سلمان مصالحة ||
في أعقاب عنترة بن شدّاد
تَذَكَّرْتُ رَبْعِي، إذْ هَجَرْتُ مَلاعِبِي
إلَى بَلْقَعٍ فِي الأَرْضِ بَيْنَ الأَجَانِبِ.
أَرَى الطَّيْرَ فِيهَا، إذْ يَعُودُ لِوَكْرِهِ.
وَلا وَكْرَ يَأْوِي غُرْبَتِي وَنَوَائِبِي.
لَئِنْ صَادَفَتْ عَيْنِي غَزَالاً بِحَانَةٍ،
تَرَقْرَقَ فِيهَا الدَّمْعُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
لِذِكْرِي ظِبَاءَ الحَيِّ، يَمْرَحْنَ فِي اللِّوَى.
هُنَاكَ، وَرَاءَ اللَّيْلِ حَيْثُ مَضَارِبِي.
سَأَذْكُرُ هذَا اللَّيْلَ عَبْلَةَ، طَالَمَا
شَرِبْتُ لِوَحْدِي، شَارِدًا بِمَغَارِبِي.
يَقُولُونَ: أَقْدِمْ، يَا غَرِيبُ، لِغَزْوَةٍ.
وَلَسْتُ بِغَازٍ، كَيْ أُعِدَّ مَرَاكِبِي.
وَلَكِنَّنِي صَبٌّ، غَزَا الوَجْدُ قَلْبَهُ،
وَأَلْقَى عَلَيَّ الحُلْمُ حَبْلِي لِغَارِبِي.
فَلَيْسَ لِسَهْمِي جُعْبَةٌ يَسْتَوِي بِهَا،
وَلَيْسَ لِخَيْلِى سَاحَةٌ لِمُلاعِبِ.
رَحَلْتُ إلَى أَرْضٍ تَفَرَّقَ جَمْعُهَا،
وَأَثْقَلَ طَيْفٌ أَضْلُعِي وَمَنَاكِبِي.
وَكُنْتُ بِأَرْضٍ، لا تَضِيقُ بِسَائِلٍ.
فَصِرْتُ بِأَرْضٍ، تَحْتَفِي بِمَصَائِبِي.
فَيَا صَاحِبَ الحَانَاتِ، سَلِّمْ عَلَى الَّتِي
رَمَتْنِي إلَى عَبْلٍ، فَإنْ يَتَرَاءَ بِي
حَنِينٌ إلَى دَارٍ تَوَقَّدُ نَارُهَا،
فَذلِكَ، مِمَّا أَشْعَلَتْ بِذَوَائِبِ.
فَكَيْفَ أَبُوحُ الآنَ، حِينَ يَزُورُنِي
خَيَالُ الَّتِي فِي الهَمِّ يَجْبُرُ جَانِبي؟
إذَا ضِقْتُ ذَرْعًا مِنْ عَقَارِبِ رِحْلَةٍ،
أَجِدْ، عِنْدَ مَنْ أَهْوَى، رُقًى لِعَقَارِبِي.
فَكُلُّ نِسَاءِ الأَرْضِ عَبْلَةُ فِي الهَوَى،
وَكُلُّ المَطَايَا قَدْ حَمَلْنَ حَقَائِبِي
مُكَلَّلَةً بِالوَصْبِ بَعْدَ فِرَاقِهَا،
مُخَلَّلَةً بِالحُبِّ بَعْدَ تَنَاوُبِ.
فَلَيْسَ لِرَاعِي الكَأْسِ عِلْمٌ بِمَنْ أَنَا
وَلَيْسَ غَزَالُ الحَانِ غَيْرَ مُحَاسِبِي.
كَذَاكَ رَأَيْتُ اللَّيْلَ حِينَ تَدَافَعَتْ
بِعَيْنَيَّ خَيْلٌ أُشْبِهَتْ بِسَحَائِبِ.
*
0 تعليقات:
إرسال تعليق