عن الإله الصّحراوي، العنف والسّيف

سلمان مصالحة


عن الإله الصّحراوي، العنف والسّيف



قراءة النّصوص المقدّسة
ليست بالأمر السّهل. إنّ صعوبة القراءة لا تكمن في لغة هذه النّصوص فحسب. أقول ذلك، مع أنّ لغة النّصوص في حالات كثيرة، ولعدم اتّضاح المفردات واختلاف القراءات والدّلالات، تفتح الباب على مصراعيه للتّفسيرات المختلفة الّتي قد تكون متناقضة في بعض الأحايين. إنّ الصّعوبة الكبرى كامنة في الأساس في كون هذه النّصوص تتّسمُ بالقداسة في نظر جمهرة المؤمنين، ولذلك فإنّ النّظر فيها يُحرّك أعصابًا حسّاسة لدى هؤلاء. والقداسة، على العموم ولدى كافّة الأديان، تُشكّلُ كَواتمَ عُقولٍ على رؤوس أتباعها.

كُنتُ ذكرتُ من قبل أنّ الإيمان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجهل، إذ يجنحُ الإنسان بعد انسداد طرق المعرفة أمامه إلى إناطة مجاهله بقوى خارقة بواسطة شخصنة ظواهر الطّبيعة، على سبيل المثال، وعزوها إلى آلهة موكلة بها. هكذا وُلدت آلهة الشّمس، آلهة القمر، آلهة الرّعد وآلهة البرق والمطر، إلى آخر قائمة آلهة الطّبيعة. وكذا هي الحال في حضارات الشّعوب المختلفة من مشارق الأرض إلى مغاربها على مرّ العصور. أي أنّ حُدود المعارف هي حدود الإيمان الّتي تفرق بين الانسان وبين الإله، وكلّ ما وقع في عالم المَجاهل البشريّة أُحيلَ إلى الآلهة في نهاية المطاف لتتولّى هذه التّحكُّم بها.


والقداسة أيضًا، ترتبط ارتباطًا
وثيقًا بالعاطفة، إذ أنّ العاطفة أيضًا مرتبطة بالجهل هي الأخرى. فكلّ ما يمتُّ إلى العواطف بصلة، تلك الّتي نجهل كيف تحدث ولماذا تحدث، نقوم نحن بتحويلها وتخزينها في الحقول الدّلاليّة لتعابير العواطف. كذا يحدث في حال الحبّ وحال الكراهية، وكذا يحدث في حال الفرح وحال الحزن. فمصطلحات الحبّ، الكراهية، الفرح والحزن، على سبيل المثال، هي تجريدات لغويّة لحالات تجمع الكثير من الدّلالات الذّهنيّة المجرّدة، كما تترافق مع تفاعلات كيماويّة، فيسيولوجيّة، في الدّماغ البشري.

وأقول إنّ القداسة مرتبطة بالعاطفة، لأنّ القداسة أيضًا تُحدث تفاعلات كيماويّة في الدّماغ البشري، مثلما يحدث في أحوال الحبّ والكراهية والفرح والحزن. ولأنّنا، في حقيقة الأمر، لا نعرف لماذا نحبّ أو لماذا نكره، ولا نعرف لماذا نفرح أو لماذا نحزن، فإنّنا في ذات الوقت لا نعرف أيضًا لماذا كلّ هذه العاطفة المتعلّقة بالقداسة. إنّ انعدام المعرفة هذا - هو بالضّبط التّعريف الأمثل للجهل. كما جاء القول بأنّ القداسة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعاطفة لسبب بسيط، وهو أنّ كلّ حديث عن هذه القداسة بلغة المنطق، لغة العقل، يثير لدى عوامّ الجهلة من المؤمنين كلّ تلك التّفاعلات الكيماويّة، المرتبطة بمشاعر الغضب، ومشاعر الكراهية العمياء على وجه التّحديد.


ونحنُ، حينما ننظر في نصوص
القداسة، على اختلاف مشاربها، فإنّما ننظر فيها لأنّنا نعتبرها جزءًا لا يتجزّأ من مؤلّفاتنا البشريّة، من مؤلّفاتنا الحضاريّة. فالتّوراة، على سبيل المثال، هي ملكنا، والأناجيل ملكنا والقرآن ملكنا، مثلها في ذلك مثل كلّ النّتاج الحضاري الإنساني الّذي هو ملك لنا جميعًا. وبوصفها كذلك فهي ملك للبشريّة كافّة، وفي الآن ذاته يجب أن تكون موضع بحث ونقد وحتّى نقض من قبل كلّ من ينتمي إلى هذه البشريّة. إنّنا ننظر فيها مثلما ننظر في الطّبيعة، في الأفلاك، في الكيمياء، في الأدب والشّعر والتّاريخ وفي سائر العلوم الإنسانيّة قبولاً أو رفضًا، شرط أن يتمّ ذلك بحكمة ورويّة ضمن حدود المعارف البشريّة وبعيدًا عن العاطفة، بعيدًا عن القداسة الّتي تضع كواتم عقول على رؤوس النّاس.


فها هو إله إسرائيل،
الإله التّوحيدي التّوراتي، وكما يظهر لنا من أسماءه الحسنى الّتي وردت في العهد القديم، إلهٌ قبليّ محاربٌ يدفع أتباعه إلى القضاء على الوبر والبشر من أهل عمليق: "كَذَا يَقُولُ رَبُّ الجُنْدِ: أَتَذَكَّرُ ذاكَ الَّذِي صَنَعَ عَمَلِيقُ بِإسرائيلَ، إذْ كَمَنَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ صَاعِدًا مِنْ مِصْرَ. الآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَلِيقَ، وَخُذْ كُلَّ الَّذِي لَهُ، وَلا تَشْفَقْ عَلَيْهِ، وَأَمِتْ مِنْ رَجُلٍ حَتَّى امْرَأَةٍ، مِنْ رَضِيعٍ وَحَتَّى طِفْلٍ، مِنَ ثَوْرٍ حَتَّى حَمَلٍ، مِنَ جَمَلٍ حَتَّى حِمَارٍ". (صموئيل الأوّل، 15، 2-3، الترجمة من الأصل العبري هي لي). إذن، فالتّعبير "رَبُّ الجُنْدِ" هو ممّا يمكن أن نطلق عليه الأسماء الحسنى التّوراتيّة لهذا الإله. ولَمَّا كان كذلك فهو لا يأبه بقطع الرؤوس وترك الجثث لتنهشها الطّيور ودوابّ الأرض، كما يرد في الفصل السّابع عشر من ذات السّفر: "فَقَالَ دَاوُدُ لِلفِلِسْطِيّ: أَنْتَ تَأْتِينِي بِسَيْفٍ، وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ؛ وَأَنَا آتِيكَ بِاسْمِ رَبِّ الجُنْدِ، إلهِ جُيُوشِ إسْرائِيلَ الَّذِين أَهَنْتَ. هذَا اليَوْمَ يُسَلِّمُكَ الرَّبُّ إلَى يَدِي، فَأَضْرِبُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ مِنْكَ، وَأُعْطِي جُثَّةَ عَسْكَرِ الفِلِسْطِيّين لِطَيْرِ السَّمَاءِ وَدَابَّةِ الأَرْضِ، لِتَعْلَمَ كُلُّ الأَرْضِ أنَّ ثَمَّ إلَهًا لإسْرائِيلَ." (صموئيل الأوّل، 17، 45-46).

