الأربعاء، 18 يوليو 2012

نريد مؤتمر قمّة عاجلاً


ولمّا كان رمضان على الأبواب في هذا الصيف الحارّ، ولمّا كُنّا نتصبّب عرقًا غير مكحول خشية السّكر، فإنّنا نهيب بأصحاب القامة من القادة النشاما أن يلتئم جمعهم في حلقة جديدة من المؤتمرات لكي يخفّفوا عنّا ويزيلوا ما ارتسم على أوجهنا من جهامة...


سلمان مصالحة || نريد مؤتمر قمّة عاجلاً

أريد أن أكشف
عليكم سرًّا. الحقيقة أنّي اشتقت للاستماع ولمشاهدة مؤتمرات القمّة العربيّة التي تنظّمها جامعة الدول المسمّاة عربيّة أيضًا. آمل، ربّما مثل كثيرين غيري، أن لا تطول هذه الغيبة. إذ نحن جميعًا قد برّح بنا الانتظار للعودة السالمة الغانمة إلى أجواء الوحدة العربية التي تمثّلت في تلك المؤتمرات المتنقّلة بين عواصم وحواضر العرب. هل هو الحنين إلى الماضي هذا الذي يخيّم عليّ، علينا، الآن وفي هذا الأوان؟

كم كانت حياتنا العربيّة جميلة في تلك الأيّام السّالفة. نعم، كم كنّا ننتظر المداولات التي تسبق التئام تلك المؤتمرات. يبدأ التحضير لهذه القمم، فيطير ما يسمّى الأمين العام بين هذه العاصمة أو تلك، يجتمع بوزير خارجيّة هنا وهناك، ثمّ يصدر بيانًا هنا وبيانًا هناك، وسرعان ما تتلقّفها الصحافة العربيّة وسائر وسائل الإعلام المرئيّة. حقًّا، كانت أيّامنا جميلة، وقد أضحت أكثر جمالاً بسبب التطوّر التكنولوجي، وعصر الفضائيّات التي أوصلت كلّ هذا الزّخم الكلامي البلاغي العربي، بالصوت والصورة والكلمة إلى بيوت كافّة العرب من المحيط إلى الخليج.

ولمّا كانت عامّة العرب
تمرّ هذه الأيّام في أوقات عصيبة (وعلى فكرة: أيّام العرب دائمًا كانت عصيبة عجيبة)، فإنّنا نُطالب الجامعة العربيّة، وأصحاب الجلالة والفخامة والسموّ بأن يجنحوا سريعًا إلى عقد تلك المؤتمرات من جديد. فنحن، والحقّ يقال، بحاجة ماسّة إلى مثل هذه المؤتمرات، فقد كانت نوعًا من البلسم المصبوب على قلوب السامعين والمشاهدين، لكثرة ما كانت تتفتّق عن مداولات ومناوشات تشرح الصّدر لما تحتويه من فكاهة نحتاجها للتّرويح عن أنفسنا.

لا أدري إن كنت أعبّر عن رأي كثيرين، غير أنّي أصرّح هنا علنًا بأنّي أرغب جدًّا في أن ينعقد مؤتمر قمّة عربيّ جديد، وعلى جناح السرعة. فالنّفس توّاقة إلى تلك الفسحة الكوميديّة، وعلى وجه الخصوص في هذه الأيّام الصيفية الحارّة.

صحيح أنّ بعض الّذين
كانوا يدخلون روح الفكاهة للمؤتمرات قد غابوا عن الأنظار، غير أنّ أمّتنا لا ينقصها رجال مثل هؤلاء من صنف الذين يقفون بالدور لتسلّم هذه المسؤولية. ولا شكّ أنّهم سيقومون بها على أحسن وجه. صحيح أيضًا أنّ التاريخ على العموم لا يعيد نفسه، غير أنّ تاريخنا العربيّ يختلف عن سائر التواريخ، فهو يدور في حلقة مفرغة يُكرّر ذات الأساليب وذات المناحرات منذ أن ظهرنا على مسرح الأمم. إذن، فهيّا بأصحاب الجلالة والفخامة والسموّ إلى المؤتمرات. وهيّا بنا نتسمّر أمام الشاشات لنشاهد حلقة جديدة من هذا المسلسل الهزليّ.

ولمّا كان رمضان على
الأبواب في هذا الصيف الحارّ، ولمّا كُنّا نتصبّب عرقًا غير مكحول خشية السّكر، فإنّنا نهيب بأصحاب القامة من القادة النشاما أن يلتئم جمعهم في حلقة جديدة من المؤتمرات لكي يخفّفوا عنّا ويزيلوا ما ارتسم على أوجهنا من جهامة.

كما نهيب بهم هذه المرّة ألاّ يقطعوا عنّا البثّ المباشر، فيما لو خطر على بال أحد القادة خاطر، أو أراد أحد ما من أصحاب الجلالة أن يتهجّى خطابًا مكتوبًا بلغة عربية لم يسعفه علمه بفكّ حروفها أمام الكاميرات وفوق المنابر. فيا أيّها القادة، أصحاب الكرسي والتخت والوسادة! لا تخيّبوا آمالنا في هذا الموسم ولا تُطيلوا الغيبة عن مؤتمرات القمّة، فالأمّة كلّها في حال من الغمّة.

فيا إلهي،
الحاكم الفرد الصمد الأحد الجبّار، كم نحن بالانتظار لعودتكم المظفّرة إلى تلك المشاهد المصوّرة! إنّنا ننتظر على أحرّ من الجمر وعلى أمزّ من الخمر عودتكم الموقّرة للائتمار والتآمر، كما إنّنا ننشد الوصول إلى فرج بعد شدّة، وعودة ظافرة بوجبة موقّرة من الفكاهة للترويح عن النّفس بعد غياب مدّة.

أليس كذلك؟
***
نشر في: ”إيلاف“، 18 أغسطس 2012

مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع