمان مصالحة - ماريانا كافتشيتش


مع ماريانا على ضفاف بحيرة أوحريد (2005)
***


ألم (Бол)


لو كان شُعوري
كمثال ظُهوري لاعتقدَت الشمسُ
أنّها أضاعت الطّريق
يُسْتَحسَن
أن يبقى محجوبًا عن عيون النّاس
شيءٌ مّما يختلجُ فينا.

***

حجر سماوي (Небесен камен)

إندسّ الحجرُ في حَقْلي
كما لو في حضن الأم
الحجرُ المنعتقُ من سلاسل النّجوم

التّجاربُ الخطيرة
للتّرحال الطويل
صَقَلَتْه حتّى الاكتمال
قَلَّصْته إلى نواته

من شدّة الاشتعال
لا زالَ اللّونُ الأحمرُ فيه
والآن ينصتُ بهدوء
إلى دورانه في الدّاخل

لم يكن أبدًا مُهدّدًا
مثلما هو الآن في يدي
ما لم يقدر أن يفعلَ به الكونُ
في وسعي أنْ أفعلَ به

في وسعي أن أَهَشّمه بالشاكوش
أنْ أجعلَه مسحوقًا
أن أغمس فيه الخبز
دواءً للدّوخان

في وسعي أن أفعل ذلك
لكن يُستحسنُ ألاّ أفعل
للشَّبهِ الموجود الذي
يربطنا من الخارج

إنّه يتقلّصُ إلى شيء واحد
يا لها من عدالة عابرة
وحظّ مجنون
أن تكون على هذه الأرض

***

الماء والنّار (Водата и огнот)

تنطلق النّار القديرة
كي تفهم معنى الماء
لكن، ما أن تدخل في الماء كثيرًا
حتّى يزداد الأمر عليها صعوبة
يأخذها الماء بحضن من قزّ
يرفعها لأعالي السّماء

هادرًا من الغضب
يضربها بالأرض بعنف
النّار تأخذها الرّجفة
الّتي تفقدها الذّاكرة

هابطًا من الأعالي
كي يقوم بشؤونه الدّنيويّة
يروي الماء لنا
الماء الّذي يمنحنا الحياة
إمّا بهمس كلام الأمّ
حين نصيخُ السّمع إليها
أو بالغضب الطّوفاني
إن كانت آذاننا موصدة
هذا مصيرُ من يرغب في أن يعرف كنهي
من قبل أن يعرف كنه نفسه.

***

زيزفون (Липа)

الشيخ الّذي أرهق
نفسه يجلس للمرّة الأولى تحت الزيزفرنة
التي زرعها من زمان
يتمزّق صراعًا مع نفسه
إذ مضى يومه ولم
يكمل ما كان نوى
ويلوم نفسه غاضبًا
مع كلّ خطوة خاطئة
مع كلّ لحظة تمرّ سدى
مع الإرادة المهزومة من قبل الإنهاك غير المعترف به

الغروب يرفع البوق الأصفر
لينادي الأصيل
الأصوات الذهبيّة تتساقط فوق ذروة الشجرة المزدهرة
والعطر السائل يقطر فوق جسد الشيخ المنقبض
يُشعره بأنّه يغمرُ عَظْمَه
يَجْري دفئًا في صُلْبِه
دبيب يسري في جسده، يطرد عنه أعباء كوابيس

أنذا كنت ذاك الشيخ
إذ طرق سمعي هذا الصّوت الآتي من ماضٍ غابر
لزيزفونتي الّتي تشفع لي
الصوت الهاتف لي
إرحم نفسك.

***

فراشات (Пеперуги)

تتهاوى هوينى في المشهد
فراشات تنبضُ ألوانًا زاهية بالرّبيع
كما لو كانت تنهّدات مرتعشة
زهورًا حَطّتْ من علياء سماء

ببراءة تتناقلُ فوق النّبت الأخضر
الّذي التهمه في عام ماضٍ
دودٌ شره لا يرحم
كي يعطي أجنحة للجمال

والآن يعطيك الحقّ في أن
تخطو مسكونًا بالجانّ
لا يسألك أحدٌ
ماذا صارَ بحالك؟


***


مخزن (Амбар)

يجب التفكيرُ
باستخدامات جديدة للمخزن
يمكن أن تحوي حجراته
مائة صاعٍ من غلّة
لكن، منذ عقود خمسة
لم يشمم رائحة القمح
لا معنى بعدُ ولا غاية لَهْ
أضحى الأمر خطيرًا
أضحى مختنقًا بالصّمت
يمكن أن ينفجرَ
كاللغم الأرضي

يجب التّفكير
باستخدامات جديدة
للمخزن.


