ترجمة خاصة من صحيفة هآرتس الإسرائيلية:
سلمان مصالحة||
حكم علماني في الأماكن المقدسة
يبدو أنه كلما مر الوقت وتزايد التوتر القبلي القومي، فإن الأمر يبدأ ليس فقط بإخراج اليهود والفلسطينيين عن صوابهم، وإنما أيضًا عن دينهم. القومية والقبلية بإضافة المعتقدات الدينية هي مزيج سام، يوفر إحساسا قبليا وقوميا ودينيا زائفا، ولكنه يجعل الإنسان أيضًا طالبا للانتقام ومتعطّشا للدماء.
في حفل ذكرى الحاخام عوفاديا يوسف بعد مرور عامين على وفاته دعا الحاخام الرئيسي في إسرائيل، يتسحاق يوسف، إلى إيقاف حجيج اليهود إلى جبل الهيكل. "كتب الكثيرون من جميع عظماء الأجيال، أنّه يحظر الحج إلى جبل الهيكل"، كما قال وهاجم من يحجون إلى جبل الهيكل قائلا: "هناك من يظن بأنّ القومية تفوق على الشريعة". أي إنّ قومية اليهود الذين يحجون إلى جبل الهيكل تخرجهم عن دينهم.
ولكن ليس اليهود فقط هم من تخرجهم القومية عن دينهم. فهذا نقل عن صحيفة "الحياة" بتاريخ 8 تشرين الأول: "لا آثار يهودية في فلسطين، ولا جبل هيكل أو هيكل سواء كان الأول أو الثاني أو العاشر. لا أنبياء ولا ممالك ولا ملوك يهود في فلسطين أو غيرها".
كتب هذا الهراء جهاد الخازن، وهو صحفي فلسطيني كبير يخدم كقلم مأجور للحكام العرب أيا كانوا، والعائلة المالكة السعودية على وجه الخصوص. في أكثر من مرة يكرر هذا الهراء في الأعمدة التي ينشرها في الصحيفة.
ويبدو هذا الكلام غريبا ولا أساس له من الصحة خصوصا لأنه مكتوب من قبل صحفي مسيحي الأصل، ومن ثم فهم يقطع الغصن الذي يجلس عليه. حيث إنّه ينفي بكلامه هذا وجود يسوع، الذي كان يهوديّا. جاء في البشرى بحسب إنجيل متى: "ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي من ناصرة الجليل. ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون... وقال لهم: مكتوب: بيتي بيت الصلاة يدعى".
وأيضا الإسلاميون فإنّ القومية القبلية تخرجهم عن دينهم. حيث إنّ التعاليم الإسلامية لم تنف أبدا قداسة جبل الهيكل، وفي مركزه الصخرة، في نظر اليهود واليهودية. في حديث منسوب إلى النبي محمد (الحديث) ومنقول في مصادر السنة والشيعة على حد سواء، يتمنى النبي أن يأمره الله بتغيير اتجاه الصلاة، "القبلة"، من القدس إلى مكة، وعلى نحو أدق: من صخرة بيت المقدس إلى الحجر الأسود والكعبة. كل ذلك لأنّ صخرة القدس هي "قبلة اليهود"، بحسب كلام مقاتل المنقولة في تفسيره للقرآن من منتصف القرن الثامن.
هذا التصور بالنسبة للصخرة كان هو التصور السائد بين المسلمين على مرّ الأجيال. فعلى سبيل المثال، هذا ابن الجوزية، وهو فقيه مسلم من القرن الثالث عشر، يقرّر: "وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت "قبلة" لليهود، ويضيف موضحا موقفه: "وهي في المكان كيوم السبت في الزمان". حتى سيد قطب، الأب الروحي لحركة الإخوان المسلمين، يستمر، في العصر الحديث، بالتمسّك بهذا الرأي: "بيت المقدس - قبلة اليهود ومُصَلاّهم"، هذا ما يذكره قطب في كتابات من الخمسينيات.
والنتيجة الواضحة هي: إن الدين، كل دين، والديانات السماوية على وجه الخُصوص، أخطر من أن تُترك في أيدي المريدين الجهلة والسفهاء. إن حكم الدين في مجتمع متعدد الأديان قد يهدم كل شيء جيّد.
ولذلك يجب إسناد السيطرة على الأماكن المقدسة بأيدي العلمانيين الموضوعيين. هم فقط قادرون على الحفاظ على القداسة المنسوبة لتلك الأماكن، والحفاظ على قداسة الإنسان وتوفير الكثير من الدماء بذلك.
نشر هذا المقال لأول مرة على صحيفة هآرتس
*
الترجمة نقلاً عن: المصدر، 27 أكتوبر 2015
***
For Hebrew, press here
For English, press here
0 تعليقات:
إرسال تعليق