أليس في هذه الحقائق ما يشهد على هذه الذهنيّة العفنة؟
سلمان مصالحة | أخي أيّها العربيّ الغبيّ
لا يوجد ما هو أكثر
إثارة للضحك من هذا المنتدى المسمّى ”جامعة الدول العربية“. فلو أنّنا فقط أمعنّا النّظر في هذا الاسم الثلاثي الذي اصطُلح على المنتدى لكان الأمر كافيًا للقهقهة والانفجار ضحكًا حتّى الاستلقاء على أقفيتنا. فالثّلث الأوّل من الاسم، ومع أنّه منحوت من الأصل الثلاثي ”جمع“ إلاّ أنّ استخدامه بصيغة اسم الفاعل الذي يستعمل أيضًا دالاًّ على المؤسّسات الأكاديمية فيه شيء من سخرية الأقدار، إذ أنّ هذا المنتدى العربي هو أبعد ما يكون عن العلم والمعرفة. ولقد كنت تطرّقت في الماضي إلى مهازل هذه المؤسسة وبيّنت جهل القائمين عليها وعلى موقعها السخيف.
أمّا الثّلث الثّاني من الاسم
وأعني به ”الدول“، فهو أيضًا أبعد ما يكون عن مدلوله المعاصر. ربّما كان الأصل العربي الذي اشتقّ منه هذا المصطلح هو الأقرب في حقيقته لجوهر هذه الكيانات التي التأمت في المنتدى. فالـ“دولة“ في العربيّة لها خلفيّة قبليّة، إذ أنّها تعني انقلاب السّلطان وتحوّله من قبيلة إلى أخرى. وأصله من دَوْلة الحرب عندما تنقلب فيها الغلبة من فريق إلى آخر. والـ“دولة“ بضم الدّال هو الفيء (أي ما يُنتهب في الحرب) يتداولونه فيما بينهم. من هنا، وعلى ما يبدو فإنّ هذا الأصل العربيّ التّليد هو الأقرب إلى جوهر هذه الكيانات التي ينتهب فيها السلاطين على شتّى تقليعاتهم مقدّرات البشر في هذه الأصقاع من الأرض.
أمّا الثّلث الأخير من الاسم
فيجب أن نعيده هو الآخر إلى أصله الصحراوي. ولهذا فيمكننا القول إنّ ”الأعراب“ أو ”العُربان“ هو ما يليق بهذه المؤسسة التي لا تأتلف بقدر ما تختلف على صنوف الفيء والمنهوبات التي يتلقّفها ذوو الوجاهة من أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ ومن يدور في أفلاكهم من شراذم بطون وأفخاذ العربان.
ولمّا كانت هذه هي الحال،
وهي كذلك بلا أدنى شكّ، إذ يعرف هذه الحقيقة كلّ من لا يزال يمتلك ذرّة من بصر وبصيرة في هذه البقعة من الأرض، فلا حاجة إذن إلى هذا النّوع من المؤسسات. إنّ بقاءها على الساحة هو نوع من الحبوب المنوّمة التي تُعطى في الإعلام العربي لتخدير النّاس. إنّها تُعطى كنوع من مُهدّئات الأوجاع في منطقة تعيش في حال مرضيّة، حال نهايويّة لا شفاء منها.
ولهذا يجب أن نقول كلامًا
صعبًا على الأسماع. إنّنا مطالبون بسلوك طريق ”الموت الرحيم“ لهذه المؤسسة الزّاجلة في العلن والدّاجلة فيما بطن، وإلى موت كلّ ما تمثّله في الذهنية العربية. كفى بنا أنّا شببنا وترعرعنا وها نحن مقدمون على الشيخوخة حتّى أضحت حالنا كحال ذنب الكلب الذي وضع في قالب أربعين سنة، وبعد أن فتح القالب بعد هذه العقود تبيّن أنّه لا يزال أعوج.
هذا الاعوجاج منّا وفينا، ولا يمكن أن نلقي المسؤولية على غيرنا. أسهل الطرق إلقاء المسؤولية على الغير، لأنّ ذلك يجعلنا في حال من الطمأنينة، كأن لا حول لنا ولا قوّة. بينما في الحقيقة ”دودنا من عودنا“، كما نقول في لهجتنا. فلنتفكّر، إذن، في مقولاتنا الشعبيّة ففيها من الحكمة الكثير الكثير.
ولهذا أيضًا، يجب أن نقول صراحة أنّ العروبة وهم أدمنّا عليه حتّى أضحى مرضًا عضالاً. فليس ثمّ ما يجمع بين هذه المجموعات البشرية، لا سياسيًّا ولا اجتماعيًّا ولا اقتصاديًّا. فإذا كان العربيّ غير قادر على التدخُّل في شؤون عربيّ آخر، فما الّذي يجمع هؤلاء إذن؟ يجب أن نقول صراحة أنّ كلّ المنتمين إلى التقليعات العربية، من إسلامويين وقوميين وليبراليين، لم يكونوا في يوم من الأيّام كذلك، بل كانوا دجّالين في الواقع.