***

الوجه الخلفي (Опачина)

أمس مساءً
مُنشرحَ الصدر
كنتُ جمعتُ
بلّورات بيضاءَ
ساقطةً من جيب الزّمنِ

بلّورات
أحفطها
للدّهشة

في ذاك الموقع
حيث وضعت البلّورات
عثرتُ عليها فاحمةً حين صحوتُ

آهٍ
ماذا افعلُ بي
حقيقة النّهار
المبتذلة.


***

رابسوديا (Рапсодија)

ليس لئيمًا أو أحمق
ذاك الشخص من القصّة
حين يقول صبح مساء
"ليقتل الرّب العادلين"
إذ كان يعلمُ حقّ العلم، أهل القسطاس تولّوا

هذا القول، ثبت بالبرهان الآن

وأنا أسأل نفس القصّة
لماذا يمنحنا الرّبّ إذن
شمسًا أو مطرًا وهواء؟
بعد التّفكير مليًّا، تحكي فتقول
"من أجل النّبتِ، من أجل الحيوان".


***

يقين الخلود (Сигурноста на вечноста)

يتّسع الكون
كي يصبح كرةً
شكلاً كاملاً
كرةً ملساء جميلة
لكن، سدًى
كذا الطّبيعة لا تقدرُ
أن تبلغ كمالاً
لكن، من حسن الحظّ
لا تني تحاول
دون كلال
هذا الأمر صحيح حتّى أنّه
لا يمكن أن يحمل في ذاته
ما هو أقلّ من الخير
ما هو أقلّ من الجمال.


***

مزار (Светилиште)

شجرة البلّوط بيت مقدّس
أوجده ربّ الغابة
نشدّ إليه الأرحال
أعيننا ملأى بالخشوع
ذروتها تبلغُ
نبض السّماء
تصلُ الأرضَ
بإيقاعات الكون
في جسد الشّجرة
تجري موسيقى الأفلاك
لغةً خالدةً.
حينَ نراها
نراها دومًا أوّلَ مرّة
إذ نُدهشُ لا نبلغُ أقصى دهشتنا
أيّ جبّار لاذ قديمًا
في حبّة بلّوط صغرى
ما تاقَ إليها غيرُ الخنزير.


***


زهور اللّيل (Ноќно цвеќе)

متمرّد أنت
لا يقبل القسمة المجحفة
للجمال بين اللّيل والنّهار
ليس من العدل أن يستحوذ الواحد على كلّ شيء
ويبقى الآخر صفر اليدين

حراميّ أنت
تأخذ حرامًا لتعطي
وبالخرق الخضراء
تربط ضوء النّهار
كي تمنح للّيل قطرات
تشعّ بضوء الشّمس

مُرتدّ أنت
تؤمن بمثلك الصّغير
النّوايا الطّيبة
تُذيب أكبال الصّقيع الّتي
تشدّ بها الحياة نياط القلب
حتّى الإيلام والدّموع

مرآكَ
لكَ وحدك
ولأنّك والعدل سيّان
فأنت بشاشة طفل
غارق في نوم مُقمر.


***

شرشوح (Плашило)

من ذا نصبَ وما السّببُ
هذا الشّرشرحَ المنتصبَ
في عرض الحقل المتروك
رأس مصنوع من قرع، وعيون من فحم
جسد من مِزَقٍ يحمله خازوق
طرفُ رثٍّ - مكنسة
تهوي للضّرب
هذا ما صنعوا في الماضي
كي يحموا ذرة الحقل
من أغربةٍ وطيور غازية
لكن، ما الجدوى منها الآن؟
إذ لم يبقَ محصول أو طير
في ظنّي، هذا عمل قام به من
عاد من المدن الباهتة
تاقَ إلى وطنٍ مندثرٍٍ

لو كان الشّخص أتى من بلدٍ خلفَ البحر
لكان نصبَ صندوقًا آليًّا يزعقُ طول اليوم
كِشْ، كشْ، كشْ.


***


البيت العتيق (Старата куќа)

حين رجعت كان البيت
عجوزًا قد حفّ بصرها، عالقةً بفروع العلّيق
تتلوّى ألمًا، تُركت لقدرها
تنتظر مصيرًا قد يأتي سريعًا

سارعتُ إلى إجراء التّرميمات، وإكمال اللّمسات
وعلاج جروح، طرد الأنفاس الرّطبة
سندتها برفق
ومسحتُ العمش الأبيض من عينيها
فتعالت دقّات القلب، التمع الخدّان
كشعور الأمّ وقد عاد إليها
الإبنُ بعد فراق طال.

