الاثنين، 22 يناير 2018

المجلس المركزي الفلسطيني تمخّض فولد فأرًا

ها هو المجلس المركزي قد أدان وسجّل إدانته، بينما لسان حال الفلسطيني القابع تحت الاحتلال يتلعثم في فكّ المعاني الخفيّة الكامنة في هذه الإدانات...

 

سلمان مصالحة ||

المجلس المركزي الفلسطيني تمخّض فولد فأرًا


رغم الجلسات والمداولات و«طقّ الحنك» السياسي في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الذي انعقد مؤخّرًا في رام الله، لم يطفُ على سطح الإعلام من هذا المنتدى غير تلك المقولة العاميّة التي نبس بها محمود عبّاس موجّهًا الدّعاء إلى الرئيس الأميركي: «يخرب بيتك»، وسط قهقهة المندوبين في القاعة، وقهقهة هازئة في الشارع الفلسطيني من خطاب يستغرق أكثر من ساعتين تذهبان سدى.

فلو عدنا إلى مجمل القرارات التي انبثقت عن مداولات المجلس التي أعقبت الخطاب، فماذا نجد؟

إنّ القرارات الأخيرة التي اتّخذها المجلس المركزي هي نسخة طبق الأصل من كلّ القرارات المتّخذة في المؤتمرات السياسية العربية أكانت هذه مؤتمرات قمّة أم مؤتمرات من نوع آخر. إنّها أشبه بعلكة نافدة يتكرّر مضغها رغم أنّها قد فقدت كلّ مذاقاتها المسجّلة في ماركاتها.

وكالعادة لم يخيّب المجلس المركزي الرأي العام الفلسطيني بخاصّة والعربي بعامّة. فها هو يغرف من بئر اللغة العربية المعلوكة مفردة «الإدانة» لنظمها في بيانه النهائي، إذ يعلن: ”إدانة ورفض قرار ترامب نقل السفارة الأميركية للقدس واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل“. ليس هذا فحسب، بل وبما أنّ المفردة قد انتشلت من بئر البلاغة فها هو يوظّفها في مكان آخر مُعلنًا على رؤوس الأشهاد: ”إدانة تسريب ممتلكات الطائفة الأرثوذكسية للمؤسسات والشركات الإسرائيلية، ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك.“

طيّب، ها هو المجلس المركزي قد أدان وسجّل إدانته، بينما لسان حال الفلسطيني القابع تحت الاحتلال يتلعثم في فكّ المعاني الخفيّة الكامنة في هذه الإدانات، وكيف ستؤثّر بلاغة البلاغ هذه على أوضاعه من ناحية عمليّة.

وهنالك قرارات تبدو في الظاهر أنّها عملية وقابلة للتنفيذ الفوري. على سبيل المثال لا الحصر القرار الذي يقضي بـ«تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين». فما معنى هذا الكلام في السياسة؟ هل الاعتراف لعبة، وماذا يعني تكليف لجنة بتعليق الاعتراف؟ إنّ هذا الكلام يعني شيئًا واحدًا وهو إطلاق كلام شعبوي لامتصاص غضب شعبي، والإحالة إلى اللجنة التنفيذية لتعليق الاعتراف تعني دفن هذا الكلام لأجل غير مسمّى في أروقة لجان قد تجتمع وقد لا تجتمع فلا أحد يتعقّب سلوكيّاتها. وبعد حين يتمّ تناسي كلّ هذا الكلام، وكأنّه لم يكن.

الكلام الممجوج في هذه القرارات يظهر جليًّا فيما يخصّ العلاقات الأمنية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، إذ نقرأ بندًا آخر من قرارات المجلس المركزي ينصّ على: «تجديد القرار بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله». وبكلمات أخرى، فالقرار ليس جديدًا، وإنّما هنالك دعوة إلى تجديده. فإذا كان ثمّة قرار، فما الحاجة إلى التجديد، وهل من جديد في علك الكلام مرّة أخرى، أم إنّه مجرّد تكرار لشعارات رنّانة لاستدرار العواطف، بينما في الواقع لا يتمّ تنفيذ شيء منها.

مثال آخر على مثل هذه القرارات يتعلّق بالمستوطنات حيث يذكر البيان الختامي للقرارات المتّخذة بندًا يقول: «استمرار العمل مع العالم لمقاطعة المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية في المجالات كافّة». بكلمات أخرى، لا جديد تحت الشمس، بل هو استمرار لقرارات سابقة. غير أنّ من يطلب من العالم مقاطعة المستوطنات، عليه أن يبدأ بنفسه بتفعيل هذه المقاطعة. والواقع يقول شيئًا آخر. إذ إنّ منتجات المستوطنات تملأ الأسواق الفلسطينية. بل والأنكى من ذلك هو عشرات آلاف العمّال الفلسطينيين أنفسهم الذين يقومون يوميًّا بالعمل في بناء هذه المستوطنات وتوسيعها.

غير أنّ قمّة السخف في هذه القرارات هو ذلك البند الذي يتطرّق إلى اتّفاقيات أوسلو، حيث يشير البيان الختامي حرفيًّا: «المجلس المركزي يقرّر أنّ اتفاقيات أوسلو لم تعد قائمة... ويدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته».