ومن بين أسمائه الحسنى التّوراتيّة نجد التّعبير "إله النّقمات"، كما ورد في المزامير: {يَا إلهَ النّقَمَاتِ يَا رَبِّ؛ يَا إلهَ النّقَمات...} (مزامير 94، 1). ولذلك فليس من سبيل أمام إسرائيل سوى الإذعان لمشيئته: "كُلُّ مَنْ يُخَالِفُ أَمْرَكَ، وَلا يَسْمَعُ أَقْوَالَكَ بِكُلِّ الَّذِي تَأْمُرُهُ بِهِ - يُمَاتُ. فَقَطْ، تَجَلَّدْ وَتَشَجَّعْ" (يشوع 1، 18). ولذلك فإنّ السّيف هو الفيصل عندما يفتح يهوشوع البلاد: "فَهَتَفَ الشَّعْبُ، وَنَفَخُوا فِي الأَبْواقِ؛ وَكَانَ إذْ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ البُوقِ، هَتَفُوا هُتَافًا كَبِيرًا، فَسَقَطَ السُّورُ تَحْتَهُ وَظَهَرَ الشَّعْبُ عَلَى المَدِينَةِ رَجُلاً تِلْوَ آخَرَ، وَأَطْبَقُوا عَلَى المَدِينَةِ. وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الّذِي في المَدِينَةِ، مِنْ رَجُلٍ حَتَّى امْرَأَةٍ، مِنْ فَتًى حَتَّى شَيْخٍ؛ وَحَتَّى الثّوْرِ وَالحَمَلِ وَالحِمَارِ، بِحَدِّ السَّيْفِ". (يشوع 6، 20-21). والسّيف كان الفيصل مع أهل عي، كما ورد في الفصل الثّامن من سفر يشوع: "وَكانَ لَمّا فَرغَ إسْرائيلُ مِن قَتْلِ كُلِّ سَاكِنِي العَيْ فِي الحَقْلِ، فِي القَفْرِ حَيْثُ لَحقُوهم به، وَسَقَطُوا كُلُّهُمْ بَحَدِّ السّيْفِ أَجْمَعِينَ؛ فَعَادَ كُلُّ إسْرائيلَ إلى العَيِّ وضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ" (يشوع 8، 14). وكذا كان مصير مقيدة الّتي نكّل بأهلها وضرب ملكها بحدّ السّيف، وكذا كانت أحوال بلاد أخرى: "وأخذ يَشُوعُ كُلَّ أُولئِكَ المُلُوكِ وَأَرْضَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً لأَنّ الرّبَّ إلهَ إسْرَائيلَ حَارَبَ عَنْ إسْرائِيلَ." (يشوع 10، 42)

إذن، يُفهم من هذا الكلام أنّ السّيف، على ما يمثّله من رمزٍ للحرب والقتل، هو جزء من ذلك الإله الّذي ظهر على ألسنة الرّاحلين في البراري التّائهين الهائمين على وجوههم في الصّحاري.


وكذا هي الحال عندما نقرأ في الإنجيل
عمّا ورد على لسان يسوع المسيح في متّى: "لا تَظنّوا أنّي جئتُ لأُلقي سَلامًا عَلَى الأرْضِ. ما جئتُ لأُلقي سَلامًا بل سَيْفًا." (متّى 10، 34-35). فنحنُ نقرأ النّصّ ونفهمه كما تفيد لغة المقولة. النّصّ مكتوب بلغة بسيطة سهلة ولا تحتوي على مفردات لغويّة غريبة يمكن تأويلها على أكثر من وجه. فكلّ ما في المقولة من مفردات هي: جاء، ألقى، سلام وسيف وأداتا النّفي والاستدراك. أي أنّ هذه المفردات واضحة جليّة بيّنة المعاني والدّلالات. غير أنّ جمهرة المؤمنين قد وجدوا أنّ في هذه المقولة، على ندرتها، ما لا يريحُ من وجهة النّظر المسيحيّة. ولذلك، ومثلما يحدث في حالات البلبلة العقائديّة، فقد جنح المفسّرون إلى البحث عن مخارج من هذا المأزق الّذي وجدوا أنفسهم فيه. ولأنّ النّصّ سهل وبسيط ومفهوم إلى أبعد الحدود فلم يتبقّ أمامهم سوى السّير في طريق المجاز، طريق التأويل المجازي للنّصّ، كالقول مثلًا إنّ كلمة سيف هي كلمة مجازية ذكرها المسيح في معرض حديثه عن الصعوبات التي تلاقيها رسالته... وسيف الروح هو كلمة الله، هو السيف الفعّال للتغلّب على الشرور والأباطيل، وما شابه ذلك من تأويلات.

غير أنّ الرّسالة ذاتها جاءت لتفرّق بين الأب وابنه، بين الأم وابنتها، أي بين الإنسان وأهله، كما ورد لاحقًا: "جئتُ لأُفرّق الإنسان ضدّ أبيه والابنةَ ضدّ أُمّها والكنّة ضدّ حماتها. وأعداءُ الإنسان أهل بيته." بل أكثر من ذلك، فإنّ الإيمان منوط بفناء الذّات، فعلى المؤمن أن ينفي أهله وذاته، بل يُفني في الحقيقة أهله وذاته في محبّة الرّسول: "من أحبَّ أبًا أو أُمًّا أكثرَ منّي فلا يستحقّني. ومن أحبّ ابنًا أو ابنةً أكثرَ منّي فلا يستحقّني." (متّى 10، 36-37).


لقد انتقلت مقولة يسوع النّاصري هذه،
بشأن نفي الذّات وتفريق الأب وابنه والأم وابنتها، إلى الإسلام وبصورة حرفيّة تقريبًا. فها نحن نقرأ الحديث النبوي فنسمع فيه كلام يسوع منقولاً بالحرف: "حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يؤمنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" ("نقلاً عن: صحيح مسلم، ومسند أحمد، مسند الطّبراني، سنن النسائي، سنن ابن ماجة، كنز العمال وغيرها). لقد حاول عمر بن الخطاب أن يعترض على ذلك عندما سمع هذا الكلام، كما روي في الحديث أنّ عمر بن الخطاب قال: "يا رسول الله لأنتَ أحبُّ إليّ من كلّ شيء إلاّ من نفسي فقال: والّذي نفسي بيده، حتّى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنّك الآن أحبُّ إليّ من نفسي" (عن البخاري).

ومعنى هذا الكلام في الحديث النّبوي كما يؤكّد على ذلك النّووي: "أنّ من استكمل الإيمانَ علمَ أنّ حقّ النبيّ صلعم آكَدُ عليه من حقّ أبيه وابنه والنّاس أجمعين... ولا يصحّ الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلعم ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن..." (النّووي، المنهاج في شرح صحيح مسلم). فلا فرق، إذن بين هذه المقولة ومقولة يسوع، إذ يبدو أنّها اقتُبست حرفيًّا منه.