إنّي أنكبُّ عل العتبة
حملٌ قد زال من الظّهر
ولأوّل مرّة، بعد عناء
أسمع نفسي تهمس لي: مرحى

ما أضعفني
يا لتشتّت أعصابي، يا لهمود في العينين
لكنّي لم أخسر ما كان يمكن أن أخسر
إذ أنّي لم أخطئ درب البيت، طريقًا
تُفضي نحو البيت العتيق

مرحى، هذا نداء النّفس
تتلفّع بالضّوء الأبيض
إذ عادت تعشق كالطفل الولهان.


***


كوخ (Колиба)


عدتُ إلى توبليك
جبلٌ ترى السحالب فيه النّور باكرًا
حيث يكون الزّمان
رياحًا تهبّ من الآن
إلى ما مضى وانقضى
تنخر في رأسي الفكرة
لو أنّي كنت بنيت كوخًا لي
فيه فِراشٌ عبقٌ من سرخس جاف
وطحالب ناعمة كالنّفس أفرشها للرأس مخدّة
كنت وضعت فوق الباب
غصنًا من دبق
كي يدرأ عنّي صروف الدّهر
ولكنت رقدت هناك
بنعيم الإنسان الأوّل
كي أبلغ هذي النّعمة
أحتاج إلى منجل
لكن الرّيح تهاوت بي
لحياة لا تعرف معدن
وأنا الآتي من زمن قابل
أعجز عن أن أصنع شيئًا.


***


Petar T. Boškovski, Poems, Translated into Arabic by: Salman Masalha & Marijana Kavčić, Struga, August 2005




سيرجيو باديّا: ثلاث قصائد


سيرجيو باديّا ||


ثلاث قصائد


(ترجمها من الإنكليزيّة: سلمان مصالحة)



سيرجيو باديّا (Sergio Badilla) هو شاعر وكاتب ومترجم من تشيلي، ولد في ڤالپاريسو في العام 1947. شارك في مجموعات فنيّة مختلفة، وحاز جوائز أدبيّة عديدة. بعد الإنقلاب الّذي ترأسّه پينوشيه في العام 1973 تمّ اعتقال سيرجيو باديّا حيث واجه صنوفًا من التّعذيب، ثمّ نفي إلى الأرجنتين. وفي الأرجنتين قضى سنة واحدة فقط حيث حدث انقلاب آخر في الأرجنتين وسيطرت على الحكم طغمة يمينيّة بدأت تلاحق اللاّجئين السّياسيّين، فانتقل سيرجيو باديّا إلى رومانيا، ومن هناك إلى السّويد. وبعد سنوات من الحياة في المنافي عاد إلى وطنه بعد انتهاء عهد پينوشيه. له مؤلّفات شعريّة عديدة، بالإضافة إلى مسرحيّات وكتابات أخرى. ترجمت أشعاره إلى لغات عديدة. يعيش سرجيو باديّا ويعمل في سانتياغو، تشيلي.



عندما تمقتينني

تتثاقلُ جُفُوني إذ يأتي الحُزنُ
جَسَدِي مُنْهَكٌ
صورتُكِ تَبقَى هُناك، صَخريّة اللاّمُبالاة
غَضَّة المُحَيّا، وقحةَ التّقاسيم
وأنا، أتصيّدُ الوُضُوحَ الّذي لن يأتي.
لا زلتُ أجدُ فيكِ مِسْحَةً من حنان.
مُتْعَبًا أَتخيّلُكِ على أطرافي
في رَحابَة سَريري
والنّوافذ الّتي تعكسُ صفاءَ الشّمس
والأصيل الّذي يُشيّدُ ذاتَه في حُدودِكِ.
الآنَ، تلك الضّوضاءُ البعيدة لن تدعني أسمعُ صَوتَكِ بوضوح
الضّوء الّذي يتساقطُ في الأُفق، برفقٍ تحتضنيني
إنّه حُزنُنا الّذي يَنْمو في المرآة
يُحيلُنا تماثيلَ ذات مَفاصل
الوقتُ ذاتُه يختزلُنا
الشكُّ يُعَرِّينَا، يُطَهِّرُنا، يرسمُ دواخلنا
ما أنا إلاّ جوهر نَفْسي المُقنَّعَة
أنظرُ إلى فُلُول الضّياء في النّافذة،
جَدٌّ يَرفعُ رَأسَه، يَتأمّلُ جاهدًا
طَيرانَ الحَمام
في الميدان المُضاء بضوء خافت.
تنتفخُ جُفُوني، تَتَهدَّلُ مُثقَلَةً بالأحزان
لَفْتَةٌ مُطْمَئنّة بكَلامٍ لا حاجة له
صُورتُك تَبْقَى هناك، كَـ كْوَارْتز لا مُبالٍ
والظّلالُ تكادُ تمحو واجهات المدخنة
رُبّما تخلقُ واقعًا آخر
رُبّما تخترعُ حاضرًا مُنفصلاً.

