صباح زوين | لكل جمعة اسمها وموتها
الجمعات تتوالى، وجمعة بعد جمعة يتواعد معارضو الأنظمة مع موت إضافي وقتل متجدد ومباح على اجسادهم العزلاء، على أرواحهم الشجاعة وعلى صدورهم العارية، عارية سوى من الجرأة العظيمة·
صحيح أننا رأينا ما رأيناه في الحروب اللبنانية من قتل وتعذيب وقنص وقصف وخطف وويلات لا تحصى، لكن ما شاهدناه الأحد الماضي، ولا نزال، على شاشاتنا، كان أكثر مما يحتمله العقل، كان هائلا ً وفظيعًا· أذكر ولو بغموض كبير أحداث مدينة العاصي ونواعير المياه والقناطر الرومانية الرائعة، أذكر تلك الأحداث التي حرقت الأخضر واليابس وأزهقت الأرواح قبل ثلاثة عقود، اذكر فتات ما نقلته الينا اخبار شفهية عن شهود عيان من هناك، وخشيت أن يكون ما يحدث اليوم في هذه المدينة التاريخية يبشر بما سبق وحدث فيها آنذاك· الى متى هذا الصمت الخبيث من قبل العالم الغربي والعربي؟! الى متى سيتفرجون ويغسلون ضمائرهم النائمة ببضع كلمات ليست اكثر من ”واجب“ اعلامي يشبه التنديد وليس بتنديد؟! الى متى سيبقى المحتجون معزولين عن اي دعم حقيقي؟
كل جمعة تأتي بسبتها الجنائزي وأحدها الململِم جراحه وإثنينها التحضيري وثلاثائها التظاهري الليلي وأربعائها الرابط بين بقية ايام الأسبوع الخ الخ، فيسمّون جمعتهم التالية بما يرونه مناسباً للحدث والظرف وهكذا دواليك· ما لفتني، هذا التفنن في التسميات، من جمعة الى أخرى، فما من تكرار وما من جمود· تسميات تتبارى في التشكيل والتنويع، في الطرافة والتخييل، وذلك مهما صعبت الظروف ومهما كبرت المطبات وضخمت أحجام المجازر والمخاطر· من جمعة الى جمعة، تتنوع التسميات إذاً وترافقها الشعارات والأغنيات· صحيح ان الشعارات هناك اقل تدبيراً وطرافة وحنكة من التي اطلقناها سنة 2005، لكن ما يطلقونه المعارضون العرب من اليمن الى مصر وصولاً الى سوريا بشكل خاص من تسميات لجمعاتهم، يستحق التوقف عنده والتأمل فيه· انها تسميات مليئة بالحيوية وحب الإبتكار·
ولكن عودة الى الثمن الذي يدفعه كل محب للحرية المطلقة، الحرية المشروعة، الثمن هو أن يدكّ الرصاص أجساداً عارية وبريئة من أي ذنب سوى ذنب المطلب الإنساني البديهي في العيش الكريم· الثمن هو أن يُقتل مجدداً أطفال لم يروا شيئاً من هذه الدنيا سوى الطغيان والتعذيب الروحي والجسدي· وإذا مات الجمعة الماضية طفل جديد آخر من عمر حمزة الخطيب، فقبل ايام قليلة التحقت بهما طفلة مثلهما، طفلة لم تبلغ السابعة بعد، ربما لكي تلعب معهم في جنة الطفولة المفقودة، في جنة حدائق الآخرة حيث ترتاح أرواحهم من مآسي بلدانهم المزمنة·
وساحة العاصي افتقدت حنجرة الشاب قاشوش، افتقدت صوته وتهكمه وعطشه الى الحرية، الى القول الذي لم يقله لا هو ولا الشعب اجمع قبل ذلك اليوم، يوم التظاهر والإحتجاج، وكان قبل ذلك قد انعقد اللسان طويلاً، خوفاً من العبث، وأتى هو ليفك اللسان عنه وعن كل من كان حوله، بحيوية وتفاؤل، الا انه ذهب، وقد اقتلعت منه هذه الحنجرة الذهبية لتلتحق بقافلة الشهداء، ولعله يرى هو والأطفال الشهداء وكل من سبقهم من الشباب، لعلهم يروا كلهم من فوق، يوماً ما، مصيراً أفضل لبلدانهم، وقد دفعوا ثمنه غاليًا.
*
نقلاً عن: اللواء، 6 أغسطس 2011
__________________
0 تعليقات:
إرسال تعليق