أمّا في ما يخصّ السّيف
وما يرمز إليه من عنف، فحدّث ولا حرج. فمن بين الأحاديث الصّحاح، على الأقلّ من وجهة نظر المؤمنين ما رُوي عن ابن عمر نقلاً عن الرّسول: "عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلعم قال: أُمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسولُ اللّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءَهم وأموالَهم إلا بحقّ الإسلام وحسابهم على الله" (عن: صحيح البخاري، وصحيح مسلم).

مهما حاولنا تفسير هذا الكلام من طرق مختلفة، فما من سبيل إلى فهم هذا الكلام سوى عبر طريق العنف. إنّ ما يزيد هذه القناعة بأنّ السّيف وما يرمز إليه هو في صلب هذه المقولات هو هذا الحديث الّذي رواه أحمد عن الرّسول في مسنده: "إنّ الله بعثني بالسّيف بين يدي السّاعة، وجعلَ رزقي تحتَ ظلّ رمحي، وجعل الذلّ والصّغار على من خالفني..." (عن: مسند أحمد). هذا الكلام واضح جليّ، فالمؤمن في ورطة إن أخذ بهذا الكلام، وهو في ورطة إن تركه.

وها هي سورة براءة، وهي آخر ما نزل من القرآن: "وكانت براءة آخر القرآن نزولاً وتوفي رسول الله صلعم ولم يبين موضعها." (نقلاً عن: تفسير القرطبي، تفسير النيسابوري، الدرّ المنثور للسّيوطي). وهي السّورة الوحيدة الّتي لا تبدأ بالبسملة، كما يروي القرطبي، وذلك لأنّها تنقض العهود: "فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلعم والمشركين بعث بها النبي صلعم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في الموسم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهد من ترك البسملة." (نقلاً عن: تفسير القرطبي).

والسّبب من وراء إسقاط البسملة واضح للعيان من الرّواية التّالية: "قال عبد اللّه بن عباس، سألت علي بن أبي طالب: لمَ لمْ يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمانٌ وبراءة نزلت بالسّيف، ليس فيها أمان." (نقلاً عن: تفسير القرطبي، وانظر كذلك في الدرّ المنثور للسّيوطي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير الثّعالي، فتح القدير للشوكاني وغيرها من المراجع). أي أنّ كلّ ما يمكن أن يُفهم من آيات سابقة على وجود إمكانيّة لتفسير مخفّف من علاقات بين المؤمنين بغيرهم قد نُسخت بجميع معانيها، إذ أنّ: "كلّ هؤلاء الآيات نسختها فى براءة آية السيف." (عن: تفسير مقاتل).

منذ القدم وحتّى يومنا هذا يتخبّط المسلمون في أحكام الآيات القرآنيّة. فها هو شيخ الأزهر في معرض حديثه عن معاملة الأسرى يتخبّط هو الآخر في هذه المسألة. ومن خلال كلامه يظهر مدى المأزق الّذي يواجهه لدى التّعامل مع هذه القضيّة، في ضوء ما حفظ التّاريخ من آيات وأحاديث وروايات السّلف، فيقول: "فمسألة الأسرى من الأعداء، يكون الحكم فيها على حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين، ومرجع الحكم فيها إلى البُصراء بالحرب وبوضع خططها، لأنهم أعرفُ الناس بكيفة معاملة الأسرى. وهذا الرأى الأخير هو الذى تطمئن إليه النفس، لأنه الثابت من فعل رسول الله صلعم ومن أفعاله أصحابه، ولأن ذكر المنّ والفداء لا ينافى جواز غيره، كالقتل -مثلا- لأن هذا الـ"غير" مفهومٌ من آيات أخرى ذكرت هذا الحكم فى أوقات وحالات معينة. وقد رجح هذا الرأى كثير من العلماء، منهم الإمام ابن جرير، فقد قال ما ملخصه: والصواب من القول عندنا فى ذلك، أن هذه الآية محكمة غير منسوخة لأنه غير مستنكر أن يكون جعل الخيار من المنّ والقتل والفداء إلى الرسول صلعم وإلى القائمين بعده بأمر الأمة. وإن لم يكن القتل مذكورًا فى هذه الآية، لأنه قد أذن -سبحانه- بقتلهم فى آيات أخرى منها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وقد فعل الرسول صلعم كل ذلك، مع الأسرى ففى بدر قتل عقبة بن أبى معيط. وأخذ الفداء من غيره..." (نقلاً عن: التّفسير الوسيط لشيخ الأزهر، محمّد سيّد طنطاوي). أي، وبكلمات أخرى، فإنّ شيخ الأزهر وفي هذا العصر، يبيح، هو الآخر، قتل الأسرى في حالات معيّنة، وذلك استنادًا إلى نصوصه المقدّسة. هذا ما يُفهم منه رغم محاولات اللّفّ والدّوران في كلامه.

وخلاصة القول:
ممّا عرضنا آنفًا يظهر ذلك القرب والتّطابق بين الإله الصّحراوي، بدءًا بـ"يهوه"، الإله التّوراتي وانتهاءً بما ظهر في صحاري جزيرة العرب. ويظهر، من خلال كلّ ما أوردنا، مدى العنف المتجلّي في صورته الّتي تنعكس في هذه النّصوص المقدّسة. والسؤال الّذي يطرح نفسه في هذا السّياق هو، هل يمكن أن تتغيّر طبيعة هذا الإله؟ والإجابة على ذلك هي نعم بالتأكيد. فمثلما ورد في الآية "لا يُغيّرُ اللّه ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم"، نستطيع أن نقول إنّ الطّريق المثلى للوصول إلى تغيير طبيعة الإله هي أن يغيّر النّاس ما بهم، إذ لن يُغيّر النّاس ما بإلههم حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم. لأنّ الإله قد خُلق على شاكلتهم، فإن غيّروا ما بأنفسهم، تغيّرت شاكلة إلههم.


والعقل ولي التّوفيق.

ديسمبر 2007

***

المقالة في إيلاف



سفر


سلمان مصالحة

سفر


سَائِرٌ فِي سَحَابْ.
لَوْنُ أُفْقِي نَدَى،
وَالحَكَايَا سَرَابْ.
ضَاعَ عُمْرِي سُدَى
بَاحِثًا عَنْ جَوَابْ .
*
لَوْ دَعَانِي صَدِيقْ
أَنْ أَعُودَ إلَى
يَقْظَتِي، أَسْتَفِيقْ.
مَا تَرَكْتُ الفَلا،
مَا تَرَكْتُ الطَّرِيقْ.
*
طَالَ لَيْلُ الظُّنُونْ،
وَالأَمَانِي سَنَا،
بَارِقٌ فِي العُيُون.
رَجْعُ لَـحْنٍ أَنَا
طَالِعٌ مِنْ جُنُونْ.