***

هلوسة

طروادة تَحْترقُ وربّما لا يعنينا الأمر.
هذه الأقنعةُ تحجُبُنا عن العُيون، على شفا البَحْر.
الآنَ أتذكّر.
مدينة الأخشاب المزيّتة في الضّباب.
جَسدُكِ الشّبِقُ على صَدْري
إذْ دَهَمَت النّيرانُ المكانَ، حيثُ أحْببنا من قَبْلُ.
كانتْ صُورُ أَبْعَدَ، مَتاجرُ الفينيقيّين
الضّوءُ الخافتُ الكئيبُ يَتصادَى الآنَ خشنًا على وَجْهِك
وعلى الأرْضِ المُرتَجَلَة:
مانيلاّ شَرْقًا
مضغوطة في نكهةِ التّبْغ في غليوني.
يُخَرفشُ الحنينُ كَما العتمة العمياء
في الفَحْم المُسْتَعر.
الأرضُ الّتي تَنْطَفِئُ خَلْفَ الضّباب ليستْ أرضَنا بَعْدُ.
في النّهايات ثَمَّ المُحيطُ الهادرُ وَدِماغي.
الجُنونُ جَسَدُكِ على مقربة من جسدي، والرّغبةُ الجامحة
احترقتْ بينَ بَقايا الآثار.

***

مُبكّرًا هذا الصّباح

مع السّحَر قَبلَ أنْ أتركَ البيت
ناقلاً الكُتبَ من الرّفّ،
قبلَ النّزول إلى الپارك
سأختلسُ النّظَر إلى وَجْهِكِ الأسْمر.
على كُلّ حال، سَيَراني أحدُهُمْ أخطو صاعدًا نحو اليمين،
مُغْمَضَ العَيْنَيْن في ذا الصّباح الصَّافِن،
الغريبُ الوقحُ
الّذي يَطُوفُ وحيدًا حَوْل قُرًى غير واضحة المعالم.
في مكانٍ ما يَعْوي ذئبٌ إذْ يُخَيّمُ الهُدُوء
سَتُضْحي الشّوارعُ تَقاسيمَ شَخْصٍ يمشي نائمًا،
لا يملكُ أن يَتَخيّلَ هشاشةَ الإنسان
إزاءَ الغريم.
لا زلتَ في حال النَّيْمُومَة
رُبّما تَسْتمتعُ بشبحٍ لا تَراه، لكنّكَ تَستطيعُ الإحساسَ به.
بماذا تحلمُ كُلَّ ليلة في هذا البيت في شارع "إيلْمْ"؟
بماذا تحلمُ في ذلك المَسْكَن الّذي عَضّهُ الضّوء الخافت؟
ضَوضاءُ الشّارع تُحَرّكُ جَسدَكَ المُتَلوِّي عِشْقًا تحتَ الشّراشف،
وعيناكَ تتغامضان في أَلَقِ الشّمْس
في ساعَةِ سَحَرٍ بعدَ خُروجِ النّاسِ على عَجَل.


***


نشرت في: إيلاف


________

Sergio Badilla, 3 poems, translated into Arabic by Salman Masalha






أودن: رَقِيمةٌ عَلَى قَبْر طاغية


و. هـ. أودن


رَقِيمةٌ عَلَى قَبْر طاغية


الكَمَالُ، الكامِلُ الأَحَدُ، هُوَ كُلُّ مَا كَانَ نَشَدْ،
وَالشِّعْرُ، الّذِي ابْتَدَعَهُ، كَانَ سَهْلاً عَلَى الأَفْهامْ؛
كانَ يَعْلَمُ بِحَمَاقَاتِ البَشَرِ كَعِلْمِهِ بِكَفِّ اليَدْ،
وَقَدِ اهْتَمَّ بالجُيوشِ وَالأَسَاطيلِ أَشَدَّ الاهْتِمَامْ؛
حِينَمَا ضَحِكَ، انْفَجَرَ ضِحْكًا شُيُوخُ الوَقَارْ،
وَحِينَمَا بَكَى، مَاتَ في الشَّوارعِ الأَطْفَالُ الصِّغَارْ.

ترجمة: سلمان مصالحة
***
للترجمة العبريّة، اضغط هنا.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!