سلمان مصالحة ||
هبط الليل
هَبَطَ اللَّيْلُ فَحَارَ، وَمَضَى يَطْوِيٱلنَّهَارَ. بَاحِثًا عَنْ بَعْضِ لَحْنٍ، قَدْ
تَلَاشَى، حِينَ سَارَ خَلْفَ صَوْتٍ
أَنْكَرُوهُ. فَضَّلُوا ٱلْعَيْشَ ٱجْتِرَارَا.
نَزَلُوا دَهْرًا بِأَرْضٍ، فِي لِوَى
ٱلرَّمْلِ أَسَارَى.
حَوْلَهُ لَيْلٌ تَرَامَى، وَٱلْهَوَى حَلَّ
وَزَارَ. غَيْرَ أَنَّ ٱلْأَرْضَ ضَاقَتْ
بِٱلَّذِي فِي ٱلْقَوْمِ حَارَ. فَهُوَ ٱلْمَاضِي
حَثِيثًا، كَمَسِيحٍ فِي ٱلنَّصَارَى،
لا يُبَالِي بِأُنَاسٍ، حَمَلُوا ٱلْجَهْلَ
شِعَارَا.
رَفَعَ ٱلْعَقْلَ عَلِيًّا، فَسَمَا صَرْحًا
وَدَارَا. وَدَعَا ٱلْقَاضِي لِحُكْمٍ.
فَقَضَى حُكْمًا، أَنَارَ مَا خَفِيْ
فِي ٱلنَّفْسِ، حَتَّى نَفَضَتْ عَنْهَا
ٱلْغُبَارَ. وَمَضَى يَرْتَادُ أُفْقًا،
فِيهِ نُورٌ، فَٱسْتَنَارَ
بِكَلامٍ فِيهِ عَيْنٌ، نَبَعَتْ طَلًّا،
فَغَارَ مِنْهُ لَيْلٌ حِينَ بُحَّتْ نَايُهُ،
فَٱرْتَادَ نَارَا. أُشْعِلَتْ فِي ٱللَّيْلِ،
تَدْعُو هَائِمًا هَجَرَ ٱلدِّيَارَ، وَرَمَى
فِي ٱلْخَلْفِ سَهْمًا رَائِشًا،
فَٱصْطَادَا ثَارَا
مِنْ حَدِيثٍ، قَدْ رَوَتْهُ هَامَةُ
ٱلشُّؤْمِ ٱنْتِصَارَا. وَمَضَى فِي ٱلْقَفْرِ
فَرْدًا، بَيْنَ ذِئْبٍ وَحُبَارَى. فَإِذَا
اللَّيْلُ تَدَلَّى مِنْ جَرِيدِ ٱلنَّخْلِ،
صَارَ يُشْعِلُ ٱلنِّيرَانَ، حَتَّى
يَهْتَدِي فِيهَا ٱلْحَيَارَى.
فَلَهُ فِي ٱلْجِنِّ صَحْبٌ. إنْ مَضَى،
فِي ٱللَّيْلِ سَارَ، جَاءَهُ صَوْتٌ
تَصَادَى في شِعَابٍ، فَٱسْتَطارَا
صَوْبَ رَبْعٍ فِي ٱلْبَرَارِي، كَتَمُوا
ٱلسِّرَّ ٱصْطِبَارَا. حَيْثُمَا ٱلنَّايَاتُ
أَنَّتْ لَحْنَهُ، وَاللَّيْلُ دَارَ
فِي سَمَاءٍ مِنْ نُجُومٍ، زَادَهَا
ٱللَّحْنُ ٱنْتِثَارَا، فَوْقَ نَخْلٍ أَثْقَلَتْهُ
رِحْلَةُ ٱلْمَاضِي. فَثَارَ، وَٱنْتَحَى
يَشْتَارُ دَنًّا، كَانَ قَدْ أَنَّ ٱنْتِظَارَا
لِزَمَانٍ حَيْثُ يَفْنَى فِي سُرَى
ٱللَّيْلِ ٱعْتِصَارَا.
مَلَأَ ٱلكَأْسَ ٱحْتِرازًا، وَٱنْثَنَى
يَخْتَارُ جَارَا، راكِبًا خَيْلًا تَنَادَتْ
لِحَنِينٍ، تَتَبَارَى. بُحَّ مِنْ صَمْتٍ
بِأَرْضٍ، كُلِّلَتْ فِي ٱلشَّرْقِ غَارَا.
تُسْمَعُ ٱلْآهَاتُ فِيهَا خِفْيَةً،
كَيْلَا تُثَارَا.
غَيْرَ أَنَّ ٱلْهَمْسَ، حِينًا، جَمْرَةٌ
تُخْفِي ٱسْتِعَارَا. كَمَنَتْ فِي ٱلنَّفْسِ
دَهْرًا، حَرَّةً. تَذْكُو ٱفْتِخَارَا بِكَلَامٍ
حِينَ يَعْلُو شَفَةَ ٱلْكَأْسِ، يُدَارَى
إِذْ هَوَى ٱلْبَدْرُ وَرَاءَ ٱلْأُفْقِ، حَيْثُ
ٱلْقَلْبُ طَارَ
تَارِكًا فِي ٱللَّيْلِ لَحْنًا، وَكَلَامًا
حَيْثُ غَارَ فِي رِمَالٍ غَابَ عَنْهَا
ٱلْجِنُّ، قَفَّاهَا بِحَارَا مِنْ رُضَابِ
ٱلْكَرْمِ، تُشْفِي ظَامِئًا جَاءَ ٱسْتَشَارَا.
فَٱنْتَهَى فِي لَحْنِ عِشْقٍ،
بَيْنَ خَمْرٍ وَسَكارَى.
*
0 تعليقات:
إرسال تعليق