***
من مجموعة: "لغة أم"، منشورات زمان، القدس 2006

سفر

كاميليا جبران

   

النّظام العربي الجديد


سلمان مصالحة

النّظام العربي الجديد


هل يمكن الوصول إلى صيغة سياسيّة واجتماعيّة تنظّم الحياة العربيّة للخروج من المآزق المتواصلة التي تجد النظم والشعوب العربيّة نفسها فيه طوال عقود، إن لم نقل قرونًا طويلة؟ ثمّ، هل هنالك نيّة حقيقيّة بالوصول إلى صيغة من هذا النّوع؟ وهل العراق الجديد، بعد أن يخرج من قبضة الاحتلال، يمكن أن يشكّل نموذجًا يُقتدى به؟

من جهة واحدة، من الواضح أنّ التّراث السياسي العربي لا يمنحنا مثالاً نستطيع أن نضع إصبعنا عليه بحيث يكون قدوة يسير على هديها النّظام السياسي العربي. ولكن، من الجهة الأخرى فإنّ الذين يدعون إلى الأخذ بما أفرزته الحضارة الغربيّة طوال قرون يتجاهلون حقيقة وطبيعة بناء المجتمعات العربيّة وتاريخها السّياسي.

فلو أخذنا العراق مثالاً، نستطيع أن ندسّ رؤوسنا في الرّمال وأن نطلق الشّعارات على عواهنها في محاولة لإرضاء نفوسنا من خلال عدم التقرُّب إلى المرآة، رغبة منّا في عدم رؤية التّجاعيد التي تملأ وجهنا العربيّ الأبيّ. وهكذا، ومن خلال هربنا هذا، نركن إلى طمأنينة أوهامنا بجمالنا الخالد على مرّ الزّمن. نستطيع رفع شعارات مثل الشّعب العراقيّ الواحد دون النّظر بجدّيّة إلى التّركيبة السكّانيّة التي يتألّف منها هذا الشّعب الواحد، وما ينطبق على العراق، ينطبق على جلّ البلدان العربيّة.

الّذين يرون أنّ العراقيّ عراقيٌّ مثلما أنّ الفرنسيّ فرنسيٌّ، يتناسون طبيعة المجتمع العراقيّ التّعدّديّة إثنيًّا وطائفيًّا ودينيًّا. فالكرديّ العراقيّ مثلاً، هو كرديّ قبل أن يكون عراقيًّا، وهكذا الشيعيّ والسّنيّ والتركمانيّ والأشوريّ إلى آخره، بينما الفرنسيّ يرى نفسه فرنسيًّا قبل أن يكون أيّ شيء آخر. وإذا أخذ البعض بالعروبة فما بالهم بمن ليسوا عربًا في المشرق »العربيّ« ومغربه؟

إذن، والحال على هذه التّعقيدات، وهي كذلك بلا أدنى شكّ، ما هي أسلك الطّرق للوصول إلي صيغة مُرضية للحياة المشتركة وللبناء المشترك؟

الحدود التي ارتسمت في البلاد العربيّة هي حدود سياسيّة لم يرسمها العرب أنفسهم وكثير من الكيانات السّياسيّة العربيّة لا تستند إلى قاعدة وطنيّة ثابتة. غير أنّ العالم اليوم يتعامل مع كيانات سياسيّة ولا يتعامل مع طوائف وإثنيّات عابرة للحدود. من هنا، فإنّ العراق الجديد، إذا رغب أهله في أن يشكّلوا نموذجًا يُحتذى حذوه في هذه المنطقة من العالم يجب أن ينبني على الحدّ المدنيّ ليس إلاّ. إذ أنّ هذا الحدّ هو الوحيد الّذي يمكن أن يلتفّ حوله بنو البشر المختلفون إثنيًّا ودينيًّا.

فالعربيّ العراقيّ الّذي يدعو إلى وحدة التّراب العراقيّ يجب عليه أن يستوعب فكرة أن يكون كرديّ رئيسًا للعراق، وإلاّ ستبقى دعوته فارغة من أيّ مضمون. وهكذا فيما يخصّ السنّيّ والشّيعي إلى آخره. ولكن، لا يمكن لهذه التّصوّرات أن تبقى في عداد النّوايا الحسنة فحسب، بل يجب أن تتأسّس على دستور مدنيّ واضح يقبل به الجميع.

من هنا، فإنّ فصل الدّين عن الدّولة هو المبدأ المؤسّس لعراق يمكن أن يكون جديدًا وقدوة بكلّ معنى الكلمة. ولأنّنا نعرف أيضًا الطّبيعة القبليّة الدّينيّة في هذه المنطقة من العالم، لا يمكن أيضًا أن تبقى الأمور غامضة. فمن أجل أن تتضائل أو تختفي مخاوف المجموعات السكّانيّة المختلفة يجب أن ينصّ الدّستور الجديد على تداول الرّئاسة بين الشّيعة والسنّة والأكراد، بحيث لا يبقى أيّ رئيس لأكثر من فترتين رئاسيّتين. هكذا يعرف الكرديّ العراقيّ أنّه جزء من العراق الجديد يأتي دوره بالرئاسة منتخبًا من قبل كلّ العراقيّين، وكذا الشيعيّ والسنّيّ. قد لا يكون هذا التّصوّر مثاليًّا، ولكن متى كان الوضع العربيّ مثاليًّا؟ الأوان الآن هو أوان التأسيس لحياة مدنيّة من نوع آخر بها يطمئنّ العراق لوحدة أراضيه وكلّ فئات شعوبه وطوائفه، ويعيش غنيًّا بأرضه وثقافاته ليشكّل نموذجًا يقتدى به في هذا المشرق. يمكن أن يُعاد النّظر في دستور من هذا النّوع بعد مرور قرن من الزّمان، وبعد أن تتجذّر الهويّة المدنيّة الواحدة بعيدًا عن الفوارق الدّينيّة والقوميّة. ولمن يبحث عن طريقة حكم أخرى، فهنالك أيضًا ملكيّة محدودة دستوريّة على غرار الملكيّات الدّستوريّة الأوروپيّة وهي على كلّ حال، وكما يعلم الجميع، فيما يخصّ المواطنين في تلك البلدان ليست سيئة بالمرّة.
_____

نشرت في: الحياة اللّندنيّة، 12 مايو 2003


ترجمة الحياة الإنكليزيّة اضغط هنا


إقرأ أيضًا:
أفكار معروضة للسرقة - مانيفست لنظام عربي جديد
___________________

يأس، وي كان


سلمان مصالحة ||


يَأْس، وي كان 


شيء واحد لا يمكن تجاهله في انتخاب أوباما رئيسًا جديدًا للولايات المتّحدة الأميركيّة: على الرّغم من الثّغرات الكثيرة الّتي قد تنوجد في النّظام الدّيمقراطي إلاّ أنّ هذا النّظام لا يزال أفضل ما أوجده النّاس لتسيير أمور حياتهم المجتمعيّة. لقد مرّت قرون طويلة منذ أن وضع القدماء هذا المبدأ نبراسًا ينير درب المدينة الدّولة في العصر الإغريقي، وعلى مرّ القرون جرت على هذا النّظام تعديلات كثيرة. في الحقيقة، إنّ الدّيمقراطيّة الّتي نراها في هذه الأيّام، والّتي يتساوى فيها المواطنون في المواطنة دون اعتبار للجنس والعنصر، بكلّ ما يحمله هذان المصطلحان من معانٍ، هي جديدة. فحتّى أوباما ذاته وما يمثّله من خلفيّة إثنيّة، ما كان بوسعه قبل عقود ليست كثيرة أن يحلم بالوصول إلى هذا الموقع الّذي يملؤه الآن. 

