الجمعة، 7 أبريل 2017

معنى أن تكون عربيًّا الآن


ولمّا كان هذا النّظام مهووسًا بما اقترف سابقه من جرائم بحقّ البشر في سورية ويخشى عاقبة ذلك، فقد كان يعلم أن لا طريق أمامه سوى أن يكون ”شرَّ خَلفٍ لشَرِّ سَلفٍ“.


سلمان مصالحة ||

معنى أن تكون عربيًّا الآن


هل بقي هنالك شيء يجمع هذه الأمّة المسمّاة «عربية» غير التأوّهات؟ وهل التأوّه فعلٌ أم هو لفظُ أنفاسٍ أخيرة لجسدٍ هامدٍ لا يقوى على فعل أيّ شيء؟ هذه التساؤلات تعلو في الذهن مع انتشار صور البشاعة الجديدة القادمة من خان شيخون في سورية، حيث غاز النظام يخنق الأطفال.

لقد شاهد القاصي والداني كيف كانت بداية الانتفاضة السورية، حيث هبّ البشر بمئات الآلاف وانتظموا في الشوارع والساحات بمسيرات سلميّة بحثًا عن الحرّية التي صادرها نظام البعث المافيوزي. غير أنّ طبيعة النّظام ذي الإرث الدّموي ما كانت لتقبل فتح كوّة، ولو صغيرة، يستطيع منها الشعب أن يتنفّس شيئًا من الحريّة.

منذ البدء، وعلى خلفيّة ما جرى من انتفاضات في أقطار عربية أخرى، صرّح رأس النّظام المافيوزي السوري أنّ ”سورية ليست تونس وسورية ليست مصر“. لقد كان محقًّا في توصيفه هذا لأنّ سورية ليست هذه وتلك، بمعنى أنّه يعلم علم اليقين أنّ جوهر النظام السوري هو جوهر طائفي قبليّ منذ الانقلاب الأسدي الأوّل. ولأنّه كذلك، فإنّ أيّ بصيص لحريّة يعني نهاية حقبة طائفية وقبلية، ويعني نهاية النظام بحاله الراهنة.

ولمّا كان هذا النّظام مهووسًا بما اقترف سابقه من جرائم بحقّ البشر في سورية ويخشى عاقبة ذلك، فقد كان يعلم أن لا طريق أمامه سوى أن يكون ”شرَّ خَلفٍ لشَرِّ سَلفٍ“. وها نحن الآن بعد سنوات ستّ نرى أنّه موغل في هذه الجرائم حتّى النهاية.

إنّ هذه النكبة السورية النازفة منذ سنين قد كشفت على الملأ كلّ الزيف الوطني والقومي الذي تشبّعنا بشعاراته. فباستثناء الشعارات التليدة والبليدة عن العروبة لا يحرّك العربي ساكنًا. قد يكون ذلك بسبب انكبابه على التعامل مع نكباته الخاصّة، وما أكثر النكبات في أقطار العرب. غير أنّ الحقيقة المرّة هي أنّ العربيّ في نهاية المطاف لم يخرج بعد من طوره القبليّ والطائفي نحو الطور الوطني. ولهذا ترى العربيّ في هذا القطر أو ذاك يستنجد بالأجانب حينما تنزل به نازلة. فهو في قرارة ذاته لا يثق بالعربيّ من طينته. إنّه يعرف حقيقة هذه الطينة، فهو منها.

هكذا انكشفت على الملأ هذه الأكذوبة المسمّاة عروبة. إنّ كلّ من لا يزال يجد في نفسه انتماء إلى هذه الأمّة، والحديث موجّه إلى الجميع دون استثناء، مُلزم الآن وقبل فوات الأوان بأن ينظر في المرآة وبأن يجري حسابًا مع النفس. إنّه ملزم بأن يسأل نفسه: من أنا ومن نحن، أين أنا وأين نحن، من كلّ ذلك؟

وهذا السؤال يجب أن يبدأ من البيت، من الأهل، من الجار، من الحارة، من العائلة، من القبيلة، من الطائفة، من البلدة، من البلد. والسؤال يتعلّق بالثقافة، بالسياسة، بالاجتماع. والسؤال يتعلّق بالفنون ويتعلّق بالشجون.

هل حقًّا، نحن العرب، نؤمن بالديمقراطية؟ وهل نحن مستعدّون أن نقبل بما تمليه هذه الديمقراطية من مدارك ومعاملات؟ وكيف تستقيم هذه الديمقراطية مع طبيعتنا التي لا تقبل التطبّع بكلّ هذه المدارك والقيم الكونية التي تتخطّى حدود الغاب.

فما معنى أن تكون عربيًّا في هذا الأوان؟

إنّ كلّ بقعة صغيرة، أكانت قرية، أو بلدة، أو مدينة في ربوعنا العربية هي ميكروكوسموس، أو عالم صغير، تنعكس فيه كلّ أمراضنا. فلينظر كلّ فرد منّا حوله، في أماكن تواجده، هل بوسعه بناء مجتمع صغير في بقعته الصغيرة يسير على هدي هذه المبادئ؟ وإذا كان لا يستطيع أن ينشئ مجتمعًا سليمًا في بقعة صغيرة، فكيف السبيل إلى إصلاح شعب أو أمّة؟ وإذا كانت هذه هي الحال، وهي كذلك بلا أدنى شكّ، ألسنا ملزمين عن البحث عن خريطة طريق أخرى للعيش على هذه الأرض؟

إنّه السؤال الأكبر الذي يتوجّب على كلّ فرد منّا أن يجيب عليه. والمسألة ليست لعبة، بل هي الخطوة الأولى على طريق البحث عن شفاء من مرضنا العضال. وما لم يحاول كلّ فرد منّا الإجابة على هذه الأسئلة بصدق في قرارته، فلن تقوم لنا قائمة.
*

الحياة، 7 أبريل 2017

مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع