الخميس، 26 يناير 2012

أخي أيّها العربيّ... الغبي

أرى الأمس موعدنا لا الغدا

مقالة نُشرت في صحيفة ”الحياة“، بتاريخ 28 يوليو 2002:

هل هنالك بشر في هذه الأصقاع الشاسعة من المحيط إلى الخليج يضعون حدا لكل هذه الكوارث النازلة على الناس "بفضل" الزعامات والحكومات المتوارثة؟...



سلمان مصالحة ||

أخي أيّها العربيّ... الغبي



هل هنالك بشر في هذه الأصقاع الشاسعة من المحيط إلى الخليج يضعون حدا لكل هذه الكوارث النازلة على الناس "بفضل" الزعامات والحكومات المتوارثة؟ هل هناك زعيم عربي يعيد يوما ما حسابات زعامته وبطانته في النجاح والفشل في كل ما صنعته هذه الزعامة والبطانة لبني البشر؟ هل هناك زعيم أو مسؤول عربي يملك ذرة من شجاعة أخلاقية – ولا نقول شجاعات أخرى، لأن هذه هي شأن البلاغة العربية التليدة والبليدة- فيقف أمام الناس ويقول لهم على الملأ وبصراحة: لا أستطيع الاستمرار في هذا المنصب فانتخبوا شخصا آخر مكاني.

وهل هناك لحظة أسعد وأبرد من لحظة كهذه على النفس العربية المنهكة؟ فقط عندما نصل إلى لحظة كهذه نستطيع القول إننا ركبنا طريقا جديدة وسرنا إلى ما هو خير للعباد كل العباد. فقط في لحظة كهذه يستطيع الفرد العربي أن يشعر في قرارة ذاته باقتراب ساعة الفرج.

لكن يبدو أن لحظة كهذه لا تندرج في حسابات الزمن العربي، وأغلب الظن أنها لن تأتي في القريب العاجل. إذاً، لم يتبق للفرد العربي سوى اليأس من كل ما يجري ومن كل ما يشاهد من حوله. يجب أن لا يستهجن أحد من نتائج تقرير التنمية البشرية المنشور أخيرا، حين يقرأ أن نصف الشباب العرب يحلمون بترك الأوطان والهجرة إلى الدول الغربية، أو إلى أي مكان آخر بشرط أن يكون خارج العالم العربي.

ماذا أبقت إذا هذه الأنظمة الأبوية، من دون استثناء، للإنسان العربي؟ لا شيء. فلا يوجد تنقل حر بين البلاد العربية، ولا أدب حر، ولا كتب حرة، ولا علم حر، ولاسينما حرة ولا إذاعة حرة، ولا انتخابات حرة.لا شيء. فقط لا شيء. وما دامت الحال على هذا المنوال، وهي كذلك بلا أدنى شك، فإن الأنظمة العربية بأسرها أنظمة غريبة، وهي أنظمة أجنبية على رغم كونها من ذوي القربى، وما من سبيل وما من وسيلة متاحة أمام الفرد لاستبدالها بأخرى. وإذا كانت هذه عي الحقيقة، وهي كذلك، فإنّ البحث عن العيش في كنف نظام أجنبي، على رغم كونه من ذوي البعدى، يصبح وجيهًا جدًّا وله ما يبرّره. إذا كانت الأنظمة غريبة، فما على المرء إلا أن يختار بين نظام غريب يعيش فيه بحرية، وبين نظام غريب قريب لا يترك له فسحة من حرية باي شكل.

لو كانت هناك ذرة من أخلاق لدى الزعامات العربية، لما بقيت يوما واحدًا في مناصبها. غير أن الحديث عن الأخلاق لم يكن يوما موضوعا مدرجا على أجندة الحكومات العربية، ولا على طاولات النخب العربية المتعاونة مع زمر هذا الاستبداد الذي لا نهاية له. على العكس من ذلك، دأبت هذه النخب دوما على تمجيد الزعيم الذي يمنّ عليها بدوره بفتات مقتطع من أموال الشعب المنهوبة. هذه هي خيانة المثقفين الكبرى لشعوبهم.