ولكن، ورغم كلّ الثّغرات الّتي قد تنوجد في هذا النّظام، إلاّ أنّه يبقى الأفضل. فها هي الدّيمقراطيّة الّتي تتضمّن في جوهرها مبدأ المساءلة والحساب وآليّات التّغيير تضع على رأس السّلّم السّياسي في الدّولة الأعظم في العالم هذا الإنسان ذي الخلفيّة الاجتماعيّة والإثنيّة المعروفة من سيرته الذّاتيّة الّتي يعرفها الجميع ولا حاجة إلى تكرارها. لا أدري إن كان الرئيس المنتخب أوباما سينجح في قيادة هذه الدّولة العظمى أم لا، فهذه النّتائج ستظهر في الحلبة الدّوليّة عاجلاً، فكما هو معروف فإنّ الرئاسة الأميركيّة تدوم على الأكثر دورتين انتخابيّتين، أي ثماني سنوات فقط، وهي ليست بالطّويلة قياسًا إلى ما نعرفه نحن، بني يعرب، من توريث وتأبيد الرئاسات والسّلطنات والإمارات إلى آخر قائمة دول الطّوائف. 

هذا هو الفرق بين ما نراه في العالم الدّيمقراطي من حولنا وبين ما نراه من أحوالنا في أنظمة التّوريث والاستبداد الّتي تعيث في الأرض فسادًا وجهلاً. لقد شاهدنا نحن، مثلما شاهد العالم بأسره، كيف ألقى النّاخب الأميركي الّذي يعيش ويعمل في النّظام الدّيمقراطي بمرشّح الجمهوريّين من فصيلة بوش وأمثاله إلى سلّة المهملات. هناك، في سلّة المهملات السّياسيّة هذه، سيجري هؤلاء وأتباعهم وللأعوام الأربعة القادمة حساب نفس عسيرًا وطويلاً، وقد يزيلون الأوساخ والقاذورات الّتي علقت بهم من إدارة الرئيس بوش وبطانته السيّئة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًا. إنّهم يعرفون أنّ الطّريق الّتي تُفضي إلى عودتهم للسّلطة منوطة بتلك الحسابات الّتي يجرونها بينهم وبين أنفسهم، ولكن فوق كلّ ذلك منوطة بنجاح أو فشل الإدارة الأميركيّة الجديدة، ولذلك سيكونون لها بالمرصاد. إنّهم يعرفون قواعد اللّعبة، ويحترمونها إلى أبعد الحدود. 

لذلك، يستطيع الأميركيون أن يصرخوا بملء أفواههم: "Yes, we can" (نعم، نحن قادرون). يستطيع الأميركيّون أن يفرحوا بنظامهم الدّيمقراطي، وقد أثبتوا حقًّا على أنّهم قادرون على التّغيير. إنّ نظامهم الدّيمقراطي يسمح لهم بذلك ووسائل التّغيير مطروحة أمامهم على الطّريق، فما عليهم إلاّ أن يستغلّوا هذه الإمكانيّات من أجل إحداث التّغيير الّذي يطمحون إليه. كذلك، تستطيع سائر شعوب الأرض الّتي تعيش في أنظمة ديمقراطيّة أن تفرح مع الأميركيّين، لأنّ كلّ تلك الشّعوب تعرف أنّها هي الأخرى قادرة على التّغيير في بلادها، عبر صناديق الاقتراع. 
 
أمّا نحن، بني يعرب، فإنّنا ننظر إلى هذا العالم من حولنا مشدوهين بما يفعل بنو البشر فيه. قطار العالم يمرّ على مرأى منّا ولا نستطيع إليه سبيلاً. هذا القطار السّريع الّذي يشقّ العالم طولاً وعرضًا لا نعثر على محطّة واحدة له في منطقتنا العربيّة. لا يستطيع الفرد العربيّ أن يندسّ بين ركّاب هذا القطار العالميّ. لا يستطيع الفرد العربي أن يصعد للرّكوب في هذا القطار متوجّهًا فيه نحو المستقبل البشري. 

نعم، إنّنا ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ 
نعم، نرى الممالك المُطلَقَة بنسبٍ متفاوتة من الاستبداد، غير أنّ الاستبداد يظلّ هو السّمة الواضحة فيها. ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ نعم، نرى كلّ تلك الأنظمة الّتي تدّعي أنّها جمهوريّة وثوريّة وما إلى ذلك من شعارات بليدة مزمنة، بدءًا من "الجمهوريّة الثّوريّة الاشتراكيّة العظمى" وعقيدها الّذي عقّدها تعقيدًا منذ أربعة عقود. نعم، ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ نرى "جمهوريّة مصر العربيّة" (لاحظوا التّسمية، وكأنّ هنالك جمهوريّة مصريّة غير عربيّة يرغبون في الانمياز عنها)، ورئيسها الّذي يقترب من نهاية العقد الثّالث في الحكم. وكأنّ "أمّ الدّنيا" هذه لا تستطيع أن تجد من بين الثّمانين مليونًا رئيسًا يخلفه كلّ هذه العقود، فها هو يشقّ الطّريق للتّوريث من بعده. 
 
ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ 
ها هو الأسد الأب أورث الأسد الابن سدّة الحكم بعد عقود طويلة من الحكم. ومع أنّنا نتمنّى عمرًا مديدًا للأسد الابن، فهو لا زال في ريعان الشّباب، لكنّنا نقول مع ذلك، هل قُضيَ أمر الشّعب السّوري أن يعيش العقود القادمة مع هذا الرئيس الّذي يمثّل النّظام القبليّ العربيّ في أشدّ أوجهه سوءًا وفسادًا في الأرض؟ 
 
وفي فلسطين سبق فساد الزّعامات الفلسطينيّة حتّى قيام الدّولة وهذه حقيقة يعرفها ويشهد عليها كلّ فلسطيني. لا حاجة إلى الإطالة في هذا السّرد، فكذا هي الحال في مشارق العرب ومغاربها. 
 
إذن، وبعد كلّ هذا الّذي قيل، ماذا تبقى لنا نحن العربان أن نقول؟ على ما يبدو فإنّ الشّعار الوحيد الّذي نستطيع أن نرفعه إلى يوم يُبعثون هو: "يَأْس، وي كان"، أو "يَأْس، وين ما كان". 