مرّة أخرى، إنّ من يدعو المجتمع إلى تحمّل مسؤولياته، عليه أن يبدأ بنفسه في تحمّل المسؤولية. وبكلمات أخرى، إذا كانت اتّفاقيات أوسلو لم تعد قائمة، فمعنى ذلك أن السلطة الفلسطينية ذاتها لم تعد قائمة، لأنّها سلطة فلسطينية قد انبثقت هي بالذات عن اتفاقيات أوسلو. لكن، وعلى ما يبدو فليس هنالك من هو أهل لتحمّل المسؤولية والإعلان عن حلّ هذه السلطة تمشيًّا مع الشعار البلاغي في القرار المتّخذ. غير أنّ هؤلاء لا يملكون الشجاعة الأخلاقية لحلّ هذه السلطة لأنّها بقرة حلوب لأصحاب الامتيازات والمنتفعين من أموال الدول المانحة.

خلاصة القول، هذه هي حال السياسة والسياسيين في فلسطين المحتلّة. وكما يُقال في الكلام الشعبي «لا يوجد على الكلام جمرك». ولهذا، ولأنّ الكلام بـ«بلاش» فلن تبلغ سيول البلاغة والبلاغات الفلسطينية الزبى.
*
الحياة، 22 يناير 2018


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا عربية
  • دول عصابات

    ليس أسهل على العربيّ القابع في بلاد ينخر فيها الفساد من كيل السباب على العالم بأسره.


  • تفكيك العنصرية

    فإذا كانت هذه هي حال القومجيّين تجاه أبناء جلدتهم، فما بالكم حينما يكون الأمر متعلّقًا بموقفهم تجاه أقوام أخرى لا تنتمي للعرب ولا للعروبة...
    تتمة الكلام...

  • هذيان ثنائي القومية

    على خلفية الحروب في العالم العربي يتم سماع طلبات بضم المناطق الفلسطينية لاسرائيل (من اليمين)، أو اقامة دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل – فلسطين (من اليسار)،...
    تتمة الكلام...

شؤون محلية
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
  • كل يغني على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف.
 

نظرة ليلية على القدس (تصوير: س. م.)
ثقافات
  • القصيدة الشامية

    نَدًى بِعَيْنِكَ، أَمْ دَمْعٌ بِهِ نارُ؟
    أَمْ فَارَقَتْ سِرْبَهَا فِي الجَوِّ أَطْيَارُ؟

    وَمَنْ تَرَجَّلَ جُنْحَ اللَّيْلِ عَنْ فَرَحٍ
    إذْ رَجَّعَتْ حُزْنَهَا فِي الأُفْقِ أَسْحارُ؟

    لا زِلْتَ لَيْلَكَ أَرْضَ الشّامِ تَرْقُبُها
    شَعْبٌ تَمَلْمَلَ مِنْ ظُلْمٍ، لَهُ ثارُ



  • نشيد الأناشيد

    (1) أَنَا زَنْبَقَةُ الشَّارُونِ، سَوْسَنَةُ الوِدْيَانِ. (2) كَسَوْسَنَةٍ بَيْنَ الأَشْواكِ، كَذَا حَلِيلَتِي بَيْنَ البَنَاتِ. (3) كَتُفَّاحَةٍ بَيْنَ شَجَرِ الوُعُورِ، كَذَا حَبِيبِي بَيْنَ البَنِينِ؛ فِي ظِلالِهِ رُمْتُ لَوْ جَلَسْتُ، وَثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي حَلْقِي.

    تتمة الكلام
  • بالكريشنا ساما

    مَنْ يُحِبُّ الزُّهُورَ لَهُ قَلْبٌ حَسّاسٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطِيعُ اقْتِطاعَ نَوارِها
    لَهُ قلبٌ نَبيلٌ.

    مَنْ يُحِبّ الطُّيُورَ لَهُ رُوحٌ رَقيقَةٌ،
    مَنْ لا يَسْتَطيعُ أكْلَ لَحْمِها
  • رحلة صوفية

    خُذُوا مِنِّي التِّلالَ،
    وَزَوِّدُونِي بِمَا يَكْفِي مِنَ
    القَلَقِ الدَّفِينِ.

    سَئِمْتُ مِنَ التَّرَدُّدِ
    فِي بِلادٍ، رَمَتْ حُلُمِي
    بِمَاءٍ مُسْتَكِينِ.



اقرأ بلغات أخرى
  • געגועים לירושלים

    כל אחד מחפש את ירושלים שלו. ברגע שהוא משיג אותה, הוא פונה לחפש אותה במקום אחר. משורר פלסטיני צעיר, שחזר גם הוא לפלסטין בעקבות הסכמי אוסלו, נדרש להרחיק את עצמו בחזרה אל גלותו בסופיה כדי לכתוב על ירושלים
    כל הפרטים
  • Por Um Lado e Pelo Outro

    No momento em que cada um dos dois povos, em dois Estados independentes, construir um Estado secular e democrático em seu próprio lado, deixando claro, que a fronteira entre ambos não terá nenhum significado.
    Read more

  • Refugee Blues

    Say this city has ten million souls,
    Some are living in mansions, some are living in holes:
    Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

    Read more


لغات الموقع