أتريدون أمثلة على هذا الدجل؟
لا بأس. الإسلامويون الكذبة يقتلون المسلمين على لون البشرة. هذا ما فعله الإسلامويون في دارفور حينما نفّذ هؤلاء المجازر الرهيبة هناك. وهذا ما يفعله الإسلامويون الكذبة في كلّ مكان إذ يفجّرون المساجد والأسواق لمجرّد الانتماء إلى مذهب آخر. والقومويّون الكذبة، من أصحاب شعارات المقاومة والممانعة، أرسلوا جيوشهم برفقة بوش والجيوش الغربية لضرب واحتلال بلاد قومويّين كذبة آخرين على شاكلتهم. هذا ما فعله نظام البعث الفاشي في الشّام. والقومويّون الإسلامويّون الكذبة، من أمثال نصر الله وحزب الله ومن هم على شاكلتهم يدعمون الآن هذا النّظام البعثي الفاشي الذي ينفّذ المجازر يوميًّا في الشّام. والليبراليّون الكذبة أيضًا من صنف أولئك الذين يتظاهرون بدعم الانتفاضات العربية، من على شاشات فضائيّات النّفط المنتنة، لا ينبسون ببنت شفة إزاء حريّات البشر في ممالك وإمارات العربان الفاسدة والمفسدة في الأرض. وهناك الكثير الكثير من الأمثلة الماثلة للعيان في ربوع العربان.
وفوق كلّ ذلك، فإنّ كلّ هؤلاء الزّاجلين الدّاجلين صباح مساء يلقون المسؤولية على الغرب الـ“كافر“ والـ“متكابر“، وفي الآن ذاته يحلم كلّ هؤلاء الدجّالين بالهجرة بالذّات إلى ذلك الغرب والفوز بجنسيّات بلاد هؤلاء الـ“كفرة“.
أليس في هذه الحقائق ما يشهد على هذه الذهنيّة العفنة؟ أليس من حقّنا أن نتساءل بيننا وبين أنفسنا ما هو مصدر هذا الدّاء الّذي ألمّ بنا منذ ألف وخمسمائة عام؟الحقيقة التي يجب أن تُقال هي أنّنا إذا لم ننظر إلى أنفسنا في المرآة، فلن نصل إلى سواء السبيل.
ولعلّ خير الختام هذا الكلام:
أخي أيّها العربيّ الغَبيّ - أرَى الجَهْلَ يَحكُمنا سَيّدَا
وَما مِنْ سبيلٍ لنَيْل المُنَى - سِوَى العَقْلِ يُحْيِي بِنا سُؤْدَدَا
***
إقرأ أيضًا: "أخي أيها العربي... الغبي"، مقالة منشورة في الحياة اللندنية بتاريخ 28 يوليو 2002.
***
***
لعلك محق في موقفك من الانظمة العربية بكل اشكالها والوانها، ولكن في اعتقادي الثورات العربية وتحرك الشعوب واثبات نفسها عنصرا فاعلا ومؤثرا ومغيرا في الساحة، وضع هذه الانظمة في محلها الصحيح وكشف ضعفها وهوانها وانتهازيتها، وحولها الى مجرد عنصر في المعادلة، عنصر صعب صحيح، ولكن ليس وحيدا مستبدا قادرا على كل شيء. وعلى هذا نقف لعربنا اجلالا واكبارا ونقول هنيئا لهم ولنا وللتاريخ والمستقبل ان فتحوا آفاقا جديدة وموازين قوى جديدة ومعادلات حديثة وواقعية لمواجهة الواقع، الشعوب اخذت على عاتقها التغيير وبذلك تحملت مسؤولياتها وخرجت من عقدة الضحية والعجز واتهام الآخرين بكل مصائبنا. كان حريا ان تجعل لهم مكانا في مقالك، مكانا كبيرا، خاصة في الذكرى الاولى للثورة المصرية الباسة.
ردحذفتكون الاقليات العرقية والدينية في قمة الغباء عندما تتجرأ على مقدسات الاكثرية مستقوية بالغازي الصهيوني او الامريكي كبعض الدروز او المسيحيين او الشيعة من ذوي الاتجاهات الانعزالية والشعوبية ليعلم هؤلاء انهم يرتكبون غلطة عمرهم. فيوم الحساب قادم ولن ينفعهم استقواءهم بالصهاينة او الامريكان. ان عقلاء الطائفة الضرب على ايدي سفهائهم
ردحذف