نعم، نحن يائسون. أليس كذلك؟ 

***
 
***  
 
***

هل حوار الأديان ممكن؟


سلمان مصالحة

هل حوار الأديان ممكن؟

بسبب ما يشهده العالم
من صراعات تأخذ أبعادًا ذات خلفيّة دينيّة في كثير من الأحيان، هنالك من يطلق، ولنوايا طيّبة بالطّبع، دعوات إلى حوار الأديان. ومصطلح الأديان في هذه الدّعوات إنّما يعنون به اليهودية والمسيحية والإسلام، إذ أنّ سائر الدّيانات البشريّة لا تعنيهم أصلاً. يذهب هؤلاء الداعون إلى إجراء حوار من هذا النّوع إلى أنّ القيادات الدّينيّة لدى هذه الدّيانات السّماوية تستطيع أن تخفّف من وطأة هذه الصّراعات الّتي تمزّق النّسيج البشري على اختلاف مذاهب ومشارب هذا النّسيج.

ينقسم أصحاب هذه الدّعوة إلى قسمين، فمنهم رجال دين ومنهم من هم رجال سياسة أو شخصيّات اجتماعيّة أو ثقافيّة. وإذا نظرنا إلى رجال الدّين الّذين يطلقون دعوات الحوار هذه نلاحظ أنّهم ليسوا من رجال الصفّ الأوّل لدى أتباع العقيدة الّتي ينتمون إليها، وإنّما هم أناس متديّنون ذوو نوايا طيّبة بلا شكّ، غير أنّ تأثيرهم لدى أبناء ملّتهم هو تأثير ضئيل. أمّا القسم الآخر فهو يشمل أناسًا ذوي نوايا طيّبة أيضًا غير أنّ فهمهم للدّين هو فهم سطحيّ. بالإضافة إلى ذلك يُستشفّ من دعواتهم نوع من الشّعور بالنّقص أمام رجال الدّين، وهو الأمر الأخطر في توجّهاتهم هذه.

لا يمكن أن تأتي دعوات كهذه
بأيّ نتيجة، لأنّ الأديان لا تتحاور. مرحلة الحوار في الأديان هي مرحلة نشوء الأديان، لكن وبعد أن تستكمل الأديان وجودها وتؤسِّس عقائدها تتوقّف عن لغة الحوار، لأنّها تصل إلى مرحلة الإصرار على أنّها العقيدة الوحيدة الّتي تمتلك الحقيقة. ومتى ما وصلت إلى مرحلة الإصرار هذه، بما يتبعها من أصول تضع الكواتم على العقول، وتلغي فضيلة الشكّ لدى بني البشر، تتوقّف لغة الحوار لديها مُدّعية مؤمنة أنّها تملك الحقيقة المطلقة. غير أنّ الإيمان شيء والمنطق الّذي هو نتاج العقل البشري شيء آخر لا يأتلفان بقدر ما يختلفان.
***

الحقيقة المرّة
الّتي يتوجّب علينا رؤيتها والتّفكّر بها هي حقيقة يتّضح منها رؤية هي نقيضة للحوار الّذي يدعو له البعض من ذوي النّوايا الطّيّبة. ويكفي للتّدليل عمّا نقول بعرض ما تنضح به الفتوى الصّادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وهي الفتوى المرقّمة بـ 19402 في 25-1-1418هـ. واللجنة التي أصدرت هذه الفتوى مكونة من سماحة الرئيس العام ومفتي عام المملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رئيسًا - والشيخ عبد العزيز ابن عبد الله آل الشيخ -نائبًا -وعضوية كل من الشيخ د. بكر أبو زيد و الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان. هذه الفتوى تعرض على الملأ الأصول المُؤسِّسَة للعقيدة الإسلامية، ويمكن تلخيص هذه الأصول كما عرضتها الفتوى كما يلي:

"أولاً: لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع.

ثانيًا: أن كتاب الله تعالى، القرآن الكريم، هو آخر كتب الله نزولاً وعهدًا برب العالمين، وأنّه ناسخٌ لكلّ كتاب أنزل من قبل من التّوراة والزّبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم.

ثالثًا: يجب الإيمان بأن التّوراة والإنجيل قد نُسِخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، ولهذا فما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل.

رابعًا: أنّ النّبي محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلم يبق رسول يجب اتّباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيًّا لما وسعه إلا اتّباعه صلى الله عليه وسلم .... ونبي الله عيسى - عليه الصلاة والسلام - إذا نزل في آخر الزّمان يكون تابعًا لمحمد صلى الله عليه وسلم وحاكمًا بشريعته. كما أنّ من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامّة للنّاس أجمعين.

خامسًا: يجب اعتقاد كُفْر كُلّ من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنّصارى وغيرهم وتسميته كافرًا، وأنه عدو الله ورسوله والمؤمنين، وأنّه من أهل النار.
سادسًا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية؛ فإن الدعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه."

ولهذا السّبب تخلص الفتوى إلى أنّه:
"لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها."

ولهذا السّبب أيضًا فإنّه:
"لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد، لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كلّه، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة ولأهل الأرض التديّن بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال... كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس بيوت الله وأن أهلهـا يعبـــدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنّهـــا عبادة على غير ديـــن الإسلام، والله ــ تعالى ــ يقول: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. بل هي بيوت يُكفر فيها بالله. نعوذ بالله من الكفر وأهله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله تعالى ــ في مجموع الفتاوى (22-162): "ليست ــ أي: البيع والكنائس ــ بيوت الله، وإنّما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها؛ فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كُفّار، فهي بيوت عبادة الكفّار".
***

إذن، وبعد
كلّ هذا الكلام الواضح الّذي لم يصدر عن مؤسّسات إسلامية أخرى كالأزهر أو غيره ما ينقضه، هل هنالك من سبيل إلى الحديث عن حوار حقيقي بين الحضارات؟ لا شكّ أنّ القارئ النّبيه سيصل إلى الإجابة لوحده. من هنا، نقول إنّ أصحاب النّوايا الطّيّبة الّذين يدعون إلى حوار الشّعوب والحضارات مُلزمون بالبحث عن طرق أخرى للوصول إلى حوار حقيقي، لأنّ دعواتهم هذه تذروها رياح الأصول العقائديّة كما تكشفها الفتوى المعروضة آنفًا. ومن هنا نقول أيضًا إنّه لا سبيل إلى الحوار الحضاري إلاّ خارج المنظومات الدّينيّة، يهوديّة كانت أم مسيحيّة أم إسلاميّة. وبكلمات أخرى يجب العمل بصدق على المبدأ الأساس الّذي تتطوّر معه الشّعوب وتصل إلى جادة الحوار فيما بينها. إنّه مبدأ فصل الدّين عن الدّولة.
لا توجد طريق أخرى، وإن كانت لديكم طريق أخرى، هيّا أرشدونا!