في إحدى لحظات اليأس سأل نزار قباني مرة: متى يعلنون وفاة العرب؟ والجواب هو: في كل يوم يعلنون هذه الوفاة، في الصحف والفضائيات والإذاعات. لكن يبدو أن ما من أحد يرغب في أن يشترك في جنازاتهم. وهكذا بوسعنا أن ننشد الآن، ولكن مع بعض التعديل، البيت الذي شاع على لسان عبد الوهاب:

أخي أيها العربي الغبي - أرى الأمس موعدنا لا الغدا.
*

نشرت المقالة بتاريخ 28 يوليو 2002، في ملحق ”تيارات“، صحيفة ”الحياة“ الصادرة في لندن
***

مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • توفيق طوبي: احتفالنا باستقلال إسرائيل

    نقدم هنا خدمة للقارئ العربي ترجمة عربية لخطاب القائد الشيوعي الفلسطيني، توفيق طوبي، والنائب في الكنيست الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو خطاب كان قد ألقاه في باريس في شهر مايو 1949 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل....
    تتمة الكلام
  • هل البطون والأفخاذ عورة؟

    لا فرق، إذن، بين فقهاء الظّلام الّذين يُعوّرون المرأة كلّها، وبين فقهاء الفضائيّات المطبّلين المزمّرين للدكتاتوريات العربيّة على اختلاف مشاربها. فمثلما يرى هؤلاء الفقهاء المرأة كلّها عورة يجب سترها، فإنّ فقهاء الدكتاتوريات العربية يرون في الشّعوب العربيّة بعامّة كلّها عورة. تتمة الكلام...

    بين اللغة والسياسة

    ما من شك في أن القدرة علي التعبير لدى أطفال العالم أكبر بكثير، وأغني وأعمق من تعبير الأطفال العرب الذين حينما يتكلمون فهم مصابون بالارتباك والبلبلة، ولا يستطيعون تقريباً ايصال جملة سليمة للمشاهد أو للمستمع.
    تتمة الكلام
 
قراءات
  • سبحان الذي أسرى

    نتقدّم الآن خطوة أخرى للوقوف على ماهيّة هذا "المسجد الأقصى" الّذي ورد ذكره في سورة الإسراء، أو بالاسم الأقدم للسورة وهو سورة بني إسرائيل...

    تتمة الكلام...
  • بلد من كلام

    هل الكلام عن الوطن، مديحًا كانَ أو هجاءً، هو "مهنة مثل باقي المهن"، كما صرّح محمود درويش في "حالة حصار"؟ وماذا يعني مصطلح الوطن هذا الّذي تكثر الإشارة إليه في الكتابات الفلسطينيّة؟

    تتمة الكلام

مختارات
  • سفر المبدأ

    (1) بَدِيءَ بَدْءٍ بَرَأَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمٰواتِ وَٱلْأَرْضَ. (2) وَٱلْأَرْضُ كانَتْ خَرابًا خَواءً، وَظُلْمَةٌ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَهْواةِ؛ وَرُوحُ ٱللّٰهِ تُرَفْرِفُ عَلَى وَجْهِ ٱلْماءِ. (3) فَقالَ ٱللّٰهُ لِيَكُنْ نُورٌ، فَكانَ نُورٌ. (4) وَرَأَى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ حَسَنًا، فَمازَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَبَيْنَ ٱلظُّلْمَةِ. (5) فَسَمَّى ٱللّٰهُ ٱلنُّورَ نَهارًا، وَٱلظُّلْمَةَ سَمَّاها لَيْلًا؛ فَكانَ مَساءٌ وَكانَ صَباحٌ يَوْمًا أَحَدًا.

    تتمة الكلام
  • كشف أسرار الرهبان

    "اعلم أنّ بعض هذه الطائفة أعظم الأمم كذبًا ونفاقًا ودهاء، وذلك أنّهم يلعبون بعقول النصارى ويستبيحون النساء وينزلون عليهم الباروك، ولا يعلم أحد أحوالهم...
  • العباس بن الأحنف

    يا أيُّها الرّجُلُ المُعَذِّبُ نَفْـسَـهُ
    أقْصِرْ، فإنّ شفاءَكَ الإقْصارُ

    نَزَفَ البُكاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فاسْتَعِرْ
    عَيْنًا، يُعينُكَ دَمْعُها الـمِدْرارُ

عنوان خانة

لغات