***


نجوم فوق بغداد

سلمان مصالحة

نجوم فوق بغداد


لا تَحْـمِـــلِــي أَلـَـمًـا يَــا رِيـــحُ وَاتَّـئِـــدِي
لَـيْـلِـي رِيـَاحٌ وَعَصْـفٌ بَاتَ فِـي كـَبِــدِي

وَفِــي العـُــيُـــــونِ نُـجـُــومٌ نُــورُهَــا فــَـرَحٌ
وَلـَّى بَعِيدًا وَأَضْـحَى الحُـزْنُ قَابَ يَـدِي

يَــوْمٌ مَضَــى وَانْـقَـضَـى وَاللَّـيْــلُ مُنْـدَفِــعٌ
يَهْــوِي عَـلَـى بَلـَــدٍ فِـي العَـيْــنِ مُرْتَـعِـــدِ

أَرْسَـلْـتُ عَـيْـنَـيَّ جُنْـحَ اللَّـيْــلِ فِـي طَـلَـلٍ
وَطَّــنـْــــتُ فِـيــــهِ فُـــؤَادًا خَـافِــــقَ الــثَّــــأَدِ

رَدَّتْ إلـَــيَّ عـُـيُــــونُ اللَّــيْــــلِ نَظْــــرَتـَــهَا
تُــبْـــدِي زَمـَـانًـا يَـبَــابًـا وَالـهِــلالُ نَــدِي

مَــا لِــي إذَا قَـمَــــرٌ قَــدْ لاحَ فِــي أُفـُــقِي
كـَبَّــلْــتُــــهُ بِنِيـَـاطِ القَـلْــبِ فِـي السَّــهَـدِ

فِـي ضَـــوْئِـهِ أَثَـــرٌ مِــنْ مُـقْـــلـَةٍ نَـثَــــرَتْ
فِـي لَــيْـــلِ دِجْــلَـــــةَ آهَــاتٍ بِـلا سَــنَـدِ

مَـا لِــي رَأَيْــتُ إذَا مَـا اللَّـيْـــلُ بَــرَّحَ بِـي
نَهْـــرًا وَصَــارِيَـةً وَالرِّيــحَ فِـي جَـسَــدِي

لَـيْــتَ النُّجُـومَ الَّتِـي عَدَّدْتـُـهَا شَـــرَدَتْ
وَشـَــرَّدَتْنِـي عُـيُـــونِـي وَانْـتَـــهَى أَمَــدِي

مَاذَا جَنَـيْـتُ لِكَيْ أُصْـلَـى بِمَـا بَعَـثَـتْ
أَسْــــوَاقُ دِجْــلَــــةَ مِـنْ لـَحْــمٍ بِمُفْـتـَـأَدِ

لا تَحْمــِـلِـي أَلـَمًا يَـا رىِــــحُ وَاحْـتَمِــلِي
مـِنِّـي سَـــلامًا لِـذَاكَ النَّــهْـــــرِ وَالبَـلَــــدِ

وَجْـدِي تَنَامَــى إذَا فِـي الحُـلْمِ حَـرَّكَـنِي
ســـِرٌّ، وَأَرَّقـَــنِــي فِـي وَحْـشَـــةٍ وَسَـــدِي

لـَيْـلِـي نِسـَـاءٌ رَسَمْنَ الدَّرْبَ فِـي وَجَـــلٍ
هَـذِي تَـنُـــوحُ عَلَـى بَـيْــتٍ عَلَـى وَلـَــدِ

وَذِي تُـفَـتِّــشُ عَـنْ بَعْــلٍ قَضَـى عَـبـَـثًـا
مَـا مِـنْ عَرِيــبٍ يَـرُدُّ اللَّـيْــلَ، أَوْ مَــدَدِ

لا تَحْـمِــلِـي أَلـَمًـا يَـا رِيــحُ، وَاتَّـئِـــدِي
فِـي القَـلْـبِ نَارٌ، بِجَــاهِ القَلْـبِ لا تَقِدِي

جَـمْـــرًا بِبَغْــدَادَ، حَـيْــثُ العَيْـنُ نَـازِفــَـةٌ
أَلـَيْـسَ فِـي القُـدْسِ مَا يَكْفِــي مِنَ الرَّمَـدِ

***
من مجموعة: "لغة أم"، منشورات زمان، القدس 2006
__________________

أفكار معروضة للسّرقة


سـلمان مصـالحة

أفكار معروضة للسّرقة


مانيفست - خطوط عريضة لنظام عربي جديد:

كثيرًا ما تعلو في ذهن الفرد العربي في هذه البقعة من الأرض تساؤلات حول ما جرى، ما هو جارٍ، وما سيجري في أحوال الشّعوب العربيّة من سكّان هذه البقعة في المستقبل المنظور. إذ لا يخفى على أحد أنّ الأحوال العربيّة لم تعد تُطاق، وهي حقيقة يشعر بها الصّغير والكبير، الرّجل والمرأة، المَدَر منهم والوَبَر.

ما من شكّ في أنّ لكلّ أمّة من الأمم تاريخها وخصوصيّاتها الحضاريّة. ولأنّ العرب ليسوا فرنسيّين فمن المستبعد أن تحدث في ربوع العرب ثورة شبيهة بالثّورة الفرنسيّة. ولقد علّمنا التّاريخ العربي والإسلامي على مرّ العصور، منذ القدم وحتّى عصرنا الحاضر، أنّ كلّ ما يُطلق عليه مصطلح ثورة في التّاريخ العربي قديمه وحديثه، لم يكن سوى حالة من حالات التّمرُّد الّتي لم تُحدث تغييرًا جذريًّا في أيّ من الرّكائز والمفاهيم الّتي يقوم عليها المجتمع العربي، بل استبدلت هذه "الثّورات" المزعومة نظامًا مستبدًّا واحدًا بنظام مستبدّ آخر، ليس إلاّ. ولهذا السّبب لا نستغرب كيف نهج العرب على استخدام مصطلح "دولة" لهذه الكيانات الّتي تقوم إثر هذه التّمرّدات. هكذا كانت دولة بني أميّة ودولة بني العبّاس في ما سلف من قرون، وانتهاءً بالكيانات القائمة في هذه الأيّام. يقال في العربيّة: "الأيّام دُوَل" والدّهر ذو دُوَل، أي تتغيّر وتتبدّل الأحوال بتبدّل الأزمان. لقد استبدّ العرب، على مرّ تاريخهم، بالمصطلح دولة، وتناسوا ما يحويه هذا المصطلح من معنى تداول السّلطة سلميًّا. وهكذا أضحت الدّولة في المفاهيم السّياسيّة العربيّة لا تعني سوى تبدُّل المستبدّين القبليّين على صدور هذه التّشكيلة الغريبة العجيبة من البطون والأفخاذ الّتي تشكّل في مجملها الأقوام العربيّة.

ستراعي هذه الخطوط العريضة خصوصيّات هذه المجتمعات من جهة، وتضع من جهة أخرى كوابح دستوريّة من شأنها أن تُحرّر هذه المجتمعات من موروثاتها الّتي شكّلت في الماضي ولا زالت تشكّل في هذا العصر عائقًا أمام تطوّر هذه المجتمعات. والغاية من هذا الطّرح هي دفع هذه المجتمعات العربيّة إلى الانضمام إلى ركب التّطوّر البشري الّذي يغذّ الخطى قدمًا دون توقُّف. وذلك لكي تخرج المجتمعات العربيّة من القيعان الآسنة الّتي وجدت نفسها فيها طوال هذه القرون الأخيرة، أكانت هذه القيعان الآسنة اجتماعيّةً، سياسيّةً أم ثقافيّة.الكيانات السّياسيّة الّتي قامت في الوطن العربي الكبير، إثر اندثار الدولة العثمانية، وإثر جلاء الاستعمار فيما بعد، هي كيانات مختلفة التّراكيب ومتعدّدة المشارب من ناحية أنظمة الحكم القائمة فيها. فمنها الممالك والسّلطنات والإمارات، ومنها ما ينحو منحى الدّول الجمهوريّة، مع أنّ هذه الأخيرة بدأت تتضّح أنّها لا تختلف عن الممالك من ناحية توريث الأبناء في الحكم. بل وبدأ يتّضح أكثر فأكثر في العقود الأخيرة أنّ الممالك والسّلطنات والإمارات، على العموم، كانت أكثر رحمة بشعوبها من كلّ تلك الدّول "الثّوريّة" اسْمًا، والاستبدايّة حُكْمًا.

ولذلك، ولأن الطّبع العربي البَرِّي يغلب التّطبُّع البِرِّي، فمن الأحرى أن ننظر في دواخلنا لنقف على أسباب تخلّفنا عن سائر البشر. لن يفيدنا الاستمرار في دسّ رؤوسنا في الرّمال، مهما حاولنا أن نتهرّب من مواجهة حقائقنا كما هي. من هنا، ولقناعتنا بأنّ الحليب الحضاري الّذي رضعناه من تراثتنا الاجتماعي والثّقافي والسّياسي لا يزال فاعلاً فينا حتّى هذه اللّحظة، نجد لزامًا علينا أن نضع أمام ما تبقّى من أصحاب ضمير من أفراد هذه الأمّة، بعض المبادئ الدّستوريّة لعرضها على النّاس كي تحظى بإجماع وطني على الخطوط العريضة الّتي سنعرضها هنا، لتشكّل هذه ركيزة متينة لمجتمعات تطمح إلى المشاركة في ركب التّطوّر البشري كشريك فاعل في المجتمع البشري، لها ما له وعليها ما عليه.

يجب العمل على تحويل الممالك العربيّة إلى ممالك دستوريّة تعمل بموجب نظام عصريّ جديد. ويتلخّص هذا النّظام في أنّ الملك في هذه الكيانات يتمّ انتخابه من قبل مجالس للشّيوخ، وذلك لأجل محدود أقصاه خمسة عشر عامًا. وبانتهاء مدّة ملكيّته، ينعقد المجلس لانتخاب ملك جديد لا يكون من أبنائه. يمكن انتخاب أحد الأبناء ملكًا فقط بعد انتهاء مدّة ملكيّة واحدة، أي بعد خمسة عشر عامًا، تفصل بينه وبين والده. إلى جانب الملك تعمل حكومة منتخبة من قبل الشّعب، على غرار الممالك الأوروپيّة.أمّا في الدّول الّتي تعمل بنظام رئاسي جمهوري، يتمّ انتخاب الرئيس بانتخابات ديمقراطيّة متعدّدة المرشّحين، وذلك لدورتين انتخابيّتين فقط، أو ما يساوي عشرة أعوام لا غير. بانتهاء الأعوام العشرة، فيما لو تمّ انتخاب الرئيس مرّتين متتاليتين، يُحال الرّئيس إلى التّقاعد، ويتمّ انتخاب رئيس جديد مكانه. إلى جانب الرئيس تعمل حكومة يسمّيها الرئيس من بين أعضاء البرلمان المنتخب في انتخابات ديمقراطيّة متعدّدة الأحزاب.لا يُسمح لابن الرئيس أو شقيقه في النّظام الرئاسي، بأن يُرشّحا نفسيهما للرئاسة بانتهاء رئاسة الوالد أو الشّقيق، إلاّ بعد انتهاء دورتين انتخابيّتين. أي، بعد عشرة أعوام من غياب الوالد أو الشّقيق عن منصب الرّئاسة. الأبناء والأشقّاء هم مواطنون كغيرهم من المواطنين، ولذلك يحقّ لهم التّرشُّح، غير أنّ هذا الحقّ يجب أن تفصله مدّة زمنيّة عن رئاسة الوالد أو الشّقيق هي عشرة أعوام.

بالإضافة إلى ما ذكرنا آنفًا، يجب العمل على ترسيخ المبادئ العليا التّالية دستوريًّا:أوّلاً: فصل الدّين عن الدّولة فصلاً تامًّا.ثانيًا: الفصل التّام بين السّلطات: القضائيّة، التّشريعيّة والتّنفيذيّة.ثالثًا: حريّة المعتقد الدّيني والفكري والسّياسي للمواطن. وهذه الحريّة تعني أيضًا: الحريّة أو التّحرُّر من المعتقد الدّيني والفكري والسّياسي.رابعًا: المساواة التّامّة بين الرّجل والمرأة في كلّ مجالات الحياة، وبلا لفّ أو دوران.خامسًا: المواطنون، رجالاً ونساء بكافّة معتقداتهم الدّينيّة وغير الدّينيّة، متساوون أمام القانون، وحقوقهم هذه مكفولة دستوريًّا، لا يمكن نقضها بأيّ حال من الأحوال.سادسًا: الوطن، بكافّة موارده، هو ملك للمواطنين أجمعين.سابعًا: الملوك، الأمراء، الرّؤساء وسائر المسؤولين المنتدبين من قبل الشعب هم موظّفون في خدمة الشّعب، ويعاملون معاملة الموظّفين ليس إلاّ.ثامنًا: بانتهاء الخدمة الدّستوريّة للملك أو الرئيس، يُحال إلى التّقاعد مُعزْزًا مُكرّمًا. وبوسعه الاستمرار في خدمة الشّعب طوعيًّا من خلال مؤسّسات المجتمع المدني. 

وملاحظة أخيرة: 
هذه الأفكار معروضة هنا للسّرقة، وبوسع أهل الفكر العرب، والسّاسة العرب، ونوّاب البرلمانات العربيّة والوزراء والرؤساء والملوك والأمراء سرقتها وتعميمها على رعاياهم وعلى جامعتهم العربيّة ووسائل إعلامهم. لقد آن الأوان إلى سرقة هذه الأفكار والمبادئ والعمل بها، بدل العمل على سرقة أموال وموارد الشّعوب العربيّة كما عوّدونا طوال تاريخهم.إنّي على يقين بأنّ من يعارض هذه الأفكار والمبادئ يجب أن تُثار الشّكوك حوله وحول نواياه، لأنّ هذه المبادئ والأفكار هي الفيصل بين من يضمر الخير للنّاس وبين من يضمر لهم الشرّ. كما إنّي على يقين أيضًا بأنّه لا يمكن الخروج من المأزق العربي ما لم يُعمَل على ترسيخ هذه المبادئ لنظام عربيّ جديد.

ألا هل بلّغت!
***
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!